الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما تقدَّم من أنَّ الأمَّ أولَى من الأبِ قبلَ التمييزِ، وأنَّه يخيَّرُ بينهما بعده، هو فيما إذا كان الأبوانِ مقيمينِ فِي بلدٍ واحدٍ، فأمَّا إذا أراد أحدُهما سفَرًا، فإنْ كانَ سفرَ حاجةٍ، كحجٍّ وغزوٍ وتجارةٍ، لم يسافرْ بالولدِ، لما فِي السَّفرِ من الخطَرِ والمشقَّةِ، بلْ يكونُ معَ المقيمِ إلَى أَنْ يعودَ المسافرُ.
وإنْ أرادَ سفرًا يختلفُ فيهِ بلدُها، كانَ مع الأمِّ على مختارِ النوويِّ (1)، وهو قضيةُ كلامِ الأصحابِ.
وإن كانَ سفرَ نقلةٍ، فللأبِّ انتزاعُه مِنَ الأمِّ، ويستصحبهُ معهُ، سواءٌ كانَ المنتقلُ الأبَ أو الأمَّ، أو أحدَهما إلى بلدٍ والآخرُ إلَى بلدٍ آخرَ احتياطًا للأنسابِ، بشرطِ أمنِ الطريقِ وأمنِ البلدِ المقصودِ، وسائرُ العصباتِ من المحارمِ كالجدِّ والاخِ والعمُّ بمنزلةِ الأبِ، فيما تقدَّم احتياطًا للنسبِ، وكذَا غيرُ المحَارِمِ كابنِ العمِّ إنْ كانَ الولدُ ذكرًا، فإنْ كانَ أنثَى لمْ تُسلَّمْ إليه. قالَ المتولِّي: إلَّا إذا لم تبلغْ حدًّا يشتهى مثلُها. وفِي "الشامل" أنَّه لو كان له بنت ترافقُه سلِّمتْ إلى بنتِه أي المكلَّفةِ الثِّقةِ، وأما المَحْرَمُ الذي لا عُصوبَة فيه كالخالِ والعمِّ للأمِّ فليسَ لَهُ نقلُ الولدِ إذا انتقَلَ؛ لأنَّهُ لا حقَّ لهُ فِي النَّسبِ (2).
* * *
فصل
(3)
يجبُ على السَّيدِ نفقةُ رقيقِهِ قوتًا وأدمًا وكسوةً وسائرُ مؤناتهِ، قِنًّا كانَ أو
(1)"روضة الطالبين"(9/ 106).
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 107).
(3)
هذا الفصل هو الباب السادس عند النووي، وهو في نفقة المملوك. راجع "الروضة"(9/ 115).
مدبرًا، أو أم ولدٍ، وسواء الصغيرُ والكبيرُ والزمنُ والأعْمَى والسَّليمُ، والمرهُونُ، والمستأجَرُ، وغيرُهم؛ لقوله تعالى:{وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} ، وقولِه صلى الله عليه وسلم:"للمملوكِ طعامُه وكسوتُه ولا يكلَّفُ من العمل ما لا يُطيق" رواه مسلمٌ.
ويجب على سيِّدِه شراءُ الماءَ لطهارتِهِ على الأصحِّ، كما تجبُ عليه فطرتُه، ولا تتقدَّر نفقة الرقيقِ، بل هي على الكفايةِ، وأصحُّ الأوْجُهِ اعتبارُ كفايةِ نفسِه، ويراعي رغبته وزهادتُه وإن زاد ذلك على كفايةِ مثلِهِ غالبًا (1).
وجنسُ نفقة الرقيقِ غالبُ القوتِ الذِي تطعمُ منهُ المماليكُ فِي البلدِ من الحنطَةِ والشعيرِ، وغيرهمَا، وكذا الأدمُ الغالبُ، والكسوةُ من القطنِ والكتَّانِ والصوفِ وغيرهمَا، ويراعَى حالُ السَّيِّدِ فِي اليسارِ والإعسارِ، فيجبُ ما يليقُ بحالِهِ من رفيعِ الجنسِ الغالبِ وخسيسِهِ.
وَلا يجوزُ الاقتصارُ على ستْرِ العورَةِ، وإنْ كانَ لا يتأذَّى بحرٍّ ولا بردٍ.
ولو تَنَعَّمِ السَّيدُ فِي الطَّعامِ والأدمِ والكسوةِ استحبَّ أَنْ يدفعَ إليهِ مثلَهُ، ولا يلزمُه (2).
ولا يجبُ عليه نفقةُ مكاتبِهِ.
ولو اشتركَ جماعةٌ فِي رقيقٍ فالنفقةُ عليهمْ بحسبِ أنصبَائِهمْ.
