الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصابعِ، وفِي بعضِ الحشفةِ قسطُه منها، وفِي قولٍ: من الذكر، وكذا حكمُ بعضِ حلمةٍ في دخول الثديِ في النسبةِ، وبعض مارنٍ في دخولِ القصبة في النسبةِ إن أدخلنا حكومة القصبة في ديةِ المارنِ، وهو خلافُ النصِّ، وعلى النصِّ يقطع لأنَّ النسبةَ من المارن فقط.
وفِي الأليتين الديةُ، والمرادُ القدرُ المشرفُ على استواءِ الظهرِ والفخذِ، وفِي شفري المرأة ديتُها، وفِي سلخ الجلد الحكومة على النص (1).
* * *
فصل
في إزالةِ العقل بالضربِ على الرأسِ وغيرِ الضربِ الديةُ (2)، ولو صاحَ على صبيٍّ غيرَ مميِّزٍ أو مميزٍ غيرَ مراهقٍ، أو مراهق غيرَ متيقظٍ، أو مَن يعتريهِ الوسواسُ أو النائمُ أو المرأةُ الضعيفةُ فزال عقلُ من ذُكِرَ من هؤلاءِ فإنهُ تجبُ ديةُ العقلِ، وشهر السلاحِ والتهديد كالصياحِ، وكذا لو صاحَ على صيد فزال عقل من ذُكِرَ من هؤلاءِ، لكن الديةُ -والحالة هذه- مخففة على العاقَلةِ على الأصحِّ، وعلى الثاني تكون مغلظةً على الجاني.
وعن ابن القاصِّ أن الصائحَ على الصيدِ إن كانَ محرِمًا أو في الحرمِ تعلَّقَ بصيحتِهِ الضمانُ لتعديهِ، وإلَّا فلا.
وذكرَ على قياسِه أنهُ لو صاحَ على صبيٍّ في ملكهِ، أنَّه لا يجبُ الضمانُ تشبيهًا بما لو حفرَ بئرًا في مِلكِهِ فسقطَ فيها إنسانٌ.
(1) روضة الطالبين (9/ 288، 289).
(2)
روضة الطالبين (9/ 289).
والأصحُّ أنَّه لا فرق، وما سبق منصوصٌ للشافعيِّ رضي الله عنه في "الأمِّ" في ترجمة ذهاب العقل من الجناية (1)، فقال:(ولو صاحَ عليه أو ذعرهُ بشيءٍ فذهب عقله لم يبنْ لي أن عليه شيئًا إذا كان المصاحُ عليه بالغًا يعقلُ، ولكن لو صاح على صبيٍّ فذهبَ عقلُ الصبيِّ ضمنَ ديتَهُ، ولو عدا رجلٌ على بالغٍ يعقلُ بسيفٍ فلم يضربْهُ، وذعرَهُ ذُعرًا أذهبَ عقلَهُ لم يبن لي أنَّ عليهِ ديةً من قِبَل أنَّ هذا لم يقع في جنايةٍ، وأن الأغلب من البالغين أن مثلَ هذا لا يذهبُ العقلَ). انتهى.
فإن زالَ بجرحٍ له حكومةُ فالديةُ أو لَهُ أرشٌ مقدرٌ وجُبارٌ في قولٍ يدخلُ الأقل في الأكثر، فإن تساويا فواحدٌ. هذا مقتضى نص "الأم"، وأجرى الأكثرُ القولين مطلقًا ولوِ ادَّعَى الولي زوالَ العقلِ بجنايةٍ يحتملُ زوالُ العقلِ بها، وأنكر الجاني فالقولُ قولُ الجاني بيمينِهِ، فإن حلفَ فلا شيء له عليه، وإن نَكَلَ لم يحلفِ الوليُّ على الأصحِّ.
