الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتابُ النذر
جمعهُ نذور، ويقالُ نذر ينذرُ بكسر الذال المعجمة في المضارعِ وضمها لغتانِ.
وهو في اللغةِ: الوعدُ بخيرٍ أو شرٍّ.
وفي الشرع: الوعدُ بالخيرِ دونَ الشَّرِّ.
وحدَّهُ بعضُهم بأنَّه التزامُ قربةٍ غير لازمةٍ بأصلِ الشَّرعِ.
وأصلُ البابِ قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:"مَن نذَرَ أَنْ يطيعَ اللَّهَ فلْيُطِعْهُ، ومن نذَرَ أن يعصيَهُ فلا يعصِه" رواهُ البخاريُّ (1) وغيرُهُ.
وأركانُهُ ثلاثةٌ: الناذِرُ، والصيغةُ، والمنذور:
فأمَّا الناذرُ: فشرطُهُ أَنْ يكونَ مسلمًا مُكلَّفًا، مختارًا، مطلقَ التَّصرُّفِ فيما نذَرَهُ، ونذرُ العبدِ والزوجَةِ متوقفٌ على إذنِ السيِّدِ والزوجِ.
(1)"صحيح البخاري"(6696).
وأمَّا الصيغةُ: فيشترطُ اللفظُ من الناطقِ، ويشترطُ فيه التنجيز.
والنذرُ ضربان (1):
(1)
نذرُ لجاجٍ، وهو أن يمنعَ نفسَهُ من شيءٍ أو يجبرها عليهِ، على وجهِ اللجاجِ والغضبِ، بالتزامِ قربةٍ كإن كلمَّته أو إن لم أخرج من البلدِ فلله عليَّ عتقٌ أو صومٌ. وفيه كفَّارَهُ يمينٍ على أظهرِ الأقوالِ؛ لأنَّهُ هو الذي أفتى به الشافعيُّ، والصحابةُ قبلهُ، والتابعونَ، ورجَّحه جمعٌ كثيرٌ من أصحابِهِ، فهو المعتمدُ في الفتوى، وعليه لو أرادَ المكلفُ أن يفعلَ ما التزمَهُ من القربِ أجزأهُ ذلكَ، بل هو أفضلُ إن كانَ أكثر من الكفَّارَةِ، وإن قال: إن دخلتُ الدارَ فعليَّ كفارةُ يمينٍ، أو نذرٌ لزمتهُ كفارةٌ بالدُّخولِ.
(2)
الضربُ الثَّاني: نذرُ التبَرُّر، بأن يلتزمَ قربةً إن حدثَتْ نعمةٌ، أو ذهبتْ نِقمةٌ، مثلَ أن يقول: إن شفى اللَّهُ مريضي للَّه عليَّ أَنْ أفعلَ كذا. فيلزمَهُ ذلك إذا حصل المعلَّقُ عليه في حياةِ النَّاذرِ، سواء أكانتْ القربةُ ماليَّةً أو غيرها، وإن كانتِ القُربةُ ماليَّة فتعتبَرُ مع حياةِ الناذِرِ أن يكونَ أهلًا للملكِ، ولم يكنْ عليهِ حجرُ سفهٍ، وإن لم يعلقه بشيءٍ كـ "للَّه عليَّ عتقُ رقبةٍ لما أنعمَ اللَّهُ عليَّ من شفاءِ مريضي"، فإنَّه يلزمُهُ الوفاءُ بالمنذورِ قولًا واحدًا. ذكرَهُ القاضي الحسينُ في "تعليقِهِ"، وهو حسنٌ.
ولا يصحُّ نذر معصيةٍ، ولا واجب العينِ على طريقِ التخصيص، فأمَّا واجبُ الكفايةِ الذي يحتاجُ في أدائها إلى بذلِ مالٍ، ومزيدِ مشقَّةٍ كالجهادِ وتجهيزِ الموتَى، فإنَّه لازمٌ.
