الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتابُ الأطعمةِ
هي جمعُ طعامٍ، والمرادُ بيانُ ما يُباحُ أكلُهُ وشُربُهُ من المطعومِ والمشروبِ، وللإنسانِ في ذلك حالتا اختيار واضطرار، فلذلك انعقدَ هذا الكتاب.
والأصلُ فيهِ قولُه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} الآية، والمرادُ بالطيباتِ هنا ما تستطيبُهُ النُّفوسُ وتشتهيه.
حيوان البحرِ الذي لا يعيشُ إلَّا في الماءِ سواءٌ كان ببحرٍ أو نهرٍ، والسمكُ منه حلالٌ حيًّا كانَ أو ميتًا، وكذا غيره على المنصوص (1). وفي قولٍ: لا يحلُّ إذا كانَ ميتًا فإن ذُكِّي حلَّ، وفي قولٍ: إن أُكل مثلُهُ في البرِّ حلَّ، وإلَّا فلا إلّا من السمكِ ما لا نظيرَ له في البِرِّ حلالٌ أيضًا.
(1)"منهاج الطالبين"(ص 322).
وحمارُ البحر حلالٌ، ولا اعتبارٌ باشتراكِ الاسمِ، بدليل اشتراك الحمار الأهلي المحرَّم بالوحشي المباح؛ لأنَّ هذا وحشيٌّ أيضًا، فإلحاقُ الوحشي بالوحشي أولى.
والذي يعيشُ في البرِّ والبحرِ كضفدعٍ وسرطانٍ وتمساحٍ حرامٌ، والحيةُ ذاتُ السُّمِّ حرامٌ؛ لأنّها لا تمكثُ في الماءِ بخلافِ التي لا تعيشُ إلَّا في البحرِ، فإنَّها حلالٌ (1) كما تقدَّم.
ويحرمُ البغلُ والحمارُ الأهلي، وأكلُ ذي نابِ من السباع، ومخلبٍ من الطيرِ، كالأسدِ والنمرِ والذئبِ والدُّبِّ والقردِ والبازِ والشاهينَ والَصقرِ والنسرِ والعُقابِ، وكذا الفيلُ وابن آوى، والهرة على الأصحِّ (2).
ويحرُمُ ما نُدِبَ قتلُهُ (3)، كحيةٍ وعقربٍ، وغرابٍ أبقعَ، وحدأةٍ، وفأرةٍ، وكل سبع ضارٍ، وكذا رخمة، وبغاثة، والأصحُّ حلُّ غراب زرعٍ، والغراب الأسود الرمادي الذي يقالُ له: الغداق الصغير، لأنَّه يلقطُ الحبَّ.
وتحريم ببغاء وطاووسٍ، وتحلُّ النعامةُ والكُركيُّ والدجاجُ والحمامُ، وهو كلُّ ما عَبَّ وهدر، وما على شكلِ عصفورٍ وإنِ اختلَفَ لونُهُ ونوعُهُ كالعندليبِ، والصعوةِ (4) والزُّرْزُورِ، ويحرمُ الخطافُ والنملُ والنحلُ والذبابُ والحشراتُ، وكذا ما تولَّد من مأكولٍ وغيرِهِ كالسبعِ فإنه متولد من الذئبِ والضبع، وما ليس فيه نصُّ تحريمٍ ولا تحليلٍ من ذواتِ الأرواحِ (5)
(1)"منهاج الطالبين"(ص 322).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 322).
(3)
"منهاج الطالبين"(ص 322).
(4)
هي صغارُ العصافيرِ.
(5)
"منهاج الطالبين"(ص 322).
فقال الشافعيُّ (1): (انظر هل كانت العربُ تأكلُهُ، فإن كانتْ تأكلُه ولم يكنْ فيهِ نصُّ تحريمٍ فأكُلْهُ، فإنَّه داخلٌ في جملةِ الحلالِ والطيبات عندَهُم، لأنَّهم كانوا يحلون ما يستطيبونُ وما لم تكن تأكلْهُ تحريمًا له باستقذاره فحرمته لأنَّه داخلٌ في معنى الخبائثِ التي حرموا على أنفسهم فأثبت عليهم تحريمها). انتهى.
والجلَّالة التي تأكلُ العذِرة، إذا ظهرَ النتنُ والتغيُّرُ في لحمها، وكذلك في عرقها، أو أوجد ريح النجاسة، فيحرمُ أكلُها على ظاهرِ النصِّ، خلافًا لما صحَّحه في "المنهاجِ"(2) من الكراهةِ، فإنْ عُلِفتْ طاهرًا فطابَ لحمُها بزوالِ الرائحةِ من عرقِها حلَّ.
