المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌كتابُ الأيمان هي جمعُ يمينٍ، وهو والحلفُ والإيلاءُ - التدريب في الفقه الشافعي - جـ ٤

[سراج الدين البلقيني]

فهرس الكتاب

- ‌باب النفقات

- ‌ ضابطٌ:

- ‌‌‌ ضابطٌ:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌والفرْقُ بين ما واجِبُه التَّمليكُ وما هو إمتاعٌ مِن وجوهٍ:

- ‌فصلِ

- ‌فصل

- ‌وفِي كيفيَّةِ نفقةِ العدَّةِ وجهانِ:

- ‌فرعٌ:

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌باب الحضانة

- ‌قال المحامليُّ: ويتعلق بالنسبِ اثنى عشرَ حكمًا:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الجناياتِ

- ‌فصل في اجتماع مباشرين

- ‌فرع:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌ قاعدةٌ:

- ‌فرع

- ‌فرع

- ‌قاعدةٌ:

- ‌فصل

- ‌ ضابطٌ: تفارِقُ الأطرافُ النفسَ فِي أمورٍ:

- ‌والجراحُ الواقعُ على الرأسِ والوجهِ -ويسمى الشِّجاج- عشرٌ:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فرعِ

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌نادرةٌ فقهيةٌ:

- ‌فصل

- ‌ويستثنى من اعتبارِ المماثلةِ صورٌ:

- ‌فرع:

- ‌فصل

- ‌كتاب الديات

- ‌فصل

- ‌ فائدة:

- ‌فصل

- ‌تنبيهٌ

- ‌فصل

- ‌باب ما يوجب الديةَ وما لا يوجبها غير ما سبق والعاقلةُ وكفارة القتل

- ‌فصل

- ‌فرع

- ‌فرع

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فصل في الغرَّةِ الواجبةِ بالجنايةِ على الحاملِ بالجنينِ المضمونِ على الجاني الَّذي ظَهَرَ ميتًا بتلكَ الجنايةِ

- ‌فرع:

- ‌بابُ دعوى الدَّمِ والقسامةِ والشهادةِ على الدمِ

- ‌ ضابطٌ: ليس لنا موضعَ تثبتُ فيه القسامةُ في غيرِ القتلِ إلَّا في هذا الموضعِ

- ‌فرع:

- ‌كتاب اللغة

- ‌فصل

- ‌كتاب الرِّدَّةِ

- ‌كتاب الزنا

- ‌باب القذف

- ‌وحدُّ القذفِ واجبٌ على الرَّامِي في صورتين:

- ‌ويستثنى من إيجابِ الحدِّ في الموضعينِ السابقينِ صورٌ، منها: ما يعمُّ الموضعينِ، ومنها ما يختصُّ بالرمي بالزِّنا

- ‌ ضابطٌ:

- ‌باب السرقة

- ‌يشترطُ لوجوبِ القطعِ في المسروقِ شروط:

- ‌[الشرط الأول]

- ‌ الشرطُ الثاني

- ‌ الشرطُ الثالثُ

- ‌‌‌ ضابطٌ:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌ الشرطُ الرابعُ

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فصل

- ‌باب الحدود

- ‌فصل

- ‌[كتابُ الصيال وضمان الولاة]

- ‌فصل

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌فصل

- ‌كتاب الأمان

- ‌فصل

- ‌ويقسمُ ذلك خمسهُ أسهم متساوية:

- ‌بابُ الجزية

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌باب الهُدنَةِ

- ‌وفيه وجهٌ أنَّهُ يُنزل عندَ ضعفِ المسلمينِ على عشرٍ، وعند القوَّة قولانِ:

- ‌كتابُ الصيدِ والذبائح

- ‌فصل

- ‌كتابُ الأضحيةِ

- ‌ولا تضحية عن الغير بغير إذنِهِ إلا في مسائل:

- ‌فرع:

- ‌كتابُ الأطعمةِ

- ‌كتاب المسابقةِ والمناضلةِ

- ‌وشرطُ المسابقةِ:

- ‌ومِن شُروطِ المُناضلةِ:

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتابُ النذر

- ‌كتابُ القضاءِ

- ‌ ضابطٌ:

- ‌ومن شروطِ القاضي:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ويستثنى من ذلك صورٌ:

- ‌فصل

- ‌فصل في القضاء على الغائب المكلف والمفقود والميت، والصبي والمجنون، والجماعة العامَّة، والحاضر الممتنع من الحضور، وسماع البينة على من ذكر، والقضاء بالغائب وسماع البينة به، وكتاب القاضي إلى القاضي، وما يتعلق بذلك

- ‌القضاءُ على الغائبِ المكلَّفِ ولو حربيًّا ببلادِ الحربِ فيما لزمَهُ جائز إلَّا في صورتينِ:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌باب القسمة

- ‌وما لا يعظُمُ ضرَرُهُ فقسمتُهُ أنواعٌ

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌ وأمَّا الأداءُ فلوجوبِهِ شروطٌ:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتابُ الدَّعوَى والبيناتِ

- ‌بابِ

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌وفي اليمينِ المردودَة قولانِ:

- ‌فصل

- ‌ثمَّ في كيفيَّةِ الاستعمالِ أقوالٌ:

- ‌فصل

- ‌باب إلحاق القائف

- ‌شرطُ القائفِ

- ‌كتابُ العتق

- ‌يعتبَرُ في المعتقِ أمورٌ:

- ‌وللعتقِ خاصيتانِ

- ‌(1) إحداهُما:

- ‌(2) الخاصيةُ الثانية: الولاءُ

- ‌ومن ينفذُ إعتاقُه في كل العبدِ إذا أعتق بعضه عتق كلُّهُ، إلَّا في أربعِ صورٍ:

- ‌ويتصور عتقُ بعض عبدهِ الخالصِ له في ستِّ صورٍ:

- ‌ وللسرايةِ شروطٌ

- ‌(1) أحدُها:

- ‌ وإن كانَ في وقت السِّرايَةِ ثلاثة أقوالٍ:

- ‌(2) ثاني الشرط السراية:

- ‌(3) ثالثُ شروطِ السرايَةِ:

- ‌(4) رابعُ شروطِ السرايةِ:

- ‌(5) خامسُ شروطِ السرايةِ:

- ‌(6) سادسُ شروطِ السرايةِ:

- ‌(7) سابعُ شروطِ السرايةِ:

- ‌ تنبيهٌ:

- ‌فرع: إذا ملكَ أهلُ التبرُّعِ أصلَهُ أو فرعَهُ عتقَ عليه إلَّا في صورٍ:

- ‌كتابُ التدبير

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فرع:

- ‌كتاب الكتابة

- ‌أما مَن يوجبُ الكتابَةَ:

- ‌وأمَّا القابلُ:

- ‌وأمَّا الصيغةُ

- ‌وأما العوضُ

- ‌وأمَّا الأحكامُ المترتِّبَةُ على ذلك:

- ‌فمما يتعلَّقُ بالسيِّدِ

- ‌ومما يتعلَّقُ بالمكاتب:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌وتخالف الفاسدةُ الصحيحةَ في نحوِ مائةِ موضعٍ أو أكثرَ، نذكرها على ترتيبِ أبوابِ الفقهِ:

- ‌بابُ أمِّ الولدِ

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌كتابُ الأيمان هي جمعُ يمينٍ، وهو والحلفُ والإيلاءُ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتابُ الأيمان

هي جمعُ يمينٍ، وهو والحلفُ والإيلاءُ والقَسَمُ ألفاظٌ مترادِفَةٌ.

وأصلُها في اللغةِ: اليدُ اليُمنَى، وأطلقتْ على الحلِفِ لأنَّهُم كانُوا إذا تحالَفُوا أخذَ كلٌّ يمينَ صاحبِهِ. وقيل: لأنَّهَا تحفظُ الشيءَ على الحالِفِ كما تحفظُ اليدُ.

وهي في الشَّرعِ: تحقيقُ ما يحتملُ المخالفةَ، أو تأكيدُهُ بذكرِ اسمِ اللَّهِ تعالَى أو صفةٍ من صفاتِهِ.

والأصلُ في البابِ قولُهُ تعالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الآية، {وَلَا تَجْعَلُوا عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} والعرضةُ في الأيمانِ أَنْ يحلفَ بِهِ في كلِّ حقٍّ وباطلٍ.

وفي البخاريِّ عن ابنِ عمرَ: أكثرُ ما كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يحلفُ: "لا ومقلِّبِ

ص: 287

القلوبِ" (1).

واجتمعتِ الأمَّةُ على انعقادِ اليمينِ وتعلُّقِ الكفَّارَةِ بهَا.