وأمَّا واجبُ العينِ على طريقِ العمومِ كما إذا نذرَ الوضوءَ لكلِّ صلاةٍ، فإذا
(1)"المنهاج"(ص 333).
توضّأ لصلاةٍ عن حدثٍ خرجَ به عن واجبي الشَّرع والنَّذرِ.
ولو نذرَ صومَ أيامٍ غيرَ مؤقَّتة ندب تعجيلها، إن لم يكنْ عليه صومُ كفَّارةٍ سبقتْ النذرَ، وهي على التراخِي، فإن كانَ عليه كفَّارَةٌ سبقتِ النَّذرَ ندب تعجيلها، وتقدمُ على تعجيلِ النَّذْرِ.
وأمَّا الكفَّارَةُ على الفورِ فإنَّه يجبُ تعجيلُها، ولا توقف في تقديمِ الواجبِ على المندوبِ، ولو كانَ عليه نذرُ أيامٍ سبقتْ هذا النذرَ ندبَ تعجيلُ الأوَّلِ قبلَ الثَّانِي، وإن قيَّدَ بتفريقٍ أو موالاةٍ جازَ التتابع، ولا يجبُ على الأصحِّ.
ولو نذَرَ ما هو مندوبٌ إليهِ شرعًا، كصومِ يومين ويومٍ، أو يومٍ ويومٍ، فإنَّهُ يجبُ التفريقُ حينئذ.
وكذا لو قالَ: "للَّه عليَّ أن أصومَ يومَ الاثنينِ من هذا الأسبوعِ، ويوم الأربعاءِ من الأسبوعِ المذكورِ"، فإنَّه يجبُ التفريقُ، لأنَّه يتعينُ اليومُ المعين للصومِ بالنذرِ على الأصحِّ.
وإنْ نذرَ صومَ سنةٍ معيَّنةٍ، صامها وأفطر العيد والتشريقَ، وصام رمضانَ عنه ولا قضاء.
وإن أفطرتْ بحيضٍ أو نفاسٍ وجبَ القضاءُ على الأصحِّ إذا أفطرتْ في غير شهرِ رمضانَ، فأمَّا أيامُ الحيضِ الواقعةِ في رمضانَ فإنَّها لا تقضيها إلَّا عن رمضانَ فقطْ، لا عنِ النَّذرِ بلا خلافٍ، ولا عنه وحدَهُ وعن النذرِ وحدَهُ، ولو أفطرَ يومًا بلا عذرٍ أو بعذرِ المرضِ أو السفرِ وجبَ قضاؤُه، ولا يجبُ استئنافُ ما مضَى، فإن شرطَ التتابع لم يجبْ على الأصحِّ، أو غير معيَّنة غير المبهمةِ بإحدى ونحوه، وشرط التتابع لم يجب كالمعيَّنة.
وإذا نذرَ صومَ سنةٍ مطلقةٍ متتابعة، وصام رمضان عنه، وأفطر العيدين
وأيام التشريق، وأفطرت المرأةُ بالحيض لم ينقطع التتابع بذلك؛ لأنَّه لا يمكنُ صومُ سنةٍ متتابعةٍ ليس فيها رمضانُ والعيدانِ، وأيامِ التشريقِ، ولا يمكنُ صومُها عن الحيضِ، ولكن يلزمها قضاء ذلك متتابعًا؛ لأنَّه قضاءٌ عن صومٍ متتابعٍ، فيقضِي النَّاذِرُ ما ذكر متصلًا بآخرِ السنةِ متتابعًا كما تقدَّمَ.
وإن لم يشترطَ التتابعِ لم يجبْ، فإن صامَ سنةً متواليةً فقد بقيَ عليه من نذرِهِ نظير أيَّامِ رمضانَ والعيدينِ والتَّشريقِ وأيامِ الحيضِ، إن كانَ الناذِرُ امرأةً، وكذا أيامِ النِّفاسِ، وأيامِ الجنونِ، وأيامِ الإغماءِ، وأيامِ المرضِ الذي أفطرَ فيهِ، وأيامِ السفرِ الذي يُفطر فيه.
