الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باب الحدود
قالَ اللَّهُ تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} الآيةَ، وصحَّ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"كلُّ شرابٍ أسكرَ كثيرُهُ فقليلُهُ حرامٌ"(1).
عصير العنبِ الذي اشتدَّ وأسكرَ وقذفَ حرامٌ بالإجماعِ، ويفسَّقُ شاربُهُ المكلَّفُ المسلمُ المختارُ العارفُ بحالِهِ، ويلزمه الحدُّ، ويكفرُ مستحلُّه، وألحقَ بهِ البغويُّ عصيرَ الرطبِ النيئ، واختارَ الرُّويانِيُّ أنَّهُ كسائرِ الأشربةِ المسكر كثيرُها، وهي كلُّها عندنا محرَّمةٌ، يجبُ بها الحدُّ، لكنْ لا يكفرُ مستحلُّ ما فيهِ الخلافُ.
(1) حديث صحيح: رواه أبو داود (3681) وهو مخرج في تحقيقي لكتاب الأشربة الصغير للإمام أحمد.
ولا حدَّ على صبيٍّ ومجنونٍ وذميٍّ يشربُ خمرَ ولا غيرُه مما ذكرَ، ولا علَى مَن غُصَّ بلقمةٍ وتغيبت أساغها بما ذكر، بل تجبُ الإساغةُ لحفظِ الرُّوحِ، ويحرمُ التَّداوِي بِهَا وشربِها للعطشِ والجوع على ما صحَّحوهُ، ويحدُّ، والأرجحُ أنَّه إنْ كَانَ يدفعُ جوعًا ومعهُ فيها سائغٌ فلا يجوزُ ويحدُّ. أو عطشًا كذلكَ جازَ بلا حدٍّ كالإساغَةِ، ولا مَن أوجر سكرها، وكذا مَن أكرِهَ حتَّى شربَهُ على الأصحِّ.
ولا حدَّ على مَن جهِلَ أنَّهَا خمرٌ، أو جهلَ التحريمِ لقرْبِ عهدِهِ بالإسلامِ، فإن علِمَ التحريمَ وجهلَ الحدَّ حُدَّ.
ويحدُّ الحنفيُّ بشربِ النبيذِ الذي يعتقدُ إباحتَهُ ولا يفسَّقُ، ويحدُّ بشربِ الدردي والتخبُّز منهُ إذا أكلَهُ بخبزٍ، أو ثردَ فيهِ وأكلَ الثريدَ، أو طبخَ بهِ وأكلَ المَرَقَ لا باللحمِ المطبوخِ بِهِ، ولا بأكلٍ خبزٍ معجونٍ بِه على الأصحِّ، ولا بما استهلَكَ فيه الخمرَ، ولا يحدُّ بحقنَةٍ ولا سعوط، كما جزمَ بهِ ابنُ الصباغِ، وحكى غيرُهُ فيه وجهين وصححَ المتأخرونَ أنَّهُ لا يحدُّ. قال شيخُنا: والأرجحُ عندِي أنَّهُ يحدُّ إذا كانَ يحصلُ منهُ سكرُ بوجهٍ ما، كما في الشربِ، وكذلك لو جعلَ يسكر بوصولِهِ إلى جائفةٍ ومأمومةٍ، ولم يذكروه.
وما يزيل العقلَ من غيرِ الأشربةِ المذكورَةِ يحرمُ تناوُلُه، ولا حدَّ فيهِ، وكذلكَ الحشيشةُ التي يحصُلُ منهَا التخدُّرُ.
والحدُّ في هذا البابِ حتمًا على مَن تكملتْ فيهِ الحريَّةُ أربعون، وعلى مَن فيهِ رقٌّ عشرونَ بالسوطِ أو الأيدِي أو النعال أو أطرافِ الثِّيابِ. وفي وجهٍ أنَّه يتعيَّنُ ما عدا السوطِ من الأيدِي والنِّعال وأطرافِ الثِّيابِ، وفي وجهِ آخر أنَّه يتعينُ السوطُ، وهو أضعفُ منَ الأوَّل.
ولو رأَى الإمامُ بلوغَه للحرِّ ثمانينَ جازَ علَى المنصوصِ، ولا يزيدُ على الثمانينَ بلا خلافٍ، والزيادةُ على الأربعينَ إلى الثمانينَ بغيرِ السوطِ تعزيراتٍ، وأمَّا الأربعونَ بالسوطِ فليستْ حدًّا، وأنَّه إذا ماتَ منها ضمنهُ الإمامُ علَى مقتضَى نصِّ الشافعيِّ رضي الله عنه: ولفظه: (وإذا ضربَهُ -يعني السلطانُ- في خمرٍ أو سكرٍ من شرابٍ بنعلينِ أو طرفِ ثوبٍ أو يدٍ ما أشبههُ ضربًا يحيطُ العلمُ أنَّهُ لا يبلغُ أربعينَ أو يبلغُها ولا يجاوزها فماتَ من ذلكَ فالحقُّ قتله، وما قلت: الحق قتله، فلا عقلَ فيهِ ولا قودَ ولا كفَّارَةَ على الإمامِ، ولا علَى الذي يلي ذلكَ من المضروبِ.
ولو ضربَهُ بما وصفتُ أربعينَ أو نحوَهُ لم يؤد عليِه شيئًا فكذلكَ، ثم قال: فإنْ ضرَبَهُ أربعينَ أو أقلَّ منهَا بسوطٍ، أو ضربَهُ أكثرَ من أربعينَ بالنِّعالِ أو غيرِ ذلكَ فماتَ فديتُهُ على عاقلةِ الإمامِ، وفي وجهٍ أنَّها حدٌّ، وصاحبُ هذا الوجهِ وهو أبو إسحاق المروزي يقول: إنَّه لا يتحتَّمُ، وإنَّه يتعلَّقُ بالاجتهادِ وما كانَ كذلكَ كانَ مضمونًا على الإمامِ إذا حصلَ التلفُ به اتِّفاقًا.
ويكفي في إقرارِ الشَّاربِ أَنْ يقولَ: شربتُ خمرًا، أو يقولُ: شربَ رجلٌ خمرًا، وهو أنَا. وأمَّا الشاهدُ فيقولُ: أشهدُ أنَّ هذا، أو: أنَّ فلانَ ابقَ فلانٍ -وينسبه بما يعرفُ به- شربَ الخمرِ المحرَّمةِ عليهِ من غيرِ أن يسيغَ بهَا ما غصَّ بهِ. ويقولُ في شربِ الشاربِ النبيذَ: أشهدُ أنَّهُ شربَ النبيذَ الذي يسكرُ كثيرُهُ. ولا يشترطُ أَنْ يقولَ: "وهو عالمٌ أنَّه مختار" على المنصوصِ، وفي وجهٍ يشترطُ.
ولا يحدُّ في حالِ سكرِهِ، فلو حدَّ في تلكَ الحالةِ أجزأ على أصحِّ الوجهينِ، ويكونُ السوطُ المجلود بِهِ بينَ الرطبِ واليابس، ويفرِّقُهُ على الأعضاءِ إلَّا