الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواية ليلى وسمير
وضعها لتمثل جميل صدقي الزهاوي
وجعلها تقدمة إلى جلالة الملك المعظم فيصل الأول
لا زال الأدب ريان ناشئاً برعايته الملكية
(بغداد: 10 تموز سنة 1927)
أسماء الممثلين
ليلى - حبيبة سمير
سمير - محب ليلى
زينب - أم ليلى
حبوبة - حاضنة ليلى
عائشة - أم سمير
مجيد بك - والي بغداد
راسم بك - رئيس الشرطة
سالم بك - أبو سمير
عبد الله - شيخ رفاعي عاشق ليلى
رجب - عدو سمير في الباطن وصديقه في الظاهر
عبد السلام - صديق سمير
صلوحة - أم الشيخ
عمشا - أخت الشيخ
أبو خزامة - مدفع قديم يطوف به السذج والجاهلون في بغداد ويقدمون له النذور ويطلبون منه قضاء الحوائج ويدخلون رؤوس أطفالهم المولودين جديداً في فوهة ليعيش.
ليلى وسمير
الفصل الأول - المشهد الأول -
زينب في جنب مهد أبنتها (ليلى) تغني لها أغنية النوم عندما ليلى كانت طفلة
نعست بعد الرضاع
…
وللنعاس دواعي
تغضين فوق ذراعي
…
والآن في المهد نامي
لأنت بنت الأماني
…
منزوعة من جناني
جم عليك حناني
…
نامي بجنبي نامي
قد كنت ليلة عرسي
…
حلماً لذيذاً لنفسي
واليوم يا ابنة أنسي
…
أنت الحقيقة نامي
لسوف تنمين جسما
…
حتى تكوني أتما
وبعد ذلك أما
…
ترعى بنيها فنامي
عليك يا ابنة حبي
…
روحي يرف وقلبي
نامي هنيئاً بجنبي
…
نامي من الوقت نامي
حسبي من الدهر بنتي
…
أما لجيل سيأتي
أنت السعادة أنت
…
نامي بمهدك نامي
لك الهناء موفر
…
في الليل والليل أقمر
أني عليك لأسهر
…
إلى الصباح فنامي
أما حياتي فتخزى
…
ما لم أجد فيك عزا
أهز مهدك هزا
…
حتى تنامي فنامي
الليل فأبغي المناما
…
يهدي إليك السلاما
فلا تزيدي ابتساما
…
نامي فديتك نامي
هيا إلى النوم هيا
…
فالوقت أمسى عشياً
نامي مناما
…
نامي إلى الغد نامي
المشهد الثاني
بعد ثماني عشرة سنة مضين على طفولية ليلى - سمير يحدث نفسه
أحببتها يوم مرت وهي سافرة
…
إلي تختلس الأنظار في خجل
سمراء في مقلتيها السحر مستتر
…
والسحر أن كان حقاً فهو في المقل
نعم أحببتها حباً جماً، وأحسب أنها تشعر نحوي بما أنا أشعر به نحوها من هوى. أليس الحب هو المغناطيس الذي يجذب القلب إلى القلب، كما أن المقت يدفعه عنه؟ وأي دليل على حبها أكبر من أنها كانت تختلس إلي الأنظار خفرة كلما مرت بي، أو مررت بها، وهي راجعة من تنزهها على شاطئ دجلة إلى دارها؟ سواء كنت وحدي أو في صحبة رفيقي في القلم (رجب)؟
أن الصدق الظن فأنا السعيد! اخبرني رجب أنها ابنة القائد العربي صادق بك، الذي قتل قبل عشر سنوات في حادثة بالناصرية، وأنها تحسن الموسيقى وتغني بالشعر، فإذا غنت أخذ ما تشدو به يحدث هزة في سامعيه كأنه تيار من الكهرباء، وأنها ليست بالغنية ولا الفقيرة. كما
أنا كذلك، وأن لها ولأمها راتباً قدره ثمانية جنيهات في الشهر وهما تعيشان مقتصدتين، فلا تقتير ولا إسراف، وقد تشربت المبادئ الحرة، ونزعت إلى السفور، في أدب ونزاهة وقد كانت الأولى في الصف المنتهي لمدرسة الإناث الثانوية عندما أحرزت الشهادة. وأي ضير على إذا راسلتها وبثثت لها غرامي وطلبت إليها مقابلة في الليلة القادمة على شاطئ دجلة تحت أضواء القمر في كتاب أحرره باسمها؟ ألم تعتد الجلوس على شاطئ دجلة في أصيل كل يوم؟ فإذا أجابت عليه، عرفت ما يحس به قلبها نحوي. أنا مثلها وحيد أمي وقد مات أبي سالم بك قبل خمس سنين بعد أكملت دروسي في المدرسة الملكية بالأستانة ورجعت إلى الأوطان.
المشهد الثالث
ليلى في غرفتها تحدث نفسها
لا تكذبني عيني فأن الإمضاء لسمير ذلك الشاب الجميل الذي يقف لي على الطريق كل يوم وأشاهده محدقاً إلي: وهو ذلك الشاعر الكبير الذي بعد صيته وذاع نبوغه وأسمع أن له في صحف مصر مقالات ملؤها الحماسة، والدفاع الحار
عن الأوطان، ومكافحة الاستبداد والذب عن السفور، يكتبها باسم مستعار، فهو نصير المرأة في العراق يحذو حذو قاسم أمين
في مصر.
أني لما قرأت إمضاءه أحسست بقلبي يخفق. ما أرق عباراته وأجملها! يطلب إلي أن أنبئه بالصراحة التي هي من إيحاء الثقافة العصرية بما أحس به نحوه. ويؤكد أن حبه لي طاهر قد ملك فؤاده، فهو لا يتفكر إلَاّ بي، ويبسط أمنيته في أن تسهل الظروف أمر زواجه بي في القريب، إذا كنت أهواه كما هو يهواني، فنعيش معاً في ظل الحب الوارف سعيدين لا يفرق
بيننا إلَاّ الموت، وأن أوافيه الليلة إلى شاطئ دجلة لنمهد معاً أسباب القران.
أن أمنيتي يا سمير هي نفس أمنيتك، وغرامي بك أكثر من غرامك بي، فأنا أعاهد في غيابك نفسي أن لا أرضى لي غيرك بعلا، مهما حالت الحوادث، وسأوافيك الليلة إلى الشاطئ كما دعوت مستصحبة حاضنتي الأمنية (حبوبة) وأن كانت زيارتي هذه تثلم من سمعتي إذا بلغ خبرها سمع أولئك الأشرار الذين يرون سعادتهم في شقاء الآخرين.
المشهد الرابع
سمير وليلى على شاطئ دجلة في ليلة قمراء
سمير - كانت نفسي تطمئنني أنك يا ليلى تجيئيني، فقد وعدتني في كتابك المجيء؛ ولعلك لست واجدة علي لدعوتي إياك إلى هذا الشاطئ المنعزل، وأني لأرى انعزاله هذا أفضل ما
فيه، فنحن هنا في ذمة الهوى مخفيان عن أعين الرقباء، لا ترانا إلَاّ عين هذا القمر الذي
تفيض أنواره البيضاء جميلة وهو لا ينم علينا.
ليلى - كذبك الظن يا سمير، فأن لنا ثالثاً عدا القمر، ثالثاً من اللحم والدم، من البشر مثلنا. أنظر إلى ذلك الظل الصغير على بعد سبعين قدما فهو حاضنتي (حبوبة) وهي مثل هذا القمر الصامت لا تنم ولا تخون. وأعلم أنها تعرف كل ما هو بيننا من حب بريء وغرام صادق،
فلا يريبنك منها شيء.
