الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرع:
تغلظُ يمينُ مدعٍ، ومدعًى عليه فيما لا يثبتُ بالشَّاهدِ واليمينِ (1)، وفي ما لا يبلغُ عشرينَ دينارًا عينًا، أو قيمةً، وحقُّ مال يبلغُ ما ذكر، وإن رأى القاضِي جرأةً في الحالفِ غلَّظَ فيما دونَ ذلكَ.
قال شيخُنا: والذي يظهرُ أنَّ التغليظَ بذكرِ الأسماءِ والصِّفاتِ يفعلهُ القاضِي فيما دونَ النصابِ، وإنْ لم تظهرْ جُرأةُ الحالِفِ.
وقدْ ذكَرَ شيخُنا في اللعانِ ما يسنُّ فيه التغليظُ بالزَّمانِ والمكانِ؛ ومن التغليظِ أَنْ يقولَ: واللَّهِ الذي لا إله إلَّا هوَ عالمِ الغيبِ والشهادَةِ الرَّحمنِ الرحيمِ، الذي يعلمُ السِّرَّ، ما يعلم من العلانيةِ. أو يقول: واللَّهِ الطالبِ الغالبِ المدركِ المهلكِ الذي يعلمُ السرَّ وأخفَى.
واعلم أنَّ اليمينَ إمَّا أن تكونَ في جانِبِ المدَّعى عليه، أو في جانب المدَّعِي، فإن كانت في جانبِ المدَّعى عليه في الإثباتِ فيحلفُ على البتِّ، أوَ في النفي والمطلوبِ بالدعوى لاقاه ابتداءً، ويمكنُ اطلاعُهُ على سببِ الملاقاةِ حالة ضرورةٍ، وليسَ مما يغيبُ غالبًا عنِ المدعَى عليه، فإنَّ الحلفَ فيهِ يكونُ على البتِّ، وإن لم يلاقِهِ ابتداء؛ لأنَّه وارثٌ ولأنَّه لا تعلق له بالسببِ المدعَى به عند ضرورةٍ، أو لاقاهُ ابتداءً لكنْ لا يمكنُ اطلاعُهُ على سببِ الملاقاةِ، وليسَ من شأنِهِ أن يشتهرَ، فإنَّ الحلفَ يكونُ فيه على نفي العلمِ، وإن كانتِ اليمينُ من جانبِ المدعي، فهي على البتِّ دائمًا، إلَّا إذا كانتْ لدفعِ معارضٍ لا لإثباتِ المطلوبِ مع تصوُّرِ الحلفِ على نفي العلمِ.
*
ضابطٌ:
لا يكونُ اليمينُ في جانبِ المدَّعي في غيرِ الردِّ إلَّا في خمسةِ
(1)"المنهاج"(ص 353)، و"تحفة المحتاج"(10/ 311)، و"مغني المحتاج"(6/ 416).
أبواب: بابُ القسامَةِ، وبابُ اللعانِ، وبابُ اليمينِ مع الشَّاهِدِ، وبابُ الأمناءِ المدَّعين للردِّ على مَن ائتمنهم غير المرتهنِ والمستأجرِ والمتلفِ مطلقًا، ويدخلُ (1) في هذا البابِ ما يدَّعيه المالكُ في الزكاةِ؛ لأنَّه جعل أمينًا على ما خوَّلَهُ اللَّهُ تعالى. وكذلكَ يدخلُ فيه ما ائتمنتِ المرأةُ عليهِ من حيضٍ وولادَةٍ على ما هو مفصَّلٌ في موضعِهِ، والبابُ الخامسُ: بابُ التحالفِ، فإنَّ اليمينَ جعلتْ فيه في الإثباتِ في جانبِ المدَّعي، وهو خارجٌ عنِ الأبوابِ السابقةِ من وجهينِ:
أحدهما: أنَّ جميعَ الأبوابِ السابقةِ اليمينُ فيها يعملُ بها في ذلك الشيءِ، بخلافِ الإثباتِ في التحالفِ، فإنَّه لا يثبتُ للمدعي حقًّا، ولهذا أسقطَهُ بعضُ الأصحابِ بيمين (2) الإثباتِ.
والثانِي: أنَّ (3) جامع بين النفي والإثباتِ بخلافِ الأبوابِ السابقةِ.
* * *
وإذا ادَّعى دينًا لمورثِهِ (4) فقال: "أبرأني مورِّثُكَ وأنتَ تعلمُ أنَّهُ أبرأنِي من هذا الدينِ المدَّعى به". حلفَ على نفي العلمِ بالبراءةِ، وكذلك إذا ادَّعى عينًا يستحقُّها بطريقِ الإرثِ من مورثِهِ، وأتَى بالدَّعوى على وجهها، فقال المدعى عليه:"اشتريتُها من مورِّثك". أو: "وهبنيها" -أو نحو ذلك- "وأنتَ تعلمُ ذلك" فإن الوارثَ يحلفُ على نفي العلمِ.
(1) اللفظ مكررٌ في الأصل.
(2)
في الأصل كأنها: "يمين".
(3)
كذا بالأصل، ولعل صوابَها:"أنَّه".
(4)
"المنهاج"(ص 353)، و"تحفة المحتاج"(10/ 314)، و"مغني المحتاج"(6/ 418)، و"نهاية المحتاج"(8/ 353).