وإن نذرَ صومَ يوم الاثنين أبدًا، لم يقضِ أثاني رمضانَ الأربعةِ التي لا يخلو عنها الشَّهرُ، فلو جاءَ فيه خامسٌ لم يقضِهِ على الأرجحِ، وإذا وقعَ يوم عيدٍ في يوم الاثنين، أو في أيامِ التشريقِ، قضى على الأظهرِ، وصححهُ الشيخُ أبو حامدٍ وغيرهُ.
وإذا لزمَهُ صومُ شهرينِ متتابعينِ لكفَّارةٍ، وسبقتِ الكفارَةُ النذرَ فإنَّهُ يجبُ قضاءُ الأثانين الواقعة في شهري صومِ الكفَّارَةِ على المنصوصِ.
وإن سبقَ النذرُ الكَفَّارَةَ قضى الأثانين الواقعةِ في الشهرينِ؛ لأنَّه أدخلَ على نفسِهِ صومَ الشَّهرينِ.
وإن نذرَ أن يصومَ يومًا معيَّنًا بعينِهِ، كيومِ اثنين حادي عشرَ الشهرِ ونحوهِ، أو بوصفِهِ، كـ "للَّهِ على صوم الاثنين أبدًا". أو ما أبهم فيه، كـ "للَّهِ عليَّ أن أصومَ أحد يومين أول الشهرِ" لم يصم قبله وبعده يكون قضاء.
ولو نذرَ صوم يوم من أسبوعٍ ثم نسيه صام آخره، وهو الجمعة، فإذا لم يكن هو وقعَ قضاء.
ومَن شرعَ في صومِ تطوُّعٍ، ثم نذرَ إتمامه لزمَهُ إتمامُهُ والقضاء لو أفطرَ فيهِ، ومحلُّ لزومِ الإتمامِ إذا نوَى من الليلِ، فإنْ نوَى قبلَ الزَّوالِ ثمَّ نذرَ إتمامَهُ لم يلزمه الوفاءُ على الصَّحيحِ.
ولو نذرَ بعضَ يومٍ غيرَ اليومِ الذي هو فيهِ لم ينعقدْ، وقيلَ ينعقدُ ويلزمه يوم، وقيلَ ينعقدُ ويلزمُهُ صومُ بعض يومٍ إمَّا بالإمساكِ قبله، وإمَّا مطلقًا، فلو نذرَ صوم بقيَّة اليومِ الذي هو فيهِ، ولم يكن أكلَ، وكانَ قبلَ الزَّوالِ، فإنَّ فيه وجهين:
أحدُهما: يجزئه، وصححهُ الإمامُ، وخالفهُ شيخُنا في "التصحيحِ".
والثاني: لا يجزئه، وليس فيه وجهٌ أنَّه يلزمه صوم يومٍ كاملٍ، ولكن فيه وجه آخر، أنَّه تجزئه تلك البقيَّةُ.
ولو نذرَ صومَ يومِ قدومِ زيدٍ، فالأظهرُ انعقادُهُ، فإنْ قدِمَ ليلًا، أو يومَ عيدٍ، أو يوم تشريقٍ، أو في رمضانَ فلا شيءَ عليهِ، ونهارًا وهو مفطر أو صائمٌ قضى، أو نذرًا وَجَبَ يومٌ آخرُ عَن هذَا، أو وهو صائمٌ نفلًا، فكذلك، وقيلَ يجبُ تتميمه، ويكفيه، ولو تبيَّنَ للناذرِ أنَّ فلانًا يقدُمُ غدًا، فنوى الصومَ من الليلِ، ثم قدمَ زيدٌ غدًا، أو الناذرُ صائمٌ بتبييت النيَّةِ فإنَّه يجزئهُ عن نذرِهِ على الصحيحِ، ويكونُ أداءً.
