الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب اللغة
هو لغةً: التعدِّي والظلم، سمي البغاةُ بذلكَ لظلمهمْ وعدولِهم عن الحقِّ، وهو جمعُ باغٍ تجاوزَ الحدَّ في الفسادِ، كما يُقالُ: بغتِ المرأةُ أو من الظلمِ، كقوله تعالى:{ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} .
والأصلُ في الباب قولُه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الآية.
وفِي الصحيح أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعمَّارٍ: "تقتلك الفئة الباغية"(1) وأجمعتِ الصحابةُ رضي الله عنهم على قتال البغاةِ.
(1)"صحيح البخاري"(436) و"صحيح مسلم"(2916).
وتعريفُ البغاةِ في اصطلاحِ العلماءِ أنَّهم: مخالفو الإمامِ العدلِ بخروجٍ عليه وتركِ الانقيادِ لَهُ، أو امتناعِهم من أداءِ حقٍّ يوجبُه عليهم.
ومنْ صُورِ البُغاةِ: ما نصَّ عليه الشافعيُّ رضي الله عنه في "الأمِّ"(1) و"مختصرِ المزنيِّ"(2) الفرقتانِ منَ المؤمنينَ اللتانِ اقتتلتا فأصلحَ بينهما المؤمنونَ غيرهما، ثم بغتْ أحدهُما على الأخرَى، فهي باغيةٌ، ولم تخرجْ على الإمامِ.
ويشترطُ في البغاةِ أن تكونَ جماعةٌ لهم منعةٌ وتأويلٌ بُطلانِهِ مظنون، ويشترط في الفرقةِ الخارجةِ على الإمامِ وتريدُ خلعهُ وتزيلُ حكمه وتحكم عليه نصب إمام قطعًا، وأما الفرقةُ الخارجةُ على الإمامِ ولا تريدُ خلعهُ ولا إقامةَ غيرِه فلا يشترطُ فيها نصبُ إمامٍ قطعًا، خلافًا لما في "المنهاجِ".
ولو أظهرَ قومٌ رأيَ الخوارجِ كتركِ الجماعةِ وتكفيرِ ذي كبيرةٍ، إن لم يقاتلُوا أو لم يكنْ على المسلمينَ ضررٌ منهم فإنَّهم يُتركون حينئذٍ.
وإن تأولوا وقامتْ لهم شوكةٌ ونصَّبوا إمامًا ولم يجعلهم مرتدينَ وقاتلُوا فلهم حكمُ البغاةِ، كما هو مذهبُ الشافعيِّ.
وأمَّا الذينَ كابرُوا وليسَ لهم تأويلٌ، وأخذوا الأموالَ وسفكُوا الدماءَ على الوجهِ المذكورِ فحكمهم حكمُ قُطَّاعِ الطريقِ.
وتقبلُ شهادةُ البغاةِ إن لم يستحلُّوا دماءَ أهل العدلِ وأموالَهم، ويُقبلُ قضاءُ قاضيهم فيما يقبلُ قضاءُ قاضينا إلَّا أن يستحل الحكمَ بالباطلِ ليتوصَّل بذلك إلى إراقةِ دمائِنَا بالباطلِ، وإتلافِ مالنا ونحو ذلك، ولو وردَ من قاضِي
(1)"كتاب الأم"(4/ 214 - 216).
(2)
"مختصر المزني"(ص 255).
البغاةِ كتابٌ على قاضينا ولم يُعلمْ أنَّه ممن يستحلُّ دماءَ أهلِ العدلِ أم لا، ففِي قبولِه والعملِ به قولانِ حكاهُما ابنُ كَجٍّ، قال: واختيارُ الشافعيِّ منهما المنعُ، ومحلُّ قبولِ قضاء قاضيهم وكتابه في الفرقةِ التي خرجتْ بشوكةٍ، والتأويلِ وخلعتِ الإمامَ ونصبتْ إمامًا غيره -كما تقدَّم.
فأمَّا التي لم تخرجْ على هذا الوجهِ، فإنَّه لا قاضي لهم ينفُذُ حكمُه، ولا يحكَمُ بكتابِه، ولو أقام إمامُ أهلِ البغي حدًّا أو أخذَ زكاةً وجزيةً وخراجًا، وفرق سهم المرتزقة على جندهم صحَّ، فلو فعلَ ذلك آحاد رعيته الذي لم يجعل له ذلكَ أو الفرقة التي منعتِ الواجبَ عليها من غيرِ خروجٍ على الإمامِ لم يقعْ شيءٌ من هذا الموقعِ.
