الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اصل بيت لحم
لا غرابة في أن تكثر على العائد أي الوطن أسئلة المحادثين في شأن الأصقاع القادم هو منها، ولا سيما إذا كانت البلاد الشهيرة وكانت منزلتها في نظرهم منزلة عالية مثل بلاد فلسطين وفي رأسها عاصمتها القدس الشريف وما جاورها من المدن ذات الشأن.
فمن جملة ما وقع الحديث في صدده في أحد المجالس هو أصل اسم (بيت لحم) التي طبق صيتها الخافقين منذ ولد فيها السيد المسيح.
وعليه أحببت أن آتي قراء هذه المجلة الزاهرة بكلمة عن هذا الموضوع إذ بذلك يتسنى لي عرض مثال حسي لما قد طالما وددت كما يود ذوو الشأن والاختصاص أن يقف على حقيقته أبناء اللغة العربية ولا سيما أهل هذه الديار وهو أن أنجع الوسائل للتوصل إلى استطلاع خصائص العربية وكل واحدة من أخواتها السامية هو مقارنة أصول هذه الألسن وخواص بعضها ببعض مما قد نشأ عنه علم قائم بذاته سماه الفرنج واضعوه:
أي علم مقابلة الألسن السامية أو بالاختصار: (الألسنية السامية).
(بيت لحم) اسم لمدينة صغيرة جميلة في فلسطين واقعة في غربي القدس تبعد عنها نحو 10 كيلومترات. وأول مرة جاء ذكر هذا الاسم قديماً كان في أعتق سفر من أسفار التوراة وهو سفر التكوين وذلك عند سرد قصة عودة يعقوب أبي الأسباط من ربوع بين النهرين وولادة راحيل امرأته وموتها ودفنه لها في موضع قريب من (بيت لحم) أقيم فيه مزار لليهود حتى اليوم.
بيت لحم اسم عبري مركب من كلمتين وهما بيت ولحم. ومعناهما الظاهري بيت الخبز. ولهذين اللفظيين وجود في غير العبرية من اللغات السامية أي في
الارمية والعربية. أما بيت فمدلوله واحد في الألسن الثلاثة. وأما لحم فالعبريون يلفظون حاءه خاء أي (لخم). وأما العرب والارميون فقد أبقوا لفظها حاء. والعبرية والارمية متفقتان في ما ضمنتاه في لفظه من المعنى أي (الخبز) أما العربية فتخالفهما في تلك الدلالة ذا أن كلمة لحم لا يراد بها الخبز بل هذه المادة المرنة الداخلة في تكوين أجسام الحيوانات الصالح أكثرها لأكل
البشر. إلا إننا إذا تقصينا في معنى هذين الحرفين في عريق الأزمان اطلعنا على موادهما الأصلي وعرفنا تطوره وكيف نشأ اختلافه في هذه اللغات.
أما البيت فهو اسم مشتق من فعل (بات يبيت) المشترك في جميع الألسن السامية ودلالته: قضى الليل في موطن من المواطن. وإذا كان الساميون في عصر بداوتهم يبيتون تحت الخيم سميت الخيمة (بيتاً) وأطلقوا اسم البيت بعد تحضرهم على المنزل سواء أكان من مدر أو حجر. على إن الناس كانوا ولا يزالون يسكنون معاً لفطرتهم الاجتماعية ولذلك شمل اسم البيت كل طائفة من المنازل أو كل قرية أو ناحية نزل فيها حي من الأحياء أو قبيلة من القبائل ولنا على ذلك في اللسان الارمي وفي البلاد الفلسطينية واللبنانية والعراقية وهي من المواطن المألوفة للساميين أمثلة كثيرة منها: في فلسطين: بيت فاجي، بيت جالا، بيت جبرين. وفي لبنان: بكفيا، برمانا، بيت الدين. وفي العراق: باجرمي، بحشيقا، بحزاني. (والباء في هذه الأسماء مقطوعة من بيت) واسم بغداد عينه. فانه - كما حققه الأستاذ غنيمة وطنينا المدقق - مركب من لفظين وهما:(بيت كدادا) ومعناهما في الارمية: بيت الضان أو حظيرة الغنم.