ولو قال (1): جنَى عبدُك عليَّ بما يوجبُ كذا جنايةً متعلِّقةً برقبتِهِ، فسلمهُ ليُباعَ فيها. أو فأقدْهُ بأقلِّ الأمرينِ. فيحلفُ السيدُ إذا أنكرَ على البتِّ على الأصحِّ.
ولو أمرَ السيدُ عبدَهُ الذي لا يميزُ، أو الأعجميَّ الذي يعتقدُ وجوبَ طاعةِ السيِّدِ في كل ما يأمرُ بِه، فالجانِي هو السيِّدُ، ويحلفُ على البتِّ قطعًا.
ولو قال (2): جنتْ بهيمتُك علىَّ أو على زرعي -ونحو ذلك- مما يوجب عليكَ كذا من جهةِ تقصيرِك. فأنكَرَ على البتِّ، وحكمُ العبدِ المجنونِ الضاري بطبعِهِ كالبهيمَةِ، حتَّى يحلفَ السيِّدُ على البتِّ إذا قصَّرَ في حفظِهِ، وأتلفَ هذا الضَّارِي شيئًا.
وما حلفَ فيه على البتِّ لا يشترطُ بجوازِهِ اليقين، بل يجوزُ البتُّ بناءً على ظنٍّ مؤكَّدٍ يحصلُ من خطِّه أو خطِّ أبيهِ، وإنما يحلفُ المدعى عليه إذا طلبَ المدعي يمينَهُ، فإن لم يطلبْ ولم يقلع عنِ المخاصمةِ فلا يحلفه القاضي (3)، وهذا حيث احتيجَ إلى طلبِ اليمينِ، فإنْ لم يكنْ كذلكَ، كما لو كانتِ الدَّعوى لمحاجيرَ الحاكمِ، وكذا يمين الردِّ واليمين مع الشاهدِ، ويمين الأمناءِ الذينَ يدعونَ التَّلفَ، والردُّ على من ائتمنهم. وغيرُ الأمناءِ المذكورينَ الذين تفيد يمينهم ما لم يكنْ، فلا يحتاجُ في ذلكَ إلى طلبِ الخصمِ.
ومما يعتبرُ في الحلفِ استحلافُ القاضِي، فلو حلفَ الخصمُ بعد طلبِ خصمِهِ على ما سبقِ، وقبلَ استحلافِ القاضِي، لم يعتدَّ باليمينِ. نصَّ عليه الشافعيُّ. واتفقَ عليه الأصحابُ.
(1)"المنهاج"(ص 353)، و"تحفة المحتاج"(10/ 314)، و"مغني المحتاج"(6/ 418)، و"نهاية المحتاج"(8/ 353).
(2)
"المنهاج"(ص 353)، و"تحفة المحتاج"(10/ 314).
(3)
"المنهاج"(ص 353)، و"تحفة المحتاج"(10/ 314).
وتعتبرُ نيَّةُ القاضِي المستحلفِ الموافقة لظاهِرِ اللفظِ الواجب في الحلف؛ إن لم يكنِ الحالفُ محقًّا في الذي نواهُ، فإن كانَ محقًّا فيه فالعبرةُ بنيَّتِهِ لا بنيةِ القاضِي، والحالفُ هو كلُّ مَن يتوجَّه عليه دعوى صحيحة لو أقرَّ بمطلوبها ألزم، فإذا أنكرَ حلفَ عليه.
ويستثنى من ذلكَ القاضِي، فلا يحلفُ، وقال الماورديُّ: كلُّ مَن نهي عن الكتمانِ كانَ القولُ قولُهُ بيمينٍ. واليمينُ يفيدُ قطعَ الخصومَةِ في الحالِ، إلَّا البراءَةَ، فلو حلفه ثم أقامَ بينةً حكمَ بها، ويستثَنى من ذلك صورةً واحدةً، وهي ما إذا ادَّعى إنسانٌ أنَّه أودعَ عندَ إنسانٍ شيئًا، فأجابَ المدعى عليه بنفي الاستحقاقِ، وحلفَ على ذلك، فإنَّ هذا الحلفَ يفيدُ البراءةَ، حتى لو أقامَ المدَّعي بينةً بأنَّه أودَعهُ الوديعةَ المذكورَةَ، فلا أثرَ لها؛ لأنَّ نفيَ الاستحقاقِ قد وقعَ الحلفُ عليه، ولم تقمِ البينةُ بما يخالفُهُ.
وإذا قالَ المدعَى عليهِ: قد حلَّفني مرَّةً، فليحلفْ أنَّه لم يحلِّفْنِي. فالأصحُّ أنَّه يمكَّنُ منهُ. فإنْ قالَ القاضِي: قد حلَّفني له مرَّةً في هذا المدَّعَى به، وكان القاضِي يعرفُ ذلك، لم يحلِّفْهُ قطعًا.
وإذا نكلَ حلف المدعي وقُضِيَ له بما يقتضيهِ الحالُ، وإنما يحصُلُ النكولُ بأنْ يعرضَ القاضِي اليمينَ عليه، فيمتنعُ، وفُسرَ العرضُ بأنْ يقولَ: قُلْ: واللَّهِ. والامتناعُ بأنْ يقولَ: لا أحلفُ. أو: أنا ناكلٌ، ولو قالَ لهُ القاضِي: قُل: باللَّهِ. فقال: بالرحمنِ. كان ناكلًا.
وإذا صرَّح بالنكولِ، فلا بدَّ فيهِ من الحكمِ بأنَّه ناكلٌ، فإن سكتَ زمنًا يسمعُ (1)
(1) كذا بالأصل، ولعل صوابها:"يسعُ".