ومحل صحَّة أخذهم الزكاةَ ما إذا لم يتعجلوا منهم ذلك قبلَ الوجوبِ، أو تعجلُوا قبلَ الوجوبِ وجاء وقتُ الوجوبِ وشوكتُهم قائمةٌ على ذلك الموضعِ، فأمَّا إذا جاءَ وقتُ الوجوبِ وقد ظَهرَ أهلُ العدلِ عليهم وزالتْ شوكتُهم عن ذلكَ المكانِ، فإنَّه لا يقعُ ما أخذوهُ من المعجَّلِ الموقع، لأنَّ وقتَ الوجوبِ لم يكونوا أهلًا للأخذِ.
قال شيخُنا: ولم أرَ مَن تعرَّضَ لذلك. انتهى.
وما أتلفهُ باغٍ ممتنعٌ بشوكتِه على عادلٍ بتأويلٍ لا ضمانَ فيه في الأظهرِ، وما أتلفَهُ عادلٌ على باغٍ في غيرِ قتالٍ أو فيه بلا ضرورةٍ ضمن، وإلَّا فلا.
وكذا باغٍ بلا تأويلٍ سلف للعادلِ والمتأولِ بلا شوكةٍ يضمنُ، وعكسه ضامنٌ كالقطاع على المذهبِ الذي نصَّ عليه وقال به الجمهورُ.
ولا يقاتلُ البغاةُ حتَى يبعثَ إليهم أمينًا فطِنًا ناصحًا يسألهم ما ينقمونَ، فإن ذكروا مظلمةً أو شبهةٍ أزالهَا، فإن أصرُّوا نصحَهُم ووعظَهم وأمرَهم بالعودِ إلى
الطاعةِ، فإن أصرُّوا دعاهُم إلى المناظرةِ، فإنْ لم يجيبوا أو أجابُوا فغُلِبوا أو أصرُّوا مكابرينَ آذنهم بالقتالِ، فإن استمهلوا اجتهدَ وفعلَ ما يراهُ صوابًا.
ولا يقتلُ مدبرَهم ومنجيهم وأسيرهم، ولا يطلق الأسيرُ قبلَ انقضاء الحربِ، ولا بعد الانقضاء إذا كانت جموعهم باقيةٌ إلَّا أن يرجعَ إلى الطاعةِ باختيارِه، أو يفرَّق شملهم.
وإن أُسرَ نساؤهم وصبيانُهم حُبسُوا إلى انقضاءِ القتالِ ثم يخلَّونَ، وأما العبيدُ والمراهقونَ والنساءُ وإن كانوا يقاتلونَ لا يحبسون كالرجالِ الأحرارِ على مقتضى النصِّ، ويردُّ سلاحُهم وخيلُهم إليهم، إذا انقضتِ الحربُ، وأمنتْ عائلتُهم. وكذا يردُّ إليهم غيرهما من الأموالِ التي ليستْ عونًا لهم في القتالِ.
ولا يستعملُ في قتالٍ سلاحُهم وخيلُهم إلَّا لضرورةٍ، ولو وقعتِ ضرورةٌ في غير القتالِ ولم يجدْ أحدُنا ما يدفعُ بهِ عنْ نفسهِ إلَّا سلاحهم أو ما يركبه وقد وقعتْ هزيمةٌ إلَّا خيولهم جازَ الاستعمالُ والرُّكوبُ، ولهُمْ أجرةُ ذلك.
كما يجوزُ أكلُ مالِ الغيرِ للضرورةِ، وعلى المضطرِّ بذل عوضه لمالكِه، ولا يقاتلونَ بما يعظُمُ أثرُه كالنارِ والمنجنيقِ وإرسالِ السيولِ الجارفةِ إلَّا لضرورةٍ، فإن قاتلوا بهذه الأوجِه واحتجنا إلى المقاتلةِ بمثلها دفعًا، أو أحاطوا بنا واضطررنا إلى الرمي بالنَّارِ ونحوِها فعلناهُ للضرورةِ.
ولا يجوزُ الاستعانةُ عليهم بكافرٍ، ويكرهُ الاستعانةُ بالمسلمِ الذي يرى قتلَهم مدبرينَ، على ظاهرِ النصِّ خلافًا لما في "المنهاجِ" تبعًا لأصلهِ من المنعِ مطلقًا.
فلو احتجنا إلى الاستعانةِ بمن ذكرنَا منعًا أو كراهةً جاز بشرطين:
أحدُهما: أن يكونَ فيهم جرأةٌ وحسنُ إقدامٍ.