المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌كتابُ الشهادات هي جمعُ شهادةٍ، وهو مصدرُ شهدَ - التدريب في الفقه الشافعي - جـ ٤

[سراج الدين البلقيني]

فهرس الكتاب

- ‌باب النفقات

- ‌ ضابطٌ:

- ‌‌‌ ضابطٌ:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌والفرْقُ بين ما واجِبُه التَّمليكُ وما هو إمتاعٌ مِن وجوهٍ:

- ‌فصلِ

- ‌فصل

- ‌وفِي كيفيَّةِ نفقةِ العدَّةِ وجهانِ:

- ‌فرعٌ:

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌باب الحضانة

- ‌قال المحامليُّ: ويتعلق بالنسبِ اثنى عشرَ حكمًا:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتاب الجناياتِ

- ‌فصل في اجتماع مباشرين

- ‌فرع:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌ قاعدةٌ:

- ‌فرع

- ‌فرع

- ‌قاعدةٌ:

- ‌فصل

- ‌ ضابطٌ: تفارِقُ الأطرافُ النفسَ فِي أمورٍ:

- ‌والجراحُ الواقعُ على الرأسِ والوجهِ -ويسمى الشِّجاج- عشرٌ:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فرعِ

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌نادرةٌ فقهيةٌ:

- ‌فصل

- ‌ويستثنى من اعتبارِ المماثلةِ صورٌ:

- ‌فرع:

- ‌فصل

- ‌كتاب الديات

- ‌فصل

- ‌ فائدة:

- ‌فصل

- ‌تنبيهٌ

- ‌فصل

- ‌باب ما يوجب الديةَ وما لا يوجبها غير ما سبق والعاقلةُ وكفارة القتل

- ‌فصل

- ‌فرع

- ‌فرع

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فصل في الغرَّةِ الواجبةِ بالجنايةِ على الحاملِ بالجنينِ المضمونِ على الجاني الَّذي ظَهَرَ ميتًا بتلكَ الجنايةِ

- ‌فرع:

- ‌بابُ دعوى الدَّمِ والقسامةِ والشهادةِ على الدمِ

- ‌ ضابطٌ: ليس لنا موضعَ تثبتُ فيه القسامةُ في غيرِ القتلِ إلَّا في هذا الموضعِ

- ‌فرع:

- ‌كتاب اللغة

- ‌فصل

- ‌كتاب الرِّدَّةِ

- ‌كتاب الزنا

- ‌باب القذف

- ‌وحدُّ القذفِ واجبٌ على الرَّامِي في صورتين:

- ‌ويستثنى من إيجابِ الحدِّ في الموضعينِ السابقينِ صورٌ، منها: ما يعمُّ الموضعينِ، ومنها ما يختصُّ بالرمي بالزِّنا

- ‌ ضابطٌ:

- ‌باب السرقة

- ‌يشترطُ لوجوبِ القطعِ في المسروقِ شروط:

- ‌[الشرط الأول]

- ‌ الشرطُ الثاني

- ‌ الشرطُ الثالثُ

- ‌‌‌ ضابطٌ:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌ الشرطُ الرابعُ

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فصل

- ‌باب الحدود

- ‌فصل

- ‌[كتابُ الصيال وضمان الولاة]

- ‌فصل

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌فصل

- ‌كتاب الأمان

- ‌فصل

- ‌ويقسمُ ذلك خمسهُ أسهم متساوية:

- ‌بابُ الجزية

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌باب الهُدنَةِ

- ‌وفيه وجهٌ أنَّهُ يُنزل عندَ ضعفِ المسلمينِ على عشرٍ، وعند القوَّة قولانِ:

- ‌كتابُ الصيدِ والذبائح

- ‌فصل

- ‌كتابُ الأضحيةِ

- ‌ولا تضحية عن الغير بغير إذنِهِ إلا في مسائل:

- ‌فرع:

- ‌كتابُ الأطعمةِ

- ‌كتاب المسابقةِ والمناضلةِ

- ‌وشرطُ المسابقةِ:

- ‌ومِن شُروطِ المُناضلةِ:

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتابُ النذر

- ‌كتابُ القضاءِ

- ‌ ضابطٌ:

- ‌ومن شروطِ القاضي:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ويستثنى من ذلك صورٌ:

