الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوليُّ: بل مات بالسراية، فإن كان السبب مطلقًا وأمكن الاندمالُ فالقولُ قولُ الجاني بيمينهِ، على قياسِ ما سبقَ فِي الصورةِ قبلها، وإنْ لم يمكنِ الاندمالُ فهوَ كما لو عينَ سببًا غيرَ الاندمالِ، فيصدَّقُ الولي هنا على الأصحِّ.
ولو أوضحَ رأسَهُ موضحتين ثمَّ رفع الحاجزَ بينهما وقال: رفعته قبل الاندمالِ فلا يلزمني إلَّا أرش واحدٌ (1)، وقال المجني عليهِ: بل بعده. فعليك ثلاثة أروش، فإن قصر الزمانُ بحيث لا يكون الاندمالُ ممكنًا صُدِّقَ الجاني بلا يمينٍ.
وإن قصُرَ الزمانَ وكانَ الاندمالُ ممكنًا مع بُعْدٍ فيصدَّقُ الجاني باليمين، وإن طالَ الزمانُ صدقَ المجني عليه، وإذا حلفَ وجبَ أرشان، ولا يثبت الثالثُ على الأصحِّ.
نادرةٌ فقهيةٌ:
وهي أن كلًّا من المدعي والمدعَى عليه صُدِّق فِي أمرٍ واحدٍ فِي شيء دون شيء، لأنَّا صدقنا المجنيَّ عليه فِي أن الرفعَ كان بعد الاندمال لإثبات أرشين لا لإثبات ثالث، وصدقنا الجاني فِي أن الرَّفع كان قبل الاندمال حتَّى لا يجبَ الأرشُ الثالثُ لا فِي إيجاد الأرشِ، وأمَّا أن الإنسان يصدَّقُ فِي شيءٍ دونَ شيءٍ فذاك فِي صورٍ كثيرة، لكن ندرتْ هذه لوجودِ ذلك من الجانبينِ.
فصل
المذهبُ المنصوصُ أنَّ القصاصَ فِي النفسِ يستحقُّه جميعُ الورثةِ على فرائضِ اللَّهِ تعالى.
(1) روضة الطالبين (9/ 213).
وإذا مَاتَ مستحقُّ قصاصٍ فإنَّه يثبت لجميع ورثته كذلك بلا خلافٍ، وقد يثبت القصاص يعني الوارث فِي صورةِ مَن ارتدَّ بعد الجراح كما سبقَ، ويثبت للمالكِ فِي عبدِه وللإمامِ فيمن لا وارثَ لَهُ على الأظهرِ.
ولا يثبتْ للورثةِ فِي قطعِ الطريقِ، بل الأمرُ فيه للإمامِ، ويُنْتَظَرُ في غير قاطع الطريقِ غائِبُهُمُ وكمال صبيهم ومجنونهم، ويحبس فِي حال الانتظارِ ولا يخلى بالكفيل، والمتولي لذلك الحاكم دونَ ولي الصَّبيِّ والمجنونِ؛ لأنَّ أمر أنفذ من أمرِ الوليِّ، فإن أرادَ الوليُّ ملازمتَه لم يُمْنَعْ منه.
ولا نَقِفُ حبسَ الحاكمِ لهُ على الاستعداء إليه وينفردُ به إذا ثبت عنده القتلُ لما يجب عليه من حفظِ الحقوقِ على المولَّى عليهم. صرَّح بذلك كلُّه الماورديُّ.
ويستثنى مستحقو القصاصِ على واحدٍ أو ليوكلوا أجنبيًّا حيث لم يكنْ ذلك المتفق عليه منهُم، أو الوكيل الأجنبي كافرًا فِي قتلِ المسلمِ، فإن كان كافرًا لم يمكَّن من ذلك، فإن أسلمَ الوارثُ قَبْل الاستيفاءِ مُكِّن منه.
