الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو نام عبدٌ مستقلٌّ غير مكاتب على بعيرٍ وقادَهُ فأخرجَهُ من القافلةِ، وجعلَهُ في مضيعةٍ قطعَ، أو مكاتبٌ أو حُر فلا في الأصحِّ (1).
ولوْ نقلَ المتاعَ من بيتٍ مغلقٍ إلى صحنِ دارٍ بابُها مفتوح قطع، وإلَّا فلا، وقيل: إن كانَا مغلقين قطع إذا لم يكن الصحن حرزًا لَهُ، فإنْ كانَ الصحنُ حرزًا له فينبغي أَنْ لا يُقطعُ قطعًا، ويقطعُ الذي أخرَجَ منَ البيتِ إلى الصحنِ المشتركِ، سواءٌ أكانَ البابُ الجامعُ مفتوحًا أم كانَ مغلقًا على مقتضَى النصِّ، هو المعتمَدُ في الفتوَى (2).
* * *
فرع:
لا يقطعُ صبيٌّ ومجنون لعدمِ التكليفِ، ولا يُقطَعُ مكرَهٌ لعدمِ الاختيارِ، ولا يقطَعُ الذي أكرَهَهُ على السرقَةِ، ويقطَعُ المسلمُ والذمِّيِّ بمالِ المسلمٍ، والذِّميُّ على الصحيحِ من المذهب، ولا يقطعُ المعاهَدُ بسرقةِ مالِ مسلمٍ، ولا ذميٍّ على الأظهَرِ (3)، ولا يقطعُ لسرقةِ معاهدٍ قطعًا كما قالهُ الماورديُّ.
وتثبُتُ السرقَةُ (4) بإقرارِ السارقِ وبالبيِّنَةِ برجلينِ، ولا يثبتُ قطع السرقةِ باليمينِ المردودةِ على المنصوصِ خلافًا لما في "المنهاجِ" تبعًا لأصلِهِ. قال الشافعيُّ رضي الله عنه (5): (ولا يقامُ على سارقٍ ولا محاربٍ حدٌّ إلَّا بواحدٍ من وجهينِ: إمَّا شاهدان عدلانِ يشهدانِ عليه بما في مثله الحد، وإمَّا باعترافٍ
(1)"منهاجُ الطالبين"(ص 300).
(2)
"منهاجُ الطالبين"(ص 300).
(3)
"منهاجُ الطالبين"(ص 300).
(4)
"منهاجُ الطالبين"(ص 300).
(5)
"الأم"(6/ 165).
ثَبَتَ عليهِ حتى يُقامَ عليهِ الحدُّ) هذا نصُّه.
ولو أقرَّ ثمَّ رجَعَ فالأرجحُ أنَّه لا يقبلُ في المالِ، ويقبلُ في سقوطِ القطعِ.
ومَن أقرَّ بعقوبةٍ للَّه تعالى فالمنصوصُ أنَّ للقاضِي أَنْ يعرضُ له بالرجوعِ إذا كانَ الرَّجُلُ ممن لا يعرفُ أنَهُ مندوبٌ إلى ستر ذلك، وإنَّه إذا عرفَ به فيثبت عليه سقط برجوعِه، وليسَ للقاضي أن يقولَ لهُ ارجِع (1).
ولو أقرَّ أنَّه سَرَقَ مال زيد الغائب لم يقطعْ في الحالِ، بل ينتظرُ حضورُه على المذهبِ إنْ لمْ يكُنْ سفيهًا، فإن كانَ سفيهًا وطلبَ وليهُ المالَ قطعَ المقرُّ بالسرقةِ، ولا ينتظرُ حضورُ السفيهِ، ومجردُ حضورِ الغائبِ الذي ينتظر حضوره لا يكفي، بل المتعبَرُ مع حضورِهِ مطالبتُهُ بالمالِ بالدَّعوَى بنفسِهِ أو بوكيلِهِ، وإن لم يحضر، والمذهبُ أنَّهُ لو أقرَّ أنَّه أكره أمة فلان الغائب على زنًا حُدَّ في الحالِ، وكذلك الحكمُ لو قالَ زنيتُ بجاريةِ فلانٍ، ولم يذكرْ إكراهًا (2).
ويثبتُ القطعُ بشهادةِ رجلينِ، فلو شهدَ بها رجلٌ وامرأتَانِ بعد دعوى المالِكِ أو وكيلِهِ ثبت المالِ، ولا قطعَ، وكذلكَ الحكمُ بالشاهدِ واليمينِ يحصلُ به ثبوتُ المالِ ولا قطعَ (3).
ويُشترطُ ذكر الشاهدِ من شروطِ السَّرقَةِ ما يجبُ عليه ذكرُه، ولا يشترط ما لا يجبُ، فمما لا يجبُ عليه ذكرُهُ كونُ المسروقِ نصابًا، بل يكفي تعيينُ المسروقِ، ثمَّ الحاكمُ ينظرُ فيه، فإذَا ظهَرَ لَهُ أنَّهُ نصابٌ على ما تقرَّرَ عمل
(1)"منهاجُ الطالبين"(ص 300).
(2)
"منهاجُ الطالبين"(ص 300).
(3)
"منهاجُ الطالبين"(ص 300).
بمقتضاهُ، ومما لا يجبُ عليه ذكرُهُ كونُ المسروقِ ملكًا لغيرِ السَّارِقِ، بل يكفِي أَنْ يقولَ: سرقَ هَذَا. ثم المالكُ يقولُ: "هذا ملكي"، والسارقُ يوافقُهُ فيقطع بشروطِهِ.