- ‌فصل

- ‌فصل في القضاء على الغائب المكلف والمفقود والميت، والصبي والمجنون، والجماعة العامَّة، والحاضر الممتنع من الحضور، وسماع البينة على من ذكر، والقضاء بالغائب وسماع البينة به، وكتاب القاضي إلى القاضي، وما يتعلق بذلك

- ‌القضاءُ على الغائبِ المكلَّفِ ولو حربيًّا ببلادِ الحربِ فيما لزمَهُ جائز إلَّا في صورتينِ:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌باب القسمة

- ‌وما لا يعظُمُ ضرَرُهُ فقسمتُهُ أنواعٌ

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌ وأمَّا الأداءُ فلوجوبِهِ شروطٌ:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كتابُ الدَّعوَى والبيناتِ

- ‌بابِ

- ‌فصل

- ‌فرع:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌وفي اليمينِ المردودَة قولانِ:

- ‌فصل

- ‌ثمَّ في كيفيَّةِ الاستعمالِ أقوالٌ:

- ‌فصل

- ‌باب إلحاق القائف

- ‌شرطُ القائفِ

- ‌كتابُ العتق

- ‌يعتبَرُ في المعتقِ أمورٌ:

- ‌وللعتقِ خاصيتانِ

- ‌(1) إحداهُما:

- ‌(2) الخاصيةُ الثانية: الولاءُ

- ‌ومن ينفذُ إعتاقُه في كل العبدِ إذا أعتق بعضه عتق كلُّهُ، إلَّا في أربعِ صورٍ:

- ‌ويتصور عتقُ بعض عبدهِ الخالصِ له في ستِّ صورٍ:

- ‌ وللسرايةِ شروطٌ

- ‌(1) أحدُها:

- ‌ وإن كانَ في وقت السِّرايَةِ ثلاثة أقوالٍ:

- ‌(2) ثاني الشرط السراية:

- ‌(3) ثالثُ شروطِ السرايَةِ:

- ‌(4) رابعُ شروطِ السرايةِ:

- ‌(5) خامسُ شروطِ السرايةِ:

- ‌(6) سادسُ شروطِ السرايةِ:

- ‌(7) سابعُ شروطِ السرايةِ:

- ‌ تنبيهٌ:

- ‌فرع: إذا ملكَ أهلُ التبرُّعِ أصلَهُ أو فرعَهُ عتقَ عليه إلَّا في صورٍ:

- ‌كتابُ التدبير

- ‌ ضابطٌ:

- ‌فرع:

- ‌كتاب الكتابة

- ‌أما مَن يوجبُ الكتابَةَ:

- ‌وأمَّا القابلُ:

- ‌وأمَّا الصيغةُ

- ‌وأما العوضُ

- ‌وأمَّا الأحكامُ المترتِّبَةُ على ذلك:

- ‌فمما يتعلَّقُ بالسيِّدِ

- ‌ومما يتعلَّقُ بالمكاتب:

- ‌ ضابطٌ:

- ‌وتخالف الفاسدةُ الصحيحةَ في نحوِ مائةِ موضعٍ أو أكثرَ، نذكرها على ترتيبِ أبوابِ الفقهِ:

- ‌بابُ أمِّ الولدِ

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌كتابُ الشهادات هي جمعُ شهادةٍ، وهو مصدرُ شهدَ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتابُ الشهادات

هي جمعُ شهادةٍ، وهو مصدرُ شهدَ يشهَدُ. قال الجوهريُّ: الشهادةُ خبَرٌ قاطعٌ. والمشاهدَةُ المعاينةُ، مأخوذَةٌ منَ الشُّهودِ بمعنى الحضورِ، لأنَّه شاهدَ ما غابَ عن غيرِهِ. وقيل: مأخوذٌ من الإعلامِ.

والأصلُ فيها قولُهُ تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} ، وقوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} ، وقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} .

ومن السُّنَّةِ: "ليسَ لكَ إلَّا شاهداكَ أو يمينهُ"(1)، وروي عن ابن عباسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سئلَ عنِ الشَّهادَةِ فقال:"ترى الشَّمسَ؟ " قال: نعم. قال: "على مثلِها فاشهدْ، أو دع" صححهُ الحاكمُ، وضعَّفه البيهقيُّ (2).

ولأنَّ الحاجَةَ داعيةٌ إليها، ولا خلافَ بين المسلمينَ فيها.

(1)"صحيح البخاري"(2515) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(2)

"شعب الإيمان"(10469) وانظر "البدر المنير"(9/ 617).

