الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصاوير عربية وإسلامية
1 -
توطئة
كل من وقف على التاريخ في عهد الجاهلية وبعدها. يعلم أن العرب سلفنا كان يعنى بالتصاوير والتماثيل والنقوش على اختلاف أنواعها، كما يتحقق ذلك من قرأ تاريخ الكعبة وما كان فيها من الأصنام والأوثان والصور والدمى.
وبعد ذلك جاء الإسلام فلم يمنع بتاتاً التصاوير بل حظر ذلك في المجسمات منها لئلا يغوى الناس بها؛ ثم جاء المتعصبون بعد العصور الأولى فمنعوا كل تمثيل مخلوق حي لسوء فهمهم بعض الأحاديث. وإلَاّ فان عهد العباسيين يشهد على أن المصورات كانت تزين قصورهم ولا سيما ما كان قد بني منها في سامراء (راجع مقالة في هذا الموضوع أدرجت في هذه المجلة 515: 2 - 520).
والمسلمون في إيران والهند وديار الصين بقوا محافظين على رسم التصاوير إلى عهدنا هذا. إذ لم يروا في الأحاديث (الصحيحة) ما ينفي اتخاذها. وقد عني أبناء الغرب بجمع كل ما يتعلق بالتصوير والتمثيل والنحت والرسم والنقش
حتى أننا إذا أردنا أن نرى طائفة من هذه الأعمال مجموعة في مكان لاضطررنا إلى أن نذهب إلى ديارهم لنشاهد فيها ما يزين متاحفهم ودور الآثار عندهم.
ولقد سعى أحد الروس قبل الحرب إلى جمع نفائس عديدة من بدائع الفن العربي وزين بها قصره؛ إلَاّ أن الحرب المشؤومة جاءت ففرقت وبددت وحطمت وأتلفت شيئا كثيراً مما يدخل في هذا الباب، حتى أنه ليموت الأثري أسفا على ما يسمع أو يقرأ أن لم يكن قد شاهد بنفسه شيئا من تلك الفظائع الهائلة.
فلقد كان عندنا مثلا خزانة عامرة بالمصنفات من مخطوطة ومطبوعة من مصورة وغير مصورة. ولما سقطت بغداد عبث الجهلة بتلك الفرائد والنفائس فمزقوا شر ممزق كل كتاب مصور مهما كانت تلك الصور.
كان عندنا من جملة المخطوطات كتب نبات وحيوان وطب وكيمياء فيها رسوم بديعة منها ملونة ومنها غير ملونة فأتلفت كلها عن آخرها.
كان عندنا كتب فلك وهندسة وتاريخ وبلدان وحساب يزينها مختلف الرسوم فلم يبق منها السفلة ورقة بل أحرقوا كتاب حياة الحيوان الكبرى المطبوع في إيران وكان مصوراً، وأحرقوا معه كتاب الهندسة لاقليدس وكتاب عجائب المخلوقات وزيج الصابئ لأنه كان فيهما بعض الرسوم الهندسية أو بعض الأشكال العلمية.
هذا ما رأيناه بأعيننا وشاهدناه بنفسنا مع غيرنا وهو أمر لا يخفى على كل بغدادي. وقد وقع ذلك في ال 7 من آذار سنة 1917.
وليس مرادنا هنا أن ننكأ جرحا كاد يندمل مع الزمان. إلَاّ إننا أردنا أن نبين أن الناس على اختلاف طبقاتهم قد يكون فيهم جهلة؛ والغالب بينهم أناس يقدرون أعمال السلف. ولهذا أردنا أن نذكر هنا ما كان قد جمعه أحد الأفاضل من الروس من تراث المسلمين ووقفنا عليه في مجلة مجمع العلماء الروس في لننغراد وأهدانا إياها صديقنا أغناطيوس كراجكوفسكي والمقالة للسيدة ف. كراجكوفسكايا. وقد لخصا لنا صديقنا المحبوب الكرنل أو آ، فرتسكيو مترجما إياها من الروسية وهذه زبدتها:
2 -
عروض فنية إسلامية ترى في دار التحف الفنية في
كبيف
طالعت في مذكرات لجنة المستشرقين المطبوعة في لننغراد، والتي نشرها
محفى العلوم لاتحاد الجمهوريات الصوفييتية الاشتراكية. مقالة أدرجت في الجزء الذي برز شهر آب من سنة 1924 وهي تصف لنا عروضا فنية إسلامية مختلفة الأنواع. وموشية برود تلك المقالة السيدة ف. ا. كراجكوفسكايا وهذا ملخص ما وجدته فيها:
ألفيت صاحبة المقال مستشرقة بارعة، أنفذتها دار التحف الوطنية المعروفة بمتحفة المنسك في لننغراد لتبحث عن الفنيات في كييف، فوجدت فيها نفائس إسلامية كان صاحبها في سابق العهد رجل أسمه م. خاننكو وكان مستشرقا وجماّعة آثار. ثم نزعتها من أيديه الحكومة الروسية الحديثة مع الدار التي كان يسكنها، وجعلتها من ممتلكات دار التحف والفنيات في كييف.
