الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتكفي شهادةُ اثنين على الشاهدينِ، على الأظهرِ (1)، وشرطُ قبولها تعذُّر أو تعسُّر الأصيلِ بموتٍ، وكذا عمى على الصحيح، أو مرضٍ يشقُّ معه حضورُهُ أو غيبة إلى ما فوق مسافة العدوى، وقيل: قصر، وأن يسمِّيَ الفرعُ أصلَهُ، ولا يشترطُ أن يزكيهم الفروعُ، فإن زكوهم قبلوا، وإن شهدوا على شهادَةِ عدلينِ أو عدولٍ، ولم يسموهم لم يجز (2).
* * *
فصل
رجعوا عن الشَّهادَةِ قبلَ الحُكمِ امتنعَ الحكمُ (3)، إن لم يبقَ بعد الراجح النصابُ المعتبرُ في ذلك المحلِّ، وإذا بقي في المالِ واحدٌ، وقال صاحبُ المالِ: حلِّفونِي مع شاهدي، فإنَّهُ يُجابُ إلى ذلكَ، ولا يمتنعُ الحكمُ حينئذٍ.
وإن رجعوا قبلَ الحكمِ وبعدَ الاستيفاءِ فإن كانَ في عقدٍ أو مالٍ استُوفي على المذهبِ، وقيل: لا يستوفي، أو عقوبةٍ فلا تستوفَى، وإن رجعوا بعدَ الاستيفاءِ فإنْ كان المتسوفى قصاصًا أو قتلَ ردَّةٍ أو رجم زنًا أو جلدًا ومات عن الجلد الخارجِ عنِ الحدِّ إلى أن صارَ يقتل غالبًا، أو قطعَ سرقةٍ، وقالوا:"تعمَّدنا وعلمنا أنَّه يقتلُ أو يقطعُ بشهادتنا"، فعليهمُ القصاصُ حيث اقتضَى الحالُ إيجابُ القصاصِ وديةٌ مغلَّظة، حيث اقتضى الحالُ إيجابُ الدِّيةِ (4).
(1)"منهاج الطالبين"(ص 349 - 350).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 349 - 350)، و"تحفة المحتاج"(10/ 278)، و"مغني المحتاج"(6/ 391)، و"نهاية المحتاج"(8/ 327)، و"السراج الوهاج"(ص 612).
(3)
"منهاج الطالبين"(ص 350)، و"تحفة المحتاج"(10/ 278).
(4)
"منهاج الطالبين"(ص 350).
وكذلك الحكمُ لو قالَ أحدهما: "تعمَّدتُ ولم أعلم حالَ من شهد معي"، وقال صاحبُهُ مثلُهُ، واقتصَرَ على قوله:"تعمَّدتُ"، ولو قالَ أحدهما:"تعمَّدتُ أنا وصاحبي"، وقال الآخرُ:"أخطأتُ، أو أخطأنا، أو تعمَّدت وأخطأ صاحبي"، فلا قصاصَ على الثاني، وعلي الأوَّلِ القصاصُ على الأصحِّ.
وإذا لم يمتْ من الجَلْدِ تعلَّقَ بهم التعزيرُ، وإن حصلَ أثرٌ في بدنِ المحدودِ بحيثُ يقتضِي الحالُ إيجابَ حكومةٍ، فإنَّه يجبُ عليهم ذلكَ، ويجبُ على القاضِي القصاصُ إنْ قالَ: تعمَّدتُ.
وإذا اقتضى الحالُ إيجابَ الديةِ، فعلى القاضِي إذا رجع وحدَهُ كلَّ الديةِ، نظرًا إلى استقلالِ جهةِ الحكم كاستقلالِ جهةِ الشهادَةِ إذا رجعَ الشهودُ وحدهم، وإن رجعَ القاضِي والشهودُ، فالقصاص على القاضِي وحدَهُ على الأصحِّ، كما إذا رجعَ الوليُّ والشهودُ، فإدنَ القصاصَ يختصُّ بالوليِّ، ولو رجعَ مُزكٍّ تعلَّق به القصاصُ عند وجودِ مقتضيه على أصحِّ الوجوهِ في "الروضةِ" تبعًا للشرحِ.