ص: 363

شرطُ مقبولِ شَهادَةٍ: إسلامٌ، وحريَّةٌ، وتكليفٌ، وعدالةٌ، ومروءةٌ، ونطقٌ، وتيقظٌ، وعدمُ تهمةٍ، وعدمُ سفهٍ، كما نقلَهُ في "الروضة"(1) عن الصَّيْمريِّ، وجزمَ به الرافعيُّ في كتاب "الوصية".

والعدالةُ: اجتنابُ الكبائرِ (2)، وعدمُ غلبةِ الصَّغائرِ على الطاعةِ.

* * *

ويحرمُ اللعب بالنردِ على الأظهَرِ، وفي قول: يكرَهُ، والأولَى أن لا يعلبَ بالشطرنجِ (3)؛ لأنَّ الشافعيَّ رضي الله عنه قال: إنه لا يحبُّ اللعبَ به.

قال شيخُنا: والذي لا يحبُّه قد يكونُ خلافَ الأولَى، وقد يكونُ المرادُ لا أحبُّ أَنْ أفعلَهُ لما يؤدِّي إليهِ؛ لا أنَّهُ مكروهٌ في نفسِهِ، لكنْ إن أدَّى اللعبُ بِهِ إلى شغلِ المكلَّفِ بحيثُ تخرجُ الصلاةُ عن وقتِها وهو غافلٌ حرمُ اللعبُ به حينئذٍ.

وإذا اقترنَ به قمارٌ أو فحشٌ، أو إخراجُ صلاةٍ عن وقتها عمدًا رُدَّتْ شهادتُه بذلك المقارنِ.

وإنَّما يكونُ قمارًا إذا شرطَ المالَ من الجانبين، وكان اللاعبان (4) متكافئين، أو قريبًا من التكافؤِ، فإن أخرج أحدهما ليبذله إن غَلَبَ ويمسِكَه إن غُلِبَ؛ فليس بقمارٍ، وكذا إن شرطَ المالَ من الجانبينِ ويقطع بأنَّ أحدَهما يغلبُ فليس بقمارٍ للقطعِ بأنَّ للقطعِ المال الذي من جانبِ الغالب يمسكه،

(1)"روضة الطالبين"(11/ 222).

(2)

ولهم في تعيين الكبيرةِ تفصيلٌ. راجعه في "الروضة"(11/ 222).

(3)

"روضة الطالبين"(11/ 225).

(4)

في الأصل: "الأعيان".

ص: 364

وأنَّ المال الذي بذلهُ الآخرُ يأخذه المقطوعُ بأنَّه غالبٌ.

وإذا بذلَ المالَ من جانبٍ أو من الجانبينِ صورةً لا معنى كما تقدَّم فإنَّه وإن لم يكنْ قمارًا إلَّا أنَّه يحلُّ أخذُ المالِ فيما ذُكِرَ لعدمِ صحَّةِ العقدِ، فإن أخذَ المالَ بمقتضى ذلك لم يجز.

وإذا علمَ تحريمَ أخْذِ المالِ بمقتضَى ذلكَ، وأقدَمَ عليِهِ فتردُّ شهادتُهُ لتعدِّيهِ بالأخذِ.

* * *

ويباحُ الحداءُ وسماعُهُ، ويكرَهُ الغناءُ بلا آلةٍ، إذا اتخذَ المغنِّي صناعةً يؤتى عليه، ويأتي، ويكون منسوبًا إليهِ مشهورًا به، معروفًا على النصِّ (1).

ويكرَهُ سماعُهُ، فإن سمعه من امرأةٍ أجنبيَّةٍ يخافُ من ذلك الفتنة، حرُمَ، وكذا إن سمعهُ من صبيٍّ يخافُ منه الفتنةَ.

ولا يحرمُ الغناءُ بالآلةِ غير المحرَّمَةِ، ولا سماعه، لكنَّ المحرَّمَ الآلةُ.

ويحرمُ استعمالُ آلةٍ من شعارِ الشَّرَبةِ (2)، كطنبورٍ، وعودٍ، وصَنْجٍ، ومزمارٍ عراقي، واستماعُها، لا يَرَاعَ في الأصحِّ؛ لأنَّها ليستْ من الملاهِي، فإن أضيف إليها الدُّفُّ حرمَ ذلك (3).