تلاحظ الكاتبة أن تلك العروض غير منسقة تنسيقا علميا أو فنيا بل خلط بعضها ببعض
وفيها أشياء مختلفة الجنس وقد كومت تكويما في غرف صغيرة هي خزائن لها وواقعة على طول حيطان الدرج. ويظهر من حالتها الحاضرة إنها تأذت كثيراً في الدعوى التي أقيمت على صاحبها لتنزع من أيديه فتكون ملكاً للقوم الروسي.
أن السيدة كراجكوفسكايا تصف ثلاث طوائف من عروض الفن وهي:
1 -
عروض من القلز أو النحاس.
2 -
عروض من الفغفوري أو القاشاني.
3 -
صور منمنمة (أي دقيقة الرسم والتصوير).
3 -
وصف عروض القلز أو النحاس
تصف الكاتبة قراقير (جمع قرقار وجراراً وظسوتاً وقماقم وشماعد إلى غيرها وكلها من القلز (البرنز) أو النحاس. ومن الأسف أن تاريخ هذه الأدوات مجهول ولا يمكن أن يعرف على التحقيق سنة صنعها بل يمكن أن يتصورها تصوراً يحمله على أن يعرفها من باب التقريب. بمقابلتها على ما يرى من نوعها في دار تحف المنسك في لننغراد. وأغلب هذه الأدوات فارسية الأصل ومن طرفها جرة من قلز أو شَبَه يظن إنها من المائة الثامنة للميلاد وقد نقش عليها رسوم هندسية بارزة كل البروز.
4 -
وصف عروض من القاشاني
هذه الأدوات هي قراقير وجرار وطاسات وآجر إلى غيرها وكلها نماذج مختلفة الطرز والعصر. وبينها طوائف تتميز بعضها عن بعض كل التميز نذكر منها ما يأتي:
أ - (خزفيات من سمرقند) في هذه الطافة لا يرى إلا كسر من آنية وآجر وطلاؤها أصفر أو أخضر مع رسوم تقرأ لأنها حروف بديعة الخط والأشكال الهندسية.
ب - (خزفيات أندلسية مراكشية) في هذه الطائفة ترى أوعية مختلفة وصحون وقصاع وصراحيات إلى غيرها وقد صنعت في بلنسية (الأندلس) في المائة الخامسة عشرة.
ج - (خزفيات طاغستان) تحتوي على صحون وجرار وآجر وما شاكلها وطلاء أغلبها أصفر مع رسوم هندسية وسطور مختلفة التعاريج ودوائر محكمة الصنع وقسي متقنة النقش وذوات زوايا عديدة بديعة الوضع.
د - (خزفيات عصر الشاه عباس) جرار طويلة العنق وضيقتها، وطاسات وكسر آنية ذات طلاء لماع وتزيينات تمثل نقوشاً عربية وسعفاً ولونها في الغالب أزرق.
هـ - (بلاط ملون وملمع) في هذه الطائفة عدد عديد من البلاط المربع الملون الملمع وهي تعود إلى شعبتين مهمتين من معامل الخزف وهما.
معامل ري من المائة الثالثة عشرة للمسيح:
وتحتوي على بلاط مربع طلاؤه أسمر مع رسوم بيضاء تمثل حيوانات مختلفة مثل ثعالب وبنات آوى وغزلان وطيور.