وكذا لو مرَّ عليها الزمانُ في حياتها من غير أن تعلفَ الطاهرَ بحيث زالتِ الرائحةُ فإنَّ لحمها يحلُّ حينئذٍ، وحكم لبنها وبيضها حكم لحمها حرمةً وحِلًا.
ويحرمُ أكلُ نَجِسِ العينِ والمتنجس كالدِّبْسِ (3) والخلِّ واللبنِ والدُّهنِ.
وما كُسِبَ بمخامرةِ نجِسٍ كحجامةٍ وكنْسٍ مكروةٌ للحرِّ، وكلُّ ما فيه دناءةٌ فكسبه يكره للحرِّ ويكرَهُ أن يأكُلَهُ، ويجوزُ أَنْ يُطعمَهُ رقيقَهُ، وناضحه (4).
ومحلُّ جنينٍ وجد ميتًا أو في حكمِ الميتِ في بطنِ المذكاةِ إذا ظهرتْ صورة الحيوانية فيه ولم يوجد قبلَ الذبح سببٌ يحالُ عليه موتُهُ، ولو بقي زمانًا طويلًا بعدَ الذبحِ يضطربُ ويتحرَّك ثم سكنَ، فإن أحيل الاضطراب
(1)"الأم"(2/ 271).
(2)
"المنهاج"(ص 323).
(3)
هو عصارة الرطب المطبوخ بالنار.
(4)
"منهاج الطالبين"(ص 323).
على حركة خروجِ الرُّوحِ بسببِ ذبحِ الأمِّ الذي أثَّر فيهِ حلَّ حينئذٍ، وإن لم يحلَّ على ذلك حرمَ على الصحيحِ.
ومَن خافَ على نفسِهِ موتًا أو مرضًا مخوفًا، أو طولَ المرضِ أو عِيلَ صَبْرُهُ، أو جهدَهُ الجوعُ أو خافَ الهلاكَ على نفسِهِ، لو لم يأكل أن يضعفَ عن المشي، أو عنِ الرُّكوبِ، وينقطع عن الرفقةِ ويضيعُ لعدمِ المأكولِ الحلالِ، ولم يكن مُراقَ الدمِ ولم يشرِفْ على الموتِ لزمه أكل سدِّ الرمق على الأصحِّ إذا لم يخف الهلاكَ، لو تركَ الشِّبع، فإنْ خافَهُ، لزمهُ الشبع على الأصحِّ، وإذا توقَّعَ حلالًا قريبًا فلهُ أن يأكُلَ ما يردُّ به نفسَه، ويخرجُ به من الاضطرارِ على النصِّ، وإن لم يتوقَّع الحلالَ عن قربٍ، فالأحبُّ إلى الشافعيِّ أن يكونَ أكلُهُ على ما يقطعُ عنهُ الجوعَ، وأنَّه لا يتبيَّنُ له تحريمُ الشبع (1).
وله أكلُ آدميٍّ ميتٍ، إلَّا أن يكونَ نبيًّا أو مسلمًا وكان المضطرُّ ذميًّا، ولا يأكلُ من الآدميِّ غير منَ ذكر إلَّا سد الرَّمق، ويأكله نيئًا، ولا بدَّ مِن فقدِ الميتةِ ونحوِها، وله قتلُ مرتدٍّ عاقلٍ وحربيٍّ لا ذميٍّ ومستأمَنٍ وصبيٍّ وامرأة حربيين.
ولو وجدَ طعام غائبٍ غيرَ مضطرٍ يحضرُ عن قريبٍ أكلَ وغرِمَ قيمتَهُ إن كانَ مُتقوَّمًا، أو مثلهُ إنْ كانَ مثليًّا، ووجدَ المثلَ في غيرِ موضعِ التلفِ، وكانتْ قيمتُهُ في بلدِ التلفِ أكثر، فإن لم يكنْ كذلِكَ غرمَ المثل.
ولو وجدَ طعام حاضرٍ مضطرٍّ لم يلزمه بدله إنْ لم يفضل عنه، إلَّا إذا كان المضطرُّ نبيًّا فإنَّه يجبُ على المالكِ بدلَهُ.
(1)"الحاوي الكبير"(15/ 168).
فإنْ أثر مسلمًا غيرَ مراقِ الدَّمِ شرعًا، ولو كانَ المضطَّرُّ مستأمنًا فكالذِّميِّ.
ولو كانَ صبيًّا من أهلِ الحربِ أو امرأةً منهم أو خُنثى أو مجنونًا، فالقياسُ كمَا قالَ شيخُنا أنَّه يلزمُهُ إطعامُهُم، فإنِ استولَى عليهم بحيثُ رُقُّوا لزمَهُ ذلكَ لهُمْ قطعًا.