ويجوزُ ضربُ دُفٍّ لعرسٍ، وكذا الختانِ، وغيرِهِ، وإنْ كانَ فيه جلاجلُ على الأصحِّ (4). ويسنُّ ضربُهُ في كلِّ أمرٍ مهمٍّ من الشعارِ، ويستثنى مِن محلِّ

(1)"روضة الطالبين"(11/ 227).

(2)

يعني شاربي الخمر.

(3)

"روضة الطالبين"(11/ 227).

(4)

"روضة الطالبين"(11/ 228).

ص: 365

الخلافِ في غيرِهِ ما يتعلَّقُ بضربِ الدُّفِّ في أمرٍ مهم من قدومِ عالمٍ، أو سلطانٍ، ونحوهما.

ويحرمُ ضربُ الطبل الذي يحصلُ بضربهِ اللهوُ الشاغِلُ عنِ الخيرِ الموقع في الفسادِ (1).

* * *

ويكرَهُ الرقصُ، إلَّا أن يكونَ فيهِ تكسُّرٌ، كفعلِ المخنَّثِ، أو يكثرُ بحيث يُخلُّ بمروءةِ الرَّجُلِ الفاعلِ لذلك، فيحرمُ في الصورتينِ حينئذٍ.

* * *

ويباحُ قولُ شعرٍ وإنشادُهُ، ومع الإباحَةِ يكونُ في بعضِ الأحوالِ حسنًا مستحبًّا كالكلامِ الذي ليس بشعرٍ، إلَّا أن يهجوَ، ويقصدَ به إشاعة فاحشةٍ، أو يفحشَ بالإطراءِ فيحرمُ، أو يعرِّضُ بامرأةٍ لا يحلُّ له وطؤها، فيحرمُ (2).

* * *

والمروءةُ: صونُ النفسِ عن تعاطِي مباحاتٍ، أو مكروهاتٍ، غير لائقةٍ بفاعلها عرفًا، أو دالَّةً على قلَّةِ مبالاتِه بما يهتمُّ به، فالأكلُ في الطريقِ المطروقِ مرارًا دالَّةٌ على قلَّةِ المبالاةِ يسقطها، إلَّا أن يكونَ الشخصُ سوقيًّا، وكذا السماسرةُ الذين لا حِشْمَةَ لهم، أو يدهَمُه الجوعُ، فيأكلُ على بابِ دُكَّانِهِ كما قاله البندنيجي (3)، وقد جرتْ عادَةُ أهلِ سُوقِهِ بذلك، أَو أكلَ داخلَ حانوتِهِ مستترًا، وكذلك الشُّربُ من سقاياتِ السُّوفِ يسقطُ المروءةَ، إلَّا أَنْ

(1)"روضة الطالبين"(11/ 228).

(2)

"روضة الطالبين"(11/ 229).

(3)

"روضة الطالبين"(11/ 232).

ص: 366

يكونَ الشخصُ سوقيًّا، أو شربَ لغلبةِ عطشٍ.

ومن تركِ المروءةِ: المشي في السُّوقِ أو الطريقِ مكشوفَ الرَّأسِ، أو البدنِ، إذا لم يكنِ الشخصُ من يليقُ به مثله.

وكذلكَ الوقوفُ في السُّوقِ أو الطريقِ على هذه الحالةِ، والمرادُ غير العورةِ، فإنَّ ذلكَ من المحرَّماتِ، وليسَ الكلامُ فيه.

ومن تركِ المروءةِ: قبلةُ زوجتِهِ أو أمتِهِ بحضورِ النَّاسِ الذي يستحيي منهم في ذلكَ، والتقبيل الذي يستحيي من إظهارهِ.

ومن تركِ المروءةِ: لبسُ الفقيهِ القباء، والقلنسوةُ، ويتردُد في بلدٍ لم تجر عادة الفقهاء بلبسِهما فيه، فلو لبسهما في بيتِهِ لم يكنْ تاركًا للمروءةِ، إذا كانَ لا ينتابُهُ الناسُ في بيته، فإنِ انتابَهُ الناسُ في بيتِهِ وهو على هذه الحالَةِ فهو كمن ترددَ في البلدِ، ولو كان الفقيهُ اللابسُ للقلنسوةِ مغربيًّا يعتادُ ذلكَ في بلدِهِ وجاء إلى بلدٍ لا يعتادُ ذلكَ فيها، فيترك على سجيتِهِ وحالِهِ التي كانت في بلدِهِ.