فإن قال الوليُّ عندي من يشهدُ بأنه مجنونٌ، فَشهِدَ أهلُ الخبرةِ بذلكَ قبلتْ شهادتُهم على مقتضى الظاهر، كما تشهدُ البينةُ بالمرضِ المخُوفِ ونحوه، وحينئذٍ يثبت جنون المجنيِّ عليه ويأخذ الوليُّ الدية ولا يحلف المجني عليه اليمينَ المردودةَ إذا نكلَ الجاني، حيث كانَ جنونهُ مطبِقًا، فإن كان منقطعًا وهو في زمانِ الإفاقةِ صالحٌ للدعوى، فإنهُ حينئذٍ يدعي ولا يُجعل القولُ قولُه بمجردِ عدمِ انتظامِ أفعالِهِ وأقوالِهِ في زمنِ الجنونِ، بل نقولُ القولُ قولُ الجاني بيمينهِ، فإنْ نكَلَ رددناها على المجني عليه، وأخذنا
(1)"الأم"(6/ 87).
من الجاني ما يقتضيه التقسيطُ.
ولو أقام المجنيُّ عليه البينةَ في حالِ إفاقتِهِ سمعناها ووجبَ له ما يقتضيه التقسيطُ.
وفِي إبطالِ السمعِ الديةُ، ولا نقضي بها بمجردِ الجنايةِ التي حصلَ منها صممُهُ حتَّى يراجعَ أهلُ الخبرةِ (1)، فإن قالوا له مدةٌ إنْ بلغها ولمْ يسمع تم صممُهُ، فإنه لا يقضى له بشيءٍ حتَّى يبلغ تلك كما نصَّ عليه الشافعيُّ، وجرى عليه الأصحاب، واستثنى في "النهاية" من ذلك ما إذا قدروا مدةً يغلب على الظنِّ انقراضُ العمرِ قبل انقضائها، وقال: الوجهُ أن تؤخذُ الدية، ولا تنتظر هذه المدة، كما لو لم يقدروا.
وإن قال أهل البصر لطيفةُ السمعِ باقية ولكن حصل ارتتاقٌ داخل الأذن وامتنعَ نفوذُ الصوتِ ولم يتوقعوا زوال الارتتاق، فالأرجحُ ما جزم به المتولي من إيجاب الحكومة؛ خلافًا لمَيْلِ الإمام إلى وجوبِ الديةِ.
وفِي أذنٍ نصفُ ديةٍ على النص.
وإن ادعى زواله بجناية يحتملُ ذهابُ السمع بها، ويصدقُهُ الجاني المكلفُ الرشيدُ فلا يحتاج حينئذٍ إلى الاستظهارِ بالأماراتِ (2)، ويلزم الجاني الدية.
وإن أنكر الجاني المسموعُ إنكارُهُ أو كان غيرَ أهلٍ للتصديقِ، فإن انزعج المجنيُّ عليه للصياح في نومٍ أو غفلةٍ فكاذب، ومتى قُطعَ بكذبِهِ لا يحلفُ الجاني، ومتى لم يقطع بكذبِهِ حلفَ الجانِي، وإن لم ينزعج حلف وأخذ دية.
(1) روضة الطالبين (9/ 291).
(2)
روضة الطالبين (9/ 290 - 291).
وإنْ نقصَ فقسطُهُ إن عرفَ ووافقهُ الجاني على قولهِ: لم أسمعْ إلَّا في هذا الحدِّ، فإن خالفُهُ الجاني، وقال: سمعَ من موضعٍ فوقَهُ، ولكنه كتمَ ذلكَ وأنكره ليزيد لهُ الحالُ في النقصِ، فالقول قول الجاني بيمينه، فإنْ نكلَ ردَّتِ اليمينُ على المجنيِّ عليهِ، فإذا حلفَ ثبت له ما ادَّعاه.
فإن امتحنَ بوجوهٍ غلبت على الظنِّ صدقُهُ كانتِ اليمينُ في جهتهِ، وإن لم يُعرفِ النقصُ فتؤخذُ حكومةٌ يقدرُهَا القاضي باجتهادِه.
وفِي ضوءِ العينِ الديةُ، وفيه من أحدهما النصفُ، ولو فقأ عينيهِ لم تجبْ إلَّا ديةٌ، وفِي الواحدةِ النصفُ فقط.
وإذا ادعى زوالهُ سئلَ أهلُ الخبرةِ أولًا كما نصَّ عليهِ صاحب المذهب، فإن شهدُوا بزوالهِ عمل بمقتضاهُ.
وإن لم يظهرْ شيءٌ من جهتهم إمَّا لشكِّهم وإما لعدمهم، فيمتحنُ بتقريبِ عقربٍ أو حديدةٍ من حدقته مُغافَصةً (1) وينظر أينزعجُ أم لا.