ولا تصير نفقة الرقيق دينًا، بل تسقطُ بمضيِّ الزمانِ (3).
وإذا امتنَعَ السيدُ من الإنفاقِ على رقيقِهِ أو غابَ، وكانَ مطلقُ التصرُّفِ باعَ الحاكِمُ فيها مالَهُ.
(1)"روضة الطالبين"(9/ 116).
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 116).
(3)
"روضة الطالبين"(9/ 117).
وهل يبيعُ شيئًا فشيئًا، أم يستدينُ عليهِ، فإذَا اجتمَعَ عليهِ شيءٌ صالحٌ باعَ عليه؟
وجهانِ، أصحُّهما الثَّاني (1).
فإن لم يجدْ له مالًا أمرَهُ بإزالةِ ملكِهِ عنهُ.
فإن لمْ يفعَلْ باعَهُ الحاكمُ عندَ تعذُّرِ إيجادِه، ويبيعُ منهُ بقدرِ الحاجةِ.
فإن لمْ تتعذَّرْ إجارتُه أجَّرهُ حينئذٍ (2).
وأمُّ الولدِ تؤجَّر، أو تزوج، فإن لم يمكنْ ففِي بيتِ المالِ، وأمَّا المحجورُ عليهِ فيجبُ أن يفعلَ وليُّهُ الأحظَّ من بيعِه أو بيعِ غيره من مالِهِ فِي نفقتِهِ، أو الإقراضِ عليه.
وللسيِّدِ إجبار أمتِهِ على إرضاعِ ولدِها منهُ أو منْ غيرِهِ مملوكٌ له مِن زوجٍ أو زنًا؛ لأنَّ لبنها ومنافعها لهُ.
وليسَ لهُ أَنْ يُكلِّفهَا إرضاعَ غيرَ ولدها معهُ بأجرةِ ولا بغيرهَا، إلَّا أن يفضل لبنُها عن ريِّ ولدها لقلَّةِ شربه، أو لكثرةِ اللبنِ، أو لاجتزائِه بغيرِ اللبنِ فِي أكثرِ الأوقاتِ، ولو ماتَ ولدُها أو استغنى عَنِ اللبنِ فلَهُ ذلكَ.
وله إجبارُها على فِطامِهِ قبلَ الحولينِ إذا اجتزَأ الولدُ بغيرِ اللبنِ.
وله إجبارُها علَى الإرضاعِ بعدَ الحولينِ، وإنْ كانَ يجتزئ بغيرِ اللبنِ إلَّا إذا تضررتْ بِهِ، وليسَ لها الاستقلالُ بالفطامِ والإرضاعِ (3).
هذا حكمُ الأمةِ، وأمَّا الحرَّةُ فلهَا حق فِي تربيةِ الولدِ، فليسَ لواحدٍ من الأبوينِ الاستقلالُ بالفطام قبلَ الحولينِ، وعلى الأبِ الأجرةُ إذا امتنعتْ الأمُّ
(1)"روضة الطالبين"(9/ 119).
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 119).
(3)
"روضة الطالبين"(9/ 117 - 118).
منَ الفطامِ إمَّا لَهَا وإمَّا لغيرِها. وإن اتفقَا على الفطامِ جازَ إذا لم يتضرَّرِ الولدُ، وأمَّا بعدَ الحولينِ فيجوزُ لكلِّ واحدٍ منهما الفطامُ إذا اجتزأ بالطعامِ، ويجوزُ أن يُزادَ فِي الإرضاعِ على الحولينِ إذا اتفقا (1).
ويجوزُ المخارجةُ، وهيَ ضربُ خراجٍ معلومٍ على الرَّقيقِ يؤدُّونَهُ كلَّ يومٍ أوْ كلَّ أُسبوعٍ مما يكتسبُهُ، وليسَ للسيِّدِ إجبارُ العبدِ عليها، ولا للعبدِ إجبارُ السيدِ، كالكتابةِ (2).
ولا يجوزُ للسيِّدِ أن يكلِّفَ رقيقَهُ من العملِ ما لا يُطيقُ الدوامَ عليهِ، ولا يجوزُ أَنْ يُكلِّفَهُ عملًا يقدرُ عليه يومًا أو يومين، ثم يعجزُ عنهُ.
وإذا استعملَهُ نهارًا أراحَهُ ليلًا، وكذا بالعكسِ، ويريحُهُ فِي الصيفِ وقتَ القيلولةِ، ويستعملُهُ فِي الشتاءِ النهارَ معَ طرفِي الليلِ، وعلى العبدِ بذلُ المجهودِ وتركُ الكسلِ (3).
* * *
(1)"روضة الطالبين"(9/ 118).
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 118).
(3)
"روضة الطالبين"(9/ 119).