الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّماعِ أو الإجازَةِ تفريعًا على جوازِها مكتوبًا في الطباقِ التي يغلبُ على الظِّنِّ صحتها، وإن لم يتذكَّرِ السماعَ ولا الإجازَةِ، ولم تكنِ الطبقةُ محفوظة عندَه (1).
* * *
فصل
تجبُ التسويةُ بين الخصمين (2) في الدُّخولِ عليه إذا جاءا معًا، ولم يكنْ للمدَّعي إلَّا خصمٌ واحدٌ، وقيام لهما إذا كانَا مستويينِ، فإن كانَ أحدُهما ممن يعتادُ القاضي القيامَ لهُ، والآخرُ لا يعتادُ القاضي القيامَ لَهُ فينبغي تركُ القيامِ.
* * *
. . . (3) وجه واستماع لهما، وجوابٌ وسلامٌ إنْ سلَّمَا معًا، فإن سلَّم واحدٌ ولم يسلِّمِ الآخرُ صبَرَ حتَّى يُسلمَ الآخرُ، فإن لم يُسلِّمْ فلا بأسَ أَنْ يَقولَ لَهُ:"سلِّمْ"، فإذا سلَّم أجابَهما.
ويجلسُ، فيجلسهما بين يديهِ، والأصحُّ رفع مسلمٍ على ذميٍّ فيما تقدَّم، وإذا جلسا فلَهُ أن يسكتَ، وله أن يقولَ:"ليتكَّلمَ المُدَّعِي منكما" حيثُ لم يكن كلٌّ منهما مدعيًا ومدَّعى عليه. فإن كانَا كذلكَ قال لَهُما تكلَّما، وإن سكتا عن تعبٍ ونحوِهِ أمهلَ عليهما حتَّى يزولَ ما بهما.
والأولى للقاضي أن يسكتَ، ويكونَ القائلُ لهما ذلكَ مَن يُقيمُهُ القاضِي
(1)"منهاج الطالبين"(ص 339)، و"مغني المحتاج"(6/ 298).
(2)
"مغني المحتاج"(6/ 299)، و"تحفة المحتاج"(10/ 150).
(3)
بياضٌ بالأصلِ، وكتب فوقه:"كذا".
لهذا الأمرِ ونحوِهِ، وهو الذِي يُطلقُ عليهِ نقيب القاضي.
فإذا ادَّعى المُدَّعِي وقال للقاضي: "سَلْهُ جوابَ دعوايَ". طالبَ القاضِي خصمَهُ بالجوابِ، فإنْ أقرَّ بالمدعَى، فللمدعي أَنْ يطلبَ من القاضي الحُكمَ عليه، وحينئذٍ يحكمُ بأنْ يقولَ:"اخرجْ من حقِّه" أو "ألزمتُك" وما أشبههما، وإن أنكَرَ فالأولى للمدَّعِي ألكَ بينة إن تردَّد في أن المدعي عالمٌ بالحكم، أو لم يعلم، وإن علمَ أن المدعِي عالمٌ بالحكمِ فالأولَى أن يسكتَ، وإن علمَ أنَّه جاهلٌ بأنَّ هذا موضِعُ البينةِ وجبَ الإعلامُ بما يُزيلُ جهلَهُ.
وإن كانَ ذلكَ الشيءٌ مما يثبتُ بالشَّاهدِ واليمينِ، والقاضِي يعلمُ جهلَ المُدَّعِي بالاكتفاءِ بذلكَ، فيجبُ عليه أن يقولُ:"ألكَ بينةٌ أو شاهدٌ مع يمينك" وإن تردد استُحِبَّ أن يعلمَهُ بذلكَ، وإن كانَ اليمينُ في جانبِ المدَّعِي كما في الدَّعوى بالقتلِ في محلِّ اللوثِ الثابتِ، فإنَّ القاضِي عند إنكارِ المدَّعَى عليه القتلَ خاصّة وهو معترفٌ بأنَّه كانَ مع القومِ الذينَ تفرَّقُوا عنهُ يقول: للمدَّعِي الحلف خمسين يمينًا أنَّ هذا قتلَ مورِّثَكَ على حسبِ ما وقعتِ الدَّعوى به.