أما (لحم) وإن دلت على الخبز في العبرية والارمية وعلى اللحم في العربية إلا إنه يسهل علينا التوفيق بين المعنيين ورفع الشبهات إذا عرفنا أن كلمة (لحم) في العبرية لا تدل على الخبز إلا من باب التقييد وأما معناها المطلق أي القديم فهو الطعام أو القوت. وهو هذا المدلول عينه في اللغة السامية أم هذه الأخوات، أما بعد تفرق الشعوب السامية فقد تطور مدلوله - وإذ كان الخبز واللحم المادتين الشائع استعمالهم للعيشة بين البشر وكان اللحم أوفر عند العرب
في غالب الأحيان لميلهم إلى عيشة البداوة ورعاية الغنم والمواشي ورغبتهم عن مزاولة الزراعة، عرفوا اللحم أكثر من الخبز وقيدت عندهم كلمة اللحم السامية في المعنى المشهور. وإذ كان العبريون والارميون يزاولون بوجه عام الزراعة واستغلال الأرض كثرت عندهم الحبوب وفي مقدمتها الحنطة والشعير فقيد لفظ اللحم بمدلول الخبز. وحيث تزيد الزروع والمواشي يتضاعف مقدار اللحم والخبز فينجم عنه وفرة القوت. والأرض التي يتوفر فيها القوت هي الأرض المخصبة وهي التي يتردد إليها القوم ويفضلونها على غيرها فتطير شهرتها وتزيد خطورتها.
فمعنى (بيت لحم) ليس إذا بيت الخبز وحسب، بل معناه (أرض القوت) أو (الأرض المخصبة) وهذا كان واقع الحال قديما وحديثاً فإن أرض بيت لحم تفوق ما يجاورها من الأراضي خصباً وغلة وموقعاً ومجالاً. ومما يزيد في مبلغ هذا البرهان قوة هو إن بيت لحم مرادفاً يذكر في الكتاب المقدس عند ذكر اسمها وهو كلمة (أفراثة) وموادها في العبرية الخصبة وهذا نص الكتاب بحرفه:(وماتت راحيل ودفنت في طريق أفراثة وهي بيت لحم. ونصب يعقوب نصباً على قبرها وهو نصب قبر راحيل إلى اليوم)(سفر الخلق 35: 19و20).
الأب أ. س. مرمرجي الدمنكي
أحد أساتذة المعهد الكتابي والأثري الفرنسي في القدس
الشريف
لغة العرب: - الذي عندنا أن كلمة (لحم) بمعنى خبز انتقلت بصورة (لقم) العربية ولما كان الخبز يكثر في طعام جميع الناس سموا كل ما يدخل الفم (لقما) من باب التوسع، قال اللسان: لقمت الطعام ألقمته. . . واللقمة ما تهيئه للفم. اهـ. وأنت تعلم أن الطعام أكثر ما ورد معناه لما نسميه الحبوب، ولا سيما الحنطة. وهذا المعنى معروف إلى يومنا هذا في العراق. قال في لسان العرب: وأهل الحجاز (وعن بعضهم أخذ لسان العرب) إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنو به البر خاصة. وفي حديث أبي سعيد: كنا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعاً من شعير. قيل أراد به البر وقيل التمر وهو أشبه لأن البر كان عندهم قليلاً لا يتسع لإخراج زكاة الفطر. وقال الخليل. العالي في كلام العرب أن الطعام هو البر خاصة. أه.
وعلى كل حال فاللحم واللقم من باب واحد وإن أختلف الحرفان فاختلافهما من لغتهم فقد قالوا الفقي والحفي قرش وحرش، تبقر في العلم وتبحر. القفاوة والحفاوة. القابول والحابول. إلى غيرها.