الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجناياتِ
على أنفس البشر بقتلِها وعلى أجزائِها ومعانيها بتفويتها
قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} .
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} ألى قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية.
وقال تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} .
وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ، وظهر من قولِه:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ، ومن مُقتضى الأدلةِ إلزامُنَا بذلكَ.
وعنْ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يحلُّ دمُ امرئٍ يشهدُ أنَّ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنِّي رسول اللَّهِ إلَّا بإحدَى ثلاثٍ؛ الثيِّب الزاني، والنَّفسُ بالنفسِ، والتاركُ لدينِه المفارقُ للجماعةِ"(1) أخرجه الصحيحان وغيرهما.
والقتلُ من المكلَّفِ بغيرِ حقٍّ عمدًا بلا تأويلٍ من الكبائرٍ.
والموجبُ للقصاصِ منه كلُّ فعل بمباشرةٍ أو سبب عمد محضٍ مزهقٍ للروحِ غالبًا، ولو في مثلِ المجني عليه والزمان، عدوان من حيث كونُه مُزْهقًا من واحدٍ أو جمعٍ، بتواطؤ فيما لا يزهقُ بعضهُ، ليس معه شركة شبه عمدٍ ولا خطأ، ولا عمدٍ من الجاني، غير موجبٍ للقصاصِ ولا شركة المجني عليهِ بالمداواةِ ولا ترك منه ما يوثق بهِ فِي دفعِ الهلاكِ، مقصودٌ فيه عين المجني عليه، مع معرفةِ أنَّهُ آدميٌّ منفردًا أو معَ غيرِهِ علَى مَا رجِّحَ، والأوجهُ خلافُه كما فِي صورة المنجنيقِ.
وصدرَ الفعلُ فِي حالةِ التكافِي وتكليفِ الجانِي والتزامِهِ وانتفاءِ المانعِ منْ شُبهةٍ وغيرِها مستمرًّا فيه عصمته على الجاني من الفعلِ إلى الفوت غيرَ مقبولٍ فِي حربِ بغاةٍ ولا ذِي شوكَةٍ وأهلِ ردَّةٍ على قول رجَّحهُ بعضُهم.
وفِي غيرِ قطعٍ، فإن فيهِ معنَى القصاصِ على الأرجحِ، لكنْ لا يتوقَّفُ استيفاؤُه على طلبِ أولياءِ القتيلِ، ويُقتل ولو كانوا صغارًا، وسيأتِي فِي بابِه بسطُه إن شاء اللَّهُ تعالى.
فالفعلُ بالمباشَرَةِ ما أثَّرَ فِي الزُّهوقِ وتخيُّلُه كحزِّ رقبةٍ وقدٍّ بنصفين ورمي بسهمٍ، وإلقاءٍ من شاهقٍ، وعصر خصيةٍ، وخنقهِ، ورمي بمثقل، وجرح سار،
(1) رواه البخاري (6484) ومسلم (1676).
وتوالي ضربُه، وسقيه ما يقتله بإنجاز بكرهٍ أو أكرههُ حتَّى تناوَلَ بنفسِه، وإن علمَ أنَّه مسمومٌ على الأظهَرِ، وليسَ هذا كما إذا أكرههُ على أَنْ يَقْتلَ نفسَه، خلافًا لقوله الرَّافعيِّ أنَّه الوجهُ؛ لأنَّه قد يحصلُ الشفاءُ منَ السَّهمِ فيتخلَّصُ من قبل ناجز بأمرٍ مرجو فيه الشفاء.
ومن المباشرةِ الموجبةِ للقود غرز إبرةٍ بمقتلٍ، أو بدن صغير أو شيخٍ هرم، وأمَّا غرزها فِي غيرِ ذلكَ فيما يتألَّمُ به، فإن تورَّمَ وبقي متألِّمًا إلى الموتِ وجبَ القودُ على المذهبِ، ومنهُم مَن لم يعتبرِ التورُّمَ واكتفَى باستمرارِ التألُّمِ، فإن كانَ لا ينفكُّ عنْ تورُّمٍ توافقًا.
وإن كان ينفكُّ فالأرجحُ إيجابُ القود بالقيد المعتبر فِي كلِّ الصورِ، وهو أن يكونَ ذلكَ الفعلُ يقتُلُ غالبًا، ولا معنَى لِمَا رجَّحَهُ المتأخَرونَ من اعتبارِ الورمِ.
وإنْ مَاتَ فِي الحالِ فصححوا أنَّه لا قودَ عليه، وهو شبهُ عمدٍ، فتجبُ فيه ديتُه، والمعتمدُ أنَّه إن كانَ يقتُلُ غالبًا وجبَ القودُ.
وإذا ألقاهُ فِي ماءٍ لا يمكنُهُ التخلُّص منه فالتقمَهُ حوتٌ فعليه القصاص على النصِّ.
