الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتابُ الصيدِ والذبائح
الصيدُ مصدرُ صادَ يصيدُ صيدًا، ثم أُطلقَ على الصَّيدِ، قالَ اللَّهُ تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} .
والأصلُ في البابِ قولُهُ تعالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} ، وقولُهُ تعالَى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} ، ومفهومها على حِلِّ صيدِ البَرِّ في حالةِ عدمِ الإحرامِ.
والذَّبائحُ جمع ذبيحةٍ، وأصلُها قولُهُ تعالى:{أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} والمذكَّى منها.
ومن السُّنَّةِ ما رواهُ الدارقطنيُّ والبيهقيُّ عن أبي هريرةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثَ بُدَيْلِ بنِ ورقاءَ يَصِيحُ فِي فجاجِ مِنى: "ألَّا إنَّ الذَّكاةَ في الحلقِ واللُّبَّةِ"(1). ورواهُ
(1)"سنن الدارقطني"(5/ 510)، و"سنن البيهقي"(9/ 499).
الشافعي موقوفًا على ابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ، وهو أصحُّ من رفعِهِ (1).
وأجمعتِ الأُمَّةُ على حلها.
والحيوانُ المأكولُ المقدورِ عليهِ ذكَاتُهُ بالذَّبحِ في حلقٍ أو لبةٍ، وغير المقدورِ عليهِ يُعقَرُ مرهقٌ في أيِّ موضعٍ كانَ (2).
والجنينُ الذي يوجدُ في بطنِ أمِّهِ المذكَّاةِ ميتًا، ذكاتُهُ بطريقِ التَّبعيَّةِ لذكاةِ أمِّه.
وشرطُ ذابحٍ وصائدٍ يحلُّ صيدُهُ بتذكيتِهِ حلُّ مناكحتنا لهُ، وتحلُّ ذكاةُ أمةٍ كتابيَّةٍ.
ويعتبرُ في ذابحِ المتوحِّشِ أو ما في أصلِه متوحِّشٌ أو صائِدِهِ [أَنْ](3) لا يكونَ محرمًا بعمرةٍ ولا بحجٍّ لم يتحلَّل منهُ التَّحلُّلَ الأوَّلَ، وأن لا يكونَ في حرمِ مكَّةَ شرَّفها اللَّهُ تعالى.
ولو شاركَ مجوسيٌّ مسلمًا في ذبحٍ أو الاصطيادِ الذي به التذكية حرم (4)، ولو أرسلا سهمينِ أو كلبينِ، أو سهمًا وكلبًا، فإن سبقَ آلةُ المسلمِ بقتلٍ أو أنهاهُ إلى حركةِ مذبوحٍ حلَّ، ولو انعكسَ حرُمِ (5).
وكذلكَ يحرمُ، إذا سبقَ كلبُ المجوسيِّ فأمسكَ ولم يقتل، ولا جرحَهُ لأنَّهُ لمَّا أمسكَهُ كلبُ المجوسيِّ فأمسكَ ولم يقتُلْ ولا جرحه، فقد صارَ مقدورًا عليهِ، فلا يحلُّ بأن يقتُلَهُ كلبُ المسلمِ، وإن جرحاهُ معًا أو جهل أو
(1)"علل الدارقطني"(9/ 175).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 317).
(3)
زيادة يقتضيها السياقُ.
(4)
"منهاج الطالبين"(ص 317).
(5)
"منهاج الطالبين"(ص 317).
مرتبًا ولم يذفِّفْ أحدُهما، وهلكَ بهما حرمَ (1).
ويحلُّ ذبحُ صبيٍّ مميَّزٍ، وكذا غيرُ مميزٍ إذا أطاقَ ذلك، ومجنونٍ وسكرانٍ على المذهبِ، ويكرَهُ كالأعمَى، ويحرمُ صيدُ الأعمَى الذي يحصلُ به الذَّكاةُ برمي، وكلبٍ على مقتضَى النصِّ (2).
وتحلُّ ميتةُ السَّمكِ والجرادِ، ولو قتلهما مجوسيٌّ، إلَّا إذا وجدتْ ميتةُ السمكِ متقطعةً صغيرةً في بطنِ سمكةٍ أخرَى فلا تحلُّ على الأصحِّ، فإنْ وُجدَتْ متقطعةً في بطنِ حيوانٍ آخر غيرَ مأكولٍ قطعَ بتحريمِها؛ لأنَّ رجيعَ غيرَ المأكولِ نجسٌ قطعًا (3).
ويحلُّ الدودُ المتولِّدُ من طعامٍ كخلٍّ وفاكهةٍ، إذا أُكل معهُ من غيرِ نقلِهِ اختيارًا إلى موضعٍ آخر من الطَّعامِ، أو سحبِه من موضعٍ من الطعامِ إلى آخر من غيرِ نقلٍ على الأصحِّ.
ولا تقطع بعضُ سمكةٍ حيَّةٍ، فإن فعلَ مع بقاءِ الحياةِ في الباقي حلَّ المقطوعُ منها على النصِّ (4).