* * *
فرع (1): نَذَرَ المشيَ إلى بيتِ اللَّهِ الحرام، أو إتيانَهُ، أو نذرَ المشي فقط، ونوى بيتَ اللَّهِ الحرام، فالمذهبُ وجوبُ إتيانِهِ بحجٍّ أو عمرةٍ، وكذا لو نذرَ المشيَ إلى مكَّةَ أو إلى الحرمِ، أو ذكرَ بقعةً من بقاعِ الحرمِ كالصفا، والمروةَ،
(1)"المنهاج"(ص 329).
ومسجد الخيفِ، ومنى، ومزدلفة، أو الإتيان إلى ذلك، فالحكمُ كما (1) من وجوبِ الإتيانِ بحجٍّ أو عمرةٍ.
ولو نذرَ المكيُّ أو المُزدلفيُّ أو السَّاكنُ بمنى، أو في موضعٍ من مواضعِ الحَرَمِ المشيَ إلى بيتِ اللَّهِ تعالَى الحرام أو إتيانَه فلا يلزمه إتيانهُ بحجٍّ ولا عمرةٍ، ولا يلزمُه الإتيانُ مطلقًا على الأظهرِ، كمن نذرَ إتيانَ مسجدِ المدينةِ أو الأقصى، فإن كانَ قال:"أحجُّ ماشيًا"، فمن حيثُ يحرمُ على الصحيح، وإن قال:"أمشي إلى بيت اللَّه تعالى الحرام"، فمن دويرةِ أهلِهِ على الأصحِّ إذا كانَ الناذرُ في دويرةِ أهلِهِ في بلادِ المغربِ وجاءَ إلى الإسكندريَّةِ مثلًا، فقال هناكَ:"للَّه عليَّ أَنْ أمشي إلى بيتِ اللَّهِ تعالى" فإنَّه يلزمه المشي من الإسكندريَّةِ على الأصحِّ.
ولو كانتِ دارُ الناذِرِ فوقَ المواقيتِ، فإنَّه يمشي من دويرةِ أهلهِ، ويحرمُ من الميقاتِ على الأصحِّ.
وحيثُ أوجبنا المشيَ فركبَ لعذرٍ أجزأَهُ، وعليهِ دمٌ على الأظهرِ إن ركبَ وهو محرمٌ من الميقاتِ، أو قبلَهُ، أو ركبَ بعد أن جاوزَ الميقاتَ غير محرمٍ مَشْيًا وإن ركبَ بلا عذرٍ أجزأَهُ على المشهورِ، وعليهِ دمٌ (2).
ومَن نذرَ حجًّا أو عمرة، لزمَهُ فعلُهُ بنفسِهِ حالًّا إن لم يكن عليه حجَّة الإسلامِ، أو القضاء، وكان النذرُ مُقيَّدًا بوقتٍ، ووجدتِ الأمور المعتبرة في الاستطاعةِ في ذلك الوقتِ المقيَّدِ، وإن كانَ عليه حجَّةُ الإسلامِ وقيَّدَ النذرَ بتلكَ السَّنةِ ووجدتِ الأمورُ المعتبرة بالنسبةِ إلى الفرضِ الأصليِّ وحج تلك
(1) كذا، ولعله:"كما تقدَّم".
(2)
وقع في الأصل تكرار للكلام في هذا الموضع، فاضطرب الكلام، ولعل حذفه أول، وانظر:"المنهاج"(ص 334).
السنةِ فإنَّه يخرج به عن فرضِ الإسلامِ والنذرِ.
وفائدةُ النذرِ التعجيلُ، وإن لم يحج تلكَ السنةِ مع الإمكانِ فلا يلزمُهُ قضاء يتعلَّقُ بالنَّذرِ، ولكن يأثمُ بالتأخيرِ عن السَّنةِ التي عيَّنها.
وإن كانَ النذرُ مطلقًا وفعلَ النَّاذِرُ ذلك عن الفرضِ المتعلِّقِ بالإسلامِ أو القضاء، وإن كانَ قد فعلَ الفرضَ المذكورَ ووجدتِ الأمورُ المعتبرةُ في الاستطاعةِ، فعله.
وحكمُ عمرةِ الإسلامِ والقضاءِ حُكْمُ حجَّةِ الفرضِ المذكور إذا نذرَ أن يأتي بعمرةٍ.
