الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بابُ قاطع الطريق
قال اللَّهُ تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الآية.
وهو مكلَّفٌ ملتزمٌ واحدًا كان أو أكثرَ (1)، خرجَ على مَن مالُهُ محترمٌ لأخذ ماله أو لقتال، فمنهُ إخافة السبل مع اعتمادٍ على قوةٍ يتغلَّبُ بها مجاهرةً، مع بعدٍ عن الغوثِ ولوْ في البلدِ، ولو ليلًا مكابرةً مع منعِ أصحابِ الدَّارِ من الاستغاثَةِ، وبالبعدِ عن الغوثِ فارقُ المنتهبِ، ولا يشترطُ ذكورةً، فلو اجتمع نسوةٌ لهنَّ شوكةٌ وقوَّةٌ فهنَّ قاطعاتِ طريقٍ، ولا إسلامه، خلافًا لما ذكرَهُ الرَّافعيُّ ومَن تبعهُ.
(1)"منهاجُ الطالبين"(ص 301).
فالذِّميُّ اذا قطعَ الطريقَ يقامُ عليه مقتضاهُ، سواءٌ انتقضَ عهدَهُ بذلك أم لم ينتقضْ، فإنْ قاتَلَ انتقَضَ عهدُهُ بالقتالِ، ثم ما يفعلهُ بعدَ ذلكَ لا يجري عليه حكم قاطع الطريقِ، والمستأمَنُ لا يجري عليهِ حكمُ القطاعِ، وقياس ما قيلَ في السرقَةِ من القولِ بقطعِهِ أو إن شرطَ عليه أن يأتي هنا.
وأمَّا المختلسونَ (1) الذين يتعرَّضونَ لآخر القافلةِ ويعتمدون الهربَ فليسوا بقطاعٍ، والذينَ يغلبونَ شرذمةً بقوتهِم قطاعٌ في حقهم لا في حقِّ القافلَةِ العظيمةِ، وحيث يلحقُ غوث قبلَ حصول مقصودِهم فليسوا بقطَّاعٍ، وإذَا عرَفَ الإمامُ من واحدٍ أو جمعٍ إخافةَ الطريقِ من غيرِ أخذِ مالٍ ولا جرح ولا قتل عزَّر من هذا حاله بما يراهُ من حبسٍ وغيرِه، ومَن كان مكثرًا لهم خاصَّةً فيعزر بما يراهُ من حبسٍ أو تغريبٍ أو غيرهما، وكذا من أخذ منهم دون نصابِ السرقةِ.
ونصَّ في "الأمِّ" أنَّ من جُرحَ منهم، ولم يقتل ولا أخذ مالًا أنَّهُ يقتصُّ منهُ بما فيه القصاصُ وعُزِّرَ وحُبس، ومن أخذ منهم نصابَ سرقة محرزًا قطعتْ يدُهُ اليُمنَى ورجلُه اليُسرَى (2)، ولاء، ولو مع حسم، وإن جرح وأخذ المالَ قطع للمالِ الأولى قتل قطع الثانية إن خيفَ عليه، وإن لم يوجَدْ إلَّا أحدهما قطعتْ، كانَ فقدَ أوْ عادَ ثانيًا بعد قطعهما، فقطعتْ يدُهُ اليُسرى ورجلهُ اليمنَى كمَا سبقَ، أو ما وجدَ منهما.
وإنْ قَتَلَ مكافئًا لَهُ قتلَ ولمْ يُصلب (3)، وإنْ قتلَ وأخذَ من المالِ نصابًا فأكثرَ فلا يقطع، ولكنْ يُقتلُ ويُصلَبُ ثلاثةَ أيامٍ، ثم ينزلُ إن لمْ يخفِ التغير
(1)"منهاجُ الطالبين"(ص 301).
(2)
"منهاجُ الطالبين"(ص 301).
(3)
"منهاجُ الطالبين"(ص 301).
قبلَ الثلاثِ، فإنْ خِيفَ التغير قبلَ الثلاثِ نزلَ على أصحِّ الوجهينِ، وحيثُ قتل القاطع فيعطى حكمُ الحد في مواضعِ قطعًا، وعلى الأصحِّ، وحكم القصاصِ في مواضعِ قطعًا، وعلى الأصحِّ.