وإن رفعَ الحوتُ رأسَهُ فألقمَهُ الحوتَ فماتَ فإنَّهُ يجبُ القصاصُ بلا خلافٍ.
ومنعهُ الطعامَ والشرابَ بحيثُ لا يمكنه التوصُّلُ إليهِ مدَّةً يموتُ فيها مثلُهُ غالبًا يوجبُ القودُ.
وإن كانَ بهِ بعضُ جوعٍ أو عطشٍ سابقٍ، وعلم المانعُ بحالِهِ وجبَ القصاصُ على الأصحِّ، فإن عفَى على مالٍ وجبتِ الدِّيةُ كلُّهَا. كذا ذكروه.
ولَمْحُ الشركةِ يقتضي إيجاب النصف، وهو قويٌّ.
ومن أقرَّ أنَّه قتله بسحره الذي قصدَهُ بهِ وأقرَّ أنَّهُ يقتلُ غالبًا فعليهِ القودُ.
وأمَّا مَن قتلَ بالعينِ أو بالحالِ كما يجرِي لبعضِ الفقراء فلا شيء فيه.
ومقابلُ العمدِ شبهُ العمدِ والخطأِ:
فالعمدُ: قصْدُ الفِعْلِ والشخصِ بما يقتلُ غالبًا مباشرةً أو تسببًا كما سبقَ، وسيأتي قَصْدُ السبب.
وشبهُ العمد: أن يقصدَ مباشرةً أو تسببًا الفعل والشخص بما لَهُ مدخلٌ فِي الإهلاكِ، لكن لا يقتلُ غالبًا، ومنهُ الضربُ بالسَّوطِ والعصا الخفيفةِ، وبجمعِ الكفِّ بشرطِ أن لا يتوالى فِي شيءٍ منْ ذلكَ إلَى ما يقتلُ غالبًا، ومنه الرَّمي بالحجرِ الصغيرِ.
والخطأ: أن لا يقصدَ الفعلَ بأن زلقَ فسقطَ على غيرِهِ بغيرِ اختيارِهِ فقتلَهُ، أو يقصدُ الفعلَ ولا يقصدُ الشخصَ بأنْ رمَى إلى هدفٍ فأصابَ إنسانًا أو قصدَ الشاخصَ على أنَّه غيرَ إنسانٍ بأنْ ظَنَّهُ صيدًا فبانَ إنسانًا.
والسببُ: ما أثَّرَ فِي تحصيلِ ما يؤثِّرُ فِي الزُّهوقِ إما حسًّا، وهو الإكراهُ، أو شرعًا كما فِي الشهادةِ، أو عُرفًا كما فِي تقديمِ الطَّعامِ المسمومِ.
فإذا أكرههُ على صعودِ شجرةٍ أو نزولِ بئرٍ لا يسلمُ منهُ غالبًا فهو عمدٌ موجبٌ للقودِ كما سبقَ فِي السُّمِّ، وإن كانَ يحصلُ منهُ الهلاكُ نادرًا فشبهُ عمدٍ.
وإنْ كانَ لا يحصلُ هلاكٌ أصلًا لم يجبْ شيءٌ، ويحتَمَلُ أن يكونَ خطأ.
وإذَا أكرَهَهُ على قتلِ آخرَ يكافئهما فقتلَهُ مكرهًا وجبَ القودُ على كلٍّ منهُما، وفِي الأمرِ رجلًا أنَّهُ لا قودَ عليه، وفِي المأمورِ قول أنَّهُ لا قودَ عليهِ
والقودُ على الآمرِ، والمعتمدُ أنَّهُمَا شريكَانِ.
فإذا آلَ الأمرُ إلى الديةِ فهي عليهِمَا بالسويَّةِ.
وإن كان أحدُهما مكافئًا قُتِلَ المكافئُ، ووجبَ نصفُ الديةِ على غيرِ المكافئِ.
ولو أكرهَ بالغٌ مميزًا على قتلِ إنسانٍ فقتلَهُ وجبَ القصاصُ على الآمرِ إنْ جعلْنَا عمدَ الصبيِّ عمدًا، وهو الأصحُّ، وتجبُ نصفُ الديةِ فِي مالِ الصبيِّ إن جعلْنَا عمدَهُ عمدًا، وهو الأصحُّ كما تقدَّم، فإن جعلناهُ خطأً فعلى عاقلتِهِ.
ولو أكرَهَ مميزٌ بالغًا فلا قصاصَ على المميزِ، وفِي البالغِ الخلافُ، فإن جعلْنَا عمدَ الصبيِّ عمدًا، وهو الأصحُّ، فعليهِ القصاصُ، وإنْ قُلنا خطأٌ، فلا قصاصَ قطعًا؛ لأنَّهُ شريكُ مخطئ (1).