لا ينعقدُ اليمينُ إلَّا بالحلفِ بِما يُفْهِمُ ذاتَ اللَّهِ تعالى، كقولِهِ:"والذي أعبدُ"، أو"نفسي بيده". أو باسمٍ من أسمائِهِ، أو صفةٍ من صفاتِهِ.

فمن الاسمِ المختص: "اللَّهُ رب العالمين"، و"الحيُّ الذي لا يموت". ولا يقبلُ قولُهُ لم أردْ بِهِ اليمين.

وما لم يختصُّ ولكن يقبلُ إطلاقُهُ في حقِّ اللَّهِ تعالى بحيثُ ينصرفُ إليِهِ عندَ الإطلاقِ كالرحيم، والخالق، والرازق، والربِّ ينعقدُ به اليمينُ، سواء قصدَ أو أطلقَ، إلَّا أَنْ يريدَ غيرُهُ.

وما استعملَ فيه وفي غيرِه سواء فإن كانَ المذكورُ اسمًا يعمُّ الواجبَ والممكنَ وليس فيه صفةُ مدحٍ كالشيء، والموجودِ، فهذا لا يكونُ يمينًا، وإنْ نوَى به اللَّهَ تعالَى، وألحق الإمامُ بذلك الحق.

وإن ذكرَ اسمًا يختصُّ بأولي العلمِ كالعالمِ والعليمِ والحكيمِ والحليمِ. فإنْ نَوَى بهِ اللَّهَ سبحانه وتعالى كانَ يمينًا.

وإن ذكرَ اسمًا لا يختصُّ بأولي العلمِ، ولكنَّه أخصُّ من النبيِّ ويعمُّ أولي العلمِ وغيرهم كالحيِّ والمتكلِّم، فإن نوى به اللَّهَ سبحانه وتعالى كانَ مترتبًا على ما قبلَهُ، وأولَى بأن لا يكون يمينًا.

والصفةُ كـ (وعظمة اللَّه، وعزته وكبريائه وعلمه وقدرته ومشيئته) يمينٌ، إلَّا أن ينوي بذلك ما يتعلَّقُ بالمخلوقِ.

(1)"صحيح البخاري"(6617).

ص: 288

ومن الصفةِ: كلام اللَّه، وحق اللَّه. إلَّا أن يريدَ بالحقِّ العباداتِ.

وحروفُ القسمِ المشهورةِ (باء، وواو، وتاء) كـ (باللَّه، وواللَّه، وتاللَّه)، ولا تختصُّ التاء باللَّهِ، على معنى أنَّه لا يصحُّ القسمُ شرعًا إلَّا إنْ دخلتْ على اللَّهِ، فلو قالَ:(تالرحمن) انعقدتْ يمينهُ وغايتُهُ أنَّه استعمالٌ شاذًّا.

وكذا لو قالَ: تحياة اللَّهِ، ولو قال: تالرحمن، أو غير ذلك مما سبق، انعقدت يمينه على ما سبقَ نبَّه على ذلك شيخُنا.

ولو قالَ: "اللَّه" ورفع أو نصبَ أو جرَّ فليسَ بيمينٍ، إلَّا بنيَّةٍ، وإذا قالَ: أقسمتُ باللَّه، أو أقسمُ باللَّهِ، أو حلفتُ باللَّهِ، أو أحلفُ باللَّهِ لأفعلنَّ كذا، فيمينٌ إن نواها، أو أطلق، فإن قال: قصدتُ خبرًا ماضيًا أو مستقبلًا يصدَّق باطنًا، ويصدَّقُ ظاهرًا على الأظهرِ إذا لم يُعرف له يمينٌ ماضيةٌ، فإن عُرِف، قُبِل قوله في الظاهر أيضًا بلا خلافٍ.

وإنْ قالَ: لغيرِه: أقسمُ عليه باللَّه ليفعلنَّ كذا، فيمينٌ عندَ الإطلاقِ على الأظهرِ، وإن قال: أسألُك باللَّهِ لتفعلنَّ، وأرادَ يمينَ نفسِهِ فيمينٌ، وإلَّا فلا، وإذا قالَ: إنْ فعلتُ كذا فأنا يهوديٌّ، أو بريءٌ من الإسلامِ، فليسَ بيمينٍ.

ومن سبقَ لسانُهُ إلى لفظِها بلا قصدٍ لم ينعقدْ، ويصحُّ اليمينُ على ماضٍ ومستقبلٍ لا يمنعُ الحنثَ فيه، كقوله: واللَّهِ لا أصعدُ إلى السماء. فلا ينعقد اليمين حينئذٍ على الأصحِّ.