ويحلُّ ابتلاع السَّمكةِ حيَّةً على الأصحِّ، وهي حلالٌ في نفسِها، وإنما الخلافُ في أنَّ هذا الفعلَ هل يحرُمُ أمْ لا (5).
وإذا رمى صيدًا متوحِّشًا أو بعيرًا ندَّ أو شاةً شردتْ بسهمٍ فيه نصلٌ من الحد وذات الجارحة أو بسهمٍ لا نصلَ فيه، ولكن له حدٌّ يمورُ مورَ السلاحِ،
(1)"منهاج الطالبين"(ص 317).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 317).
(3)
"منهاج الطالبين"(ص 317).
(4)
"منهاج الطالبين"(ص 317).
(5)
"منهاج الطالبين"(ص 317).
أو بسيفٍ أو سكِّينٍ، أو رمحٍ أو مزراقٍ، أو أرسلَ إليهِ جارحةً، فأصابَ شيئًا من بدنِهِ وماتَ في الحالِ أو تحاملتِ الجارِحَةُ عليه فقتلتْهُ بثقلِها، حلَّ في الأظهَرِ، فإنْ جرحتْهُ حلَّ قطعًا (1)، ولو تردَّى بعيرٌ ونحوُه ولم يمكنْ قطعُ حلقومِهِ فكنادٍّ (2).
ومتى تيسَّرَ لحوقُهُ بعَدْوٍ أو استعانةٍ ممن يستقبله فمقدورٌ عليه، فإنْ تحقَّقَ العجزُ عنهُ في الحالِ فغير مقدورٍ عليه.
ويكفي في النَّادِّ والمتردِّي والصيدِ جرحٌ يُفضي إلى الزُّهوقِ. وقيل في السِّهمِ في المتردِّي: يشترطُ تذفيف، ويترتبُ النادّ والصيد عليه، وأولى أن لا يشترطُ، وإذا أرسل سهمًا أو جارحةً على صيدٍ فماتَ بإصابَتِهِ، فإن لم يدركْ فيه حياةً مستقرَّةً أو أدركها، وتعذَّرَ ذبحُه بلا تقصيرٍ، كأنَ سل السكين فماتَ قبلَ إمكانٍ، أو استعمل بتوجيهه إلى القبلةِ أو امتنع بقوته، وماتَ قبلَ القدرةِ حلَّ، وإنْ ماتَ بتقصيرِهِ كأن لا يكون معه سكينٌ أو عصبت أو نشبتْ في الغمد حرم.
فلو اتخذ قرابًا معتادًا، فنسيت لعارضٍ فإنَّهُ يحلُّ، ولو رماهُ فقدَّه قطعتين بحيث إنَّه لا تبقَى في واحدةٍ منها حياةٌ مستقرَّةٌ حلَّتا.
ولو أبانَ منه عضوًا بجرحٍ مذففٍ حلَّ العضوُ والبدنُ، أو بغير مذففٍ ثمَّ ذبحَه أو جرحَه جرحًا آخر مذففًا حرم العضو وحلَّ الباقي، فإن لم يتمكَّنْ من ذبحِهِ وماتَ بالجرحِ حلَّ ما عدا العضو المبان على الصحيحِ؛ لأنَّه عضو أبينَ
(1)"منهاج الطالبين"(ص 317).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 317).
من هذا الحيوانِ وهو حيٌّ، فيكونُ ميتًا بخلاف ما إذا أُبِين بجرحٍ مذففٍ فإنَّ العضوَ يكونُ حلالًا حينئذٍ.
وذكاةُ كلِّ حيوانٍ قُدرَ عليهِ بقطعِ كلِّ الحُلْقُومِ -وهو مخرجُ النَّفَسِ- والمرِّيءِ، وهو مجرَى الطَّعامِ، ويستحبُّ قطعُ الودجَينِ، وهما عرقانِ في صفحتَي العنقِ.
ولو ذبحَهُ من قفاهُ عصى، فإنْ أسرعَ فوصلَ إلى الحلقومِ والمريءِ وفيه حياةٌ مستقرَّةٌ حلَّ، وإلَّا فلا.
وكذا إدخالُ سكينٍ بأذنِ ثعلبٍ (1)، إذا وصلَ إلى الحلقومِ والمريء وفيه حياةٌ مستقرِّةٌ.
ويسنُّ نحرُ إبلٍ وذبحُ بقرٍ وغنمٍ، ويجوزُ عكسُهُ، ولكنْ يُكرَهُ على النصِّ.
ويسنُّ أَنْ يكونَ البعيرُ قائمًا معقولَ ركبتِهِ اليُسرى، والبقرةُ والشاةُ مضجعةٌ لجنبها الأيسر، ويتركُ رجلَها اليمنَى ويشُدُّ باقي القوائم، وأن يَحُدَّ شفرته ويوجِّهَ بذبحها إلى القبلة، ويقولَ: بسم اللَّه.
والأحبُّ إلى الشافعيِّ أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقول: باسم اللَّه، واسم محمد.
فإنْ أرادَ: أذبحُ باسم اللَّهِ، وأتبرَّكُ باسم محمد صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن لا تحرَّم كما قالَهُ في "الرَّوضة"(2) تبعًا للشرحِ.
