الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 52
- بتاريخ: 10 - 10 - 1927
حريم دار الخلافة وباب التمر في التاريخ
وعدت في (341: 5 ح) بعقد كلام (عن باب التمر بالمشروعة) في الجانب الشرقي من بغداد والآن ابر في وعدي.
لا يبعد أن يذهب القارئ الكريم إلى ضياع هذا الاسم التاريخي لعفو تلك الآثار واندراسها لكني أظن انه بقي ذكر لذلك الاسم. ولتعريف هذا الموضوع لابد من البحث عن دار الخلافة وحريمها قبل الدخول في الموضوع. قال معجم البلدان:
(الحريم. . . وبذلك سمي دار الخلافة ببغداد ويكون بمقدار ثلث بغداد وهو في وسطها ودور العامة محيطة به. وله سور يتحيز به ابتداؤه من دجلة وانتهاؤه إلى دجلة كهيئة نصف دائرة وله عدة أبواب:
1 -
أولها من جهة الغرب (باب الغربة) وهو قرب دجلة جدا.
2 -
ثم (باب سوق التمر) وهو شاهق البناء واغلق في أول أيام الناصر لدين الله بن المستضيئ واستمر غلقه إلى الآن.
3 -
ثم باب البدرية.
4 -
ثم باب النوبي وعنده باب العتبة التي تقبلها الرسل والملوك إذا قدموا بغداد.
5 -
ثم باب العامة وهو باب عمومية.
6 -
ثم يمتد قرابة ميل ليس فيه باب إلا باب بستان قرب المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا.
7 -
ثم باب المراتب. بينه وبين دجلة نحو غلوتي سهم في شرقي الحريم. وجميع ما يشتمل عليه السور من دور العامة ومحالها و (جامع القصر) - وهو الذي تقام فيه الجمعة ببغداد - يسمى الحريم. وبين هذا الحريم المشتمل على منازل الرعية وخاص دار الخلافة التي لا يشركه فيه أحد. سور آخر يشتمل على دور الخلافة وبساتين ومنازل نحو مدينة كبيرة) اهـ.
وفي المشترك قوله: (حريم دار الخلافة ببغداد وهو مقدار ثلث مدينة السلام بغداد وعليه سور (ابتداؤه) من دجلة (وانتهاؤه) إلى دجلة كهيئة الهلال أو نصف دائرة وله أبواب:
1 -
أولها باب الغربة على دجلة.
2 -
ثم باب سوق التمر باب شاهق البناء واغلق في أول أيام الناصر (أبي احمد العباس) واستمر غلقه إلى الآن.
3 -
ثم باب البدرية.
4 -
ثم باب النوبي وفيه العتبة التي تقبلها الرسل والملوك (وغيرهم) إذا قدموا بغداد (وهي قطعة من عمود رخام ابيض مطروحة أمام هذا الباب طولا).
5 -
ثم باب العامة ويقال له باب عمورية (بين هذين البابين محال يسكنها عامة الناس بينهم وبين دار الخلافة سور آخر فيه عدة أبواب منها:
باب الدوامات، وباب عليان، وباب الحرم وغير ذلك)
6 -
ثم يمتد (السور من باب العامة) نحو ميل لا باب فيه إلا باب بستان (في آخر المأمونية) تحت المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا في الأعياد.
7 -
ثم باب المراتب بينه وبين دجلة (من جهة باب الازج) نحو رميتي سهم (وهو من ناحية الشرق) وجميع ما يشتمل عليه السور يسمى (حريم دار الخلافة. فيه محال وأسواق (وخانقاهات) ودور كثيرة للرعية كأكبر مدينة. وبين منازل الرعية وبين دجلة سور آخر دونه دور الخلافة لا يشركه
فيه شي من منازل غيره) اه.
وفي مراصد الاطلاع. (الحريم. . . فمنه حريم دار الخلافة ببغداد وهو في وسطها عليه سور دائر يتحيز به يبتدئ من دجلة وينتهي إليها ثلاثة أضالع ورابعها دجلة وله أبواب وفي بعضه مساكن للناس يقطع بينه وبين دار الخلافة حائط ممتد يفصل ما بينهما) اه.
وجاء في رحلة ابن جبير وكان في بغداد في سنة 580هـ (1184 م) ما قوله في ص 220 من طبعة ليدن:
(ثم شاهدنا. . . مجلس. . . الإمام الأوحد جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي وفي آخره على اتصال من قصور الخليفة وبمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي. . .)