وإن رجعَ الوليُّ وحدَهُ فعليه قصاصٌ أو ديةٌ أوْ مَعَ الشُهودِ، فكذلكَ، وقيلَ: هو وهم شركاءٌ، ثم محلُّ اختصاصِ الوليِّ بالقصاصِ أوِ الدِّيةِ إذا توقَّفَ الحكمُ على طلبِ الوليِّ، وكانَ في القصاصِ المحصنِ، فأمَّا إذا كانَ القتلُ في قطعِ الطريقِ، فلا أثرَ لرجوعِهِ، ولو قُلنا: إن المغلَّبَ فيه معنى القصاصِ، للاتفاق على أنَّه لا يسقطُ بعفوِه، وحينئذٍ فإذا استمرَّ القاضِي والشهودُ على ما صدر منهم فلا قصاص على الوليِّ، ولا ديةَ، كما سبقَ في قطعِ الطريقِ.
وإذا شهدوا بطلاقٍ بائنٍ أو رضاعٍ محرِّمٍ، أو لعانٍ أو فسخٍ بعيبٍ، أو غيرها
من جهاتِ الفراقِ، وقضى القاضِي بشهادتِهما، وفرَّقَ بينهُما بعدَ الحُكمِ، ثم رجَعَا لم يرتفعِ الفراقُ، وعليهم مهرُ المثلِ للزَّوجِ المشهودِ عليهِ إلَّا في صورٍ (1):
إحداها: إذا ماتَ الزَّوجُ بعدَ حُكمِ القاضِي بما صدرتْ به شهادَةُ الشُّهودِ، ثم رجعَ الشُّهودُ، فإنَّهم لا يغرمونَ لورثةِ الزَّوجِ شيئًا.
الثانية: إذا أبانَ الزوجةَ بطريقٍ من الطُّرقِ بعدَ الحكمِ عليه بالبينونةِ على زعمهِ في أنَّ عصمتَهُ باقيةٌ، ثم رجعَ الشُّهودُ، فإنَّهم لا يغرمونَ له شيئًا.
الثالثةُ: أَنْ ينكِرَ الزَّوجُ، وتقومُ عليهِ الشَّهادَةُ ويحكمُ القاضِي بها، ثم يقولُ الزوجُ إنَّ الشهودَ محقُّونَ فيما شهدُوا بِهِ، ثم يَرجِعونَ أو يُرجَعونَ، ثم يقولُ الزوجُ: هم محقُّونَ في شهادتِهم، فلا تغريمَ في واحدَةٍ من هاتينِ الصُّورتينِ.
الرابعةُ: أَنْ تصدُرَ الشَّهادَةُ بالطَّلاقِ على عوضٍ على المرأةِ، أو على أجنبيٍّ نظيرَ مهرِ المثلِ، أو زائدٍ عليه، ويقضي القاضِي بشهادتِهم ثمَّ يرجعوا، فإنَّهم لا يغرمون للزوجِ شيئًا، كما صرَّحَ به الماورديُّ، ورجَّحَ شيخُنا الغرمَ، فعليهِ لا استثناءَ.
الخامسةُ: إذا كانَ الزوجُ المشهودُ عليه بالبينونةِ عبدًا غيرَ مكاتَبٍ، فإنَّه لا يثبتُ له التغريمُ، لأنَّه لا يملكُ شيئًا من المالِ، ولا يمكنُ أن يثبتَ الغرمُ لمالكِهِ لعدمِ تعلُّقِه بزوجة عبده، ويجبُ في قولٍ نصفٌ المهر إن كانَ قبلَ وطئ، ومتى شهدوا بطلاقٍ وحصلَ التفريقُ، ثم رجعوا فقامتِ بينةٌ إن كان بينهما رضاعٌ محرِّمٌ، فلا غرمَ.