وبين هذه البلاط ما عليه تاريخ صنعها فقد وجد على بعضها ما هذا نصه بحرفه:
(في صفر سنة أربع وعشرين وستمائة).
معامل سلطان آباد من المائة الرابعة عشرة:
بلاط مثمن الزوايا وطلاؤه أزرق فيروزجي ورسومها بيضاء في الغالب وتمثل طيوراً من جنس السيمرغ (العنقا) المذكورة في حكايات الجن عند الإيرانيين.
و (خزفيات حاتم) هذه الطبقة من الخزفيات الفارسية تعرف بهذا الاسم منذ عهد مديد لأنه قد كتب على كل قطعة منها (حاتم) وفي هذه الطائفة نموذج هو طاسة وعلى ظهرها دائرة وكله بالطلاء الأصفر على قعر أزرق نيلي. وفي بطن الطاسة صورة ديك بين كومتين من الزهر مع أسم العامل وهو (حاتم) وقد كتب كتابة جلية، إلَاّ أنه لا يعرف تاريخ صنعها ولا محل صنعها.
ز - (خزف بميناء) أسم هذا الخزف مأخوذ من الألوان المتألقة التي يزهو بها والتي تعجب عين الناظر إليها. وكثير من هذه الأدوات موصوفة وصفاً حسناً دقيقاً. وأغلبها قد كسر ثم لئم، ومن هذه القصاع (الكاسات) ما هي حسنة التصوير والنقش كثيرة الألوان بين أسود حالك، وأبيض فاقع، ووردي جنبذي، وهي قصاع مطلية بطلاء أزرق فيروزجي وعليها تصاوير بديعة كثيرة الألوان تختلف بين أسود وأبيض وأسمر وبنفسجي وأحمر وأربد وأصفر ووردي إلى غيرها، وقد صور عليها رجال قعود قد تربعوا وهم تحت أشجار ضياء وأزهار غراء.
ح - (خزف سلطان آباد (من المائة الثالثة عشر) لهذه الطائفة من الخزف أمثلة مختلفة فيها
قصاع مستطيلة الشكل أو مخروطية مع قعور حلقية الشكل وطلاؤها أزرق لازوردي والنقش لا وردي فاتح وأحمر آجري على أشكال هندسية وخطوط ودوائر ومشتبكات وبعض الأحيان أزاهير خيالية. وبين تلك القصاع قصعة تاريخها بحروف عربية هكذا: (سنة 612).
ط - (خزف من عهد المماليك) هذا الخزف آت من حفريات في أخربة الفسطاط (مصر القاهرة). لم نجد في هذه المجموعة إلَاّ كسر قصاع وجرار، وهي كافية لتطلعنا على مزاياها الخاصة بها، دهانها أحمر ونقوشها بالأصفر والأزرق والأخضر وفيها خطوط عريضة ومشتبكات ونقوش عربية أشكال هندسية.
5 -
المجموعة الثالثة: الصور المنمنمة
ليس في متحفة كييف إلَاّ إحدى عشرة صور منمنمة إسلامية. والسيدة كراجوفسكايا تصفها أدق الوصف ودونك بعض هذه التفاصيل:
ي - ورقة منزوعة من ترجمة عربية: (في المادة الطبية) المنسوبة النص الأصلي إلى ديسقوريدس، وقد رسمت في سنة 619هـ وناقشها عبد الله أبن فاضل. وهذه الصفحة تبين لنا كيفية التقطير في محل أحد الأطباء. وقد مثل الطبيب ومساعده بأحسن صورة وكذا قل عن أداة التقطير فأنها بديعة الصورة وتحتها هذه الأسطر بالحرف العربي.
(شراب البونيون)
(خذ منه أثنين فدقهما فأجعلهما في ثلاثة أرطال عصير ثم أرفعه وهو موافق لوجع المعدة ولمن به إرجاف من ركض خيل أو دفع سفينة. هي.)
وقد لاحظت الكاتبة أن كلمة (هي) في أخر العبارة مقطوعة من انتهى وطرز المنمنمة هو من الطرز البغدادي في المائة الثالثة عشرة للميلاد.