سمير - أن من لا يريبك لا يريبني أنا أيضاً وأن غايتي يا ليلى من اجتماعنا هذا أن أقول لك أني لا أستطيع صبراً على حياتنا الانفرادية، وأني
وأن لم أخاطبك وجهاً لوجه إلَاّ هذه المرة، كنت يا ليلى أراسلك بالأنظار، فاقرأ الجواب في أعينك فأريد أن نبت في أمر قراننا
فهل
تحسين أن أمك زينب ترد أمي عائشة خائبة إذا هي جاءتها خاطبة إياك لي.
ليلى - كلا يا سمير، ثم كلا، فأن أمي لا تبت في أمر يتعلق بي ما لم تطلع على رأيي فيه، فلا تخش من قبلها معارضة وقد أصبحت أمك الفاضلة صديقة لها فهي تزورنا الآونة بعد الأخرى، وأمي تجلك الإجلال كله، لأنها سمعت مراراً مني تفضيلك على بقية الشباب. وأني يا سمير لك، سواء عجلنا الزواج أو أخرناه وستسمع من أمك كيف أن أمي راضية بزواجنا فهي قد سألت عنك الكثيرين فما سمعت إلَاّ ثناء عليك عاطراً، وإطراء لعبقريتك واعترافاً بصدق طويتك وأدبك الجم وهاك يا سمير يدي عربوناً لزواجنا الذي أرجو أن يكون سعيداً!
(يقبض سمير على يد ليلى ويشمها ثلاثاً ويقبلها ثلاثاً ثم يتعانقان ويقبل كل منهما الآخر في
فمه ويفترقان).
المشهد الخامس
رجب يدخل على الشيخ عبد الله في مجلسه ويقبل يديه ويجلس في مقعد يشير إليه الشيخ في جنبه.
الشيخ - كيف أنت يا رجب؟ لم أرك منذ أشهر فهل أنت بخير؟
رجب - أنا ذلك الخادم الأمين لسيدي الجليل ولا أزال بخير ما بقيت بركات سيدي تشملني
وأني بعد كل صلاة أبتهل إلى الله أن يطيل عمرك للإرشاد كوكباً وقادا يهتدي بضيائه الناس في طريق حياتهم المظلمة.
الشيخ - ما أنقى ضميرك يا ولدي وأقربك إلى الرشد والصلاح! وأني لواجد فيك خير خليفة
لي إذا انتهت أيامي ودعاني الله تعالى إلى ملوكته. أخبرني يا ولدي ماذا وراءك وأي نبأ في البلد؟
رجب - لا نبأ يا سيدي إلَاّ ما يسوء الدين والمروءة والصداقة لخليفة الله في أرضه، فأن (سميراً) ذلك الشاب الغر الطائش، السفيه في القول،
الجريء على نقد أمير المؤمنين في مقالات ينشرها في صحف مصر بإمضاء مستعار قد أغوى بذلاقة لسانه وخدعه فتاة من
أحسن فتيات العرب في الحاضرة هي ليلى ابنة القائد المرحوم صادق بك وغر أمها زينب حتى رضيت أن يكون لأبنتها بعلا في القريب العاجل فهي على وشك أن تقيم حفلة العقد له عليها وهذه نكبة على بغداد؛ فأن هذا المارق من الدين الخائن لسلطانه سيعقب من هذه اليتيمة الحسناء نسلاً شريراً مثله يملأ العراق فتنة وفساداً! وما أجدر ليلى أن تكون تحت رعاية سيدي زوجاً له صالحة تلد أولاداً صلحاء يخدمون الطريقة الجليلة الرفاعية ويملئون الأرض إرشاداً وقسطاً، وأني لا أجهل أنك يا سيدي في حاجة إلى زوج جديدة مكان تلك التي طلقتها قبل سنة وهذه التي طلقتها قبل شهر، فحبذا لو أرسلت أمك الصالحة وأختك الزاهدة إلى أم ليلى زينب تخطبان منها ابنتها لك قبل أن يظفر بها هذا الشاب الطائش (سمير) فأني لا أظن أن أم ليلى الجميلة تجسر على رد الخطبة وهي تعلم ما لك من الحظوة عند والي بغداد مجيد بك والجاه عند السلطان؛ وأن امتنعت - لا سمح الله - فلا يصعب عليك يا سيدي أن تفضي إلى الوالي بما عليه سمير من الخروج عن طاعة السلطان، فتنفيه الحكومة إلى قصي من بلاد الأناضول. وحينئذ لا تبقى للعجوز مندوحة من الخضوع لأرادتك وتقديم ابنتها عروساً لك وهي صاغرة.
الشيخ - حسن ما تقوله يا ولدي وأني علم الله كما ذكرت في أشد الحاجة إلى زوجة صالحة فأني قد عزمت على تطليق زوجتي الثالثة لأنها تتراخى في أداة صلوة المغرب بحجة أنها تطعم أطفالها منعاً لهم من البكاء؛ كما طلقت الأولى لكونها كانت تتكاسل بالصيام في رمضان من غير عذر شرعي فقد رأيتها بعيني رأسي تشرب الماء البارد معتذرة بأنها لا تستطيع الصبر على الظمأ في تموز؛ وكما طلقت الثانية لأنها لم تأخذ طفلها المولود جديداً إلى المدفع (أبو خزامة) لتدخل رأسه في فوهته حفظاً له من كوارث الأزمان.
وسأرسل يا رجب أمي وأختي إلى زينب أم ليلى يخطبانها لي منها ويحذرانها من إدخال ذلك الشاب المارق بيتها وليس عليك يا ولدي غير أن تخالط سميراً فتقف على دخائله وتأتيني بالخبر اليقين، والله لا يضيع أجر المحسنين!
رجب - سمعاً وطاعة أيها السيد السند، وستعلم أني لك من المخلصين، وأرى أن يمنع سيدي قبل كل شيء بواسطة الوالي سميراً من دخول بيت زينب حتى لا تجسر على عقد الخطبة له في العاجل.
الشيخ - لا يعنيك هذا فهو واجبي وستسمع ما يكون فتقر عينك أيها الشاب الرشيد.
(ثم يقبل رجب يد الشيخ عبد الله ويخرج من حضرته).
الفصل الثاني - المشهد الأول -
صلوحة وعمشا في دار زينب
(تدخل أم الشيخ صلوحة وأخته عمشة دار زينب، فترحب هذه بهما، وتأخذ ليلى ملاءتهما وتأتي لهما بالقهوة، ثم تأخذ الفناجين الفارغة وتخرج ذاهبة إلى غرفتها الخاصة وتشير عمشا إلى أمها مفهمة إياها إعجابها بحسن ليلى الرائع)
صلوحة - أتيناك أيتها السيدة زينب خاطبتين ابنتك الجميلة ليلى لأبني الوحيد الشيخ عبد الله، ولا بد من أنك قد سمعت بمكانته عند الوالي فهو لا يقدم أحداً عليه ولا يرد له سؤالاً، شيخ ولا كالشيوخ فقد تواترت كراماته، ولم يراجعه ذو حاجة إلَاّ قضاها بولايته. وكم مرة شوهد حاجاً بيت الله الحرام، وهو لم يبرح بغداد! وكفاه فخراً أنه رئيس مجلس الأربعين الإبدال، أولئك الذين يديرون أمر العباد مجتمعين فوق جبل قاف، في كل ليلة جمعة، وسيكون لابنتك عنده الحظوة التي لم تحلم بها زوجة أحد، ثم المقام الأرفع في عليين من جنات الله يوم القيامة، وهو مالا يناله إلَاّ قليل من المؤمنين والمؤمنات!
ولا تفتكري في أزواجه، فقد طلق الكبرى قبل سنة، لإفطارها في
شهر رمضان، والثانية، لإهمالها الطواف بطفلها المولود حول المدفع (أبو خزامة)، وأشعال شمعة له، وسيطلق الثالثة لأنها تتراخى في أداء صلوة المغرب، بحجة إطعام أطفالها، وستكون ابنتك يا زينب الزوجة الوحيدة لشيخ جليل، إذا رضي عن أحد رفعه إلى أعلى الدرجات، أو سخط عليه ألقاه في اسفل الدركات.
