الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو بَذَلَ مَن عليه القِصاصُ نفسَه ليستوفَى منه فلم يستوفَ، فقد جزمَ الماورديُّ (1) بصحَّةِ توبته، وقال: لأنَّ عليه الانقيادَ، وليس عليه الاستيفاء. انتهى.
ومن شروطِ صحَّةِ التوبةِ أن لا يصلَ الإنسانُ إلى حالة الغرغرةِ وإلى حالةِ الاضطرابِ.
* * *
فصل
يحكمُ في هلالِ رمضانَ بشاهدٍ بالنسبةِ إلى الصيامِ فقطْ، إذا قُلنا بالقولِ القائلِ به، فإذا قُلنا بقولِ الشافعيِّ الذي رجعَ إليهِ فلا يقبل فيه إلَّا شاهدانِ، وهذا هو المعتمدُ (2).
ويشترطُ للزِّنا واللواطِ وإتيانِ الميتةِ والبهيمةِ أربعةُ رجالٍ (3) يقولون: رأيناه أدخل ذكرَهُ في فرجِ امرأةٍ أجنبيَّةٍ، بحيثُ غابتْ حشفتُهُ في فرجها، أو غابَ قَدْرٌ ضامنٌ مقطوعَها، أو ثَنَى ذكرهُ وأدخَلَ منَ المثنى قدرَ الحشفةِ، حيث أمكنَ فعلُ ذلكَ في حالِ يقظتِهِ.
ويشترطُ للزنا رجلانِ يشهدانِ بالتفصيلِ بالنسبة إلى هيئة الفعل، وفي قول أو وجهٍ أربعةٌ (4).
(1)"الحاوي الكبير"(17/ 29).
(2)
"روضة الطالبين"(11/ 252).
(3)
"روضة الطالبين"(11/ 252).
(4)
"روضة الطالبين"(11/ 252).
ويشترطُ لثبوتِ المال (1) ولو في السرقة دونَ القطع رجلان أو رجلٌ وامرأتانِ حيثُ لم تسبقْه الشهادَةُ الواحدةُ بالجنايَةِ الواحدَةِ على واحدٍ بما لا يثبتُ برجلٍ وامرأتينِ.
ويشترطُ لثبوتُ العقدِ الماليِّ الذي لا يكونُ فيه إذنٌ يقتضي صحَّة التصرُّف رجلانِ أو رجلٌ وامرأتانِ، كبيعٍ وإقالةٍ وحوالةٍ، وضمانِ مالٍ لا إحضارَ بدنٍ، وحقٍّ ماليٍّ موجودٍ كخيارٍ وأجلٍ أو غيرَ موجودٍ، ولكنه يؤولُ إليه، كحقِّ التحجُّرِ وطاعةِ الزوجَةِ وقتلِ الكافِرِ الذي يترتَّبُ عليهِ استحقاقُ السَّلَبَ وأزمان الصيدِ الذي يترتَّب عليه مِلْكُ الصيد، وعجزِ المكاتبِ عن النجوم فإنَّه يترتبُ عليه الرقُّ الذي تجدد للسيدِ، والإبراءِ فإنَّه إسقاطُ مالٍ، والترجمةُ في الدعوى بمالٍ، ويشترطُ لغير ذلك من عقوبةٍ للَّه تعالى، أو لآدميٍّ.
وما يطِّلعُ عليه رجالٌ غالبًا أو للناس اطلاعٌ عليه، لكنه ليس كالذي قبله كنكاحٍ وطلاقٍ ورجعةٍ وإسلامٍ وردَّةٍ وجرحٍ وتعديلٍ وموتٍ بغير قتلٍ يوجبُ المال، وإعسارٍ في غيرِ المكاتبِ كما سبق، ووكالةٍ ووديعةٍ وشهادةٍ على شهادةِ رجلانِ، وما يخفَى على الرِّجالِ غالبًا كالبكارَةِ وولادةٍ وحيضٍ، ورضاعٍ من ثدي المرأةِ، وعيوبٍ تحتَ الثيابِ من النساءِ غير جراحَةٍ تحتَ الإزارِ يثبت برجلٍ وامرأتينِ، وبأربع نسوةٍ (2).