وممَّا لا يجبُ ذكرُهُ كما قال ابن الصبَّاغِ أن يقول: "ولا أعلمُ له فيهِ شبهةً"؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الشبهةِ، وإذا اختلفَ الشاهدَانِ فقالَ أحدُهما: سرقَ بكرةً، وقالَ الآخرُ:"سرقَ عشيَّةً" بطلتْ شهادتُهما لعدمِ اتفاقِهما.
ويجبُ على السارقِ ردُّ ما سرَقَهُ إن كانَ باقيًا، فإن تلفَ ضمِنَهُ، وتُقطع يمينُهُ إنْ لم تكنْ شلَّاء، أو كانت شلَّاءَ تنحسمُ عروقها، فأمَّا إذا كانت شلَّاء وقال أهلُ الخبرةِ "إنَّها لو قطعتْ لم ينحسمِ الدَّمُ" فلا تقطعُ قطعًا، فإنْ قالُوا ينقطعُ الدَّمُ، قُطعت، واكتفي بها (1).
ولا يجزئ قطعُ اليدِ اليُسرَى مع إمكانِ قطعِ اليدِ اليُمنَى، والرجلُ اليسرَى أصلًا، إلَّا إذا قالَ الجلادُ للسارقِ:"أخرجْ يمينَك"، فأخرجَ يسارَهُ فقطعَهَا، وقالَ المخرجُ:"ظننتُها اليُمنَى"، أو أنها تجزئ، فإنَّه يسقطُ القطعُ في اليمينِ على الأظهَرِ، لأنَّ المقصودَ التنكيلُ، وقدْ حصَلَ؛ ولأنَّ الحدَّ مبنيٌّ على التخفيفِ، فإن سرقَ ثانيًا بعد قطعَ اليمينِ قطعَتْ رجلُهُ اليُسرَى، إذا لم يكن له يدٌ أخرَى على المعصمِ الأيمنِ مساويةً للمقطوعةِ في البطشِ والخلقةِ، فإن كانَ كذلك فإنَّهُ تقطعُ في السرقَةِ الثانيةِ اليدُ الأخرى.
ولو أمْكَنَ قطعُ أحدهما لأنَّها أصليَّةٌ فبطشتِ الأُخرَى أو كانَ بطشُها ناقصًا أو ناقصةَ الخلقَةِ، فإنَّه يُكتفَي بِهَا في القطعِ في المرَّةِ الثانيةِ، ويجيءُ في القدمين مثل هذا، أو في هذا اليسرى مثل هذا أو على هذا، فقد يسرقُ خامسًا
(1)"منهاجُ الطالبين"(ص 300).
فيقطع بعض ما ذكر، وكذلك سادسًا، وإذا فرغتِ الأطرافُ كلها عزر، وممنْ يُعزَّرُ أيضًا الصبيُّ، ومن سرَقَ على صورةٍ لا يجبُ عليه فيها القطعُ، ويغمسُ محلُّ قطعِه بزيتٍ أو دهنٍ مغليٍّ، قيلَ هو تتمَّةُ الحدِّ، والأصحُّ أنَّه حقٌّ للمقطوعِ، فعلى الأولِ لا يتركُهُ الإمامُ، ويكونُ ثمنُ الزيتِ ومؤنة الحسمِ على السارقِ على الأصحِّ، وعلى الأصحِّ أنَّهُ حقٌّ له، فمؤنتُه في بيتِ المالِ، وهو الذي جزمَ به جمعٌ من الأصحابِ العراقيينَ، والخراسانيينَ.
ولو تركَ الإمامُ الحسمَ فلا شيءَ عليه، إن لم يكنْ في إهمالِهِ ما يؤدي إلى تلفِ المقطوعِ، فإن أغمي عليه أو زال عقلُهُ وليس لَهُ من يقومُ بحالِهِ أو كانَ على حالٍ يتعذر فلو لم يكن في بيت المالِ شيءٌ فمن مالِ المقطوعِ، فإن لم يعطِ المالَ ترك.
وتُقطعُ اليدُ من الكوعِ (1)، والرِّجلُ من مفصلِ القدمِ، ومن سرقَ مرارًا بلا قطعٍ يكفي قطعُ يمينِهِ، وإن نقصتْ أربع أصابع، فإن نقصتِ الخمسُ فالأصحُّ عند الشيخ أبي حامدٍ والغزاليِّ وعليه اقتصر ابنُ الصباغِ: الاكتفاء، وصحَّحهُ النوويُّ في زياداتِه، والأصحُّ عند شيخِنَا تبعًا للقاضي حُسين عدمُ الاكتفاءِ، وتقطعُ اليدُ الزائدةُ الأصبعِ على الصحيحِ، وحُكم زيادةِ الإصبعين أو أكثرَ كالأصبعِ الزائدِ، وأمَّا اليدُ الزائدةُ الكفَّ فإنْ كانَ لا يمكنُ قطعُ الكفِّ الزائدُ بأصابعِهِ كالأصابعِ الزائدةِ، وإذا سرقَ فسقطتِ يمينه بآفةٍ أو جنايةٍ، سقطُ القطعُ، وإن سقطت يسارُه فلا يسقطُ القطعُ على الأرجحِ.
* * *
(1)"منهاجُ الطالبين"(ص 300).