وأمَّا الإكبابُ على لعبِ الشطرنجِ، فإن لم يسلمِ اللاعبُ من ارتكابِ محرَّمٍ كبيرٍ ومن إصرارٍ على صغيرٍ فهو من تركِ المروءةِ (1).

والحرفةُ الدنيَّةِ التي فيها مخامرة القاذوراتِ ممن لا تليق بهِ يسقطها على الأصحِّ، فإن تلبَّسَ بها ولم يتلبَّس بصنعةٍ أشرف منها، وكان مع هذا برًّا تقيًّا زكيًّا، فتقبلُ شهادتُهُ على الأصحِّ.

والمتهمُ مَن يجرُّ بشهادتِهِ إلى نفسِهِ أو أصلِهِ أو فرعِهِ نفعًا، أو يدفعُ عنه أو عن أصلِهِ أو فرعِهِ ضررًا، فتردُّ شهادتُهُ لعبدِهِ بشيءٍ يعودُ نفعُه للسيدِ ومكاتبِهِ

(1)"روضة الطالبين"(11/ 233).

ص: 367

وغريمٍ له ميتٍ أو مرتدٍّ، أو عليه حَجْرُ فلس، وغريمٌ لأصلِهِ أو فرعِهِ ميتٍ أو مرتدٍّ أو عليه حَجْرُ فلسٍ، أو شهادةُ الوكيلِ لموكِّلِهِ فيما هو وكيلٌ فيه، مما يقتضي بقاءَ تصرُّفِهِ، والضامِنِ ببراءةِ من ضمنَهُ، وببراءَةِ مَن ضمنه عبدُهُ، أو مكاتبُهُ، أو غريمٌ له ميتٌ أو محجورٌ عليه بفلسٍ ونحوه على ما تقدَّم.

ومن ضمنه أصلُهُ أو فرعُهُ إذا لم يصدرِ الضمانُ بشرطِ براءَةِ الأصلِ، فإن صدَرَ بذلك وصححناهُ لم تردَّ شهادتُهُ ببراءَةِ الأصيلِ؛ لأنَّها لا تجرُّ إلى الشاهدِ نفعًا، ولا تدفع عنه ضررًا.

ولو شهدَ أن فلانًا جَرَحَ مُوَرِّثَهُ لم يُقبل إذا كان وارثًا عند الشهادَةِ أو عندَ الموتِ، ولم يُحكم بشهادته قبل ذلك.

ولو ادعى حَرَجًا، وشهد للمدعِي وارثُهُ من غيرِ الأصولِ والفروعِ، فإن شهدَ بعد الاندمالِ قُبِلَ، أو قبلَهُ لم تقبَلْ، وردُّ شهادةِ الأصولِ والفروعِ لا تتقيَّدُ بهذا كما سيأتي (1).

ولو شهدَ لمُوَرِّثٍ له مريضُ مرضَ الموتِ أو جريحٍ بما ليس بأرشِ الجرحِ قبلَ الاندمالِ قبلتْ في الأصحِّ. وينبغي أن يعتبرَ في الجراحَةِ أن يكونَ مما يسري إلى النَّفسِ.

وتردُّ شهادَةُ عاقلةٍ بفسقِ شُهودِ قتل يحملونَهُ لو كانوا موسرين.

ولو شهدَ اثنانِ لاثنينِ بوصيةٍ من تركةٍ فشهد المشهودُ لهما للشاهدينِ بوصيةٍ من تلك التركةِ قبلَتْ الشَّهادتانِ على الصحيح، ولا تقبلُ لأصلٍ ولا فرعٍ في غيرِ أمرٍ ضمني أو غير عام ينظر فيه الأصلُ أو الفرعُ، أو يُقبلُ فيهِ قولُ الأصلِ أو الفرعِ (2).

(1)"روضة الطالبين"(11/ 236).

(2)

"روضة الطالبين"(11/ 236).

ص: 368

وتُقبلُ عليهما إذا كانتِ الشَّهادةُ تشملُهما لمن ليس بأصلٍ ولا فرعٍ. وتُقبلُ على أبيهما بطلاقِ ضَرَّةِ أُفَهما، أو قَذْفِها على الأظهرِ، إذا كانتْ أمُّهما زوجةَ أبيهما.

