الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
اصطدما بلا قصدٍ فعلى عاقلةِ كلٍّ نصفُ ديةٍ مخفَّفةٍ، فإن كان أحدُهما قويًّا والآخرُ ضعيفًا وحركتُه ضعيفة، بحيث يُقطع أنَّه لا أثر لحركتهِ مع الآخرِ، فإنه يكونُ كالواقِفِ فهَدَر القويُّ وعلى عاقلتِهِ ديةُ الضعيفِ (1).
وإن تعمَّدا الاصطدامَ فالحاصلُ شبه عمدٍ، فعلى عاقلةِ الآخرِ نصفُها مغلظةً، وعلى كلٍّ كفارتان، إذ لا يتجزَّأ على المشهور، ويجبُ على قاتلِ نفسِهِ على الأصحِّ، وفِي تركة كلٍّ نصف قيمة دابَّةِ الآخر إن ماتَ مركوباهما.
وإن كانت الدَّابتان قويتين، فإن كانت إحداهُما ضعيفةً بحيثُ يقطعُ بأنَّه لا أثرَ لحركتها مع قوَّةِ الدَّابَّةِ الأخرَى، فلا يناطَ بحركتها حكم، كغرزِ الإبرةِ في جلد العقب مع الجراحاتِ العظيمةِ (2).
وحكمُ الصبيينِ والمجنونينِ حكمُ الكاملينِ بالقيدِ السابقِ فيهما وفِي دابَّتيهِما، ولا يتعلق بولي حضانتهما الضمانُ إذا أركبهما على النصِّ، قال الشافعيُّ رضي الله عنه:(وَسَوَاءٌ في الِاصْطِدَامِ الْفَارِسَانِ اللَّذَانِ يَعْقِلَانِ وَالْمَعْتُوهَانِ والأعميان وَالْبَصِيرَانِ وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَعْتُوهًا وَالْآخَرُ عَاقِلًا أَوْ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا وَالآخَرُ بَالِغًا إذَا كَانَا رَاكِبَي الدَّابَّتَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا أَبَوَاهُمَا أَوْ وَلِيَّاهُمَا في النَّسَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَبٌ)(3).
فَإِنْ أركبهما الوليُّ دابةً شرسةً جموحًا تعلَّق به الضمانُ، ولو أركبهما
(1)"روضة الطالبين"(9/ 331 - 332).
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 332).
(3)
"كتاب الأم"(6/ 92).
أجنبيٌّ بغيرِ إذنِ الوليِّ، ومثلهما لا يضبطُ الدابةَ فديةُ مَن أصابا على عاقلةِ الَّذي حملَهُما على النصِّ (1)، وعليه ضمانُ مركوبِهما، فإنْ كانَا ممن يضبطها فهو كما لو ركبا بأنفُسِهِما، أو حاملانِ وأسقطتا فالدية كما سبق بالقيودِ السابقةِ فيما إذا اصطدمَا بلا قصدٍ، وعلى كلٍّ أربعُ كفَّاراتٍ أو لا تتجزَّأُ على المشهورِ.
وتجبُ على قاتِلِ نفسِهِ على الأصحِّ، وعلى عاقلةِ كلٍّ منهما نصف غرتي جنينيهما.
وإذا اصطدمَ عبدانِ (2) لا يمتنعُ بَيْعُهما، ولم يكونا مغصوبين ولم يكن هناك وصية بأرشِ ما يجنيه العبدان، أو وقفٌ: فإنهما يهدران حينئذٍ، فإن امتنعَ بَيْعُهما امتناعًا مطلقًا كابني مستولدتين أو موقوفين أو منذورًا إعتاقهما فإنهما لا يهدرانِ، لأنهما حينئذٍ كالمستولدتينِ، والمستولدتانِ إذا اصطدمتا وماتتا فعلى سيدِ كلِّ واحدةٍ فداء النصفِ الَّذي جَنَتْهُ عليه مستولدتُه للآخر، لأنَّ السيدَ باستيلادِها مانعٌ من بيعها، والفداءُ فيها بأقلَّ الأمرين من قِيمتها وأرشِ الجنايةِ.
وإن كانا مغصوبين فإنهما لا يهدران بل على الغاصبِ فداءُ كلِّ نصفٍ منهما بأقل الأمرين، ولو لم يكونا مغصوبين ولا أحدُهما، لكن كانَ هناكَ وصية بأرش ما يجنيهِ العبدانِ، أو وقفٌ، فإنه يصرفُ من ذلكَ لسيدِ كلِّ عبدٍ نصفُ قيمة عبدِهِ.
(1)"كتاب الأم"(6/ 92).
(2)
"كتاب الأم"(6/ 92).