ويلزمُهُ إطعامُ المرتدِّ المجنونِ، وحيثُ تعدَّى المالكُ بالمنعِ فللمضطرِّ قهرُهُ، وإن أتَى على نفسِهِ، وإنَّما يلزمُهُ بعوضٍ ناجزٍ إن حضر واحتملَ الحالُ التأخيرَ حتَّى يقعُ الاتفاقُ على العوضِ، فإنْ لمْ يحتملِ الحالُ التأخيرَ وجبَ على صاحبِ المالِ أَنْ يطعمَهُ على الفورِ، ولا يلزمُهُ العوضُ.
ثمَّ إنْ لم يقدر العوض لزمَ المضطرُّ قيمة ما أكَلَ في ذلكَ الزّمانِ والمكانِ، وفيهِ ما يقدم من قولنا، وغرم قيمته إلى آخره.
وإن قدره ولم يفردْ مَا أكلَهُ فالحكمُ كما لو لمْ يقدر.
وإن أفردَهُ فإنْ كانَ المقدَّرُ عن المثلِ أو دونَهُ صحَّ البيعُ، وللمضطرِّ ما فضل، وإن كانَ أكثرَ والتزمَهُ ففيما يلزمه أوجه: أقيسها -وهو الأصحُّ عند القاضي أبي الطيب-: المسمَّى، والثاني -وهو الأصحُّ عند الرويانيِّ-: ثمن المثل في ذلك المكانِ والزمانِ، وفيهِ ما تقدَّم، وهو اختيارُ صاحبِ "الحاوي" إن كانتِ الزِّيادَةُ لا تشقُّ على المضطرِّ ليسارِه لزمته، وإلَّا فلا.
وإن لم يكنْ لَهُ مالٌ ماضٍ لزمه التزامه في ذمَّتِهِ؛ سواء أكانَ لهُ مالٌ غائبٌ أم لا، ويلزمُ المالكُ في هذا الحالِ البيع بنسيئة، ففي حالة أن يكون له مال غائب ينبغي أن يكونَ الأجلُ ممتدًّا إلى وصولِهِ لبلدِ ماله بمقتضَى العادةِ.
وفي حالةِ مَا إذا لم يكنْ لَهُ مالٌ معيَّنٌ أن يكونَ المرادُ بالنسيئة مجرد التأخيرِ، والرِّضَا بالذمة.
وإذا أطعمَهُ ولم يذكر عوضًا فلا عوضَ على الأصحِّ، وإنْ ظَهَرَ ما يدلُّ على عدَمِ العِوَضِ من قرينةِ إباحةٍ أو تصدُّقٍ ونحوهما، فلا عوضَ قطعًا.
وإذا وجدَ المضطرُّ ميتةً وطعامَ غيرِهِ، فإنْ كانَ المالكُ حاضرًا أو بذلَهُ بلا عوضَ أو بثمنٍ مثلِهِ أو بزيادةٍ لا يتغابنُ الناسُ بمثلِها، ومعه ثمنه أو رضي بذمته لزمه القبولُ.
وإنْ لم يبعْهُ إلَّا بزيادةٍ كبيرةً فلا يلزمُهُ شراؤُه على المذهبِ، ويعدلِ إلى الميتةِ.
وإنْ كانَ المالكُ غائبًا، وجبَ أكلُ الميتةَ على الأصحِّ.
وإذا وجدَ المُحْرِمُ المضطرُّ ميتةً وصيدًا أكلها على المذهبِ إذَا لم يجدْ المحرم حلالًا يذبحُهُ. فإنْ وجَدَ حلالًا يذبحُهُ لا للمحرمِ أو للمحرمِ المضطرِّ، يعني: على المضطر الأكل منه، ويحرمُ عليهِ الميتةَ بلا خلافٍ.
وإنْ ذبَحَهُ الحلال للمحرمِ فهو حرامٌ على المحرمِ خاصَّةً، ولا يحرمُ على غيرِهِ، وحينئذٍ يتعيَّنُ على المحرمِ المضطَّرِّ الأكلُ منهُ، ولا يحلُّ لَهُ أكلُ الميتةَ.
والمرادُ بالصيدِ البريُّ لا البحريُّ، ويستثنَى من البريِّ غيرُ المأكولِ كالمتولِّدِ من الذئب والضبع، فإنَّه لو وجدَهُ المحرمُ المضطرُّ ووجدَ الميتةَ قدَّم الميتةَ بلا خلافٍ.
ويحرم قطعُ بعضِهِ لأكلِهِ على الأصحِّ، ومحلُّ الخلافِ في غيرِ ما يجوزُ قطعُهُ كسليمه، وأن تفقد الميتةُ ونحوها، وأن يكون الخوف في قطعهِ أقل، والأصحُّ جوازُهُ بقدرِ ما يدفعُ المخوف.
ويحرمُ قطعَ بعضِهِ لغيرِهِ، والحضو المعصوم من غيره (1).
(1)"تحفة المحتاج"(9/ 396 - 397).