الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا جاءَ الكافرُ رسولًا والإمامُ في حرمِ مكَّةَ خرجَ إليهِ أو نائبُهُ يسمعُهُ، وإن مرضَ فيه نُقِلَ، وإن خِيفَ موتُهُ فإن ماتَ لم يُدفَنْ فيهِ، فإن دُفِنَ نُبشَ وأخرجَ إذا لم يتقطَّع، فإنْ تقطّعْ لم ينبشْ على النصِّ.
وإن مرضَ في غيرِهِ من الحجازِ وعظمتِ المشقّةُ في نقلِهِ تُركَ، وإلَّا نُقلَ، فإن ماتَ وتعذَّرَ نقله، دفنَ هناكَ إنْ كانَ ذِميًّا.
فإن كان حربيًّا فلا يجبُ دفنُهُ، بل يجوزُ إغراء الكلابِ عليهِ، فإنْ دُفِنَ فلئلّا يتأذَّى الناسُ بريحِهِ، وهذا يوارَى مواراة الجيفِ، والمرتدُّ كالحربي (1).
* * *
فصل
أقلُّ الجزيةِ دينارٌ لكلِّ سنة (2)، ولا يتغيَّر ذلك، فلو عقدَ على المتقومات والمِثلياتِ جازَ إذَا كانَت قيمتها لا تنقص عن دينارٍ خالصٍ مضروبٍ.
ويستثنى من ذلكَ صورةٌ واحدة، وهي محتملة أن لا جزيةَ فيهَا مع الإقامةِ سنة فأكثر، في دار الإسلام.
وفيها جزيةٌ مشطورةٌ في مقابلة العمل الذي جعل شطر الثمرة والزرع مع الجزية في مقابله، وهي ما إذا افتتحَ الإمامُ أرضًا عَنْوةً أو صلحًا على أنَّ الأرضَ للمسلمينَ وللأرض أهلٌ ممن يقرُّونَ بالجزيةِ، فَمَنَّ على الرجالِ في صورةِ العَنْوة، وعاملهم في صورة العنوةِ أو في صورةِ الصُّلحِ عندَ الحاجةِ إلى ذلكَ بمساقاةٍ على الشجرِ وما يتبعها، فإنَّهُ يجوزُ أن يُقيموا في تلك الأرضِ سنينَ بلا جزيةٍ أو بجزيةٍ مشطورة مع الشطرِ من الثمرِ والزرعِ في مقابلةِ
(1)"روضة الطالبين"(2/ 118).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 313).
العملِ.
ولا يشترطُ في هذه الجزيةِ أَنْ تبلغَ دينارًا لكلِّ رأسٍ، وذلكَ مستنبطٌ من قضيةِ خيبرٍ، وقد أشارَ إلى ذلكَ الشافعيُّ في "الأمِّ".
* ضابطٌ: ليس لنا ذِمِّيونَ مُقيمونَ في بلادِ الإسلامِ سنةً فأكثر لا تلزمُهم الجزيةُ الواجبةُ في كلِّ سنةٍ إلَّا هذَا.
ويُستحبُّ للإمامِ مماكسة (1) حتَّى يعقد على صفة التوسُّط بدينارين، وعلى صفة الغنى بأربعة، فيأخذ عند تمامِ الحولِ منهم ما عقدَ عليه إن وجدتِ الصِّفة آخر الحول.
ولو عقدتْ بأكثر ثم امتنعوا من بَذْلِ الزَّائدِ لزمَهُم ما التزَمُوه، فإنْ أبوا، فالنصُّ أنَّهم ناقضُونَ، ومحلُّ نقضهم العهد بالإباءِ من بَذْلِ الزيادَةِ على الدِّينارِ في غيرَ ما دفع باسمِ الصدقةِ (2).
ولو أسلَمَ ذميٌّ بعدَ سنةٍ أو مَاتَ لم تسقُطْ، ويؤخذُ ما مضَى من السَّنَةِ والسنين، ولا تداخل.
ويسوى بين الجزيةِ وبين دين الآدمي على المذهَبِ (3).
ولو أسلَمَ أو مَاتَ أو أفلسَ أو جُنَّ في خلالِ سنةٍ فقسطٌ، وفي قولٍ لا شيءَ فيها إذا ماتَ أو أسلَمَ في خلالِ السنَةِ.
وتؤخذُ الجزيةُ بإجمالٍ، كما نصَّ عليه الشافعيُّ رضي الله عنه: حيث قال (4): (وإذا
(1)"منهاج الطالبين"(ص 313).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 313).
(3)
"منهاج الطالبين"(ص 313).
(4)
"كتاب الأم"(4/ 220).
أخذَ منهُمُ الجزيةَ -يعني الإمامَ- أخذَهَا بإجمالٍ، ولم يضربْ منهُم أحدًا، ولم ينلهُ بقولٍ قبيحً، والصَّغارُ أَنْ يُجْرِيَ عليهُمُ الحكمَ لا أَنْ يُضرَبُوا ولا يؤذُوا).
ويستحبُّ للإمامِ إذا أمكنَهُ أن يشرطَ عليهم إذا صُولِحُوا في بلدِهِم ضيافَةَ من يمرُّ بِهم من المسلمينَ زائدًا على أقلِّ جزيةٍ على النصِّ (1)، وقيل منها، وتجعلُ على غنيٍّ ومتوسطٍ لا فقيرٍ على المنصوصِ -والفقيرُ في هذا البابِ من لا يملِكُ فاضلًا عن قوتِ يومِهِ آخر الحولِ ما يقدره على أداءِ الجزيةِ- ويذكرُ عددَ الضِّفيانِ، فعلى الموسع أن ينزل كلَّ مَن مرَّ به ما بين ثلاثة إلى ستة، لا يزيدونَ على ذلكَ، وعلى المتوسِّطِ أن ينزلَ كلَّ مَن مرَّ بِهِ رجلينِ أو ثلاثة لا يزيد عليهِم، كما نصَّ عليه.
ويذكر جنسَ الطَّعامِ، والأدم من نفقةٍ عامَّة أهله، مثل الخبزِ والخلِّ والزيتِ والجبنِ واللبنِ والحيتانِ، والبقول المطبوخةِ، وعلف دابة كلِّ واحدٍ تبنًا أو ما يقومُ مقامه في مكانه.
ومنزل الضِّيفانِ من كنيسةٍ وفاضلِ مسكنٍ، فإن كثرَ الجيشُ حتَّى لا تحتملُ منازِلُهُم أهلَ الغنَى ولا يجدُونَ منزلًا أنزلهُم أهلُ الحاجةِ في فضلِ مساكِنِهمْ، وليستْ عليهم ضيافةٌ (2).
ومدَّة الإقامَةِ، ولا (3) تزيدُ على ثلاثةِ أيَّامٍ، وإذا قالَ قومٌ نؤدِّي الجزيةَ باسم صدقةٍ لا جزية، فللإمام إجابتهم إذا رأى، ويُضَعِّفُ عليهم الزكاة في الأموال
(1)"منهاج الطالبين"(ص 313).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 313).
(3)
كذا بالأصل.