الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قال: أجَّرتُكَ البيتَ شهرًا (1)، ويعيِّنه بعشرةٍ، فقالَ المستأجِرُ: بل أجَّرتني جميعَ الدارِ ذلك الشهرِ بعشرةٍ، وأقاما بينتينِ تعارضتا، إذا لم يكونا مؤرَّخَتين بتاريخين مختلفين، واتفقا على أنَّه لم يَجْرِ إلَّا عقدٌ واحدٌ، والحكمُ المفتى به على التساقطِ، حيثُ تعارضتا أنهما يتحالفانِ على النصِّ، كما لو لم يكنْ هناكَ بينةٌ، وعلى قولٍ: الاستعمالُ لا يأتي قول القسمةِ، ولا قول الوقفِ. وشذَّ البندنيجي فحكى قولًا بتقديمِ بينةِ المستأجرِ، وإنما هو من تخريجِ ابن سريج، ومحلُّه في غيرِ مختلفتي التاريخ، ولم يخصَّه ابنُ سريجٍ ببينةِ المستأجِرِ، وإنما مدارُهُ على البينةِ الشاهدةِ بالزيادَةِ، وأمَّا مختلفتا التاريخِ ففيهما قولانِ:
أحدهما: تقديمُ البينةِ السابقةِ التاريخِ، وهو الأظهرُ.
والثاني: تقديمُ متأخرَةِ التاريخِ.
وموضعُ القولينِ إذا لم يتَّفقَا على أنَّه لم يجر إلَّا عقدٌ واحدٌ.
ولو ادَّعيا شيئًا في يدِ ثالثٍ (2)، وأقامَ كلُّ واحدٍ منهما بينةً أنَّه اشتراهُ منهُ، ووزنَ له ثمنه، فإنِ اختلف تاريخٌ حُكِمَ للأسبقِ إذا لم يصدر البيع المتأخرِ في حالةِ الخيارِ الثابتِ للبائعِ، إمَّا وحدهُ ومع المشتري. وحيث حكم للأسبقِ بالعينِ التي في يدِ البائعِ فيحكمُ للمتأخِّر على البائعِ بدفعِ الثمنِ الذي وزنه لهُ، وإلَّا تعارضتا له، ويرجعُ كلٌّ منهما بالثمنِ الذي وزنه، وإنما تساقطتا فيما فيه التعارضُ، وهو الرقبةُ دونَ الثمنين.
(1)"منهاج الطالبين"(ص 355).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 355).
ولو قالَ كلٌّ من المُدَّعيين (1) استحقَّ عليك ألف درهم ثمن هذا الثوب الذي بعتُه لك بالثمنِ المذكورِ، وهو ملكي، وسلمته لكَ، وأطالبك بدفعِ ثمنه، وأقامَا البينتين، فإنِ اتحدَ تاريخُهما بتعيينِ وقتٍ يضيقُ عنِ إمكانِ تقديرِ ما وقعتْ الدعوتانِ به فيتعارضانِ في الثمنِ فلا يلزمُ المشتري شيءٌ من الثمنينِ لتعارُضهما في مقابلِ الثمنِ.
وإنِ اختلفَ اختلافًا يمكنُ فيه تقديرُ ما وقعتِ الدعوتانِ بهِ لزمَهُ الثمنانِ، وإنْ أطلقتا أو إحداهما وجبَ لكلِّ واحدٍ نصفُ الثمنِ مطلقًا على النصِّ.
ولو ماتَ عن ابنينِ مسلمٍ ونصرانيٍّ (2)، فقالَ كلُّ واحدٍ منهما: ماتَ على دِينِي وإرثُه لي، فإن عُرِفَ أنَّه كانَ نصرانيًّا صُدِّقَ النصرانيُّ، فإن أقاما بينتينِ مطلقتينِ تشهدُ إحداهُما أنَّه ماتَ مسلمًا، والأخرى أنَّه مات نصرانيًّا، قدِّمَ المسلمُ.
وكذلك يُقدَّمُ المسلمُ إذا شهدتْ إحداهُما بأنَّه مسلمٌ، وشهدتِ الأخرَى بأنَّه نصرانيٌّ، وإن شهدتْ إحداهُما بأنَّ آخرَ كلمةٍ تكلَّم بها كلمةُ الإسلامِ ومكثت عندهُ إلى أن (3) ماتَ ودفنَ. وشهدتِ الأخرَى بأنَّ آخرَ كلمةٍ تكلَّمَ بها كلمةُ الكفر، ومكثتْ عندَهُ إلى أَنْ ماتَ ودفنَ، فههنا يقعُ التعارضُ، وإن لم يعرفْ دينُهُ وأقامَ كلٌّ منهما بينةً أنَّه ماتَ على دينِهِ؛ قال شيخُنا: الصوابُ تقديمُ بينةِ المسلمِ، لأنَّ الإسلامَ يطرأُ على التنصُّرِ فيقطع التنصُّرَ، ولا سبيلَ إلى أن التنصُّرَ يطرأُ على الإسلامِ فيقطعُهُ، إنما ذلك الردَّةُ، ولا ميراثَ معها.