وهو أن كان قد تزوج ثلاث مرات، لم يزل كهلاً، لا يتجاوز سنة الشريف الخمس والأربعين سنة، وهو بكر أولادي، وقد حملته متوضئة ووضعته كذلك متوضئة، فلا غرو إذا كان طاهر الجسد والروح، قطبا تخر له الأقطاب لولايته العامة!
زينب - ليس لي أيتها السيدة كلام في مشيخة ابنك عبد الله، ولا في جاهه، وقطبيته، وكراماته! ولكني أقول لك آسفة إن ابنتي ليلى مخطوبة لفتى موظف في أقلام الحكومة، اسمه سمير وقد تم الوفاق على العقد له عليها بعد أسبوع إن شاء الله!
عمشا - (وهي تنتفض من الحرد) - لقد أفهمتك أمي إن أخي الشيخ من أهل الكشف، لا يعزب عن علمه في هذا البلد وفي غيره شئ فهو يقرأ الحوادث قبل وقوعها، بعين ولايته، وقد علم ما اتفقتم عليه من أمر العقد، وعلم كذلك أن هذا الأمر لا يتم ولن يتم في يوم من الأيام فقد يحدث، يا زينب، ما لا يخطر لك بالبال، ألم تسمعي أن سميراً هذا الذي تريدين تزويج ابنتك منه، متهم بالتفوه على جلالة السلطان المعظم فلا يبعد أن ينفى إلى بلد قاص، قبل أن يشهد عرسه فيجر الوبال عليك وعلى ابنتك! خير لك، يا زينب، أن لا تورطي نفسك وابنتك في ورطة لا مخرج منها! تمهلي في الأمر وافتكري ملياً، قبل أن يأتي ما لا يحمد عقباه! فأن السلطان، أصبح لا يرد ما يعرضه عليه أخي الشيخ، لوثوقه بصدقه من يوم عرض عليه في برقية أنه قابل سيدنا الخضر عليه السلام، وأخذ الوعد منه بإطالة عمره وتوفيقه في جميع سني سلطنته؛ وقد صدرت إرادة مولانا السلطان بتخصيص
عشرة جنيهات من الخزينة الخاصة لأخي جزاء أخذه ذلك الوعد من سيدنا الخضر.
زينب - لا مشاحة في مقابلة أخيك الجليل لسيدنا الخضر وحظوته عند السلطان المعظم، وأني مفتكرة في الأمر قبل أن أبت فيه، وأرجو أن لا يكون إلَاّ ما فيه الخير والصلاح، (تقوم صلوحة وعمشا وتقدم لهما زينب ملاءتهما وتخرجان).
المشهد الثاني
تدخل ليلى على أمها زينب ووراءها سمير
زينب - لم أسمع في كل عمري بمثل ما كانت تهذي به هاتان المرأتان! أعرفتما لماذا جاءت هاتان السعلاتان؟ إنهما تخطبان ليلى مني للشيخ عبد الله متهددتين لي إذا امتنعت. تباً للدهر الذي جعلني مهددة من أمثال هاتين الوقحتين! تقول أمه قد شوهد الشيخ يحج بيت الله، وهو لم يبرح بغداد، وأن ابنها الشيخ، رئيس مجلس الأربعين الإبدال، ينظر في شؤون العباد، كل ليلة جمعة، في اجتماع يعقدونه فوق جبل قاف، بمثل هذه الخرافات جاءتا تخطبانك، يا ليلى، مني فما أشد حمقهما وأغرب من كل هذرهما، إنهما تعترفان بأن الشيخ كثير الطلاق لأزواجه، فهو بعد أن يشبع شهوته من امرأته، يطلقها بحجة تراخيها في الصلوة، أو إفطارها في رمضان أو عدم طوافها بطفلها المولود حول المدفع، وإشعال شمعة له، فتباً لهما وللشيخ وللمدفع! لا تضطربي يا ليلى ولا تحسبي لهذرهما ووعيدهما حساباً
فأني قد عقدت العزم على تزويجك من سمير، ولا أؤخر هذا التزويج، لتهديد مثل هاتين المرأتين النذلتين! ولن تقعي في أحضان هذا الغول الدجال - الشيخ عبد الله - ما بقي في عرق ينبض!
سمير - قد سمعنا أنا وليلى كل ما فاهت به هاتان المرأتان فقد جئت زائراً ليلى فأخذتني إلى الغرفة المجاورة، وسمعنا من شق الباب ما كان يدور بينك وبينهما من الحوار، وقد تصديت للخروج إليهما لطردهما
من الدار لولا أن ليلى منعتني، ولا ضير يا أماه من تهديدهما! فأن الشيخ لن يتمكن من إيصال الأذى بنا إلى درجة أن يسخر من الشرع وحرية الزواج مهما بلغت فيه الشرة أو كان الوالي يحتفي به لمعرفته أنه من جواسيس (المابين) كما أنبأني به صديقي الحميم (رجب) وأني - إذا تدخل الوالي في أمر زواجي بليلى - لأبرق إلى ذات السلطان باسطاً له ما يجري في هذه الولاية من الحيف أيدي أحد ولاته الذين يوفدهم مصرحاً بأن مثل أعمال هؤلاء الولاة هو الذي يرسل الألسنة في التبرم من الحكومة ويجعل القلوب مرفضة من حول عرشه!
يقول لي رجب: أن الشيخ عبد الله هذا جد شرير فهو لا يقف دون إشباع شهوته من ارتكاب كل شنعة ولا بد من أن يحدث شئ. ولكن نفسي تحدثني بفشل الشيخ وأنه سيرجع عن تشبثاته خاسئاً مدحوراً فأن الوالي عقل من أن يتدخل فيما لا يعنيه ولو فرضنا تدخله فأتى ما يخالف الشريعة والقانون فما أحسب أن الشعب يسكت ولعل البركان ينفجر من شدة الضغط!
ليلى - إني أعاهدك يا سمير على أني أبقى عانساً إلى أن أموت، إذا منع الوالي زواجنا بما لديه من سلطان.
سمير - لا أخال يا ليلى أن الأمر سينتهي إلى هذه النتيجة العوراء مهما كانت الحكومة مستبدة ومع ذلك يجب أن نبقى على حذر.
(ثم يقبل يد زينب ويخرج)
الفصل الثالث - المشهد الأول -
رجب في حضرة الشيخ
(يدخل رجب على الشيخ في غرفته ويقبل يده ويجلس في مقعده)
الشيخ - ما وراءك يا رجب!
رجب - قابلت سميراً فأفضى إلي كعادته بكل ما حدث وفهمت منه: أنهم مصممون على السفر جميعاً إلى خارج الولاية ليتموا العقد والزفاف
بعيدين عما يعرقل ما يبتغونه في هذا البلد.
الشيخ - (وهو يضحك) إنهم يا رجب في قبضة ولايتي هذه أينما حلوا فدعهم يصممون فيما شاءوا فأني بحوله تعالى وقوته سأحول بدون تحقق أمانيهم الباطلة وستسمع كيف أن سميراً سينال جزاء طيشه وكيف ليلى ستكون لي دون غيري بالرغم عن تمردها وتمرد أمها والشمطاء.
رجب - أنا يا سيدي الجليل واثق بكل ما تقوله وسأخدمك بكل ما أوتيت من حول وحيلة ولا أطلب جزاء لخدمتي غير كلمة عند الوالي ليرفعني في القلم المكتوبي إلى الوظيفة التي يشغلها سمير إذا عزل أو نفي فأن راتبي اليوم لا يقوم بحاجاتي وأنت سندي الذي أعول عليه بعد الله تعالى عليه في أمور دنياي وديني.