وأمَّا العيبُ في الأمةِ تحتَ ثيابِها غير ما تحتَ الإزارِ الذي يقصدُ منه المالُ فلا يثبتُ بالنسوةِ المتمحضات، وما لا يثبتُ برجلٍ وامرأتينِ، لا يثبتُ برجلٍ
(1) أو المقصود منه المال كالأعيان والديون والعقود المالية، راجع "روضة الطالبين"(11/ 254 - 255).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 347).
ويمينٍ، وما يثبتُ بهم يثبتُ برجلٍ ويمينٍ إلَّا عيوب النساء ونحوها.
ويستثنى من ذلكَ العيبُ الذي يتعلَّقُ بِه المالُ، فإنَّه يثبتُ بالشاهدِ واليمين، ويستثنَى أيضًا الترجمة في الدعوى بالمالِ، فإنها تثبت برجلٍ وامرأتينِ، ولا مدخل للشاهدِ واليمين فيها (1)، وكذلك الترجمة عن مقالةِ الشُّهودِ لا مدخلِ للشاهد واليمين فيها، ولا يثبت شيءٌ بامرأتينِ ويمينٍ، وإنما يحلف المستحق بعد شهادَةِ شاهده وتعديله، ويجب أن يَذْكُرَ في حلفِهِ صدقَ الشاهدِ فيما شهد له به، فإن ترك الحلفَ وطلبَ يمينَ خصمِه؛ فله ذلك، فإن نكلَ المدعَى عليهِ عَنِ الحلفِ فللمدَّعي أن يحلفَ يمينَ الردِّ على الأظهَرِ.
ولو كانَ بيده أمة وولدها فقال رجل: "هذه مستولدتي، وهي باقيةٌ على مِلكي على حكمِ الاستيلادِ، وهذا الولدُ منِّي علقتُ به في ملكِي"، وحلفَ مع شاهده ثبتَ ملك المستولدة بالحجَّةِ الناقصَةِ، وثبت الاستيلادُ بإقرارِهِ لا نسبَ الولد وحريَّتهِ على الأظهَرِ، بل يبقَى في يدِ المدعَى عليه (2).
ولو كان بيدِهِ غلامٌ فقالَ رجلٌ: كان لي وأعتقتهُ، وحلف مع شاهدِهِ فنصَّ الشافعيُّ أنَّه ينتزعُ منهُ ويحكم بأنَّه عتقَ على المدعي بإقرارِهِ (3).
وإن ادَّعت ورثةُ ميِّتٍ مالًا لمورثِهم، وأقاموا شاهدًا حلفَ معهُ بعضهُم، فإنَّه يأخذُ نصيبَهُ ولا يشاركُ فيه، ويبطلُ حق مَن لم يحلفْ بنكولِهِ، ولم يقم شاهدًا مع الشاهدِ الأوَّلِ، فان كانَ غيرَ مَن حلفَ مع الشاهدِ صبيًّا أو مجنونًا،
(1)"منهاج الطالبين"(ص 347).
(2)
"المنهاج"(ص 347)، و"روضة الطالبين"(11/ 279).
(3)
"المنهاج"(ص 347)، و"مغني المحتاج"(6/ 372)، و"نهاية المحتاج"(8/ 314).
ثم زالَ عذرهما حَلَفَا، وأخذا بغير إعادَةِ الشهادَةِ، أو كانَ غائبًا فأرسلَ إليه القاضي من حلَّفَهُ وهو غائبٌ، أو حضرَ فحلفَ أخذ بغيرِ إعادَةِ الشهادَةِ (1).
* * *
ولا تجوزُ شهادةٌ على فعلٍ؛ كزِنى وغصبِ وإتلافٍ وولادَةٍ إلَّا بالإبصار، وتقبلُ من أصمَّ (2). نعم (3)، تقبلُ من أعمى بأَن يضعَ يدَهُ على ذَكَرٍ داخلٍ في فرجِ امرأةٍ أو دبرِها، أو دبرِ صبيٍّ فأمسكَهما ولزمهما، حتى شهدَ عند الحاكمِ بما عرفه بمقتضى وضع اليدِّ، فهذا أبلغُ من الرؤيةِ، وكذلك في بقيَّةِ الأفعالِ (4).
