الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بابُ أمِّ الولدِ
هي لغةً: الأنثَى ذات الولدِ، وشرعًا مَن ولدتْ ما ظهرَ فيه تخطيطُ آدميٍّ، وما ألحق بذلك وحبلتْ به من مالكِ كلِّها أو بعضِها غير المكاتبِ، أو من حرٍّ أصلٍ للمالكِ إذا لم يسبقِ استيلاد الفرع.
وأصلُ البابِ: من القرآن قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} ، ولمَّا قرأها عمر بن الخطَّابِ رضي الله عنه على الصحابَةِ قال: وأيُّ قطيعةٍ أقطعُ من أن تباعَ أمُّ امرئٍ منكمْ، وقد أوسعَ اللَّهُ لكم. قالوا: فاصنعْ ما بدا لكَ. قال: فكتبَ في الآفاقِ: أن لا تباعَ أمُّ حرٍّ، فإنَّه قطيعةٌ، وإنَّه لا يحلُّ. رواه البيهقيُّ (1).
ومن السُّنَّةِ ما ثبتَ عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ماتَ ولم يتركْ عبدًا ولا
(1)"السنن الكبرى"(10/ 577).
أمةً (1). ووجهُ الدلالةُ منهُ أنَّ ماريةَ أمَّ إبراهيمَ عليه السلام كانت حيَّةً، ولم يثبتْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نجز عتقها في حياتِه، ولا علَّقَه بوفاتِه، ولم تعد متروكة، فدلَّ على أنَّها عتقتْ حينئذٍ. وسببُه الاستيلاد السابق.
وثبتَ عنه صلى الله عليه وسلم من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ أنَّهم سألوه: إنَّا نصيبُ السبيَ، فنحبُّ الأثمانَ، فكيفَ ترى في العزلِ؟ فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وإنَّكُمْ لتفعلونَ ذلك؟! ما عليكم ألَّا تفعلوا ذلك، فإنَّها ليستْ نسمة كتب اللَّه أن تخرجَ إلَّا وهي خارجةٌ"(2) وتقرير دلالته أن الاستيلادَ لو لم يمنعْ البيع لم يكن لعزلهم لمحبَّةِ الأثمانِ فائدة.
وجاءتِ أحاديثُ صريحةٌ في المقصودِ، بعضها حسنٌ، وبعضها مرسلٌ، وبعضها ضعيفٌ.
* * *
من أحبلَ أمته الخالصةَ (3) لهُ أو المشتركَةَ على ما سيُبيَّن، أو حبلت منه باستدخالها ذكرَهُ وهو نائمٌ، أو مغمًى عليه ونحوه، أو استدخلتْ ماءه المحترم فولدتْ حيًّا أو ميتًا أو ما تجبُ فيه غُرَّة عتقتْ بموتِ السيدِ الذي حبلتْ منهُ وألقتْ ما تقدَّم، إلَّا إن كان سيدها مكاتبًا أو مبعَّضًا، أو راهنًا رهنًا لازمًا، وهو معسرٌ أو مأذونٌ له في التجارَةِ وركبتهُ الدُّيونُ، أو كانتِ الأمةُ جانيةً جناية توجبُ مالًا متعلِّقًا برقبتها، أو مالكُها معسرٌ.
ولا الوارثُ إذا أحبلَ أمة التركةِ التي انتقلتْ إليه وحدَه وهو معسرٌ وتعلَّقَ
(1)"صحيح البخاري"(2739، 4461).
(2)
"صحيح البخاري"(2229، 6603).
(3)
"منهاج الطالبين"(ص 369)، و"مغني المحتاج"(6/ 515).
بها الدينُ.
والجاريةُ المنذور التصدُّق بثمنها (1)، أو بها، والموصى بإعتاقِها الخارجة من الثلثِ إذا وطئها الوارثُ وحبلتْ منهُ، فإنَّ كلَّ أمةٍ من ذكرٍ من المكاتبِ إلَّا (2) هذا لا يعتقُ بموتِ السيدِ.
والمرادُ بالمشتركةِ الجاريةُ التي استولدها أحدُ الشريكينِ، فإنَّه ينفذ استيلادُه في حصَّته التي ليس بها مانع مما تقدَّمَ، ويسري الاستيلادُ إلى حصَّةِ شريكِهِ إن كان موسرًا، وكذلك لو كانَ الشريكُ الأصلُ مع فرعِه سرى الاستيلادُ إلى نصيبِ فرعِهِ، ولو كانَ الأصلُ معسرًا وبايع بعض الأمةِ إذا استولدها قبلَ أن يقبضَها المشتري وكانَ موسرًا بالثَّمن، فإنَّه يسري إلى حصة المشتري، وينفسخُ البيعُ، ويسقطُ الثمنُ.