الشيخ - ستبلغ يا وليد بحوله تعالى وقوته كل ما أمنيتك فأنك من الذين يخلصون لي وأنا لا أنسى جزاء المخلصين فأذهب مطمئن البال وأرجع بما تقف عليه من أخبار ذلك الشاب سمير الخائن لسلطانه.
المشهد الثاني
الشيخ عبد الله يدخل ديوان الوالي بلحيته العريضة الطويلة وعمامته المكورة فيستقبله الوالي إلى الباب ويجلسه على مقعد في جنبه
الوالي - أتشرف بزيارتك إياي أيها الشيخ المحترم وهل من حاجة فأقضيها لك؟
الشيخ - (بصوت عال) لقد بلغ الأمر يا دولة الوالي ووكيل جلالة السلطان في هذه الولاية ببعض الشبان الطائشين أن يتعدوا حدودهم ويتطاولوا على عرش أمير المؤمنين الذي نعيش في ظله الوارف فيجسروا على الطعن فيه والثلب؛ يريدون أن يثلوه وما ذلك إلَاّ لما عهدوه فيك يا حضرة الوالي من حلم وأناة. ورئيس هؤلاء هو أحد من استخدمته الحكومة في القلم المكتوبي فمكنته بذلك من الإطلاع على أسرار الدولة في هذه الولاية ذات الشأن.
الوالي - من هو هذا الشاب الذي استخدمته الحكومة وهو يجرؤ كما تقول على
الطعن في
عرش جلالة السلطان؟
الشيخ - هو سمير ابن المرحوم سالم بك، فأنه ألف جمعية من الشبان لبث الفساد وأخذوا ينشرون المقالات تلو المقالات في صحف مصر مملوءة انتقاداً مراً للسلطنة السنية. إنهم يا دولة الوالي يبتغون أن يكون التعليم والمحاكمات في قطرهم باللغة العربية جاعلين مطالبهم هذه مقدمة لتأسيس حكومة عربية لا صلة لها بالسلطنة العثمانية وأني لولا صداقتي لحضرتك ومراعاتي لجانبك لرفعت بنفسي تقريراً بما يأتيه هؤلاء إلى المابين الهمايوني لتصدر بتنكيلهم إرادة قاطعة فيكونوا عبرة للآخرين.
الوالي - هون عليك أيها الشيخ المحترم فأني سآمر رئيس الشرطة راسم بك أن يبذل مجهوده في تحقيق جريمة سمير فإذا ثبتت عليه نفيته إلى قاص من البلدان.
الشيخ - هل تعتقد أيها الوالي أني أقول ما ليس لي به علم؟ كلا فما أطلعتك إلَاّ على ما هو الواقع.
الوالي - معاذ الله أن أرتاب في صدقك ولكن الأوامر التي تأتيني تحظر إيقاع الجزاء على أحد إلَاّ بعد التحقيق فلا مناص منه.
الشيخ - إن هذا الشاب لم يكتف بما ينشره في مصر على الحكومة بل أخذ يتوسع في الفساد، وبث السموم حتى أدخلها في حريم العائلات وإشراك الفتيات في إثارة الخواطر. فقد أغوى فتاة في أكرم البيوتات تسمى (ليلى) وهي ابنة القائد صادق بك حتى سمعت أنه على وشك التزوج منها وإذا تم هذا القران المنحوس - لا سمح الله - كانت هذه الزوجة داعية مخوفة إلى نشر فكرة سمير الجهنمية في العائلات جمعاء ولا يعلم إلَاّ الله درجة وخامة العاقبة.
الوالي - سنتحقق هذه الجهة أيضاً وأيقن بأن مثل هذا القران لن يتم وسيلقى سمير جزاء جرأته من عزل ونفي.
الشيخ - بارك الله فيك وأخذ الله بيدك وأبقاك سيفاً قاطعاً لدأب المفسدين في أرضه.
(ثم يصافح الوالي ويخرج مشيعاً من قبله إلى الباب)
المشهد الثالث
الوالي ورئيس الشرطة راسم بك
الوالي - قد حدث يا راسم بك أمر جلل فأن أحد الكتاب في القلم المكتوبي وهو سمير بن سالم بك، ينشر في صحف مصر بإمضاء مستعار مقالات على الحكومة السنية وعلى شخص السلطان المعظم؛ وقد ألف جمعية لبث الفساد، فيجب أن تحقق الأمر تحقيقاً دقيقاً. وأعلم أن سميراً هذا على وشك الزواج من فتاة اسمها ليلى هي ابنة المرحوم صادق بك، فقد أغواها متذرعاً بها إلى نشر أفكاره السامة بين العائلات. فضع قبل كل شئ خفراً من البوليس على دار أرملة صادق بك منعاً لدخول سمير فيها وحذر المرأة من تزويج فتاتها بهذا الفتى الطائش وأنذرها عن لساني أنها إذا زوجتها منه كان هذا الزواج شؤماً على ابنتها ووبالاً عليها.
رئيس الشرطة - سمعاً وطاعة سيدي.
(ثم يؤدي السلام الرسمي ويخرج)
المشهد الرابع
رئيس الشرطة في دار زينب يخاطبها
رئيس الشرطة - أنا يا سيدتي موفد إليك من قبل دولة الوالي، وثقيل على أن أبلغك أوامره الصارمة، وإن كانت لخيرك وخير ابنتك.
زينب - إني يا سيدي لا أفهم مغزى ما تقول فصرح لي بهذه الأوامر.
رئيس الشرطة - هي يا سيدتي أن تمتنعي بتاتاً من تزويج ابنتك بهذا الشاب الذي يسمى سميراً وأن تمنعيه من دخول دارك وقد وضعت الحكومة خفراً على الباب حتى إذا رأوه يتردد إلى بيتك أخذوه أخذ عزيز مقتدر فألقوه مكبلاً بالقيود في غيابة السجن. هذا يا سيدتي ما جئت به مبلغاً إياك من قبل آمري وهو دولة والي بغداد مجيد بك.
زينب - ما علاقة الوالي يا سيدي بآمر زواج ابنتي ممن تشاء وهل في هذا الزواج ما يمس سياسة الحكومة حتى يتدخل الوالي في أمره.
رئيس الشرطة - الآمر يا سيدتي أكبر مما تظنين؛ فأنا أنصح لك أن تمتثلي
ما يأمر به دولة الوالي فذلك خير لك ولأبنتك وإلَاّ أصابكما ما لا تحمدانه.
(ثم يودعها ويخرج)
المشهد الخامس
ليلى وأمها زينب
ليلى - (تبكي وتخاطب أمها زينب) - أنا يا أماه لا أبكي لمنع الحكومة زواجي من سمير ولكني خائفة من إيصال الأذى إليه وأن الشيخ يا أماه هو الذي كاد لسمير هذه المكيدة فأرسلي إلى سمير حاضنتي (حبوبة) تخبره بالأمر وتحذره من المجيء إلينا ريثما تزول العسرة مخافة أن يقبض عليه فيزج في السجن.
الأم - هذا هو الرأي ولا تيئسي يا ليلى فأن الحياة لا تخلو من مثل هذه الحوادث المزعجة وعسى أن لا يصيب سميراً ما نخشاه.
المشهد السادس
حبوبة وسمير
حبوبة - أرسلتني إليك أم ليلى ترجو أن تنقطع برهة من الزمن عن زيارة بيتها خشية أن ينالك - لا سمح الله - من الحكومة سوء فأن الوالي أرسل رئيس الشرطة يمنعها متهدداً من تزويج ليلى بك وقد وضعوا على باب الدار خفراً من البوليس للقبض عليك إذا شاهدوك تتردد إلى الدار وترى سيدتي أن كل هذا من كيد الشيخ عبد الله ذلك الطامح في زواج ليلى فأصبر يا سمير على مضض الفراق حتى تنفرج الأزمة.
