الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَقَاتِلَ، والوجه والرأس على المنصوصِ في البويطي، ولا نصَّ له يخالفة، فهو المعتمدُ خلافًا لما في "المنهاج"(1) تبعًا لأصلِه، من جعلِ استثناءِ الرأسِ وجهًا ضعيفًا، ولا تُشدُّ يدُ المجلود ولا يجرَّدُ عن ثيابِهِ، ويوالي الضربَ بحيثُ يحصلُ الزجرُ والتنكيلُ.
* * *
فصل
يعزرُ في كلِّ معصيةٍ لا حدَّ فيها (2) من لم يكنْ أصلًا في حقِّ فرعِهِ ولا ذا هيئةٍ في عترتِهِ ولا مخاصمًا لخصمِه في حالِ المخاصمةِ أنَّه ظالمٌ أو فاجرٌ، ويحتملُ ذلكَ منهُ ولا من ارتدَّ أوَّلَ مرَّةٍ ثم أسلمَ، ولا من وطئَ زوجتَهُ في دبرها أوَّلَ مرَّةٍ على النصِّ.
ويعزَّرُ الصبيُّ والمجنونُ، وإن لم يكنْ فعلهما معصيةً على النصِّ، وقد يقعُ ما صورتُهُ صورةَ التعزيرِ، وإن لم توجَدِ المعصيةُ فحبسُ الحاكمِ من ثبتَ عليه الدينُ ولم يظهر منهُ تقصيرٌ، ولم يثبتْ ملاؤُهُ ولا مماطلته، وادَّعى الإعسارَ، ولم يثبتْ ما ادَّعاهُ نوعٌ فيه نظر، لأنَّ الحبسَ الذي تعلَّقَ ممنْ ظهرتْ ملاؤُهُ ومماطلتُه لهُ وجهٌ باعتبارِ معصيتهِ، وهذا متعذِّرٌ هنا، ولا وجهَ له إلَّا بأنْ يدعي أن هذا طريق في الظاهرِ بينَ الناس إلى خلاصِ الحقوقِ، فيفعلُ ذلك عملًا بأنَّ الظاهرَ الملاءَةُ؛ لأنَّ ثبوتَ الدينِ يقضيه المعاملة ونحوها يدلُّ على الملاءَةِ.
(1)"المنهاج"(ص 303).
(2)
"منهاجُ الطالبين"(ص 303).
ومما يقعُ في صورة التعزير ولا معصيةَ وذكر في "المنهاج"(1) تبعًا للمحرر بعد نفي الحدِّ نفي الكفارة فقالَ: يُعزرُ في كلِّ معصيةٍ لا حدَّ فيها ولا كفَّارة، ولم يذكر "ولا كفارة" جمع من الأصحابِ في الطريقينِ.
ويستثنى من إطلاقِهِ "وإلَّا كفارةَ" مسائل يشرعُ فيها التعزيرُ والكفارةُ.
فمنها إذا جامعَ زوجَتَهُ أو أمتَهُ في نهارِ رمضانَ الجماعَ الموجبَ للكفَّارَةِ، فإنَّه يجبُ عليه التعزيرُ على ما جزَمَ بِهِ صاحبُ التعجيز وادَّعى البغويُّ في "شرحِ السُّنَّةِ" إجماعَ الأمَّةِ عليه، ونازعَهُ شيخُنا في ذلك، وقال: إن الصحيحَ من الأوجُهِ أنَّهُ لا يعزَّرُ، وجزمَ ابنُ الرِّفعةِ بهذا، وهو المعتمدُ، وقالَ: ووهِمَ مَن جعلَهُ وجهًا. انتهَى.
ومنها: إذا قتلَ منْ لا يقادُ بِهِ، فإنَّه يُعزَّرُ، معَ أنَّ الكفَّارَةَ واجبة.
ومنها: اليمينُ الغموسُ، فإنَّ فيهَا الكفَّارَةَ والتعزيرَ، كما جَزَمَ بِهِ صاحبُ "المهذَّب" خلافًا لمنْ منع استثناءَها مِن ذلك.
ويستثنى من قولِنا: "لا حدَّ فيهَا" ما لو جلدَ للزِّنا بشهادةٍ، ولم يؤثِّرْ فيهِ الجلدُ، ثمَّ رجعَ الشاهدُ فكذَّبَ نفسَهُ. ففي الكفاية عن الكافي أنَّهُ يحدُّ للقذفِ، ويعزَّرُ لاعترافِهِ بشهادةِ الزُّورِ.
ومما يرد على العبارتينِ جميعًا ما إذا رأَى مَن زنَى بزوجتِهِ والزَّانِي محصنٌ فقتلَهُ، فلا تعزيرَ عليهِ، وإنِ افْتَاتَ على الإمامِ ويُعْذَرُ لأجلِ الحميَّةِ، ويحل لَه قتله فيما بينَهُ وبينَ اللَّهِ تعالى إذا لمْ تكُنْ بيِّنَة، وإنْ كانَ يُقادُ بِهِ في الظاهرِ كما نصَّ عليهِ.
(1)"المنهاج"(ص 303).
والتعزيرُ بالحبسِ أوِ الضربِ أو الصفعِ أو التوبيخِ، أو النَّفي (1)، وللإمامِ أَنْ يجمَعَ بين الحبسِ والضربِ والاقتصارِ على أحدِهِما، وعليهِ أَنْ يرَاعِي الترتيبَ والتدريجَ كمَا يراعيهِ دافعُ الصائل، فلا يرقَى إلى مرتبةٍ وهو يَرَى ما دونَهَا مؤثرًا كافيًا، ويجتهدُ في تركِهِ، فإنْ رأَى المصلحَةَ في العفوِ فلَهُ ذلكَ.
ويجتهدُ في جنسِهِ بينَ الحبسِ أو الضربِ جلدًا أو صفعًا أو غيرَ ذلكَ منَ التَعازيرِ، وإذا رأَى التعزيرَ بالحبسِ فقالَ الزبيريُّ يتقدر بشهرٍ للاستبراء، أو للكشفِ، وستة أشهرٍ للتأدُّبِ والتقويمِ، والذي نصَّ عليه الشافعي -وهو المشهورُ- أنَّه لا يبلغُ بحبسِهِ سنةً.
فإنْ جلَدَ وجبَ أن ينقصَ في عبدٍ عن عشرينَ، وحرٍّ حريةً مستقِرَّةً عن أربعينَ على ظاهرِ النَّصِّ، وفي وجهٍ عن عشرينَ، ويستوي في هذا جميعُ المعاصي على الأصحِّ.
وإذا عفى مستحقُّ حدٍّ فلا تعزيرَ للإمامِ في الأصحِّ، أو عفَى مستحقُّ تعزيرٍ فللإمامِ التعزيرُ حينئذٍ على الأصحِّ.
* * *
(1)"المنهاج"(ص 303).