وتكرهُ اليمينُ إلَّا في طاعةٍ، وإلَّا في الأيمانِ الواقعةِ في الدعاوَى، إذا كانتْ صادقة، وإلَّا إذا دعتْ إليهِ حاجةٌ كتوكيدِ كلامٍ وتعظيمِ أمرٍ، ومن ذلك لو ظُنَّ بهِ أو بغيرِهِ سوءٌ، أو جنايةٌ، أو ركوبُ فاحشةٍ، وهو يعلمُ براءتَهُ فحلفَ على نفي ذلك فلا يكرَهُ، بل ينبغي استحبابُ الحلفِ إذا كان يُصَدَّق فيه ليدفعَ ظنَّ السوءِ عن نفسِهِ وعن عِرضِ أخيهِ.

ص: 289

فإنْ حلَفَ على أن يتركَ واجبًا أو يفعلَ حرامًا عصى ولزمَهُ الحنثُ، والكفَّارَةُ، ويستثنى من الواجبِ الذي يعْصِي بتركِه الواجبُ الذي يمكنُ سقوطُهُ، فإنَّ الإنسانَ إذا حلفَ على تركِهِ لا يعصي لقصَّةِ أنس بن النضرِ، فإنَّه بعدَ قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاصِ في ثنيَّةِ الرُّبيعِ قالَ أنسُ بن النَّضرِ:"واللَّهِ لا تكسرُ ثنيَّةِ الرُّبيع" فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا أنسُ، كتابُ اللَّهِ القصاص" فرضوا بأرشٍ أخذُوه، فتعجَّبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال:"إنَّ من عبادِ اللَّهِ مَن لو أقسَم على اللَّهِ لأبرَّهُ"(1) فلم يذكرِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأنسِ بن النضرِ ولا لأمِّ الرُّبيعِ التي حلفتْ كأنسٍ في بعضِ الرِّواياتِ عصيانًا، ولا ما يدلُّ عليهِ، وجعلهما من عبادِ اللَّهِ الذينِ يبر اللَّهُ قسمهم.

ووجهُ ذلكَ أنَّ القصاصَ مما يمكنُ سقوطُهُ فلا إثمَ عليهِ في الحَلِفِ على عدَمِ وقوعِ ذلكَ إمَّا لثقتِهِ بفضلِ اللَّهِ ولطفِهِ أنَّهُ لا يحنثُه، أو رغبةً إلى مستحقِّ القصاصِ بالعفو، وعلى هذا فلا فرقَ بينَ الجانِي وغيرِهِ.

وإذا حلفَ الإنسانُ على تركِ الواجبِ على الكفايةِ، لم يعصِ؛ لأنَّ الفرضَ لم يتوجَّهْ إليهِ بخصوصِهِ، نبَّه على ذلكَ شيخُنا، ولو حلفَ على تركِ مندوبٍ أو فعلِ مكروهٍ، فيسنُّ حنثُهُ وعليهِ الكفَّارَةُ.

أو تركِ مباع أو فعلِهِ، وكان ذلك المباحُ مما لا يتعلَّقُ به غرضٌ في الامتناعِ منهُ، فالأفضلُ تركَ الحنثِ، ونقلَ الإمامُ عن قطع العراقيين أن الأفضلَ الحنثَ، واختارَهُ والدُهُ، وممن جزَمَ بِه الفورانيُّ في العمد.

ولو حلفَ أن يفعلَ واجبًا أو يترك محرَّمًا فالأفضلُ البقاءُ على اليمينِ، والحنثُ فيهِ مع العلمِ بالحالِ حرامٌ، وعليه الكفَّارةُ إذا حنثَ، والأفضلُ

(1)"صحيح البخاري"(2703) و"صحيح مسلم"(1675).

ص: 290

البقاءُ على اليمينِ أيضًا إذا حلَفَ أن يفعلَ مندوبًا أو يتركَ مكروهًا، ولا يحرمُ الحنثُ. ومتَى حنث لزمت الكفارةُ.

وللحالفِ تقديمُ الكفَّارَةِ بغيرِ الصَّومِ على حنثٍ جائزٍ، وكذا حرام على الأصحِّ، وله تقديمُ كفارةِ ظهارٍ على العود وقتلٍ على الزهوق بعد حصول الجرحِ، ولا يجوزُ تقديمُ الكفارةِ على الجرح بحالٍ، وفيه احتمالٌ لابن أبي سلمةَ تنزيلًا للعصمة منزلة أحد السببين.