وإذا امتحنَ بتقريبِ ما ذكرنا ونحو ذلكَ مما يزعج وردَّ طرفه ونحو ذلك فإنهُ يكونُ كاذبًا ولا يحلفُ خصمُهُ إذا قطعَ بكذبه، وإلَّا حلَّفناه كما تقدَّم في السمعِ.
وإذا روجع أهلُ الخبرة وشهدوا بذهابِ البصرِ فلا حاجةَ إلى التحليفِ، وتؤخذ الديةُ بخلافِ الامتحانِ فإنه لا بدَّ من التحليفِ بعدَهُ، هكذا في "الروضة" تبعًا لأصلها، وهذا يدلُّ على ترجيحِ كلامِ أهلِ الخبرةِ على
(1) غافصت فلانًا: إذا فاجأته وأخذته على غرة.
الامتحانِ، لا كما وقع في "المنهاجِ" تبعًا لأصله من التخييرِ بينهما، ومقتضاهُ التسويةُ بين الأمرينِ في الأحكامِ، وليسَ كذلكَ لما تقدَّم.
وإن نقصَ من إحدى العينينِ وجبَ ثُلثا ديةِ العليلةِ، وإن نقص من العينين وجب ثلثا الديةِ الكاملة (1)، حيث ذكر أهل الخبرة ما يوجب ذلك.
وإذا نقصَ من أحدِهِما عُصَبت العليلةُ وأطلقتِ الصحيحةُ ويقف شخصٌ متباعدًا حيثُ لا يراهُ، ثم يقربُ إلى أن يقولَ: رأيتُهُ، فيضبط ذلك الموضع، وعليه يقع الامتحانُ في العليلةِ، فلا يزالُ يتقرَّبُ منهُ إلى حيثُ يقولُ رأيتُه.
ولو عصبَ الصحيحةَ أولًا وامتحن العليلةَ إلى الموضعِ الَّذي ينتهي إليه بصرُ العليلةِ ثم عصبها وأطلقَ الصحيحةَ وتباعدَ إلى حيث ينتهي نظرُ الصحيحةِ كان ممكنًا، وهذا رواه البيهقيُّ في "السنن" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وفِي الشمِّ إذا أزالهُ بالجنايةِ على الرأسِ وغيرِهِ ديةٌ على النصِّ (2)، وفِي الكلامِ الديةُ، وفِي بعض الحروفِ مع بقاءِ بعضِ الكلامِ قسطُهُ، والموزع عليهما على النَّصِّ ثمانيةٌ وعشرونَ حرفًا في لغةِ العربِ التي هي أصولُ الحروفِ، ومنها الهمزةُ، وأن الساقطَ لا كما ظهر من نصِّ "الأم" وكيفية الاعتبار بمقتضى نصِّ "الأم" أن يأتيَ المجنيُّ عليه بالحروفِ على ما عليه في الأصولِ، فيقول: ألف با تا ثا إلى آخرِ الحروف، فإن عرفَ المجنيُّ عليه لغةً أخرى غير لغةِ العربِ، وذهب حروفٌ منهما وكانت تلكَ اللغةُ أكثرَ حروفًا
(1) روضة الطالبين (9/ 293، 294).
(2)
روضة الطالبين (9/ 295).
فالتوزيعُ على الأكثر على أرجحِ الوجهينِ؛ لأنَّ الأصل براءة ذمةِ الجاني، فلا يلتزم إلَّا اليقينَ، فعلى هذا يوزعُ على غيرِ الحروفِ المذكورة للعربيِّ، وقيل: توزعُ على ثمانيةَ عشَرَ حرفًا بإخراج الشفهية والحلقيةِ، ولو عجز عن بعضها خلقةً أو بآفةٍ سماوية كالأرتِّ والألثغ فدِيةٌ، وقيل: قسطُ الديةِ من جميع الحروف.