وإذا شهدَ لفرعٍ وأجنبيٍّ قُبلتْ للأجنبيِّ في الأظهرِ إذا لم يكنْ في حالٍ مشتركٍ، بحيثُ ينفردُ الأجنبيُّ بما شُهِد له به، فأمَّا في مشتركٍ لا ينفردُ الأجنبيُّ بشيءٍ منهُ، فلا تُقبلُ فيهِ الشَّهادَةُ للأجنبيِّ أيضًا.

وتقبلُ لكلٍّ من الزوجينِ إذا لم يشهدْ لزوجتِهِ بأنَّ فلانًا قذفَها، ولا تُقبلُ شهادَةُ الزوجِ على زوجَتِهِ بالزِّنا على فراشِه، وكذلك لا تُقبلُ شهادتُهُ على أجنبيٍّ بأنَّه زنا بزوجتِهِ أو أَمتِه (1).

وكُلُّ مَن لم تُقبلْ شهادتُهُ لمن ذُكِرَ في جميعِ الصُّورِ لا تُقبلُ شهادتُهُ لمكاتبِهِ ولا لعبدِهِ، على ما سبقَ.

ولا تزكيةُ مَن يشهدُ فيما لو شهدَ به لردَّ، ولا تجريحُهُ الذي يُتَّهم فيه بجرِّ النَّفعِ أو دفعِ الضَّررِ.

وتُقبلُ شهادةُ الأخِ لأخيهِ إذا لم يشهدْ له بالنسبِ على المنكِرِ من الورثةِ.

وتُقبلُ شهادَةُ الصديقِ لصديقِهِ، ولا تُقبل من عدوٍّ عليه، ولا على أصلِه وفرعِه، ولا يُشترطُ ظهورُ العداوةُ، بل ما دلَّ على العداوةِ من المخاصمَةِ ونحوها كافٍ في ذلكَ على النصِّ، فكلُّ قضيةٍ ظهرتْ تدلُّ على عداوةٍ فإنها تَمْنَعُ من قبولِ شهادةِ من ظهرَ منهُ ذلكَ، وإن لم يظهرْ ما يقتضي ذلك، فلا تردُّ الشهادةُ بما لم يظهرْ (2).

(1)"روضة الطالبين"(11/ 237).

(2)

"روضة الطالبين"(11/ 237).

ص: 369

وتُقبلُ شهادَةُ العدوِّ لعدوِّه (1)، وأمَّا العداوةُ الدينيةُ فلا توجبُ ردَّ الشَّهادَةِ، بل تُقبلُ شهادَةُ المسلمِ على الذميِّ، والسُنيِّ على المبتدعِ، وتقبلُ شهادَةُ المبتدعِ الذي لا يَكْفُرُ ببدعتِهِ إذا كان الابتداعُ في الفروعِ على السُّنيِّ، شرطَ أن يكونَ ممنْ لا يستحلُّ في مذهبِه أن يشهدَ لمن يذهبُ مذهبَه بتصديقِهِ على ما لم يَسْمَعْ ولم يعاينْ، وأن لا يستحلَّ أن ينالَ من بدنِ مَنْ خالفه أو مِنْ مالِه شيئًا، يجعلون الشهادَةَ بالباطلِ ذريعةً إليهِ، وبشرطِ انتفاءِ العداوةِ الدنيويةِ.

أمَّا الابتداعُ في الأصولِ، فإنَّ مبتدِعَه يَكْفُرُ بذلكَ، ولا تقبلُ حينئذٍ شهادتُهُ (2).

ولا تجوزُ شهادَةُ مَن يعرفُ بكثرةِ الغلطِ والغفلةِ، فتردُّ شهادتُهُ مجملةً، وتُقبلُ مفصَّلة إذا وصفَ الزمانَ والمكانَ وتأنَّق في ذكرِ الأوصاف (3).

والمبادِرُ في الشهادَةِ متهمٌ مردودُ الشهادَةِ. نعم تُقبلُ شهادَةُ الحسبةِ في حقوقِ اللَّهِ تعالَى عندَ الحاجَةِ إليها، وفيما له حقٌّ مؤكَّدٌ، وهو الذي لا يتأثَّرُ برضا الآدميينَ كالعتقِ وجِهاتِ التَّحريمِ (4).

* * *

ويثبتُ النسبُ بشهادَةِ الحسبة على الأصحِّ، إذا لم تتعذَّرِ الدعوَى، وأمكنتِ الخطوطُ، فإنْ تعذّرَتِ الدعوى وانتفتِ الخُطوطُ، فيثبتُ النسبُ بشهادَةِ الحسبةِ قطعًا.

