الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بابُ الجزية
هي لغةً: اسمٌ لما يؤخذُ من أهلِ الذِّمَّةِ، والجمع الجِزى بكسرِ الجيمِ، وهي مشتقَّةٌ من الجزاء، كأنَّه جزاء دمائهم وأموالِهم ومقربوهم. ويقالُ: من قتلهم جزا يجزي إذا قضا.
وشرعًا: مالٌ يؤخذُ من أهلِ الذِّمَّةِ بعقدٍ مخصوصٍ على وجهٍ مخصوصٍ، وهل هو جزاء مقامهم بدارِ الإسلامِ، أو جزاءُ حقنِ الدَّمِ، أو جزاءُ كفِّنا عن قتالِهم في دارِ الإسلامِ سنة، أو جزاء كفنا عن قتالِهم، وتمكينهم من الإقامَةِ بدارنا سنة؟ خلافٌ، الأصحُّ عند شيخنا هذا الأخير.
* ضابطٌ: العقود التي تفيد الأمنَ للكفارِ ثلاثةٌ: الأمانُ -وقد سبق- وعقد الجزية، وعقد الهدنة.
وأهلُ الجزية من الكتاب قولُه تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ}، وصحَّت الأحاديثُ بأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية، وأجمع العلماء عليها في الجملة، ولا يعقدها إلَّا الإمام أو مأذونه، وفي الآحادِ وجهٌ شاذٌّ عن كتاب ابن كجٍّ.
وصورة عقدها لمن يريد الإقامة بدار الإسلامِ (1): "أقررتُكُم آمنينَ بدارِ الإسلامِ". أو: "أذنتُ لكم بالإقامةِ في دارِنا غيرَ الحجازِ، على أن تبذلُوا الجزيةَ" ويعيِّنُها رأسَ كلِّ سنةٍ من تاريخِ هذا العقدِ، "وتنقادوا لحكم الإسلامِ الذي نرَاهُ يلزمكم".
ولو أتى بمضارعٍ نحوَ: "أقرُّكُم" وانسلخَ عنِ الوعدِ كفى، ومن يريدُ الإقامةِ ببلادِهِ التي هي في وسطِ بلادِ الحربِ إذا سألُوا عقد الذِّمَّةِ على إقامتِهم عاقدهم عليها، وليسَ عليهِ حينئذٍ منعُهم من الحرمينِ.
ولو عقدَ لنصارَى بلدٍ وليسُوا حاضِرينَ فبلغَهُمُ الخبرُ فرضُوا بذلكَ جازَ، ولو قالَ الكافرُ الذِي يحوزُ بفرسِه بالجزيةِ:"سألتُك أَنْ تؤمنني على كذا" فأمَّنَهُ الإمامُ كفى ذلك. ولو وُجد كافرٌ بدارِنَا فقالَ: دخلته لسماعِ كلامِ اللَّهِ تعالى، أو رسولِه، أو بأمانِ مسلمٍ؛ صُدِّقَ إذَا ادّعى ذلكَ قبلَ أن يَصيرَ في قبضتِنَا أسيرًا، فإنْ ادَّعاهُ بعدَ أن صَارَ في قبضتِنَا أسيرًا لم يقبلْ إلَّا ببينةٍ.
وعلى الإمامِ الإجابةُ إذَا طَلَبُوا إلَّا مَن كانَ أسيرًا حرًّا مكلَّفًا كتابيًّا أو من يلحقُ به على المنصوصِ؛ لأنَّهم صارُوا غنيمةً أو فيئًا، وإلَّا عندَ خوفِ غائلةٍ فيمتنع ولا يعقدُ إلَّا ليهوديٍّ أو نصرانيٍّ أو مجوسيٍّ إن دخل هو أو أحد أصولِهِ في التهوُّدِ أو التنصُّرِ قبلَ الفسخِ، أو شككنا في وقته.
ولا جزيةَ على امرأةٍ وخُنثَى مشكلٍ لم تتبينْ ذكورَتُه، فإنْ بانتْ بعد أن
(1)"منهاج الطالبين"(ص 312).
فرضَ أنَّه صدرَ العقد معه في حالِ الخنوثةِ أخذَ منهُ جزيةَ ما مضَى من السِّنينِ لظهورِ العملِ بالبراءةِ.
ولا جزيةَ على مَن فيهِ رقٌّ، وصبيٍّ، ومجنونٍ، فإنِ انقطعَ جنُونُهُ وجبتْ من غيرِ تلفيقٍ على النصِّ.
ولو بلغَ ابن ذمِّيٍّ ولم يبذلْ جزيةً أُلْحِقَ بمأمنِهِ وإن بذلها عقد له، ولو كان سفيهًا ولكن لا يعقدُ إلَّا إذا امتنعَ وليُّه من ذلكَ كمَا نصَّ عليهِ، ويعقدُ بدينارٍ فقط.
والأظهرُ وجوبُها على راهبٍ وغيرِ ذي رأيٍ من شيخٍ وزَمِنٍ وأعمَى وأجير بناءً على جواز قتلِهم، ومقتضى النصِّ يقتلونَ قطعًا، وعلى فقيرٍ عجزَ عن كسبٍ على المشهورِ.
والحجازُ غير حرم مكَّة يمنعُ الكافرُ الأصليُّ منَ الإقامَةِ بهِ، والحجازُ: الحرمانِ واليمامةُ وقُرَاهُنَّ وأرضُ ذَلِكَ كلِّه.
وأمَّا حَرَمُ مكَّة فيمنعُ مِن دخُولِهِ، وفي وجهِ ضعيفٍ له الإقامةُ بالمواضع التي بينَ البلاد، وليست بموضع إقامة عادةً، إلَّا الحربيُّ فلا يمكَّن من الإقامةِ في هذه المواضعِ بلا خلافٍ.
ولو دخَلَ كافرٌ الحجازَ بغيرِ إذنِ الإمامِ أخرجهُ، وعزَّرَه إن علمَ أنَّهُ ممنوعٌ. فإنِ استأذَنَ في الدخولِ لغير حرمِ مكَّةَ أُذِنَ لَهُ إن كانَ فيه مصلحةٌ للمسلمينَ كرسالةٍ وحملِ ما يحتاجُ إليهِ، فإن كانَ لتجارةٍ ليسَ فيها كبير حاجةٍ -والتاجرُ ذِميٌّ- لم يأذن إلَّا بشرطِ أخذِ شيءٍ منها، ولا يقيمُ في كلِّ بلدٍ من بلادِ الحجازِ غير حرم مكَّةَ إلَّا ثلاثة أيامٍ، وإنْ كانَ حربيًّا فلا يُمكَّنُ من دخولِ الحجازِ للتجارَةِ أصلًا، وحكمُ المرأةِ الذِّميَّةِ في التجارةِ كالذميِّ التاجرِ فيما تقدَّم.