أو سفينتانِ فكدابَّتين، والملاحان كراكبينِ بالغينِ حَصَلَ الاصطدامُ بفعلِهما أو بتقصيرِهما، ونزيدُ هنا إجراءَ حكمِ العمدِ على فعلهما المُفْضِي إلى الهلاكِ غالبًا.
ثمَّ إنْ كان فيهما مالٌ لأجنبيٍّ لزمَ كلًّا نصفَ ضمانِهِ.
وإن كانتا لأجنبيٍّ لزم كلًّا نصفَ قيمتها، وإن حصلَ بغلبةِ الريحِ بلا تقصيرٍ، فالكلُّ هدرٌ، ولو أشرفتْ سفينة على غرقٍ جازَ طرحُ متاعها بإذن المالكِ الرشيدِ المطلقِ التصرُّف فيما يلقيه، حيث حصل بعضُ هولٍ، لكنه قد تغلبُ السلامةُ منه (1).
فلو كانت الأمتعةُ لصبيٍّ أو مجنونٍ أو محجورٍ عليه بسفهٍ لم يَجُزْ إلقاؤها في محل الجوازِ، لكن لو كان الوليُّ في هذا المحلِّ على كلِّ أمتعةِ محجورِهِ ورأى أنَّ إلقاءَ بعضِها يسلم به باقيها فيجوزُ لهُ ذلك قياسًا على ما ذكره العبادي فيما لو خافَ الوصيُّ أن يستوليَ غاصبٌ على المالِ فله أن يؤدِّيَ شيئًا لخلاصِه، وقد يغلبُه الهلاكُ ويغلبُ على الظنِّ حصولُ نجاةِ الراكبِ بطرحِ ما ذكر فيجبُ الطرحُ رجاءَ نجاةِ راكبٍ محترمٍ.
فلو كان حربيًّا أو مرتدًّا أو زانيًا محصنًا أو من تَحتم قتلُه في قطع الطريق فإنه لا يجوز إلقاءُ المالِ المحترمِ لنجاة الراكبِ غيرَ المحترمِ، ولا يلقي ما لا روحَ فيه لأجل الكلبِ العقورِ والخنزيرِ.
وإذا وجبَ الإلقاءُ بالقيد المتقدم فيجبُ إلقاءُ ما لا روحَ فيه لتخليصِ ذي الروحِ المحترمِ، ولا يجوز إلقاءُ الدوابِ إذا أمكن دفعَ الغرقِ بغير الحيوانِ.
(1)"روضة الطالبين"(9/ 338).
وإذا مسَّتِ الحاجةُ إلى إلقاءِ الدوابِّ ألقيتْ لإبقاءِ الآدميينَ المحترمينَ، والعبيدُ كالأحرارِ، ويضمنُ المُلقى من وليٍّ وأجنبيٍّ في محلِّ الوجوبِ، ولو كانتِ الأمتعةُ مرهونةً أو كان صاحبها محجورًا عليه بفلسٍ أو لمكاتب ولم يأذن السيدُ فإنه لا يجوزُ إلقاؤها في محل الجواز، ويجب في محل الوجوبِ (1).
ويضمنُ الملقى من راهنٍ أو مرتهن، فإن اجتمعَ الراهنُ والمرتهنُ أو السيدُ والمكاتبُ على الإلقاءِ في حالةِ الجوازِ لم يمتنع الإلقاءِ، ومثلُه مالُ العبدِ المأذونِ إذا ركبتْهُ الدُّيونُ لا يجوزُ إلقاؤُهُ في حالةِ الجوازِ إلَّا إنِ اجتمعَ السيدُ والعبدُ والغرماءُ على ذلكَ، ولَوْ قَالَ: ألقِ متاعكَ، هذا -أو كانَ المتاعُ معلومًا عند القائلِ- وأنا ضامنُه أو ضامن له، فألقاهُ ضمنَ ما سمَّاه لهُ من دراهمَ أو غلَّةٍ، فإنْ لم يذكرْ لهُ شيئًا ضمنَ القيمةَ مطلقًا على الأرجحِ من نقدِ البلدِ باعتبارِ حالة القولِ لأجل الهيجانِ خلافًا للبغويِّ وتعذرَ ردُّ المثلِ لأنَّه لا مثلَ لمشرفٍ على الهلاكِ إلَّا مشرف على الهلاكِ، وذلك بعيدٌ، فتعيَّنتِ القيمةُ (2).
وإنِ اقتصرَ على قولهِ: "ألقِ متاعكَ في البحر"، ولم يقل:"وعليَّ ضمانُه"، فألقاه. فقيلَ في وجوبِ الضمانِ خلافٌ، كقولِه:"أدِّ دَيْنِي". وقطعَ الجمهورُ بأنَّه لا ضمانَ، وإنَّما يضمنُ ملتمس مخوفِ غرقٍ، ولم يختص منع الإلقاء بالملقي صاحب المتاعِ.
(1)"روضة الطالبين"(9/ 338).
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 339).