وأمَّا الأقوالُ كالعقدِ (5)؛ فيشترطُ سمعُها وإبصارُ قائلِها، وأن يكونَ الشاهدانِ عارفينِ باللغةِ التي يعقد النكاحُ بها، ولا يقبلُ أعمَى إلَّا في الترجمَةِ، وما شهدَ فيه بالاستفاضَةِ، وما إذا أقر في أذنِهِ فيتعلَّق به حتى يشهدَ عندَ قاضٍ به عليه، أو يشهدُ على شهادَةِ بصيرٍ ويسترعيه، حيث تسوغ الشهادَةُ على الشهادَةِ، وما إذا تحمَّلها وهو بصيرٌ، ثم عميَ، فإنَّه يشهدُ بها؛ إن كان المشهودُ له وعليه معروفي الاسمِ والنسب (6).
(1)"المنهاج"(ص 347)، و"تحفة المحتاج"(10/ 194)، و"مغني المحتاج"(6/ 372).
(2)
"المنهاج"(ص 348)، و"تحفة المحتاج"(10/ 258)، و"مغني المحتاج"(6/ 274).
(3)
كذا! وكأنَّ في الكلامِ سقطًا، ولعلَّه: وهل تقبل شهادةُ الأعمى؟
(4)
"المنهاج"(ص 348)، و"تحفة المحتاج"(10/ 259).
(5)
"المنهاج"(ص 348).
(6)
"المنهاج"(ص 348).
ومن سمعَ قولَ شخصٍ أو رأى فعله، فإن عرفَ عينَه شهدَ عليه في حضورِهِ إشارةً، وغيبتِه وموتِه جثُ لا يمكنُ إحضارُهُ وهو ميتٌ يشهدُ باسمِه واسم أبيهِ، إن عرَّفه القاضي بذلك، فإن لم يعرِّفْه بذلك لم يشهدْ عند غيبتِهِ وموتِهِ.
ولا يجوزُ تحمُّلُ الشهادَةِ على المرأةِ المنتقبة اعتمادًا على الصوتِ، كذا قالوه، ولكنَّ التحمُّلَ جائزٌ، فإن وجد ما يقتضي الإثبات عمل به، وإلَّا فلا (1).
وعلى قولنا: التحملُ جائزٌ على المنتقبة، فيجوز التحمُّل عليها بتعريف عدلٍ أو عدلين، ولكن لا يجوز اعتماد ذلك في الأداء.
ولو قامت بينةٌ على عينه بحقٍّ، فطلبَ المدعي التسجيلَ، سجَّل القاضي بالحلية لا الاسم والنسب، ما لم يثبتا (2)، إما بإقرارِ مَن قامتْ عليه البينةُ أو بالبينةِ وله الشهادة بالتسامع على نسبٍ من أبٍ وقبيلةِ لا الأم على الأصحِّ المنصوص؛ بشرط أن يسمعَهُ ينسب زمانًا، ويسمعَ غيرَه ينسبُهُ إلى نسبِهِ، ولم يسمع دافعًا ولا دلالة يرتاب بها (3).
ومما تقبلُ فيه الشهادَةُ بالتسامع: ولايةُ القضاءِ، والولاياتِ العامَّةِ، وعزلُ القاضِي والخلافةُ هي الأصلُ، فالاكتفاء فيها بالاستفاء (4) منهُ أولَى، وما أثبتَ التحريمَ المؤبَّدَ من الرضاعِ أو المصاهرةِ والجرحِ والتعديلِ والحريةِ الأصليةِ بناءً على الأصلِ، وما ظهرَ من القرائنِ.
ومما يثبتُ بالسماعِ الملكُ غير حدود العقارِ بشرطِ أن لا نرى منازعًا في
(1)"المنهاج"(ص 348)، و"مغني المحتاج"(6/ 376).
(2)
"المنهاج"(ص 348)، و"مغني المحتاج"(6/ 377).
(3)
"المنهاج"(ص 348)، و"مغني المحتاج"(6/ 377).
(4)
كذا بالأصل، ولعلَّ صوابَها:"بالاستيفاء".