وفي ص 226 (. . . ودور الخليفة مع آخرها (آخر الشرقية) وهي تقع في نحو الربع أو أزيد لان جميع العباسيين في تلك الديار معتقلين (كذا). . . وللخليفة من تلك الديار جزء
كبير قد اتخذ فيها المناظر المشرفة والقصور الرائقة والبساتين الأنيقة. . .)
وفي ص 228 (والشرقية حفيلة بالأسواق. . . وبها من الجوامع ثلاثة كل يجمع فيها: جامع الخليفة متصل بداره وهو جامع كبير. . . وجامع السلطان. . . وهو خارج البلد. . . وجامع الرصافة بينه وبين جامع السلطان المذكور مسافة نحو الميل.)
وفي ص 229: (وللشرقية (وللجانب الشرقي) أربعة أبواب. فأولها وهو في أعلى الشط باب السلطان ثم باب الظفرية ثم يليه باب الحلبة ثم باب البصيلة. هذه الأبواب التي في السور المحيط بها من أتعلى الشط إلى أسفله. هو ينعطف عليها كنصف دائرة مستطيلة) اه.
وجاء في معجم البلدان في مادة بأقداري: (. . . أبا زرعة ابن المقدسي وكان خياطا يسكن القرية بدار الخلافة) وفيه في مادة القرية إنها محلة في حريم
دار الخلافة وهي كبيرة فيها مال وسوق. وفي المشترك في هذه المادة أيضاً أن القرية في حريم دار الخلافة وان مؤلفة سكنها. وفي مراصد الاطلاع القرية تصغير قرية محلتان ببغداد أحدهما في حريم دار الخلافة وهي كبيرة فيها محال وأسواق.
وفي تاريخ أبي الفداء (3: 170) في حوادث سنة 640هـ (1242 م) ما قوله في وفاة المستنصر: (وهو الذي بنى المدرسة المسماة بالمستنصرية على شط دجلة من الجانب الشرقي مما يلي دار الخلافة) اه.
باب الغربة هي شريعة المصبغة الحالية
وإذا عرفنا من آبي الفداء أن المستنصرية مما يلي دار الخلافة، ومن ياقوت والمراصد أن القرية في حريم دار الخلافة، وان أول أبواب الحريم من جهة الغرب باب الغربة وانه قرب دجلة جدا يمكنني القول عن القرية أنها سوق راس القرية ومحلة راس القرية الحاليتين. وتعليل إدخال رأس على القرية انه كان يطلق على رأسها ثم أتطلق عليها أو على جزء كبير منها من باب تسمية الكل باسم الجزء ونستنتج من ذلك كله - والمستنصرية قائمة إلى يومنا - أن باب الغربة هو في المشرعة التي نسميها اليوم بشريعة المصبغة وان عندها يبدأ حريم دار الخلافة.
ولما كان حريم دار الخلافة على شكل نصف دائرة بمقدار ثلث بغداد وان فيه جامع القصر وهو اليوم جامع سوق الغزل وحواليه فلا بد من وصول رأس نصف الدائرة المستطيل
الأسفل عند دجلة في نحو شريعة المربعة الحالية أو فيها.
ويزيدنا ثقة بهذا الرأي وهو انتهاء حريم دار الخلافة في نحو شريعة المربعة أو نحوها ما عرفناه من ابن جبير بقوله أن دار ابن الجوزي (المتوفي في سنة 597هـ) على اتصال من قصور الخليفة وبمقربة من باب البصيلة آخر
الأبواب. وسبب تعييني شريعة المربعة - والمسافة بينها وبين شريعة المصبغة نحو كيلومتر - لما مر بنا من اتساع حريم دار الخلافة ودور الخليفة وغير ذلك. ولما جاء عن مرقد ابن الجوزي الذي قالت عنه سالنامة ولاية بغداد لسنة 1318هـ (1900م) ص371 انه رواية في بستان اكربوزي وعلى
رواية أخرى في مقبرة الإمام احمد بن حنبل. ولعل ارجح الروايتين الأولى لأنه لا يبعد أن البستان كان دار ابن الجوزي فدفن فيها. ورأيت مجلدا من كتاب صفوة الصفوة لابن الجوزي كتب في سنة 603هـ (1206 - 1207م) أي بعد وفاته بست سنوات وفي آخره بقلم متأخر لكنه قديم أيضاً أن قبر المؤلف (. . . الواقعة على شاطئ دجلة) وقد أكلت الأرضة مكان كلمتين في الكتاب المخطوط وقد استعضت عنهما بالنقط ولعل إحدى الكلمتين كانت (داره).