وإن أسلمَ بعضُ الورثةِ واتفقوا على أنَّه يستوفى جاز، فإن تراجعوا أقرع بينهم إن كان القتل بجارح أو مثقَّل يحصل باجتماعهم عليه زيادةٌ فِي تعذيبِه.
فأمَّا إن كان القتل بإغراقٍ أو بحريقٍ أو رمي صخرةٍ عليه، فإنَّه إذا اجتمع الورثة على ذلك فُعل، ولا يحتاج إلى قرعةٍ.
وإذا خرجتِ القرعةُ لأحدِهم فِي صور الاحتياجِ إليها، فلا يستبدُّ بها بالاستيفاء، ولا بدَّ من إذنِ الباقين فِي الاستيفاءِ، ولا يدخلُ فِي القرعةِ العاجزُ على ظاهرِ نصِّ الشافعيِّ فِي "الأمِّ"، وهو المعتمدُ فِي الفتوى، وقال فِي "الروضةِ" أنَّهُ الأصحُّ عند الأكثرينَ، ولم يذكر ترجيح ما صححه فِي
"المنهاج" من أحدٍ، ونسب الرافعيُّ فِي "الشَّرح" ترجيحه إلى صاحب "التهذيب"، وقال: إن مقابله أرجح عندَ القاضي ابن كَجٍّ وأبي الفرج والإمام وغيرهم، وجرى فِي "المحرر" على ترجيح البغوي وخالفه فِي "الشَّرح الصَّغير" فقال: إن الأظهر منع دخول العاجز.
وإذا بادر أحدهم فقتله عالمًا بالتحريمِ فلا قصاصَ على الأظهرِ، وكذا إنْ كانَ جاهلًا لا قصاصَ عليهِ بلا خلافٍ، كما قالهُ فِي "الروضةِ" تبعًا للشرحِ. لكن الخلافَ موجودٌ.
قال شيخنا: وعندي يجري الخلافُ بالترتيبِ، وأولى بأن لا يجب. انتهى.
وأعلم أن محلَّ الخلافِ ما إذا لم يكن هناك حكم من الحاكم يمنع المبادِر من القودِ، فإن كانَ قد قبلهُ بعدَ حكمِ الحاكمِ بمنعِهِ من القودِ، فإنَّهُ يجبُ عليهِ القودُ قطعًا.
وفِي كلام الماورديُّ ما يقتضي إثباتَ خلافٍ فِي ذلك، وليس بالمعتمد، كما قاله شيخنا، ومحل الخلافِ أيضًا ما إذا لم يحكم له حاكمٌ باستقلاله بالقصاصِ، فإن حكم له حاكم بذلك فإنَّه لا قود على المبادر قطعًا، وفِي كلام الماوردي ما يقتضي إثباتَ خلافٍ فِي ذلك، وهو مردودٌ كما قال شيخنا، إذا كان هذا قد قال به جمعٌ من العلماءِ، ولهُ وجهٌ من النظرِ.
وإنْ كانتِ المبادرةُ بعدَ عفوِ سائرِ الشركاءِ أو بعضِهم، فالأظهرُ وجوبُ القصاصِ، وليسَ لمن يستحقُّ القصاصِ أن يستقل به، بل يستوفَى بإذنِ الإمامِ، فإنِ استقل عُزِّر.
وإذا راجعَ الإمام ورآه أهلًا فرض إليه قصاص النفس لا الطرف على النصِّ.
وإذا أذنَ له فِي ضربِ الرقبةِ فأصاب غيرَها عامدًا عزَّره ولم يعزله.
وإن قال: أخطأتُ -وهو محتمل- فلا يعزَّر ولا يُعزلُ فِي صورةِ الخطأ الممكن، وهو يُحسَّنُ على ما عليهِ النصُّ وما عليه الفتوى عند أئمةِ المذهبِ.