(ثم يبكي سمير وتبكي حبوبة وتخرج)
الفصل الرابع - المشهد الأول
سمير في حديقة البلدية
إلَاّ أنا وحدي
روض وبستان
…
ورد وريحان
بلابل تشجو
…
منهن ألحان
تمشي زرافات
…
حور وولدان
الكل مرتاح
…
الكل جذلان
الناس في رغد
إلَاّ أنا وحدي
تزداد آلامي
…
عاماً على عام
أهكذا أشقى
…
في كل أيامي
فأين آمالي
…
وأين أحلامي
إذا دنا حتفي
…
تزول آلامي
فليس لي شئ
سوى الردى يجدي
للقوم أحقاد
…
علي تزداد
كم كاد لي كيداً
…
للؤم أضداد
كأن قومي عن
…
نهج الهدى حادوا
إني وأن جارت
…
علي بغداد
أهدي لها حبي
هذا الذي عندي
بنايتي انهارت
…
تجارتي بارت
سعادتي ولت
…
تعاستي زارت
جسارتي قلت
…
جلادتي خارت
عصفورتي فرت
…
حمامتي طارت
لقد أتى نحسي
وقد مضى سعدي
ما كنت في الماضي
…
أشقى بإعراض
أبلى بإخفاق
…
أمنى بانفاض
بل كنت في عهد
…
للعيش فضفاض
أفديه من عهد
…
عنه أنا راضي
يا حبذا الذكرى
لذلك العهد
المشهد الثاني
رجب وسمير
رجب - فهمت يا سمير من ذلك الشيخ المنحوس الدجال عبد الله، أنه هو الذي وشى بك وأن الحكومة تتحراك في كل مكان لتقبض عليك وتنفيك من العراق. وأني أشير عليك بدافع الصداقة أن تهجر البلاد إلى مدة من الزمن، لتنجو بنفسك من ظلم الظالمين، فربما تغيرت الأمور بعد حين، فعدت إلى بلدك مطمئناً واقترنت بخطيبتك ليلى.
سمير - أخشى يا صديقي الحميم أن الوالي يضطر أم ليلى إلى تزويجها من الشيخ وحينئذ لا يبقى لي غير الانتحار.
رجب - هذا لن يكون فأن أم ليلى صلبة وهي تحب ابنتها فلا ترضى أن تزوجها من هذا الغول وهي تعرف غرامها بك ولا أحسب أن الوالي ينزل إلى هذه الدرجة من الوحشية والضلال فيجبر أماً على تزويج فتاتها ممن لا تهواه وأنت تستطيع في خارج العراق أن تكافح الوالي والشيخ بما تنشره في جرائد مصر. أما إذا سجنت أو نفيت فأنت المقيد المكموم الفم لا تقدر على الدفاع عن نفسك أو رفع ظلامتك إلى الأعتاب السلطانية ثم إلى متى تبقى أنت متشرداً تنام ليلة هنا وأخرى في غير هذا المكان بعيداً عن أمك التعسة وخطيبتك ليلى لا تعرف متى تهتدي إليك الشرطة فتقبض عليك وتلقيك في مظلم من السجون؟
سمير - إن ما تشير به علي أيها الصديق لهو الصواب وسأفعل طبقه فأن الحزم فيما تقوله.
(ثم يتصافحان ويفترقان)
المشهد الثالث
سمير على شاطئ دجلة
ظفرت بالمنى
…
في ليلة هنا
في ليلة بدت
…
بيضاء بالسنى
كانت سعادة
…
فلم تدم لنا!
إذ كان ساكباً
…
لنوره القمر
وكان تحته
…
يحلو لنا السمر!
ليلى تنيلني
…
أو أجتني أنا
أجني لذاذة
…
ما أطيب الجنى
فيضحك الرضى
…
وتبسم المنى!
يا لهفتي على
…
عيشي الذي غبر!
وحسرتي على
…
أوقاته الغرر!
إذ كنت عائشاً
…
في دولة الغنى
أروح رافلاً
…
في مطرف الهنا
لا أشتكي الأذى
…
لا أعرف الونى
قد بدل الزما
…
ن الأنس بالفجر
والوصل بالنوى
…
والصفو بالكدر
قد كنت واثقاً
…
بالعهد بيننا
من ذا أضاعه
…
أأنت أم أنا
أم الذي رعى
…
هو الذي جنى
هذا الذي جرى
…
ما كان ينتظر
لا عتب لي على
…
الأيام والقدر
آه من الأسى
…
أوه من الضنى
البين راعني
…
كالغول إذ رنا
من ذا يرده
…
من بعد ما دنا
للدهر لا تلم
…
فالدهر ما غدر
حظي هو الذي
…
من العمى عثر
المشهد الرابع
عائشا تدخل على زينب وليلى
عائشة - بربك يا زينب اسمحي لليلى أن تزور بصحبتي ولدي سميراً في فراشه فهو مريض ينتفض من الحمى وينام في بيت صاحبه (عبد السلام) وأني يا زينب خائفة أن
يموت أسى وأحسب أن سبب مرضه هو اليأس الذي استحوذ عليه أخيراً؛ وقد أتينا سراً بطبيب يداويه ويخيل إلي أن خير دواء
لشفائه هو لقاء ليلى التي لا يفتأ يذكر اسمها وهو في سورة الحمى.
ليلى - اسمحي لي يا أماه، أن أعوده، صحبة عمتي السيدة عائشا فأن قلبي يكاد ينفطر لخبر مرضه.
زينب - اذهبي يا إبنتي، وليكلأك الله بعينه.
(ثم تخرج عائشا وليلى بعباءتين كما هو العادة في بغداد)
المشهد الخامس
تدخل ليلى الغرفة التي ينام فيها سمير فيجلس سمير في فراشه، ويمد يده إلى ليلى منشداً.
ليلى سليني
رأسي مصدوع!
…
عظمي مخلوع!
قلبي مكسور!
…
روحي ملذوع!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
أيامي جارت!
…
آمالي انهارت!
أفراحي غاضت!
…
أحزاني فارت!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
قد ألقى يأسي
…
ناراً في نفسي!
أعدائي دسوا
…
سما في كأسي!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
أشقائي دهري
…
في شرخ العمر!
لي هم جم
…
يغلي في صدري!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
قلبي ما قلبي
…
يهفو في جنبي!
إني من أحزا
…
ني قاض نحبي!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
ماذا أدلاجي
…
في ليلي الداجي!
إني يا ليلى
…
لم أبلغ حاجي!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
هدوا أركاني
…
يا للحرمان!
ليلى ما أشقا
…
ني ما أشقاني!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
ويلا يا ويلا
…
ما أقوى السيلا!
إني مفجوع!
…
سليني ليلى!
ليلى سليني!
ليلى سليني!
(تبكي ليلى ثم تمسح عينيها وتخاطب سميراً)
ليلى - إن حاجتي إلى أن تسليني ليست دون حاجتك إلي لا سليك فلا تفرط يا سمير في اليأس فأنه قاتل! وهل عندك ريب في إني لا أتزوج من غيرك! وأن قطعوا لحمي وخلعوا عظامي وإذا كان جسمي بعيداً عنك فأن روحي تحوم حولك كما تحوم الفراشة حول الزهرة اليانعة! وأصبر فأن الأيام تنقلب وإلى اللقاء يا سمير.