ك - ورقة منزوعة من نسخة من الشاهنامة. والمنمنمة تبين قدوم رستم بزي بائع ملح في قصر سند. وفي الصورة ستة أشخاص وأربعة جمال وقلعة ومنظر ضاحية وهناك أزاهير وحشائش وكلها متقنة الصنع حسنة الألوان زاهيتها وطرزها طرز بخاري في المائة الخامسة عشرة للمسيح.
ل - ورقة منزوعة من نسخة من الشاهنامة وفيها منمنمة تصور حرب رستم للديو (للجني) الأبيض. يرى البطل الفارسي لابساً درعاً وعلى رأسه خوذة مريشة وهو يدخل خنجره في بطن الديو. وفي أسفل الصفحة أسم المصور وهو (بهزاد)(من بخاري في المائة 15م) والعبارة عربية هذه حروفها: (عمل بهزاد بلا شبه).
م - صورة منمنمة لأحد مصوري الفرس في المائة السادسة عشرة وموضوعها رجل وامرأة جالسان على وثاب في حوسق قائم في بستان ووراء
هذين الشخصين أشجار سرو وبجانبها أشجار لوز مزهرة.
ن - صورة منمنمة بديعة الرسم ودقيقته تبين للناظر معراج النبي العربي راكباً البراق وحوله ثمانية من الملائكة (وفي الأصل الروسي لم تذكر كلمة ملائكة لأن هذا الاسم في هذا العهد ممنوع وقد وضع بدلها (جن بأجنحة) وقد أطرت الصورة بإطار من أزهار وكلها بماء الذهب والأزرق الغامق. والطرز طرز المصورين الفرس في المائة السادسة عشرة للميلاد ويظن أنها من صنع المصور ميرك.
س - صورة محكمة الرسم كثيرة التفاصيل ويرى فيها معسكر في موطن جبلي والإطار محكم ملون بخمسة ألوان مع نقوش عربية ذات أزاهير وورق. وهناك خمسة عشر شخصاً مع عدة حيوانات. وتفاصيل الثياب والخيم والطنافس إلى غيرها دقيقة الرسم. ونقاشها قد أحتذي مثال مصورين فارسيين شهيرين من أبناء المائة السادسة عشرة للميلاد وهما محمد ومير سعيد علي. ولعل النقش كان في أواخر المائة السادسة عشرة.
ع - صورة منمنمة تمثل شاباً قوياً ذا ثياب ثمينة وهو واقف وبيده اليمنى أداوة للشرب ووراءه منظر ضاحية فيها صفصاف وعمشق وزهر وفي أسفل الصورة هذه الكلمات: (رقم كمينة رضاء عباسي سنة 1037) ولهذا النقاش صور عديدة في متاحف مختلفة.
ف - صورة منمنمة تمثل أسداً مضطجعاً بجانب شاب جالس على الأرض وفي أسفل الصورة هذه الكتابة نذكرها بحرفها:
(هو رقم كمينة أفضل الحسيني بإتمام رصد سلخ جمادي الآخر سنة 1054) ولهذا المصور من أهل المائة السادسة عشرة للميلاد تصاوير عديدة في متاحف مختلفة.
ص - صورة منمنمة تبين شاباً من الشرفاء وقد لاقى أثنين من الدراويش الشيوخ في
ضاحية موشاة بالأزاهير. ووراء ذلك جبل صخري القوام وأشجار متنوعة. ويظن أن راسمها فارسي أسمه محمد علي من القرن السابع عشر للميلاد.
ق - منمنمة تصور لنا أحد كبار المغول في القرن السابع عشر وهو قائم في ضاحية منبسطة فيها أشجار وأزهار. ويرى من الوجه صفحته الواحدة وهو حسن الملامح واللحية سوداء طويلة. ويداه مستندتان إلى عصا طويلة سوداء والثياب ثمينة مزركشة بديعة الرسم. وقد كتب وراءها:
معز الدين محمد سنة 983
ومعز الدين هذا كان من المنمنمين القاشانيين في القرن السادس عشر.
هذا أهم ما في تلك المقالة للكاتبة المجيدة وعسى أن تستحث الهمم في بعض الكتاب لينشئوا كتاباً يفي بهذا الغرض.
الكرنل أ، آ. فرتسكيو