(1)"منهاج الطالبين"(ص 355).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 355)، و"مغني المحتاج"(6/ 435).
(3)
"إلى أن" مكرر في الأصل.
ولو ماتَ نصرانيٌّ عنِ ابنينِ؛ مسلمٍ ونصرانيٍّ (1)، فقالَ المسلمُ أسلمتُ بعدَهُ، فالميراثُ بيننا، وقال النصرانيُّ: قبلَهُ، صُدِّقَ النصرانيُّ بيمينِهِ. فإن أقامَ كلٌّ بينةً بدعواهُ، قدِّم النصرانيُّ إلَّا إن شهدتْ بينةُ المسلمِ بأنها علمتْ منه دينَ النصرانيةِ حينَ موتِ أبيهِ، وبعدَ موتِ أبيهِ، وأنها لم تستصحبِ الحالة التي كانت قبل موتِ أبيه، فإذا شهدتْ بذلك قدمتْ بينةُ المسلمِ.
فلو اتفقا على إسلامِ الابنِ بها رمضانَ، وقال المسلمُ: مات الأبُ في شعبان، وقال النصرانيُّ: في شوَّالٍ، صدِّقَ النصرانيُّ، وتقدَّم بينةُ المسلمِ على بينتِهِ إلَّا إذا شهدتْ بينةُ النصرانيِّ برؤيته حيًّا في شوَّالٍ، وأنها لم تستصحبِ الحياةَ الأصليةَ فتقدمُ بينةُ النصرانيِّ حينئذٍ.
وإن ماتَ عن أبوينِ كافرينِ (2)، وابنينِ مسلمينِ، قال كلُّ فريقٍ: مات على ديننا، فإنْ كانَ كفر الأبوينِ بالتكفيرِ الأصليِّ ثابتًا بالبينةِ، أو سلمه الفرعُ المنازع وليس هناك أصل للميتِ يسلم، فالقولُ قول الأبوينِ بلا خلافٍ، وإن كان كفر الأبوين الكفرَ الأصلي غير ثابت، ولا يُسلمه الفرع فالفتوى على التوقُّفِ حتى يتبينَ الحالُ، أو يصطلحوا.
ولو شهدتْ (3) أنَّه أعتق في مرضِ موتِهِ سالمًا، وأخرى غانمًا، وكلُّ واحدٍ ثلثُ ماله، فإنِ اختلفَ تاريخٌ قدِّم الأسبقُ، وإن اتحدَ أقرعَ.
ويستثنى منهُ ما إذا كانَ الاتحادُ بمتقضى تعليقٍ وتنجيزٍ بأن يقولَ: إن أعتقتُ غانمًا، وسالمٌ حرُّ، ثم يعتقُ غانمًا فيعتقُ سالمٌ مع عتقِ غانمٍ بناءً على
(1)"منهاج الطالبين"(ص 356).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 356).
(3)
"منهاج الطالبين"(ص 356).
أنَّ الشرطَ والمشروطَ يقعانِ معًا، وهو المرجَّح، وهذا تاريخٌ متحدٌ ولا إقراعَ، ويتعيَّنُ السابقُ، وإن أطلقتا، فقيلَ: يقرع، وقيل: قولانِ مرجحان؛ الإقراع والتنصيف، والمذهبُ المعتمدُ الإقراع لا التنصيف (1).
ولو شهدَ أجنبيانِ (2) أنَّهُ أوصى بعتقِ سالمٍ وهو ثلثُه ووارثانِ حائزانِ عدلانِ: أنَّه رجعَ عن ذلك، ووصى بعتقِ غانمٍ وهو ثلثه، ثبتَ لغانمٍ، فإن كانَ أحدُهما تقبل شهادتُهُ في الواقعِةِ لم يثبتِ الرُّجوعُ فيعتقُ سالمٌ، والأصحُّ يعتقُ غانم كلُّهُ؛ لأنَّ الشاهدينِ الفاسقينِ أو أحدَهما يعتقدانِ أنَّ سالمًا ملكُهُما، وإنما منعهما من التصرُّفِ فيهِ ظاهرًا الشهادةُ التي هي عندهما غيرُ معمولٍ بها، لما عرفا من الرجوعِ.
* * *
(1)"منهاج الطالبين"(ص 356).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 356)، و"روضة الطالبين"(12/ 18)، و"مغني المحتاج"(6/ 438)، و"نهاية المحتاج"(8/ 374).