وإذا أحبلَ السيدُ أمةً مكاتبةً أو حبلتْ منهُ، ثبتَ الاستيلادُ، وكذلكَ الأصلُ الكاملُ الحرية إذا استولدَ أمةَ فرعِهِ، التي ليستْ مستولدةً للفرعِ، ولو وطئ مكاتبةَ فرعِهِ التي ليست مستولدة للفرعِ، ولو وطئَ مكاتبة فرعه واستولدها صارت مستولدةً لهُ على ما صحَّحه البغويُّ خلافًا للهرويِّ.
ولو كانتِ الأمةُ مشتركةً بين فرعِه وغيره، نفذ الاستيلادُ في نصيبِ الفرعِ، وسرى إلى نصيبِ الشريكِ، إذا كان المستولد موسرًا.
ولو أحبلَ أمةَ غيرِهِ أو حبلتْ منه بنكاحٍ (3)، فالولدُ رقيقٌ، ولا تصيرُ أمَّ ولدٍ إذا مات، فإنْ نكحَهَا أجنبيٌّ ثم ملَكَهَا ابنُه لم ينفسخِ النكاحُ، وكذلكَ لو نكحَ
(1)"مغني المحتاج"(6/ 517).
(2)
في الأصل: "إلى".
(3)
"مغني المحتاج"(6/ 518).
جاريةَ فرعِهِ، والناكحُ رقيقُ، ثم عتقَ لا ينفسخُ النكاحُ على الأصحِّ، فلو أولدها ثبتَ الاستيلادُ، وينفسخُ النكاحُ على الأرجحِ.
أو أمةَ غيرِهِ بشبهةٍ، فالولدُ حرٌّ إذا اشتبهتْ عليه بأمتِهِ أو زوجتِهِ الحرة أو بأمةٍ مشتركَةٍ بينه وبين غيره، أو بأمة فرعه أو مشتركة بين فرعه وغيره، فأمَّا لو اشتبهتْ عليه بزوجتِه الأمة فلا يكون الولد حرًّا، ولا تصيرُ أمَّ ولدٍ على الأظهرِ (1).
وله وطء أمِّ الولدِ أي: لم يمنعه من وطئها مانعٌ، فإن منعه من ذلكَ مانعٌ كما إذا كانَ مبعضًا فليسَ له وطؤها، إلَّا بإذن مالك بعضه، وليس له وطء التي لم ينفذ فيها الاستيلاد لرهن وضعي، أو شرعي، فيما يخلفه المديون، أو بجنايةٍ كما سبقَ.
وكذلك المكاتبةُ إذا استولدها سيدُها ليس له وطؤها لوجود الكتابة، وله استخدامُ أمِّ الولدِ بأرشِ جنايةٍ عليها، وكذا تزويجها بغير إذنها في الأظهرِ، ويحرمُ بيعُها وهبتها، ورهنها، إلَّا إذا باعها من نفسها، فإنَّه يصحُّ على الأرجحِ، وإلَّا إذا ارتفعَ الاستيلادُ بالسبي بأنْ كانتْ كافرةً ليستْ مستولدةَ مسلمٍ، وسبيناها فيجوزُ بيعها لأنَّها صارتْ قنَّة، ويجوزُ بيعها لعلقة رهنٍ وضعيٍّ أو شرعيٍّ أو جناية.
ولو ولدتْ من زوج أو زنًا أو وطء شبهةٍ، لا يكونُ الولد به حرًّا، فالولدُ للسيدِ وحكمه حكمُ أُمِّه، ويعتق بموتِه، هذا إذا لم تبع الأمَّ، فإن بيعتْ في رهنِ أو جنايةٍ كما تقدَّم فولدتْ من زوجٍ أو زنًا أو شبهة لا حرية فيها للولدِ ثم ملكها المستولد وأولادها فإنَّه لا يثبتُ لهم حكم أمهنَّ! على الأصحِّ؛
(1)"مغني المحتاج"(6/ 518).
لأنها جاءتْ بهم في حالٍ هي فيه غير ثابتٍ لها حكمُ الاستيلادِ، وأولادها قبل الاستيلادِ من زوجٍ أو زنًا أو شبهةٍ لا حرية فيها للأولادِ، لا يعتقونَ بموتِ السيدِ وله بيعُهُم لحدوثهم قبل أن يثبتَ لها سببُ الحرية. وعتق المستولدةِ من رأس المالِ (1).
وعلى إطلاق الإعتاقِ نختمُ هذا الكتابَ، ونرجو من ربنا الخلَّاقِ إعتاقنا يومَ الحسابِ، فإنَّه الكريمُ الوهاب، وحسبنا اللَّهُ ونعم الوكيل، فنعم الحسيب، ونعم الكفيل.
قالَ مصنفُهُ رحمه الله: وكانَ الفراغُ مِن تكملةِ هذا الكتابِ المبارك في يوم الاثنينِ المبارك الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة، سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وحسبُنا اللَّهُ ونعمَ الوكيلُ.
* * *
(1)"المنهاج"(ص 369).