ومن هذه المادَّةِ ما إذا ادَّعى على زوجتِهِ أنَّها زَنَتْ، فأنكرتِ الزِّنا، فيقولُ لَهُ القاضِي:"أتلاعِنُها؟ " ولا يقولُ: "ألكَ بينةٌ؟ ".
وإنِ ادَّعى القاذِفُ أنَّ المقذوفَ زنَا، فأنكَرَ المقذوفُ فيندَبُ للقاضي أن يبينَ لَهُ الحالَ من أوَّلِ الأمرِ تغليظًا عليهِ، فيقولُ لَهُ:"ألَكَ أربعةٌ من الشُّهودِ يشهدُونَ بالمعاينةِ؟ " لعلَّه أن يرجعَ عمَّا ادعاهُ. ولو قالَ له: "ألكَ شاهدَان يشهدانِ على إقرارِهِ بالزِّنا؟ " جازَ. وإذا قالَ المدَّعِي: "لي بينةٌ، وأريدُ تحليفَهُ" فله ذلك إذا كانَ يدَّعي لنفسه وهو حرٌّ رشيدٌ مطلقُ التَّصرُّفِ، أو "لا بينةَ" لي قبلتْ في الأصحِّ إذا كانَ قائلُ ذلكَ ممن يؤاخذُ بإقرارِهِ، وأن لا يذكر
تأويلًا لقوله: "لا بينة لي" فإن كانَ محجورًا عليه بالسَّفهِ ثم أحضرَ بينته قُبلتْ قطعًا، وإن ذكرَ الذي يؤاخذُ بإقرارِهِ تأويلًا لقوله بأن قالَ:"كنتُ ناسيًا أو جاهلًا بها" فتقبل بينته قطعًا.
وأمَّا الوليُّ أو الوكيلُ إذا قالَا ذلكَ، ثم أحضرَا البينةَ، فإنَّها تقبلُ قطعًا؛ لأنهما وإن كانَا يؤاخذانِ بإقرارِهما إلَّا أنَّ إقرارَهما لا يؤثِّرُ في حقِّ الأصلِ.
وإذا ازدحمِ خصومٌ قُدِّمَ الأسبقُ وجوبًا، وهو المدعي وخصمه، فإن كانَ السابقُ كافرًا فلا يقدِّمُهُ قاضي المسلمينَ على المسلمين. قالَ شيخُنا: وهذا لا يُوقف فيه، ولم أرَ من تعرَّضَ له.
ومحلُّ الوجوبِ إذا تعيَّنَ على القاضي فَصْلُ الخصوماتِ، فإن لم يتعيَّن عليه ذلك قدَّم مَن شاء.
وإذا لم يكنْ لَهُ رزقٌ من بيتِ المالِ، وقال للخصمينِ:"لا أقضِي بينكما حتَّى تجعلَا لي رزقًا"، فجعلَا لَهُ رزقًا، جازَ.
وقضيةُ هذا أنَّ لَهُ تقديمَ مَن جعَلَ لَهُ الرزقَ، وإنْ كانَ مسبوقًا، فإنْ جهلَ أو جاءوا معًا أقرَعَ حيثُ لم يكثرُوا، فإن كثرُوا بحيثُ تتعذَّرُ القرعةُ، فإنَّه يُثبتُ اسمَ كلِّ واحدٍ منهم في رقعةٍ مفردَةٍ ويطويهَا بينَ يديهِ، ثم يُخرجُ رقعةً رقعةً ويرتِّبُهُم على ما تخرجُ بهِ رقاعُهم، ولو غطَّاهَا كانَ أولَى.
ويجوزُ تقديمُ مسافرينَ مستوفزِينَ ونسوةٍ، ون تأخروا، وكذلكَ يقدَّمُ المريضُ المسبوقُ الذي يستضرُّ بالصبر إن كانَ مطلوبًا، ولا يقدِّمُهُ إذا كانَ طالبًا.
ولا يُقدَّمُ سابقٌ وقارعٌ إلَّا بدعوى واحدةٍ، وأمَّا المقدَّم بالسفرِ فإن كانت دعاويه قليلةً أو خفيفةً بحيثُ لا يضرُّ بالباقينَ إضرارًا بيِّنًا قُدم بجميعها، وإلَّا فيقدَّمُ بواحدةٍ.