وإن عجز عن بعضها لجناية أجنبيٍّ فالأرجح أنَّه لا يُكملُ ديةً، ولو قطع نصفَ لسانِهِ فذهبتْ نصفُ أحرفِ كلامِهِ فنصفُ ديةٍ (1)، ولا يجبُ في الصوتِ لذاته دية قطعًا، خلافًا لما في "المنهاج" تبعًا لأصله؛ لأنَّ القصدَ الأعظمَ بالصوتِ إنما هو الكلامُ، وقد تقدَّم أنَّ فيه الديةَ، وأما مجرَّدُ الصوتِ فإنه إنما يقعُ بالحروفِ الحلقيةِ، والديةُ في مقابلةِ الحروفِ كلِّها بذهابِ الكلامِ، فإذا ذهب الصوتُ فالذاهبُ إنما هو الحرفُ الحلقيّ، وقد أُخذتِ الديةُ فيه، فلا سبيل إلى إيجابِ ديةٍ في الصوتِ بمفردِهِ، لدخولِهِ فيما وجب.
وفِي كلامِ الشافعيِّ رضي الله عنه في "الأم" ما يشهدُ لذلكَ، حيث لم يجعلِ الديةَ إلَّا في حالةِ ذهابِ الكلامِ كلِّه، ولا توقفَ أنَّ الصوتَ لا منفعةَ فيه إلَّا الكلام، فإيجاب ديةٍ أخرى للصَّوتِ غيرُ صوابٍ.
ويجبُ في الذوق ديةٌ، وتدرك به الحلاوةُ، والحموضةُ، والمرارةُ والملوحةُ والعذوبةُ، وتوزَّعُ عليهنَّ، فإذا أبطل إدراكَ واحدٍ وجبَ خمسُ الديةِ ولا تجبُ الدِّيةُ في المضغِ على النصِّ (2).
(1) روضة الطالبين (9/ 300، 301).
(2)
روضة الطالبين (9/ 302).
قال الشافعيُّ في "الأم"(1) في ترجمة دية اللحيين: (وَإِنْ قُلِعَ أَحَدُهُمَا وَثَبَتَ الآخَرُ فَفِي الْمَقْلُوعِ نِصْفُ الدِّيَةِ).
ولم ينظرِ الشافعيُّ إلى المضغِ كم انظرَ إلى الكلامِ، وأيضًا فإنَّ المضغَ منفعةٌ مشتركةٌ بين اللحيينِ، وبينَ ما فوقَهُما من الأسنانِ النابتة في عظمِ الرأسِ ومنابتها من اللحيةِ تحتَ الشفةِ العليا، فلا تُفرد بإيجابِ ديةٍ، وقد نصَّ الشافعيُّ على أن شللَ اللحيين موجبٌ للديةِ، وأنهُ لا شيء في الأسنان، فإذا لم يوجبِ الشافعيُّ الديةَ في الأسنان مع أنها أجرامٌ مركبةٌ في اللحيينِ تفردُ بالدية، فلأن لا يوجبُ الديةَ في المضغِ وهو منفعةٌ قائمةٌ فما ذكرنا أولى.
وتجب في إبطال قوَّةِ الإمناء بكسرِ صلبٍ الحكومةُ لا الديةُ (2)، لأنَّ الإمناءَ هو الإنزالُ، فإذا أبطلَ قوةَ الإنزال ولم يذهبْ نفسُ المنيِّ فهذا لا يوجبُ الديةَ، وإنما يوجبُ الحكومةَ، فإنه قد يمتنعُ الإنزالُ بما يسدُّ طريقهُ، فيشبه ارتتاقَ الأذنِ حيث لا يسمع، ولكنَّ السمعَ باقٍ، وقد تقدَّم أنَّ الأصحَّ أنَّهُ لا يجبُ فيه الديةُ، وهذا أولى بالتصحيح، بل قد يُقطعُ فيه بعدمِ وجوبِ الديةِ.
وتجب في ذهاب الجماعِ بكسر الصُّلبِ ديةٌ إنْ كانتْ لذلك علامةٌ يعرفُ بوصفِها، فإن لم يكن معلومًا عندَ أهلِ الخبرةِ فله حكومةٌ لا ديةَ، كما نص عليه الشافعيُّ رضي الله عنه، ولا تجبُ بإذهابِ قوَّةِ الحبلِ وحدها ديةٌ خلافًا لما في "المنهاج" تبعًا لأصله.
(1) كتاب الأم (6/ 134).
(2)
روضة الطالبين (9/ 302).