شريعة خان التمر
حكيت عن الماضي البعيد توطئة لما بعده وإلى الحال الحاضرة.
في جانبنا الشرقي مشرعة تسمى اليوم (شريعة خان التمر) ويطلق عليها بعضهم شريعة مناحيم دانييل أو بيت دانييل لان لهم على جانبها الجنوبي دارا عامرة بنوها قبل نحو نصف قرن على طراز إفرنجي وهي ذات مسناة على دجلة.
وعلى هذه الشريعة على جانبها الشمالي عرصة تباع فيها أعواد القواق (الحور) لسقف الدور ولغير ذلك يتصل بها خان متداع معروف بخان الدفتردار. والعرصة والخان تحدهما دجلة وللعرصة باب عليها وليس للخان باب عليها. وكان نصف الخان وقفا وفي نحو سنة 1920 اشترت الأوقاف النصف الثاني فهو اليوم كله وقف تستغله وزارة الأوقاف (بنت الأوقاف منذ عهد قريب دكاكين في جبهته المستجدة الواقعة بين السوق الذي كان فيه بابه وبين دجلة فالدكاكين تمتد من الشرق إلى الغرب) وكان الخان المذكور متصلا بخان آخر يذخر فيه التمر في عهدنا وبابه في شريعة المصبغة يبعد عن دجلة نحو ثلاثين مترا. ولم
يهمل ذكره جيمس فيلكس جونس في تقرير رفعه إلى
حكومته عن ولاية بغداد بتاريخ 9 نيسان سنة 1855 (ص318 من مجموعة تقاريره)
وتلاصق خان التمر المذكور أيضاً قهوة ذات مسناة لها طبقتان وتعرف القهوة اليوم بقهوة المصبغة أو قهوة الشط فهي محدودة بدجلة من جهة الغرب ومن جهة الشمال بشريعة المصبغة التي قلنا انه كان عندها باب الغربة في العصر العباس.
هذا ما كان من أمر الخان والقهوة حتى الربع الاول من سنة 1916 ثم فتحت الجادة العامة التي تشق المدينة من الجنوب إلى الشمال بتوسيع طرق وأسواق وبخرق دور ووسع السوق الضيق في عرضه ذو المنعطفات وهو الأتي من الركن الشمالي الغربي لجامع مرجان إلى السوق الذي فيه خان الدفتردار وذلك لإيصال الجادة العامة بدجلة على خط مستقيم في عرض وسيع. فمر هذا الفرع المتشعب من الجادة وهو يحاد من جهة الجنوب خان الاورتمة وبابه الجنوبي دون أن يمسهما بأذى ويحاد من جهة الجنوب خان بكر المعروف
أيضاً بخان الخضيري بعد أن اخذ منه ما استوجبه أمر التوسيع - حتى وصل هذا الفرع إلى خاني الباشا الواقعين في شماله فاخذ منهما ما أريد. وابقي في جنوبه خان البرزللي على حاله ثم وصل (هذا الفرع) باب خان الدفتردار فقطعه وخرق الخان وما هو متصل به من جهته الشمالية فبرزت دجلة أمامه فاستجدت مشرعة واجتمع في طول نحو سبعين مترا ثلاث مشرعات: شريعة المصبغة في الشمال وشريعة خان التمر في الجنوب وبينهما الشريعة التي استجدت.
ومما جاء عما نبحث فيه ما قاله اوليا جلبي في رحلته (4: 420) في تعداده الخانات: (خورمالي خان)(خورما: تمر) بقرب محكمة القاضي. ومن البديهي انه يريد بها ما نعرفه اليوم بالمحكمة الشرعية. وقد ذكرها الشيخ عبد الله السويدي في موضعها الحالي في كتابه النفحة المسكية في الرحلة المكية (1157هـ - 1158 - 1744م - 1745) قال: كنت بالمدرسة الاصفهانية المسماة اليوم المدرسة الاحسائية وهي على شاطئ دجلة الشرقي على يسار محكمة القاضي.) اهـ