ويحرمُ اتخاذُ شهودٍ مُعَيَّنين لا يُقبل غيرهم، وإذا شهدَ شهودٌ فعرفَ ما يقتضي قبولَ شهادتِهم أو ما يردُّ شهادتهم عمل به، وإلَّا وجب الاستزكا، والواجبُ أن يطلبَ بيان عدالة الشاهدِ عندهُ، لترتُّبِ الحكمِ على شهادَتِهِ بالطريقِ المعتبر عندهُ، وسواء طلب إنسان بكتابة ما يتميزُ به الشاهد أو بغيرها، وكذَا ماَ شهدَ بِهِ على النصِّ، ويبعثُ به إلى (1) المزكِّي، ثم المزكِّي يُشافِهُ القاضي بما عنده، ولا يُقبلُ تعديلُ المعدِّل إلا من اثنين، ولا المسألةُ عنه إلَّا من اثنينِ، وشرطُ المزكِّي كشاهدٍ، مع معرفة الجرح والتعديلِ، وخبرة باطن مَن يعدِّله لصحبةٍ أو جوارٍ أو معاملةٍ، وأن لا يكون من أهلِ الأهواءِ، والعصبيةِ، والمماطلةِ للنَّاسِ، يعني اللجاج، ولا يشترطُ في أصحابِ المسائلِ الخبرةُ الباطنةُ، والأصحُّ اشتراطُ لفظِ الشهادَةِ، ولا يقبلُ التعديلُ إلَّا بأنْ يقولُ المعدِّلُ:"هو عدلٌ عليَّ وليٌّ". على المنصوصِ.
ويجبُ ذكرُ سببِ الجرحِ إذا لم يقتضِ الحالُ إيجابَ حدَّ القذفِ، فإنِ اقتضى الحال ذلك لنقصانِ النِّصابِ فإنَّهُ لَا يجبُ على الشاهدِ ذكرُ السببِ.
وقد ذكَرَ الماورديُّ أنَّ أصحابَ المسائلِ إذا لم تكملْ شهادتُهم لا يصيرونَ بِها قذفة، وأنَّ الجيرانَ إذا لم تكملْ شهادتُهم يصيرونَ بها قذفة؛ لأنَّ أصحابَ المسائلِ ندبُوا للإخبارِ بما سَمِعوا، ولم يندبِ الجيرانُ إليهِ، وهو حسنٌ.
ويعتمدُ فيه المعاينة، أو الاستفاضَةُ في غيرِ أصحابِ المسائلِ، فأمَّا أصحابُ المسائلِ فإنَّهم لا يعتمدونَ المعاينةَ ولا الاستفاضَة، وإنما يعتمدُون ما يقولُهُ لهم المسئولُون المذكورون والمسئولونَ هم الذينَ يعتمدونَ المعاينةَ أو الاستفاضَةِ.
وقد يسمعُ أصحابُ المسائِلِ الجرحَ من جَمْعٍ يبعدُ اتفاقُهُم على الكذبِ،
(1) من هنا إلى آخر المخطوط تغير خط الناسخ، ويبدو أنَّ النسخةَ أكملها ناسخٌ آخر.
فيكونُ من معتمدهم أيضًا الاستفاضةُ إن اتُّفقَ ذلكَ، ولكنَّه لا يتعيَّنُ ولا يغني عنِ التَّعديل اعترافُ الخصمِ بعدالتهم ودعواهُ خطئهم في جوازِ الحُكمِ عليهِ على الأصحِّ إذا كانَ المدعى عليهِ أهلًا للإقرارِ بالحقِّ المدَّعَى به، فإن لم يكنْ أهلًا لذلكَ لكونِهِ وكيلًا أو سفيهًا أو عبدًا فلا أثرَ لقولِهِ قطعًا، ولا حاجَةَ لقولِهِ، وقد غلطَ، بل اعترافُه بعدالتِهِ يجري في الحكمِ عليهِ بشهادتِهِ الوجهانِ، وإنْ لم يقلْ غلط.
* * *