(1)"روضة الطالبين"(11/ 238).

(2)

"روضة الطالبين"(11/ 239).

(3)

"روضة الطالبين"(11/ 241).

(4)

"روضة الطالبين"(11/ 242).

ص: 370

وإذا غلطَ القاضِي فحكمَ بشاهدينِ، فبانا كافرينِ، أو عبدينِ، أو صبيينِ، أو بانَ أحدُهما خُنثَى كذلك عند أداءِ الشَّهادَةِ أو عندَ الحكمِ، فالحكمُ مردودٌ، ولا يحتاجُ إلى نقضٍ؛ لأنَّه تبيَّنَ أنَّ الحكمَ يصادِفُ محلًّا (1).

لكن إذا كانَ الحاكمُ بشهادَةِ الشَّاهدينِ اللَّذَيْنِ تبيَّن أنهما كافرانِ من معتقدِهِ جوازُ الحكمِ بشهادَةِ الكافرِ، إمَّا على الكافرِ وإمَّا في الشهادَةِ بالوصيَّةِ في السفرِ كما قال به جمعٌ من العلماءِ، فلا يكونُ حكمُهُ منقوضًا على مقتضى ما ذكرَهُ في "الروضةِ" تبعًا للشرحِ في صورةِ العبدين مِن أنَّ الصورةَ مفروضةٌ فيمن لا يعتقدُ الحكمَ بذلك.

وإذا أعتقَ مريضٌ عبدينِ في مرضِ الموتِ، وشهدَا عندَ حاكمٍ وقد ثبتَ عندَهُ عِتْقُهما، فماتَ المريضُ، ولم يُخْرَجا من الثُّلثِ، فقد تبيَّنَ أنَّهما عبدانِ حالة الشَّهادَةِ، وتبينَ أن الحكمَ مردودٌ إذا كانَ الحاكمُ ممن يعتقدُ أنَّ شهادَةَ العبدِ لا تُقبلُ، فإن كانَ ممن يعتقدُ قبولها، فقد سبقَ ما فيه.

وإن بانَ أن الشاهدينِ فاسقانِ، فالحكمُ مردودٌ على المذهب، ولو شهدَ كافرٌ مُعْلِنٌ بكفرِهِ، أو عبدٌ أو صبيٌ، ثم أعادها بعد كماله، قُبلتْ (2).

ولو شهد فاسقٌ غير مُعْلِنٍ بفسقِهِ رُدَّت شهادتُهُ، ثم تابَ وأعادها لم تُقبل، بخلافِ سائرِ الشهاداتِ.

ولا يكفي لقبولِ الشهادَةِ إظهارُ التوبَةِ عنِ المعصيةِ، بل يُختبرُ مدَّةً يغلبُ على الظنِّ فيها صدقُهُ في توبتِهِ، وقدَّرها الشافعيُّ بأشهرٍ، والعبرةُ ببينةٍ تقومُ عندَ القاضِي بتوبتِهِ وصلاحِ حالِهِ بعدَ توبتِهِ، أو بعلمِ القاضِي ذلك (3).

(1)"روضة الطالبين"(11/ 251).

(2)

"روضة الطالبين"(11/ 251).

(3)

"روضة الطالبين"(11/ 252).

ص: 371

* ويستثنَى من الاختبارِ ستةٌ لا يشترطُ فيهم ذلك:

أحدهم: الشاهدُ بالزِّنا، حيثُ أوجبنا عليه الحدَّ لعدمِ تمامِ العددِ، فإنَّه إذا تابَ تُقبلُ شهادتُهُ في الحالِ، من غير اعتبارِ الاستبراء.

الثاني: قاذفُ غيرِ المحصنِ إذا تابَ، لا يشترطُ في قبولِ شهادتِهِ الاختبار.

الثالث: الصبيُّ -مراهقًا كان أو دونَهُ- إذا فعلَ ما يقتضي تفسيقَ البالغِ، ثم بلغَ وهو تائبٌ، فلا يشترطُ في قبولِ شهادتِهِ الاختبارُ؛ لأنَّه لم يفسقْ بعدَ التكليفِ.