(1) قال في "تحفة المنهاج"(9/ 324): (وكذا إدخالُ سكينٍ بأذنِ ثعلبٍ): "مثلًا لقطعهما داخل الجلد حفظًا لجلدِهِ".
(2)
"روضة الطالبين"(3/ 205).
* ضابطٌ: يحلُّ ذبحُ مقدورٍ عليه وجرح غيره بكلِّ محدَّدٍ يجرحُ، كحديدٍ ونُحاسٍ ورصاصٍ، وذهبٍ وفضَّةٍ وخشبٍ وقصبٍ، وحجرٍ، وزجاجٍ، إلَّا ظفرًا وسنًّا.
ويحل الذبحُ بالعظمِ غير السنِّ على النصِّ.
ولو قتل بمثقِّلٍ وثِقَلِ محددٍ؛ كبندقة وسوط وسهم بلا نصلٍ ولا حد، أو سهم وبندقة حرم (1).
وإن جرحه نصل وأثَّرَ فيه عرض السهم، فلا يحرمُ على المعتمدِ؛ لأنَّه إذا جرحَهُ النصلُ ثم مرَّ السهمُ وأثر فيه عرضُهُ كان ذلك من ضرورة الرَّمي، فأشبه ما لو خرقَهُ بالنصلِ، ونفذَ السهمُ من ذلكَ الخرقِ، فإنْ مثل هذا لا يؤثرُ قطعًا، وإذا انخنقَ بأحبولةٍ أو أصابَهُ سهمٌ فوقعَ على طرفِ سطحٍ، ثم سقطَ منهُ، أو على جبلٍ ثمَّ سقطَ منه وفيه حياةٌ مستقرَّةٌ حرمَ.
ولو أصابَهُ سهمٌ بالهواءِ فسقطَ بأرضٍ، أو في ماءٍ أو على شجرةٍ، أو غير ذلك، وماتَ حلَّ إن كان الذي وقعَ في الماء طير الماء وهو على وجهِ الماءِ فأصابَهُ وماتَ.
وكذلكَ يحلُّ الطيرُ الذي وقعَ على شجرةٍ ولم يسقطْ من غصنٍ إلى غصنٍ ففيهِ ما سبقَ في الساقطِ من الجبلِ.
وأمَّا الساقطُ في النارِ فهو حرامٌ كما ذكرَهُ الماورديُّ إنْ لم ينتَهِ إلى حالِ المذبوحِ كما سبقَ (2).
* * *
(1)"منهاج الطالبين"(ص 318).
(2)
"مغني المحتاج"(6/ 110)، و"تحفة المحتاج"(9/ 328).
ويحلُّ الاصطيادُ الذي تحصلُ به الذكاةُ بجوارِحِ السِّباعِ والطيرِ ككلبٍ وفهدٍ وبازٍ وشاهين، ويشترطُ كونها معلَّمَةً بأنْ ينزجر جارحةُ السِّباعِ بزجرِ صاحبِهِ، ويسترسلَ بإرسالِهِ، ويمسكُ الصيدَ ولا يأكُلُ منهُ عقبَ القتلِ، أو قبله، مع حصولِ القتلِ على المشهورِ (1).
ويشترطُ في جارحةِ الطيرِ أن يدعَى فيجيبَ، ويُسْتَشْلَى فيطيرُ، ويأخذ فيحبس مرَّة بعد مرَّة، كما نصَّ عليه الشافعيُّ (2).
ويشترطُ تركُ الأكلِ في جارحةِ الطيرِ على الصَّحيحِ، ويشترطُ تكرُّرِ هذه الأمورِ، بحيثُ يُظنُّ تأدُّبَ الجارحةِ.
وإذا ظهرَ كونُهُ معلَّمًا، ثم أَكلَ من صيدٍ غيرَ شعرِهِ لم يحلَّ ذلكَ الصيدُ على الأظهرِ إذا قتلَ الصيدَ وأكلَ منهُ عقبَ القتلِ، وكذلك إذا أكلَ من صيدٍ آخر عقبَ القتلِ، فإنَّه يحرمُ على الأرجحِ، إلَّا أن يصيرَ الأكلُ له عادةً فيحرمُ الأخيرُ بلا خلافٍ.
وفي تحريمِ الصيود تبعًا لأصلِهِ، وحيث قلنا بتحريمِ ذلك الصيد -وهو الأظهرُ- فيشترطُ تعليمٌ جديدٌ، ومعضُّ الكلبِ منَ الصيدِ نجسٌ عَلَى المذهبِ، والأصحُّ أنَّهُ لا يعفَى عنهُ، وأنَّه يكفي غسلُهُ بماءٍ وترابٍ، ولا يجبُ أَنْ يفورَ ويطرح.
ولو جرحتِ الجارحةُ صيدًا ثمَّ تحاملتْ عليهِ وقتلتهُ، فإنَّه يحلُّ في الأظهر (3).
(1)"منهاج الطالبين"(ص 318).
(2)
"الأم"(2/ 249).
(3)
"مغني المحتاج"(6/ 112).