فإن كانَ الناذرُ معضوبًا استنابَ (1).
ويستحبُّ تعجيلُهُ في أولِ الإمكانِ في المطلقِ، حيث يجوزُ فعله، وفي المقيدِ بأوَّلِ الإمكانِ بعدَ دخولِ الوقتِ الذي قيَّد بِه.
فإن تمكن فتأخر فمات (2) حجَّ من مالِهِ مِن رأسِ المالِ إنْ صدرَ النذرُ في الصحَّةِ ولم يقيد في وصيته بالثلث، وإن كانَ النذرُ في المرضِ، فإنَّ المنذورَ يكونُ من الثلثِ.
وإن نذرَ الحجَّ عامَهُ وأمكنَهُ لزمَهُ (3)، فإن منعَهُ مرضٌ لم يحصلْ به غلبَةٌ على العقلِ أو حصلَ ولكنْ رَجَعَ إليه عقلُه في وقتٍ لو خَرَجَ فيه أدركَ فيه الحجَّ فإنَّه يجبُ القضاءُ حينئذٍ، أو عدوٌّ عامٌّ فلا قضاء على الأظهرِ، وإن كانَ العدو خاصًّا بالناذرِ فعليه القضاءُ على مقتضى النصِّ، وهو المعتمَدُ.
(1)"المنهاج"(ص 334).
(2)
"المنهاج"(ص 335).
(3)
"المنهاج"(ص 335).
وإنْ نذرَ صلاةَ وقتٍ غير أوقاتِ النهي في غيرِ حرمِ مكَّةَ تعيَّنَ، أو صومًا في وقته تعيَّنَ، إلَّا المتحيِّرة، فلا يصحُّ نذرها لصلاةٍ ولا لصومٍ في وقت معيِّنٍ، ولا يلزمها النذرُ لاحتمالِ أن تكونَ حائضًا.
ولا ينعقدُ النذرُ في الزمانِ المشكوكِ في أنَّه حيضٌ، ولا يلزمُ الذمَّة ما هو مشكوك فيه، فإنْ مَنَعَ النَّاذرُ من ذلك مرضٌ لا يغلبُ على العقلِ من إغماءٍ. . . (1) أو يغلب، فإنْ لم يغلبْ وجبَ القضاءُ، وكذا إن غلبَ وحصلتِ الإفاقةُ من الإغماءِ في أوَّلِ وقتها بقدرِ الصلاةِ وبقدرِ الطَّهارَةِ إن لم يمكنْ تقديمُها على الوقتِ كطهارَةِ المستحاضةِ، والسَّلس، والمتيمم، فإنَّه يجبُ عليه قضاءُ المنذورةِ، إذا زالَ المانعُ تفريعًا على إنزالِ المنذورةِ منزلةَ الفريضةِ شرعًا.
وإذا زالَ المانعُ آخر الوقتِ بتكبيرةٍ فقد أدركَ الناذرُ بعضَ الوقتِ، فإذا خلَا من الموانِعِ ومِن سفهٍ لزمَهُ قضاءُ المنذورةِ.
وأمَّا الصومُ فإنَّهُ يجبُ قضاءُ ما فاتَ في الإغمَاءِ بخلافِ الجنونِ على الأصحِّ.
وأما الحيضُ والنِّفاسُ فإمَّا أن يكونَ ذلكَ في الصلاةِ وإما أن يكونَ في الصومِ، فإن كان في الصلاةِ، واستغرقَ المانعُ الوقتَ كلَّه، فإنَّه يلزمُهَا قضاءُ الصَّلاةِ المنذورةِ بخلافِ الصَّلاةِ المفروضَةِ، لأنَّ الفريضةَ تتكرَّرُ بخلافِ المنذورةِ، وأمَّا الصومُ فيجبُ قضاءُ أيَّامِ الحيضِ، وكذا حكمُ النِّفاسِ، وإن غلبَ على العقلِ واستغرقَ الإغماء جميعَ الوقتِ المعينِ للصلاةِ لم يجبْ قضاءُ الصلاةِ المنذورَةِ التي استغرَقَتِ الغلبةُ على العقلِ جميعَ وقتِها. وحكمُ
(1) مقدار كلمة لم أستطع قراءتها في الأصل.