والمنذور يجوزُ تعجيله أيضًا قبل وجود المعلق عليه إن كان ماليًّا، مثل أن يقول: إن شفا اللَّهُ مريضي فلله عليَّ أن أعتقَ عبدًا، أو أتصدَّقَ بكذا، وإن كانَ بدنيًّا فلا يجوزُ.

* * *

فرع: يُخَيَّرُ الحالفُ الرشيدُ غيرُ المُفلسِ، والمريضُ في كفَّارةِ اليمينِ بينَ عتقٍ كالظِّهارِ، وبينَ إطعامِ عشرةِ مساكينَ مسلمينَ أحرارٍ غيرِ الهاشِميينَ والمُطَّلبيين ومواليهم، لكلِّ مسكينٍ مُدٌّ من غالبِ قوتِ بلدِهِ كما في الفطرةِ. وبين كِسوتِهم بِما يُسمَّى كسوَةً، كقميصٍ، أو عمامَةٍ أو إزارٍ أو منديلٍ. ولا يُجْزئ الخفُّ ولا القُفَّازانِ، ولا المنطقةِ.

ويشترطُ صلاحيةُ المدفوعِ إليهِ على ظاهِرِ النَّصِّ خلافًا في "المنهاجِ" تبعًا لأصلِهِ، وأما جنسُ الكسوةِ فيجزئ المتخذُ من صوفٍ وشعرٍ وقطنٍ، وكتَّانٍ وقزٍّ وإبريسم، وأمَّا لباسُ الجلودِ والفِرَى فإنْ كانَ في بلدٍ يلبسُ أهلُهُ ذلكَ أجزأَهُ، وإنْ كانَ في بلدٍ لا يلبسُهُ أهلُهُ جازَ على أصحِّ الوجهينِ، فإنْ عجَزَ عنِ الثَّلاثَةِ لزِمَهُ صومُ ثلاثةِ أيامٍ، والأظهَرُ عدمُ وجوبِ تتابعِها، هذا حكمُ الرَّشيدِ غيرُ المفلسِ، والمريضِ.

ص: 291

فأمَّا السَّفيهُ، فالمنصوصُ أنَّهُ كالمعسِرِ، يكفِّرُ بالصَّومِ، ولو أنَّ رشيدًا حلفَ وحنثَ، ثُمَّ حُجِرَ عليه بالسفَّهِ، فيخرجُ الوليُّ عنهُ، ولو حلفَ وهو رشيدٌ، ثمَّ حُجِرَ عليهِ بالسَّفَهِ ثم حنثَ، فهي مرتَّبةٌ على ما قبلها، وأولى بالمنعِ.

ولو أنَّ العاقلَ الرشيدَ حلفَ وحنثَ ثمَّ جُنَّ، فيخرجُ وليهُ عنهُ من مالِهِ الكفَّارةَ.

وأمَّا المحجورُ عليه بالفلسِ إذا حنثَ لا يتخيَّرُ، بل حكمُهُ حكمُ المُعسرِ، فلهُ الانتقالُ إلى الصَّومِ، إذا أرادَ ذلك، فإنِ انفكَّ الحجرُ ولم يصم وأيسَرَ فالنظرُ إلى حالِ الأداءِ على الأصحِّ، فيثبتُ التخيير حينئذٍ.

وأمَّا المريضُ المرض المخوف إذا حلفَ وحنثَ، فإنْ أخرَجَ الكفَّارَةَ في حياتِهِ بمقتضَى خيرتِه، فلا حجرَ للورثَةِ عليهِ في ذلكَ، وإذا أعتقَ عبدًا عن كفارتِه قيمتُهُ ثلاثمائة درهمٍ مثلًا، ثمَّ ماتَ، وكانَ ثلثُ مالِهِ مائتي درهمٍ مثلًا، قالَ شيخُنا: فإن قلنا يحسبُ من الثلثِ لم يعتَقْ إلَّا ثُلثا العبدِ، ولا يفيدُ الميتَ ذلكَ في خلاصِ ذِمَّتِهِ من الكفَّارَةِ، ولا سبيلَ إلى إبطالِ عتق كلِّه والانتقالِ إلى ما يخرجُ من الثُّلثِ من الخصالِ؛ لأنَّهُ أمرٌ لا نظيرَ له، فاحتجنا إلى تنفيذِ ما فعلَهُ المريضُ لهذهِ الضَّرورةِ، وقُلنا يحسبُ عن رأسِ المالِ لما يلزمُ مِن حسابِهِ مِنَ الثُّلثِ من المحذورِ المذكورِ. ولمْ أَرَ مَن تعرَّضَ لذلكَ. انتهى.