الرابعُ: الفاسقُ إذا كانَ يُخفِي فسقَهُ، وتابَ، وأظهَرَ الإقرارَ بهِ بعدَ توبَتِهِ، وسلَّمَ نفسَهُ للحدِّ، فهذا يعودُ بعدَ التوبةِ إلى حالِهِ قبلَ التوبةِ، ولم يتوقف لاستبراءِ صلاحِهِ؛ لأنَّه لم يظهرِ التوبةَ عمَّا كانَ مستورًا عليه إلَّا عن صلاح يُغْني عنِ استبراءِ الحالِ. صرَّحَ بذلكَ الماورديُّ، وجزم بهِ، وتبعهُ الرُّويانيُّ، وهو متجهٌ.

الخامسُ: المرتدُّ إذا كانَ ممن تقبَلُ شهادتُهُ قبل الرِّدَّةِ فأسلم من ردَّتِهِ، فإنَّه تقبلُ شهادتُهُ بعد إسلامِهِ من غيرِ توقُّفٍ على الاختبارِ. ذكرَهُ الماورديُّ، ومقتضَى كلام غيره، واعتبر الماورديُّ فيه أن يكونَ أسلمَ غيرَ مُتَوَقٍّ للقتلِ، ولنا الكافرُ الأصليُّ إذا أسلمَ فإنَّه تقبلُ شهادتُهُ من غيرِ توقُّفٍ على الاختبارِ.

السادسُ: العدوُّ إذا رُئيتِ العداوةُ بينَه وبين عدوِّه، وكانت العداوةُ نفسها معصيةً كبيرةً، فتابَ منها، فلا يُشترطُ في قبولِ شهادتِهِ على مَن زالتِ العداوةُ بينه وبينه الاختبار على الأصحِّ؛ لأن العداوةَ ليستْ من الأمورِ التي تميلُ النفوسُ إليها، بل هي مكروهةٌ للنفوسِ غالبًا.

* * *

ص: 372

ولو كانَ فسقُ الشاهدِ مختلفًا فيه، أو كانَ مع فسقِه أهلًا للشهادَةِ عند قومٍ يحكى عنهم قبولُ شهادَةِ الفاسقِ الذي لا يكذِبُ (1)، وشهدَ عندَ مَن يرى فسقَهُ، أو يرى أنَّه لا تقبلُ شهادَتُهُ، وإن كانَ لا يكذبُ، ولم يحكم بردِّ شهادته، وإنما توقَّفَ ليستبرئ حالَه، ثم تابَ وأعادَ تلك الشهادةَ، فإنها تُقبلُ، كما قالَ شيخُنا؛ لأنَّه لا يدفعُ عن نفسهِ بالإعادَةِ عارَ الكذِب، ولا عار الردِّ لعدمِهِ (2).

ويشترطُ في توبةِ معصيةٍ قوليةٍ القولُ (3)، إذا كان يُبرِزُها قائلُها على صورةِ أنَّه مُحِقٌّ فيها، كالقاذِفِ، والشَاهدِ بالقذفِ، إذا لم يتمَّ الشُّهودُ، والشاهدُ بالزورِ -على ما سيأتي-، فيقولُ القاذِفُ: القذفُ باطلٌ حرامٌ، ولو قالَ: ما كنتُ مُحِقًّا في قذفِي، وقد تُبْتُ منه، ونحو ذلكَ كانَ كافيًا، وكذلكَ يكتفي بقولهِ: تُبتُ من القذفِ.

وأمَّا شهادَةُ الزُّورِ، فإن ثبتَ زورُ الشاهدِ بإقرارِهِ فقد اعترَفَ بلسانِهِ بزورهِ، ويكفيه ذلك، وإن ثبتَ بغير إقرارِهِ فيكفيهِ أَنْ يقولَ: تبتُ من شهادَةِ الزورِ.

ويُشترطُ في القوليَّةِ وغيرِ القوليَّةِ إقلاعٌ وندمٌ، واستغفارٌ، والخروجُ مما عليه من ظَلَامةِ آدميٍّ، فلو تلفَ المالُ الذي ظَلَمَ بأخذِهِ أو أتلفه ثُم أَعْسَرَ به فإنَّه يُنظرُ به إلى ميسرتِهِ، وصحَّتْ توبتُه.

(1) ذكره الغزاليُّ في "الوسيط"(7/ 361 - 362).

(2)

نقله عن البلقيني: زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب"(4/ 353).

(3)

"روضة الطالبين"(11/ 248).

ص: 373