ولو أكرَهُ رجلٌ رجلًا على أن يرمي إلَى طَلَلٍ عَلِمَ الآمر أنَّهُ إنسانٌ، وظنَّهُ المأمورُ حجرًا أو صيدًا، أو على أَنْ يرمِي سُتْرةً ورآها إنسان وعلمه الآمرُ دونَ المأمورِ فلا قصاصَ علَى المأمورِ، وأمَّا الآمرُ فالأصحُّ المعتمد في الفتوى أنَّهُ لا قصاصَ عليهِ؛ لأنَّه شريكُ مخطئ، خلافًا لما صحَّحَهُ فِي "المنهاجِ"(2) تبعًا لأصلِه منْ وجوبِ القصاصِ عليهِ تفريعًا على أنَّ المأمورَ كالآلةِ، وهو رجلًا مرجوحٌ كما قالَ شيخُنا. والأصحَّ أنَّه شريكٌ مخطئٌ (3).
وإذا أكرَهَهُ على صعودِ شجرةٍ فزلقَ وماتَ فصحح المصنِّفانِ أنَّهُ شبهُ
(1)"روضة الطالبين"(9/ 136).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 270).
(3)
"روضة الطالبين"(9/ 136 - 137).
عمدٍ، وقال شيخنَا: والذي عندنا أنَّ الأصحَّ أنَّه خطأ محضٌ (1).
وإذا أكرهه على قتلِ نفسِه فلا قصاصَ عليهِ كما جزمَ بهِ القفال والقاضِي حسين، والإمامُ، والغزاليُّ، وما وقعَ فِي "المنهاجِ" من إثبات قولِه. قال شيخنَا: لم أقفْ عليهما فِي منصوصاتِ الشَّافعيِّ رضي الله عنه ولا يعرفانِ فِي كتبِ المذهبِ، وانفردَ البغويُّ بنقلهما فِي "التهذيبِ" وتبعهُ الخوارزميُّ فِي "الكافي"(2).
ولو قالَ لهُ: "اقتلنِي وإلَّا قتلتُكَ"، فالمذهبُ لا قصاصَ ولا ديةَ جزمًا (3). وإن قتلَهُ للدفعِ كما إذا قالَ: "أنا لا أفعل ذلك فِي. . . (4) بحيث يعني قتله للدفع فلا قصاصَ، ولا ديةَ جزمًا (5).
وإذا قالَ "اقتلْ زيدًا أو عمرًا وإلَّا قتلتُكَ" فالأصحُّ كما قالَهُ شيخُنا تبعًا للقاضي حسينِ أنَّه إكراهٌ، خلافًا لما رجحاهُ من عدمِ الإكراهِ وعلَّلا ذلكَ بأنَّهُ تخييرٌ، فإنَّه لَا يتخلَّصُ من قتلِهِ إلَّا بقتلٍ واقعٍ على معيَّنٍ منهما، وليسَ كمَا لو أكرهَهُ علَى أن يطلِّقَ إحدَى زوجتيهِ فإنَّهُ يمكنُهُ أن يقول: إحداهُما طالقُ، فإذا طلَّقَ معينةً كانَ مختارًا فِي تعيينها، وأمَّا هنا فلا يمكنُه أن يتخلَّصَ منهُ إلَّا بفعلهِ فِي معيَّنٍ (6).
وإذا شهدَ الشاهدُ أنَّ على رجلٍ بقصاصٍ فقتلَ، ثم رجعا وقالَا: تعمَّدنا،
(1)"روضة الطالبين"(9/ 137).
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 137 - 138).
(3)
"منهاج الطالبين"(ص 270)، "روضة الطالبين"(9/ 137 - 138).
(4)
مقدار كلمة لم أستطع قراءتها في الأصل.
(5)
"روضة الطالبين"(9/ 138).
(6)
"روضة الطالبين"(9/ 138 - 139).
فعليهما القصاصُ، وكذَا لو رجَعَ أحدُهما وقال: تعمَّدنَا، يلزمُه القصاصُ أيضًا، وإنِ اقتصَرَ على قولِهِ تعمَّدتُ فلا قصاصَ عليه.
وإن قالَ كلُّ واحدٍ منهُما تعمَّدتُ، ولا أعلمُ حالَ صاحبِي، أو قالَ: كلُّ واحدٍ منهُما تعمدتُ مقتصرًا عليه، فإنَّهُ يلزمهُما القصاصُ، ولا (1) بدَّ فِي إلزامِهمَا القصاصَ فِي صورةِ مَن يخفى عليهما أن يقولَا: وعلمنا أنَّهُ يقتلُ بشهادتِنَا، فلو لم يقولَا ذلكْ وكانَا ممن يجوز خفاؤُه عليهما لقربِ عهدِهمَا بالإسلامِ ونحوِه، فالذي قالَهُ الأصحابُ أنَّه شبهُ عمدٍ، لا يوجبُ قصاصًا.