وأجرةُ الجلَّادِ على المقتصِّ منهُ على المنصوصِ، ومحلهُ إذا لم ينصبِ الإمامُ من يقيمُ الحدود ويرزقه من مالٍ للصالحِ، فإن نصبه فلا أجرةَ له؛ لأنَّه واجبٌ عليه، ومحل وجوبها على المقتصِّ منه إذا كان موسرًا، فإن كان معسرًا ففِي "التتمة": إن كان القصاص فِي النَّفس استقرض على بيت المال، وإن كان فِي الطرفِ فوجهان: أحدهما: كذلك، والثاني: يستقرض على الجاني على الأصحِّ.
للمستحقِّ القصاصُ على الفور، ولو التجأَ الجاني إلى الحرمِ فله الاستيفاءُ فيه، ويستثنى من اعتبار الفور ما إذا التجأ إلى المسجد الحرامِ وغيره من المساجدِ، فإنَّه يُخْرَجُ منه ويقتل؛ لأنَّ هذا تأخيرٌ يسيرٌ، وفيه صيانةٌ للمسجدِ، وفيه وجهٌ أنَّه يبسط الأنطاع ويقتلُ فِي المسجد تعجيلًا لتوفيةِ الحقِّ وإقامةً للهيبة.
ومما يستثنَى أيضًا: الالتجاءُ إلى الكعبةِ أو إلى ملكِ إنسانٍ لا نعرف رضاه بالقتل فِي مِلكهِ، فإنَّه يُخْرَجُ، وكذلك لو التجأ إلى مقابرِ المسلمينَ ولا يمكن قتله إلَّا بإراقةِ الدَّمِ عليها، فإنَّه يُخرج منها.
ولا يؤخَّرُ القصاصِ فِي النفسِ بشدةِ الحرِّ والبردِ والمرضِ (1)، وأمَّا فِي الطرفِ
(1) روضة الطالبين (9/ 225).
فيؤخَّرُ فِي الحالاتِ المذكورةِ كما نصَّ عليه الشافعيِّ فِي "الأم"(1) فِي ترجمةِ أمر الحاكم بالقودِ ولفظُهُ: (وإذا كنتُ أقيدُ بالقتل لم أُؤَخِرْهُ بالمرضِ، وهذا (2) إذا كان القودُ فِي بلادٍ باردةٍ وساعة باردةٍ، أو بلاد حارَّةٍ وساعةٍ حارَّة، فإن كان ما دونَ النفسِ أخِّر حتَّى يذهب حدُّ البردِ وحدُّ الحرِّ، ويقتصُّ منه فِي الحالة التي ليست بحال تلفٍ ولا شديدة مدة المباينة لما سواها من الأحوالِ، وكان حكمُ الحرِّ والبردِ وحكم مرضه يقتصُّ منه فِي النفسِ ولا يقتصُّ منه فيما دونها) هذا نصُّه، وهو المعتمدُ خلافًا لما فِي "المنهاج"(3) تبعًا لأصلِه من إطلاق عدم التأخيرِ فِي هذه الحالاتِ، فإنَّه ليس بمعتمدٍ.
ويؤخَّرُ قصاصُ حاملٍ فِي نفسٍ أو طرفٍ إلى الوضعِ وارتضاعِ اللِّبَأِ، ثم فِي النفسِ إلى أَنْ يستغنِي بغيرِها، أو يُفطمُ حيث يجوز، ولا يزاد على حولين، وتحبس الحاملُ إن طلب المستحقُّ الذي يقتص بطلبه. والنصُّ تصديقُها فِي حملِهَا يعني تخيُّلهُ حيثُ أمكنَ أن تكونَ حاملًا عادةً، فلو كانت آيسة لم يصدق، واكتفِي بدلالةِ الإياسِ، وهو معنى قولِ الشافعيِّ: أو يعلم أنَّه لا حملَ بها.
ومن قُتلَ بمحددٍ أو غيره من تخنِيقٍ وتغريقٍ وتحريق وتجويع، اقتصَّ منه بمثلِ فعلِه (4).
(1) في الأم (6/ 60).
(2)
في الأم: "وهكذا".
(3)
"المنهاج"(ص 296).
(4)
روضة الطالبين (9/ 229).