(ثم يتعانقان وتخرج ليلى)
المشهد السادس
حبوبة تدخل على زينب وليلى
حبوبة - لقد تماثل سمير بعد عيادة ليلى له في دار صاحبه عبد السلام وقد لاقاني اليوم في طريقي إلى الدار متنكراً وأعلمني إن قد صحت عزيمته على مغادرة العراق ليبرق في خارجه إلى السلطان شاكياً إليه ما حاق به من الحيف وهو مؤمل أن ينال من وراء ذلك حريته فيعود ويتزوج برغم أعدائه ثم أنه يرجو لقاء سيدتي ليلى مرة أخرى في دار صاحبه عبد السلام قبل سفره فأنها بمعزل عن أنظار الشرطة.
ليلى - يعز علي يا أماه أن يسافر سمير ولا أذهب لوداعه فرخصيني أن أذهب إليه الليلة مع حاضنتي حبوبة.
زينب - أذهبي يا ابنتي ولا تبطئي العودة فأني أخشى عليك من أن يلحظ أحد الشرطة دخولك بيت عبد السلام أو خروجك منه فيقبض على سمير.
الفصل الخامس - المشهد الأول
ليلى وسمير
سمير - (يخاطب ليلى)
عانقيني فبعد هذا الفراق
…
ما أرى يا ليلى لنا من تلاق!
عانقيني فليس من بعد صدع
…
الدهر بالبين شملنا من عناق!
عانقيني فلست أحسب أنا
…
نتلاقى من بعد هذا الفراق
عانقيني فقد دنا البين منا
…
عانقيني فالبين مر المذاق
عانقيني فلست أعلم ماذا
…
في طريقي إذا رحلت ألاقي
(يتعانقان ويبكيان بكاء يمثل ما بقلبيهما من لوعة وأسى)
ليلى - سر يا سمير الطائر الميمون وأعلم بأني سأنتظرك في الأرض فأن بخلت الأرض علي بك انتظرتك في السماء ولا أخال السماء تضن بك علي سر أيها الحبيب وعد إلي بعد قليل وإلى اللقاء اللقاء.
(ثم تخرج من عنده ليلى وهي باكية)
المشهد الثاني
يدخل عبد السلام على سمير
عبد السلام - الليل يا سمير مظلم والفرس معدة لك فسر على بركة الله وإذا احتاجت إلي أمك أو أم خطيبتك فأني مستعد لكل خدمة ولكن قل لي يا سمير كيف كانت مقابلتك لليلى؟
سمير:
لا تسل عني حين مدت يداً تر
…
جف ليلى والدمع ملء المآقي
إذ تعانقنا ساعة وبقلبي
…
حذر البين مثل نار حراق
فيد للوداع في جيد ليلى
…
ويد فوق قلبي الخفاق
بقيت أيدينا ونحن حيال
…
البين مشبوكة على الأعناق
ولقد أجهشنا كما تجهش الأط
…
فال ما أن شبوا عن الأطواق
وكأن النجوم لما بكينا
…
كن يبكيننا من الإشفاق
وتعاطينا قبلة هي منها
…
كل زادي في رحلتي وانطلاقي
وافترقنا فيا لها ساعة تأ
…
ثيرها في نفسي إلى الموت باقي
(ثم يودع سمير عبد السلام ويخرج)
المشهد الثالث
الوالي ورئيس الشرطة
الوالي - قد وردتني برقية رمزية من رئيس الكتاب في المابين الهمايوني يبلغني فيها إرادة مولاي السلطان أن أكف عن تعقب سمير ولا أمانع من تزويجه بخطيبته والظاهر أنه أبرق من خارج العراق يشكوني إلى السدة السنية وليس لي الآن إلَاّ الخضوع، ولكني سوف أنتقم من سمير وسأجد وسيلة للبطش به فضعه تحت مراقبة شديدة فإذا بدا منه ما يريبني قبضت عليه وكتبت إلى المابين الملكي أنه لم يرجع إلى طريق الصواب مع ما عفي عنه.
رئيس الشرطة - الأمر لسيدي وسأنبه أفراد الشرطة أن لا يتعرضوا له إذا رجع.
(ثم يؤدي السلام ويخرج)
المشهد الرابع
لقاء سمير وليلى
يتعانقان ويبكيان من الفرح ثم يتعانقان ويبكيان
ليلى - أحمد الله على رده إياك إلي سالماً.
سمير - حبك يا ليلى هو الذي منحني القوة فغلبت أعدائي وفزت بك بعد أن كدت أقضي من اليأس.
(تدخل عائشا أم سمير، وزينب أم ليلى، وتهنئان سمير وليلى)
عائشا - لقد اجتمع والحمد لله شملنا وأرى أن نتم السرور بتسريع العقد لسمير على ليلى في غد ففي التأخير آفات.
زينب - وأنا أيضاً أرى رأيك.
سمير - إن والدتي قد تكلمت تعبر عن فؤادي فيا حبذا ما اقترحته ويا حبذا غد!
زينب - غداً نعم غداً ولنستعد للأمر ونوزع أوراق الدعوة.
المشهد الخامس
رجب وسمير
رجب - أهنئك يا صديقي على ما نلته من الفوز بخطيبتك بالرغم عن الوالي وذلك الشيخ المنحوس فقد صدرت الإرادة السلطانية بالعفو عنك واقترنت بليلى الجميلة فأنت السعيد.
سمير - ما كان ما تهنئني به إلَاّ نتيجة البرقية التي رفعتها في حلب إلى السلطان عبد الحميد أشكو فيها الوالي والشيخ الذي كان طامعاً في خطيبتي وأنا اليوم كما تقول يا رجب سعيد كل السعادة في جنب زوجتي ليلى وقد تم العقد بسهولة فلا الوالي عارض ولا الشيخ أزعج.
(ثم يتفارقان)
المشهد السادس
رجب والشيخ
يدخل رجب على الشيخ ويجلس إليه بعد تقبيل يده
الشيخ - ما أثمرت يا رجب كل مساعينا إلى الحصول على ليلى فأن شيطان سمير كان قوياً يمده حتى أحرز تلك الدرة الثمينة التي كنت أريدها لنفسي وأعلم بأني منتقم من سمير في يوم وسيكون انتقامي شديداً.
رجب - لا أشك في مقدرتك يا سيدي وأني لا أستطيع أن أخدم انتقامك العادل منه فقد مهرت في تقليد خط سمير مهارة فائقة إلى درجة أن يشتبه هو نفسه فيه! ولا أسهل من أن أحرر نشرة بخطه أحض فيها الشباب على الثورة باسم الحرية فإذا ثبت لدى التحقيق أن الخط خطه - وأنا واثق - كان ذلك برهاناً على جريمته ولما كان الوالي مثل سيدي ظمآن إلى الانتقام منه لا يتأخر عن عرض جريمته هذه الأخيرة على السدة السنية واستحصال إرادة قاطعة في نفيه وسيكون ما أتهم به قبلاً من مؤيدات تجريمه هذا.
الشيخ - بورك فيك وما فكرتك هذه أيها الولد الصالح إلَاّ إلهام من الله تعالى ولما كانت الغاية تبرر الواسطة فلا تثريب عليك فيما تفعله وسأكافئك على خدمتك هذه مكأفاة لا تحلم بها!
رجب - غداً ستسمع أن الناس يقرءون على باب جامع السراي نشرة فيها إثارة للشعب على الحكومة ونيل من كرامة السلطان الأعظم مكتوبة بخط سمير.
الشيخ - اذهب يا ولدي وأعمل كما افتكرت وأنت الموفق.
(يقبل رجب يد الشيخ ويخرج)
المشهد السابع
الوالي ورئيس الشرطة
رئيس الشرطة - قد أسفر يا مولاي التحقيق عن كون خط النشرة الشريرة هو خط سمير فما أكفر هذا الشاب بالنعمة! لقد عفا جلالة السلطان عنه قبل شهرين فما زاده العفو إلَاّ غروراً واسترسالاً في العداء لسلطنته السنية!