الصومِ يقدَّمُ، وإن مَنَعَ الناذِرَ من ذلكَ عدوٌّ وجبَ القضاءُ.
وإنْ نذرَ هديًا معينًا (1) لزمَهُ حملُهُ إلى الحرمٍ، إن كانَ حملُه معتادًا، فأمَّا ما لا يكونُ معتادًا كالأحجارِ، أو غير منقول، فإنَّ الناذرَ يبيعُهُ ويحملُ ثَمَنَهُ، ثمَّ إنْ وجدَ في الحرمِ مساكينَ قبل مكَّة فرَّقه عليهم، وإنْ لم يجدْ إلَّا بمكَّةَ حملَهُ إلى مكَّةَ وتصدَّقَ بِه، وإن كانَ الهديُ من النَّعَمِ السليمةِ، حالة النذرِ لم يجزِ التصدُّقِ بِه حيًّا؛ لأنَّ في ذبحِهِ قربةً، ويجبُ الذبحُ في الحرمِ على الأصحِّ.
وإن نوى صرفَ المنذورِ إلى تنظيفِ الكعبةِ، أو جعل الثوب سترًا لها أو قربةً أخرَى صرفه إلى ما نوى. نصَّ عليه.
وإن نذرَ التصدُّق على أهلِ بلدٍ معيَّنٍ أو التصدُّقَ بالنحرِ والأضحيةِ مع التلفُّظِ أو بنيَّة لزمَهُ.
وإن نوَى صومًا في بلدٍ لم يتعيَّن، وكذا حكم الصَّلاةِ إلَّا في المسجدِ الحرامِ، فيتعيَّن على الأظهرِ، ولا يتعيَّن مسجدُ المدينة والأقصى على الأظهَرِ، خلافًا لما في "المنهاجِ".
ولو نذرَ صومًا مطلقًا، فيوم أو صوم أيامٍ فثلاثةٌ.
وإن نذرَ صدقةً وأطلقَ فيجزئهُ أَنْ يتصدَّقَ بدانقٍ، ودونَهُ مما يتموَّل، وإن نذرَ صلاةً فركعتانِ، وفي قولٍ: ركعةٌ، وعلى الأظهَرِ: يجبُ القيامُ فيهما مع القدرَة، وعلى الثَّانِي: لا يجبُ.
وإن نذر (2) عتقًا فعلى الأوَّل رقبةٌ كفارةٌ على المشهورِ، وعلى الثاني: رقبة، والأوَّلُ هو المذهب المعتمد، خلافًا لما في "المنهاجِ".
(1)"المنهاج"(ص 335) و"البيان"(4/ 424).
(2)
في الأصل: "نذ".
وإن نذرَ عتقَ كافرة معيّنة أجزأه كاملةٌ، فإنْ عيَّن ناقصةً بغيرِ الكفرِ تعيَّنت.
وإن نذرَ صلاة قائمًا، ولم يكن الناذرُ شيخًا همًّا ولا مريضًا لم يجز قاعدًا، بخلافِ عكسهِ.
وإن نوَى طولَ قراءةٍ في الصَّلاةِ المفروضَةِ ولم يكنْ إمامًا في مكانٍ لا يحضرُ جماعةً، لزمَهُ على الأصحِّ، وإن نذرَ أَنْ يقرأَ في الصُّبحِ سورةَ كذا غيرَ الفاتحةِ، أو الجماعةِ في الفرضِ لزمَهُ على الأرجحِ، وينعقدُ النَّذرُ بكلِّ قربةٍ لا تجبُ ابتداءً، كعيادةٍ، وتشييعِ جنازَةٍ، وإفشاءِ السلامِ، على الصَّحِيح (1).
* * *
(1)"المنهاج"(ص 335).