فمنَ الأوَّلِ: أنَّ الإمامَ يقتُلُه من غيرِ توقُّفٍ على طلب ولي القتيلِ، ولا ينتظر تكليفُه إذا كانَ غيرَ مكلَّفٍ ولا حضورُهُ إنْ كانَ غائبًا، ولا يسقطُ بعفوِهِ، ويتحتَّمُ قتلُهُ إذا قَدَرنا عليهِ قبلَ التوبةِ، وكانَ قدَ قَتَلَ مَن يُقتلُ بِه لولا قطع الطريقِ، ولم يرجع عن إقرارِهِ الذي ثبتَ القتلُ بِه، وكانَ القتلُ لأخذِ المالِ، وإذا قتلَ قاطعُ الطريقِ جماعةً على الترتيبِ فإنَّهُ يتحتمُ قتلُهُ ويدخلُ الأوَّلُ لا محالةَ حتَّى لو عفَى وليُّ الأولِ لم يسقط قتله بالأوَّلِ، كما نقلَهُ المصنفانِ المتأخرانِ عن البغويِّ ولم يتعقَّباهُ، ومقتضَى هذا أن قتلَهُ محتمٌ قطعًا، وهذا مقتضَى تغليبِ الحدِّ بالنسبةِ إلى ذلكَ قطعًا.
ومن الثانِي: أنَّه لو عفى وليُّ القتيل على الديةِ، فلا ديةَ لَهُ على القولينِ، على الطريق المعتمدِ الخارجةِ منَ نصِّ "الأمِّ" وكلامُ العراقيينَ وجمعٌ من المراوزةٍ وشذَّ الفُورانيُّ ومن تَبِعَهُ، وتبعهُ صاحبُ "المحرر"، و"المنهاج" فأوجبَ للعافي الديةَ تفريعًا على تغليبِ القصاصِ، وهذا غيرُ معتمدٍ، وهو غلطٌ، ويمكن أن يجعلَ هذا من الأوَّلِ.
وأمَّا الثالثُ: فمنهُ أنَّه لا يقتلُ بالمرتدِّ إذا علمَ بردَّتِه وتجبُ الكفَّارُةُ.
ومنَ الرابعِ: أنَّه لا يقتلُ بغيرِ الكافرِ على الأصحِّ، وتؤخذُ الديةُ من مالِهِ لو ماتَ بلا قتلٍ أو قتلَ بالأوَّلِ أو بمرقُوع.
ولا يسقطُ القصاصُ بالتوبَةِ قبلَ القدرةِ عليه، وتراعَى المماثلةُ، وعلى قاتلِهِ بغيرِ إذنِ الإمامِ الدية لورثتِهِ.
وإذا تابَ قاطعُ الطريقِ قبلَ القدرَةِ عليهِ لم يسقطْ حقُّ الآدميِّ، ويسقطُ
التعزيرُ وانحتام القتل، ويسقطُ الصلبُ والقطعُ في الرِّجلِ، وكذا اليد على الأصحِّ.
وكذلكَ يسقطُ ما ذكر إذا ثبَتَ ذلكَ بإقرارِهِ ثمَّ رجَعَ عنهُ، وأمَّا إذَا تابَ بعدَ القدرَةِ عليهِ فلا يسقطُ شيءٌ من ذلكَ على أصحِّ القولينِ.
وتسقطُ سائرُ حدُودِ اللَّهِ تعالى بالتوبَةِ على المنصوصِ خلافًا لما في "المنهاجِ" تبعًا لأصلِهِ.
قالَ الشافعيُّ رضي الله عنه (1): وإذا شهدَ الشُّهودُ على حدٍّ للَّهِ تعالى، أو للنَّاسِ، أو حدٍّ فيهِ شيءٌ للَّهِ وللناسِ مثلِ الزِّنا والسرقةِ وشربِ الخمرِ فأثبتُوا الشهادَةَ علَى الشهودِ عليهِ أنَّهَا بعدَ بلوغِهِ وفي حالٍ يعقلُ فيها، أقيمَ عليهِ ذلك الحدُّ، إلَّا أَنْ يُحدِثَ بعدَهُ توبةً فيلزمُهُ مَا للناسِ ويسقُطُ عنه ما للَّهِ عز وجل؛ قياسًا على قولِ اللَّه عز وجل في المحاربينَ:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} الآية. فما كانَ من حدٍّ للَّهِ تعالَى تابَ صاحبُهُ من قبلِ أَنْ يقدرَ عليهِ سقطَ عنْهُ والتوبةُ مما كانَ ذنبًا بالفعلِ مثلَ الزِّنَا وأشباهِهِ، فيتركُ الفعلُ مدَّة يختبرَ فيها حتَّى يكونَ ذلكَ معروفًا، وإنَّما يُخرَجُ من الشيء بتركِ الذي دخلَ فيهِ.
وقد جَزَمَ الشافعيُّ بالسقوطِ لما ذكر الكلام علَى توبَةِ قاطِعِ الطريقِ، قالَ الشافعيُّ رحمه الله: السارقُ مثلُهُ قياسًا عليهِ، يسقُطُ عنْهُ القطعُ ويوجدُ مغرمُ ما سرقَ، وإنْ فاتَ مَا سرَقَ. انتهَى.
* * *
(1)"الأم"(7/ 130).