الوالي - اقبض عليه يا بك وأسجنه في هذه الليلة وسأبرق إلى المابين الملكي وأستحصل بعد غد الإرادة بنفيه إلى سيواس.
رئيس الشرطة - سيتم الليلة ما تأمر به يا سيدي.
(ثم يؤدي السلام ويخرج)
المشهد الثامن
ليلى بعد نفي سمير
لقد أخذوا ليلاً سميري من جنبي
…
ولم يسألوا قلبي ولم يرحموا المحبي
وأقصوه عني قطع الله قلبهم
…
كما قطعوا من غير أن يشفقوا قلبي
يحف لدى أقصائه بحرابهم
…
كما حفت العين البصيرة بالهدب
كأن النوى لا بارك الله في النوى
…
شواظ من النيران يكوى به جنبي
وأن الهوى في البعد إن كان صادقاً
…
كمثل الهوى يا أم يلذع في القرب
سلام على سيواس أن هي أنزلت
…
حبيبي سميراً يوم وافى على الرحب
فيا نجم سيواس على أفقي التمع
…
ويا ريح سيواس على كبدي هبي
وأكرم بسيواس إذا هي أرجعت
…
إلي سميراً وهو يهتز كالعضب
وأن سميراً - رده الله - حاجتي
…
وأن سميراً - لا فجعت به - أربي
بدا في ربيع من حياتي كأنه
…
وقدر اقني زهر بطل على العشب
سباني لما بان لي بجماله
…
وأي جميل مثله لم يكن يسبي
فلهفي عليه، ثم لهفي قد ثوى
…
بسيواس منزوعاً من الأهل والصحب!
ولو كان في حوزي جناح يقلني
…
لطرت إلى سيواس في غفلة السرب
فكنت لسيواس بيومي هابطاً
…
وليس بلوغ الطير سيواس بالصعب
وللناس يا أماه في كل بقعة
…
خطوب، ولكن تلك أهون من خطبي!
ترين جليا ما أقاسيه من أسى
…
أذوب به يا أم في دمعي السكب!
لعل البكى إن ظل يسعفني البكى
…
يبرد من نار تأجج في قلبي!
أرى كل جرح سوف يرأب فتقه
…
وليس لجرح في أنهر من رأب!
وهل تجمع الأيام بيني وبينه
…
فحسبي الذي قاسيته في النوى حسبي!
ولولا رجائي عودة بسلامة
…
لكنت من الأحزان قاضية نحبي!
وإن حالت الأيام دون لقائنا
…
يطول عليها ثم لا ينقضي عتبي!
لقد كانت الأقدار قبل قسائها
…
يسالمنني واليوم يلححن في حربي!
ذهبي إلى الوالي أبث ظلامتي
…
فكان فؤاد الشيخ كالحجر الصلب
وما الذنب ذنب المستبد بحكمه
…
ولكنه ذنب الرجال من الشعب
فلو لم ينم عن حقه الشعب مغضيا
…
لما كان ذو السلطان يسرف في الغصب
عبادك يا رباه في الأرض قد قسوا
…
وانك ذو لطف ففرج به كربي
المشهد التاسع
الطبيب في غرفة ليلى
زينب - أترى الخطر كبيرا يا دكتور، فان إغماءها قد طال وخير لي أن تصرح بما يهديك إليه الفن فإن العلم بمصير ابنتي يعين لي مصيري.
الدكتور - أجل يا سيدتي، أخشى أن يكون الخطر كبيرا، فان الولادة كانت عسيرة وقد نزف منها دم كثير زادها ضعفا على ضعفها من جراء حزنها الطويل على نفي زوجها سمير، وهي الآن مغمى عليها، والحمى شديدة وستفيق من غيبوبتها بعد نصف ساعة ولا تنسي أن تسقيها من الدواء الذي رتبته ملعقة في كل نصف ساعة.
زينب - ويلي ثم ويلي! قل بربك يا دكتور ماذا اصنع إذا لم تفق من غيبتها.
الدكتور - لابد من أن تفيق وسأعودها بعد ساعة فربما بان لنا أمل فالله قادر.
(يخرج الطبيب وتفيق ليلى بعد ربع ساعة)
الفصل السادس - المشهد الأول
ليلى ساعة موتها وهي مسندة في فراشها ظهرها إلى أمها
لقد كنت أرجو:
لقد كنت أرجو أنني يا سمير في
…
جوارك أحيا ثم أنك مطلق
وقد كنت أرجو أن نكون من الردى
…
بعيدين يرعانا الغرام الموفق
نعيش معاً في ذمة الحب بيننا
…
سعيدين لا نأسى ولا نتفرق
وقد كنت أرجو أن تكون بجانبي
…
إذا أخذت نفسي من الجسم تزهق
وقد كنت أرجو أن أرى ابني بأعيني
…
يشب ومنه الخد ريان مشرق
وقد كنت أرجو أن أغني باسمه
…
فيبتسم لي طورا وآخر يرمق
وقد كنت أرجو أن أشاهد خوطه
…
على رقبة مني يطول ويسمق
وقد كنت أرجو أن أراه فتى له
…
من العلم ما يسمو به ويحلق
ولولا بقايا من رجاء يطوف بي
…
لما كان عندي بالحياة تعلق
ولكنما قد حان حتفي لشقوتي
…
فإني أراه من قريب يحملق
فيا أن هاتي ابني فأني أريد أن
…
أقبله من قبل حتفي يسبق
علي به أماه كيما أضمه
…
إلى الصدر والقلب الذي فيه يخفق
إذا عاد يا أماه بعد منيتي
…
سمير فعزيه على الرزء يرهق
وقولي له كانت برغم عذابها
…
بذكرك ليلى ساعة الموت تنطق
غداة غد يا لهف نفسي على غد
…
سأودع قبرا شق والقبر ضيق
(ثم تأتي أمها بابنها فتقبله ليلى وتفيض نفسها ويسقط رأسها)
المشهد الثاني
زينب - على قبر ابنتها
نبتت مثل زهرة الأقحوان
…
في ربيع الهوى بروض الأماني
نبتت فيه وهي ذات ابتسام
…
فسقيت ابتسامها بحناني
كلما طال خوطها بشرت قلبي
…
بقرب أتساقه العينان
كم ضممت ابنتي إلى الصدر مني
…
أبتغي أن أردها لجناني
وشممت السوالف الغر منها
…
أتسلى بها من الأشجان
ثم أبعدتها لأنظر فيها
…
ثم أدنيتها إلى أحضاني
ثم أجلستها إلى الجنب مني
…
ثم قلبت شعرها ببناني
ثم كلمتها فردت كلامي
…
بابتسام تلوح فيه المعاني
ثم قبلتها بملء شفاهي
…
ثم غذيتها بمحض لباني
ابنتي زهرتي فيا ربي أحفظ
…
زهرتي من كوارث الأزمان
يا ابنتي أنت سلوتي ورجائي
…
وسراجي في ليلة الأحزان
حلمي أنت في منامي وذكري
…
حين أدنو من يقظتي في لساني
ابنتي قد ترعرت فهي تلعب
…
كطلى في جنبي وتأتي وتذهب
تتنزى من النشاط أمامي
…
فهي تحكي حمامة تتقلب
وهي مثل الغزال تشدو ورائي
…
ببغام له فؤادي يطرب
خفة تطرب النفوس وصوت
…
يستبي حسنه القلوب وينهب
وعيون ترنو العيون إليها
…
شاخصات ووجنة تتلهب
وراء في الخد منها جميل
…
فهو ماء مصفق ليس ينضب
تلع الجيد فوق قد رشيق
…
زانه الشعر مرسلا يتذبذب
وإذا ما مشت معي في طريق
…
سألتني عن كل شيء ومطلب