ولو قالَ الشهودُ: لم نعلمْ أنَّه يُقتلُ بشهادتنا لظهورِ أمورٍ فينا تقضي بردِّ شهادتِنا فيمَا شهدْنَا به، ولكن الحاكمَ قصَّر. قالَ شيخُنَا: فيكونُ هذا شبهُ عمدٍ، ولم أرَ مَنْ تعرَّضَ لهُ، فإن اعترَفَ الوليُّ بأنَّه كانَ عالمًا بكذبِ الشاهدينِ عندَ قتلِه فلا قصاصَ عليهما، ويلزمُ وليَّ المقتول حينئذٍ القصاصُ.
وإذا لم يعرفِ الوليُّ ولكنْ رجعَ القاضِي والشهودُ وقالَ القاضِي: كنتُ عالمًا بكذبِ الشُّهودِ حينَ حُكمِي بشهادتِهم بالقتلِ، أو حينَ القتلِ، فلا قصاصَ على الشهودِ، ويكونُ القصاصُ على القاضِي؛ لأنَّهُ هو الذي قتَلَ ولا أثرَ لشهادةِ الشُّهودِ كما فِي الوليِّ (2).
* قاعدةٌ: قالَ الشَّيخُ أبو حامدٍ: لا يجبُ القصاصُ بغيرِ مباشرةٍ إلَّا فِي صُورتينِ: المكرهُ، وإذَا شهدَا عليهِ بمَا يقتضي القتلَ، فقتلَ ثمَّ رجعَا، وقالَا تعمَّدنا. انتهى.
وقد تقدَّمَ ما فِي ذلكَ، ويُزادُ عليهِ الضيافةِ بالمسمومِ، وإذا ضيفَ بمسمومٍ
(1)"ولا": مكرر في الأصل.
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 129).
يقتلُ غالبًا صبيًّا غيرَ مميزٍ أو مجنونًا فماتَ، وجبَ القصاصُ.
وأمَّا المميزُ فإن بينَ له حالَ الطَّعامِ كان كالبالغِ العاقلِ وحكم البالغ العاقل أنَّهُ إذا ضيَّفهُ بمسمومٍ يقتلُ غالبًا ولم يبينْ لَهُ حالَ الطَّعامِ أنَّه يجبُ عليهِ القصاصُ كما رجَّحَهُ الشافعيِّ رضي الله عنه فِي "الأمِّ"(1) حيثُ قالَ: ولو كانَ الساقي للسمِّ الذِي أقيدَ من ساقيِهِ (2) لم يكره المسقي، ولكنَّهُ جعلَهُ لَهُ فِي طعامٍ أو خاص لَهُ عسلًا أو شرابًا غيرهُ فأطعمَهُ إياهُ أو سقاهُ (3) إياهُ غيرَ مكره عليه، ففيها قولانِ:
أحدُهما: عليهِ القودُ إذا لم يعلمه أنَّ فيه سمًّا، وكذلك لو قالَ: هذا دواءٌ فاشربْهُ، وهذا أشبههما.
والثاني: أن لا قودَ عليِه وهو آثمٌ لأنَّ الآخرُ شربَهُ. هذا نصُّه رضي الله عنه.
وقد رجَّح من القولين الأوَّلَ، فهو مذهبُهُ خلافًا لما رجَّحهُ النوويُّ من ترجيحِ لزومِ الديةِ ومنعِ القصاصِ.
وإن دسَّ شخصٌ سُمًّا يقتلُ غالبًا فِي طعامِ شخصٍ فأكلَهُ جاهلًا فلا عقلَ ولا قودَ ولا كفَّارةَ على النصِّ، وإذا تركَ المجروحُ علاجَ جرحٍ مهلكٍ فماتَ منهُ وجبَ القصاصُ بلا خلافٍ.
ولو ألقَى إنسان إنسانًا فِي ماءٍ مغرقٍ فمكثَ الملقَى فيهِ مضطجعًا حتَّى ماتَ فلا شيءَ علَى مَنْ ألقاهُ؛ لأنَّهُ هوَ أهلَكَ نفسَهُ.
فإن كانَ الماءُ مغرقًا، ولا يمكنُ الخلاصُ منهُ إلَّا بالسباحةِ ولم يحسنْها الملقَى، أو كانَ مكتوفًا أو زَمِنًا، فذاك عما يوجبُ القصاصُ على مَن ألقَاهُ.
(1) كتاب "الأم"(6/ 42).
(2)
"من ساقيه": مكرر بالأصل.
(3)
"أو سقاه": مكرر بالأصل.