(1)"منهاج الطالبين"(ص 350)، و"روضة الطالبين"(11/ 300)، و"مغني المحتاج"(6/ 394).
ولو رجعَ شهودُ مالٍ غرموا في الأظهرِ إذا لم يشهدُوا بعوضِ المالِ الذي فوَّتوهُ بشهادتِهم بقدرِ قيمتِهِ، فإن شهدوا بذلك، فلا غرمَ.
* * *
ومتى رجعَ الشُهودُ كلُّهم في أمرٍ متحدٍ في الواقعةٍ وزِّعَ عليهمُ الغرمُ، حيث ثبت التغريمُ، وإن رجعَ بعضُهم، وبقي نصابٌ فلا غُرمَ على النصِّ، وقيل: يغرمُ قسطَه، وإن زادَ ونقصَ بالرجوعِ كانَ على الراجعِ حصَّةٌ بمقتضَى التوزيعِ على الكلِّ (1).
وإن شهدَ رجلٌ وامرأتانِ ثمَّ رجعُوا فعليه نصفٌ وهما نصفٌ، أو رجلٌ وأربعُ نسوةٍ في رضاعٍ، ثم رجعَ الرجُلُ وحدَهُ، فلا غُرمَ عليه على الأصحِّ، لبقاءِ أربعِ نسوةٍ، وإن رجعَ امرأتانِ فقط فلا غرمَ عليهما، على الأصحِّ لبقاءِ رجلٍ وامرأتينِ، وإنْ رجعَ رجلٌ وامرأةٌ، فقد نقصتِ الحُجَّةُ، فيكونُ على الراجِعينَ نصفُ الغرمِ، وهو حصَّتُهم بمقتضَى التوزيعِ على الكُلِّ، وكذلكَ لو رجعَ ثلاثُ نسوةٍ وبقي رجلٌ وامرأةٌ، ولو رجعَ رجلٌ وامرأتانِ، فعليهم ثلثا الغرمِ، ثلثٌ على الرجلِ، وثلثٌ على المرأتينِ، وإذا شهدَ رجلٌ وأربعٌ بمالٍ، ثم رجعَ الرجلُ وحدَهُ غرمَ بلا خلافٍ تفريعًا على الغُرمِ في المالِ، وهو الأرجحُ، ويغرمُ النصفُ على مقتضَى ما صحَّحُوه، وعلى مقابله الثلث، ولو قيلَ: يغرمُ الكلُّ لكانَ له وجهٌ؛ لأنَّ الرجلَ الأصلُ، والنساءُ لا مدخلَ لهنَّ في الأموالِ إلَّا تبعًا، فإذا زالَ المتبوعُ زالَ التابعُ. نبَّه على ذلك شيخُنا.
وإن رجَعَ من النسوةِ ثنتانِ فلا غُرمَ عليهما، وإن رجع ثلاثٌ غرمنَ النصفَ على مقتضَى النصِّ؛ توزيعًا للكل على الكُلِّ. وإذا رجعَ الشاهدُ في صورةِ
(1)"منهاج الطالبين"(ص 350)، و"تحفة المحتاج"(10/ 284).
الشاهدِ واليمينِ، غرمَ النصفَ على الأصحِّ بناءً على أنَّ القضاءَ بهما، وهو الأصحُّ، والأرجحُ كما قالَ شيخُنا أنَّ شهودَ إحصانٍ مع شهودِ زنًا، أو صفة مع شهود تعليق طلاقٍ وعتقٍ يغرمون (1).
* * *
(1)"المنهاج"(ص 350)، و"مغني المحتاج"(6/ 396)، و"السراج الوهاج"(ص 613).