الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الغرَّةِ الواجبةِ بالجنايةِ على الحاملِ بالجنينِ المضمونِ على الجاني الَّذي ظَهَرَ ميتًا بتلكَ الجنايةِ
الغرَّةُ لغةً تدلُّ على شرفٍ وتقدُّمٍ، وهي هُنَا للعبدِ أو للأمةِ، كأنَّه عبَّرَ عن الذاتِ كلها بالغرَّةِ.
وفِي "الصحيحين"(1) وغيرهما أنَّ امرأتينِ من هُذيلٍ رمتْ إحداهما الأخرَى، فطرحتْ جنينَها، فقضَى فيهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بغرَّةِ عبدٍ أو أمةٍ، وفِي حديثِ الشافعيِّ: بغرةِ عبدٍ أو وليدةٍ (2)، وفِي روايةٍ في "الصحيحين": رمتْهَا بحجرٍ فأصابَ بطنَهَا (3)، وفِي روايةٍ: قضَى في جنينِ امرأةٍ من بني لحيان بغرَّةِ عبدٍ أو أمةٍ (4)، وللمغيرةِ بن شعبةَ في ذلكَ حديثٌ في "الصحيحين"(5) وغيرهما، ولحمْلِ بن مالك في ذلك حديثٌ رواهُ الشافعيُّ (6) وغيره.
(1)"صحيح البخاري"(5426) و"صحيح مسلم"(1681).
(2)
"مسند الشافعي"(ص 348).
(3)
"صحيح البخاري"(5426).
(4)
"صحيح البخاري"(6511) و"صحيح مسلم"(1681).
(5)
"صحيح مسلم"(1682) عن المغيرة بن شعبة قال: ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها قال: وإحداهما لحيانية قال: فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها، فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم دية من لا أكل ولا شرب ولا استهل فمثل ذلك يطل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أسجع كسجع الأعراب؟ " قال: وجعل عليهم الدية.
(6)
"مسند الشافعي"(ص 348).
وأما الأحاديثُ التي جاءَ فيها عبدٌ أو أمةٌ أو فرسٌ أو بغلٌ فالمحفوظُ خلافها، وفيها مرسلٌ، وأحاديث مائةُ شاةٍ أو مائةُ وعشرون شاةٍ ضعاف، وحديث خمسمائة شاةٍ خطأ.
ومَن جنى غير حربي ولو بتخويفٍ على حاملٍ بجنين مسلم بتبعية أحدِ أصولِهِ، فلا يتصوَّر هنا تبعية السابي ولا الدار، حر ولو بإعتاقِهِ دونَ أمِّه، أو مَن وطئ بظن أن أمته حُرَّةٌ ظهر وقد بدا فيه التخطيط ففيه الغرةُ الكاملةُ.
وما ذُكِرَ في جنينِ الحربيةِ أنهُ لا يجب فيه شيءٌ وكذا لو أسلمتْ قبل الإجهاض محلُّه ما إذا لم يكنْ جنينُها مسلمًا بتبعيَّةِ أصل له، وكذلك تجبُ الكاملة في حملِ الذميةِ المحكوم بكفره إذا أسلمتْ قبلَ إجهاضِهِ، كذا جزمُوا به، وقياس مقالة ابن الحداد في المشركةِ يحصلُ فيها عتقٌ من اعتبار حالةِ القربِ أن لا تجب الكاملةُ هنا، وله نظيرٌ في تحمُّلِ العاقلةِ عند انجرار الولاءِ يشهدُ لما قرَّرناهُ.
وأمَّا الجنين اليهوديُّ أو النصرانِيُّ تبعًا لأبويه حيثُ لا حرابة، فالصحيحُ يجبُ فيه ثلثُ غرَّةِ المسلمِ، وفِي وجهٍ غرةٌ كاملةٌ؛ لإطلاقِ القضاءِ في الجنينِ: وفِي وجهٍ لا يجب فيه شيءٌ.
ولو كانَ أحدُ أبويه نصرانيًّا والآخرُ مجوسيًّا فهو كالجنينِ النصرانيِّ على النصِّ.
ومَنْ أحدُ أبويهِ ذميٌّ والآخرُ حربيٌّ تجبُ فيه غرتُه على الأصحِّ.
وفِي الرقيقِ عُشرُ قيمة الأمِّ أكثر ما كانتْ من حينِ الضربِ إلى الإجهاضِ على النصِّ لسيدِهِ، فلو كانتْ مقطوعةً والجنينُ سليمًا وعكسه قوِّمت سليمةً، فإن جنى سيدها عليها وهي حاملٌ مِن غيرِه، ثم عتقت ثم ألقتِ الجنينَ لم
يجب شيء على السيدِ على الأصحِّ.
وسواءٌ انفصلَ الجنينُ ميتًا بجنايةٍ في حياةِ أمِّه أو بعد موتِها بجنايةٍ في حياتها تجبُ فيه الغرةُ، بخلافِ ما إذا ضربَ بطن امرأة ميتةٍ فانفصلَ منها جنينٌ ميتٌ فإنهُ لا غرَّةَ فيه على الأرجحِ، كما قاله البغويُّ.
وإنْ ماتَ حينَ خرج أو دام ألمه فماتَ ففيه الديةُ الكاملةُ، وإن لم يظهرْ منه شيءٌ، ولم ينفصلْ، لم يجب شيءٌ، وإن انفصلَ حيًّا وبقيَ زمنًا بلا ألمٍ، ثم ماتَ فلا شيءَ، ولو ألقتْ جنينينِ ميتينِ برأسينِ وبدنينِ منفصلينِ ففيهما غرتانِ، أو ثلاثةٌ فثلاثةٌ، وهكذا، فلو ألقتْ حيًّا وميتًا، ومات الحيُّ من تلك الجنايةِ وجبَ له ديةٌ كاملةٌ، وغرةٌ للميتِ، ولَو ألقتْ يدًا أو رجلًا ولم تُلقِ بعدها الجنينَ فغرةٌ، فلو ألقت جنينًا بعد ذلك فقيد ذلك العضو وألقته ميتًا بعد الاندمالِ وزوالِ ألمِ الضربِ بها فنصفُ غرة.
وإن خرجَ حيًّا وماتَ بعد الاندمالِ أو عاش فالأرجحُ وجوبُ نصفِ غرَّةٍ، وإن انفصلَ الجنينُ قبل الاندمالِ حيًّا ثم ماتَ من الجنايةِ ففيه ديةٌ، ويدخلُ فيها أرشُ اليدِ، وإن عاشَ فالأرجحُ وجوبُ نصفِ غرَّةٍ إلَّا إذا أسقطت اليدَ عقبَ الضربِ، وأسقطت عقبه الولدَ حيًّا فإنَّه يجبُ نصف الدية.
ولو ألقتْ لحمًا قال القوابلُ فيه صورةٌ خفيَّةٌ فلا غرَّةَ فيه على النصِّ، وفِي قولٍ: تجب غرةٌ إذا قلن: لو بقيَ لتصوَّر، والمعتمدُ عدمُ الوجوبِ.
والغرَّةُ عبدٌ أو أمةٌ مميزٌ بسبع أو ثمانٍ، لا قبل السبعِ على النصِّ، مسلمٌ سليمٌ من عيب مبيع، والنصُّ قبول كبيرٍ لم يعجز بهرمٍ، وبشرط بلوغ قيمة الغُرَّة نصفُ عشرِ الديةِ الكاملةِ على النصِّ، فإن تعدَّتْ فخمسةُ أبعرةٍ، وفِي قولٍ لا يُشترطُ، فإذا فقد قيمتها.