وإنْ ماتَ هذا الحالِفُ في المرضِ الحانِثِ فيهِ، ولم يكنْ قد فعلَ شيئًا من الخصالِ المذكورةِ، ولكن أوصَى بفعلٍ معيَّنٍ منها فهذا يمكن اعتبارُهُ من الثُّلثِ، فإن لم يخرجْ من الثُّلثِ ولم تحصل إجازة عدلَ إلى ما خرَجَ من الثُّلثِ.

وإن صدرَ الحنثُ في الصحَّةِ، وقلنا إنَّ المعتَبَرَ في اليسارِ والإعسارِ بحالةِ

ص: 292

الأداءِ، وهو الأصحُّ، فهو معسرٌ إلَّا في الثلثِ، فيعتبَرُ الكلُّ من الثُّلُثِ، ويحتملُ أَنْ يُقالَ القدرُ المشتركُ بين الخصالِ الثلاثِ يعتبرُ من رأسِ المالِ، والزَّائدُ من الثلثِ، وإذا غابَ مالُ الحالِفِ الحانِثِ إلى مكانٍ لا يعدُّ به معسرًا انتظرَهُ ولم يصم.

وإن غابَ إلى مسافةِ القصْرِ فما فوقَها بحيثُ يعدُّ معسرًا جازَ لَهُ أن يُكَفِّرَ بالصَّومِ.

ولا يكفِّرُ عبدٌ غيرُ المكاتبِ بمالٍ إلَّا إذا ملكَهُ سيِّدُهُ طعامًا أو كسوةً، وقلنا يملكُ به وأذنَ لهُ أَنْ يُكفرَ بِهِ، وإلَّا إذا ملكَهُ مالًا وأذن لَهُ أن يشتريَ بِهِ طعامًا أو كسوةً فَفَعَلَ، وأذن له أَنْ يُكفِّرَ بِه فكفَّرَ جازَ.

ولو ماتَ العبدُ وعليهِ كفَّارَةُ يمينٍ، فللسيدِ أَنْ يُكفِّرَ عنهُ بالإطعامِ أو الكسوةِ، وإنْ قُلنا لا يملكُ بالتمليكِ؛ لأنَّ التكفيرَ عنهُ في الحياةِ بنفسِ دُخولِهِ في ملكِه، والتكفيرُ بعدَ الموتِ لا يستدعِي ذلك، ومحلُّ هذا لو أعتقَ عنهُ لم يجزئه على الأصحِّ لإشكالِ الولاء، وحيثُ قُلنا لا يكفِّرُ عبدٌ بمالٍ في غيرِ ما استثني فكفَّرَ بالصومِ، فإنْ ضرَّه، وكانَ حلفَ وحنثَ بإذنِ السَّيدِ صامَ بلا إذنٍ، وإن وجدا بلا إذنٍ لم يصم إلَّا بإذنٍ، وإن أذن في أحدهما، فإن كانَ قد أذنَ في الحلفِ فقط وحنثَ بغيرِ إذنِهِ لم يستقلَّ بالصومِ على الأصحِّ، بل لا بدَّ من إذنِ السَّيدِ في ذلكَ، وفي عكسِهِ وهو الحنثُ بالإذنِ يستقلُّ بالصومِ على المذهبِ.

ومَن بعضُهُ حرٌّ وله مالٌ يكفِّرُ بالإطعامِ أو الكسوةَ لا بالإعتاقِ إلَّا في صورةٍ واحدةٍ وهيَ ما إذا قالَ لَهُ مالكُ بعضِهِ إذا أعتقتَ عنْ كفَّارتِكَ فنصيبِي منكَ حرٌّ قبلَ إعتاقِكَ عنِ الكفَّارَةِ، فنصيبي حرٌّ مع إعتاقكَ عنِ الكفَّارَةِ، فإنَّهُ في الأولى يصحُّ إعتاقُهُ عنْ كفَّارَتِهِ قطعًا، وكذا في الثانيةِ على الأصحِّ.

ص: 293