ابنتي هذه خلاصة نفسي
…
فهي مني مثل الحياة وأطيب
رب صنها حتى تكون فتاة
…
ثم أما ترعى ابنها ليهذب
ابنتي قد شبت مع الأيام
…
فهي اليوم مثل بدر التمام
أنجزت من دروسها ما به أمتا
…
زت على الكل من بنات الكرام
وفشا صيت حسنها يتمشى
…
مع ذكر العفاف بين الأنام
خصها الله في الورى بمزايا
…
أكبرتها فراسة الأقوام
عفة سرت الوقار وطهر
…
ذكر الناس أمره باحترام
خلق البارئ المصور للخل
…
ق ابنتي من وداعة وسلام
ابنتي زهرتي التي أنا ألهو
…
عن كروبي بها وعن آلامي
ثم زفت إلى كريم عروسا
…
ما بها من غميزة أو ذام
وبدا حملها فقلنا جميعا
…
أثمر الغصن فهو ذو أكمام
وحمدنا على المسرات دهرا
…
كان قبلا لنا الد الخصام
ثم أنا قد انتظرنا فجاءت
…
بعد تعداد أشهر بغلام
وضعته وبعد أن وضعته
…
أغمضت عينها كما في المنام
رقدة قد طالت وطال انتظاري
…
لانتهاء يأتي لها وختام
يا ابنتي الشمس أذنت بالشروق
…
فأيقظي من هذا الرقاد العميق
يا ابنتي يا ابنتي صديقتك
…
الشمس استفاقت من نومها فاستفيقي
والعصافير يا ابنتي تتغنى
…
للضحى فوق كل غصن رشيق
والأزاهير للعصافير ترنو
…
باسمات عن لؤلؤ وعقيق
ومياه العيون تمشي الهوينا
…
فوق ظل تحت الغصون رقيق
وعلى الماء يا ابنتي ورقات
…
هي ما بين عائم وغريق
ليس في الروض غير قلب خفوق
…
لأمانيه ووجه طليق
يا ابنة القبر أمك القبر تأتي
…
ما ينافي محبة الأمهات
أمك القبر لا تصون كما أر
…
جو ملاحات تلكم الوجنات
يا ابنة القبر أنت من بعد حين
…
يا ابنة القبر في بعض الرفات
لهف نفسي عليك من وحشة الق
…
بر ومما في القبر من ظلمات
غرفة تحت حفرة الأرض لا يد
…
خلها النور من جميع الجهات
غرفة حالت الصفائح فيها
…
بين وجه الإنسان والنسمات
أن نفسي عليك يا أنس نفسي
…
ذهبت أي وربها حسرات
أيها القبر هل علمت بأني
…
قبل موتي دفنت فيك حياتي
عبراتي عليك تهمي ولكن
…
أنت لا تستفيد من عبراتي
المشهد الثالث
زينب - (تحدث نفسها) مضى على نفي سمير سنتان، وقد أعلن الدستور وسمعت أنه عائد إلى بغداد فماذا يكون حاله إذا رأى أن الدار خالية من حبيبته ليلى؟
المشهد الرابع
(يدخل بغتة سمير فيرى زينب تداعب طفلاً جميلاً ويقلق لعدم رؤيته ليلى)
زينب
ماتت عروسك يا سمير
…
فاليوم يحضنها الحفير
ماتت فمات من الأسى
…
في نفسي الأمل الكبير
ما كان في فمها سوى أس
…
مك وهي نازعة يدور
أني أنا الثكلى وأنت
…
الأرمل الكلف الحسير
قد غادرتني لليالي
…
السود ليس بهن نور
ولقد بكيت شبابها
…
مفجوعة وبكى العشير
ولقد تقصف حين أز
…
هر ذلك الخوط النضير
ماتت وأبقت بعدها
…
طفلا ملامحه تنير
ولقد يلاقي جبره
…
يوما به القلب الكسير
ومشى وراء النعش عن
…
د مسيره الجم الغفير
ومضى يشيعه رجال
…
الحي والدمع الغزير
وركضت أتبع نعشها
…
والنعش مرتفع يسير
فسقطت بعد خطي على
…
وجهي وزايلني الشعور
ما زارني من بعد
…
ليلى قط في بيتي السرور
كلا ولا طابت لي
…
الأرواح والماء النمير
يقبل سمير ابنه باكياً ثم يخرج)
المشهد الخامس
سمير على قبر ليلى
هل ما أراه قبر ليل
…
ى ماثلا يبدو أمامي
كذبوا فإنك في ظلا
…
م القبر يوما لم تنامي
بل أنت مثل البرق ها
…
جعة بأحشاء الغمام
بل أنت في النجم المض
…
يء وأنت في البدر التمام
في الصبح في زهر الر
…
بيع إذا تفتح للغرام
ولعلهم صدقوا فإن
…
الناس أجمع للحمام
أني أتيتك زائرا
…
فعليك يا ليلى سلامي
هل تسمعين إذا بثث
…
تك ما أكابده كلامي
لهفي عليك حبيبتي
…
متروكة تحت الرغام
قد كنت تقلين الظلا
…
م فما رقادك في الظلام
ليلى لعلك قد برم
…
ت على البسيطة بالزحام
فتخذت تحت الأرض مث
…
وى فيه نمت مع النيام
أن الأسى ليدب بي
…
ن اللحم مني والعظام
ما كنت أحسب أن تحو
…
زك غيلة أيدي الحمام
في القلب أحزان تكا
…
د تشق قلبي كالسهام
آه فقد صار الذي
…
كنا نشيد إلى انهدام
لم يبق لي إلَاّ خيا
…
لك من أبث له غرامي
ما زال طيفك ماثلا
…
لي وهو ينظر في ابتسام
سيظل طرفي هاميا
…
يسقي ثراك على الدوام
ويظل قلبي خافقا
…
مما يقاسي وهو دامي
(تمت الرواية)
بغداد في 10 تموز سنة 1927
يغنى في الختام بالنشيد الآتي:
يا بلادي
أسفر الصبح جميلا
…
وتجلى وتنفس
ولقد جن طويلا
…
قبله الليل وعسعس
يا بلادي يا بلادي
…
حبذا أنت بلادا
لك أخلصت ودادي
…
فأقبلي مني الودادا
أنت أن ثارت شجوني
…
لي بسلوان كفيله
أنت أن أغفت عيوني
…
مهد أحلامي الجميلة
لك نخل وظلال
…
فيك أرواح الجنان
لك البحر اتصال
…
فيك يجري الرافدان
منك لحمي وعظامي
…
ودم يسقي عروقي
بك قد نلت مرامي
…
فيك قد صنت حقوقي
بك عزي فيك أنسي
…
منك حولي في جدالي
وسأفديك بنفسي
…
وبأهلي وبمالي
فيك أجداث جدودي
…
تتراءى نخرات
منك أحرزت وجودي
…
بك قد نلت حياتي
كنت لولاك شريدا
…
ليس لي في الأرض مأوى
لم أزل فيك سعيدا
…
أشرب العذب وأروى
أنا نجل بك بر
…
أنت لي أم حنون
أنا حر أنا حر
…
لك أرعى وأصون
أسعدي أنت فأني
…
لك أرض بشقائي
بك أشدو وأغني
…
في صباحي ومسائي
حبذا ليلك تبدي
…
زهرها فيه السماء
حبذا يومك تهدي
…
ضوءها فيه ذكاء
لك يا أرض بلادي
…
بعد ربي الملكوت
لك أدعو وأنادي
…
لك أحيا وأموت
لك يا منبت غرسي
…
نزعاتي رغباتي
لك يا مسقط رأسي
…
بدواتي عدواتي
ملك للشعب فيصل
…
ساس بالرأي الحصيف
فعلى التاج المعول
…
وعلى العرش المنيف
يا أبا الشعب سلام
…
يا أبا الشعب عليكا
إنما الشعب حسام
…
ذو مضاء في يديكا