الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خواطر في اسم الآلة
1 -
بسط وعذر
كتب حضرة الأستاذ الكبير صديقنا المغربي مقالة ممتعة في (مجلة المجمع العلمي العربي) وسمها باسم الآلة (7: 49 - 61) وأبدى فيها آراء كلها حقائق وكنا منذ أمد بعيد جمعنا مثلها لنبين أن قول النجاة في أن أسم الآلة يبنى من (الفصل الثلاثي المجرد المتعدي) تنقصه تدقيقات عديدة تخالف ما استنتجوه فكانت نتيجته كنتيجتنا أي أنه ذكر من أسماء الآلة المتخذة من (الجامد) أو (المزيد فيه) أو (اللازم) مالا يمكن أن ينكر.
وتسمية بعضهم لهذه الآلات (بأشباه أسماء الآلات) هو من باب التسلية والتمويه معاً. كما أسمى البعض اللديغ سليماً. والأعمى بصيراً. والدميم حسناً ونحن الشرقيين كثيراً ما نحب مثل هذه التسليات أو التعميات أو التشيات أو كل ما تريد أن تسميها أو تنعتها. إلَاّ أن المحاسن لا تنقلب مساوئ كما أن الحقائق لا تصبح أكاذيب أو بالعكس مهما نعتناها أو وصفناها.
على أن إقرارنا بفضل الأستاذ المغربي وصحة استقرائه لما أورد، لا يحدو بنا إلى قبول (المدناة) بمعنى التلسكوب و (المدفأة) بمعنى الصوبا (اللفظة التركية) وذلك لأسباب:
أولاً: لأن (المرقب) التي سبق الشيخ إبراهيم اليازجي إلى وضعها هي أوفى بالمقصود من المدناة لأنها مشتقة من رقب النجم بمعنى رصده. والغاية من وضع التلسكوب هو رصد الكواكب. قال لغويو الفرنسيين: (التلسكوب كلمة منحوتة من حرفين يونانيين وهما: (تلي) أي بعيد و (سكوبين) أي فحص أو رصد أو رقب، ومحصل معناها: ما يرصد به البعيد؛ وهي آلة فلكية تتخذ لرصد النجوم) آه
ونحن نرى في (رقب أو رصد) ما يؤدي المعنى المطلوب، فاشتقاق لفظة من هذه المادة تكفينا مؤونة البحث عن غيرها، والشيخ اليازجي لم يتخذ اسم آلة
من رصد إلَاّ لكي لا يختلط أسم المرصد (للآلة وهو بكسر الميم) باسم المرصد (للمكان وهو بفتح الميم) وهناك أمر آخر وهو: إذا سبقنا أحد الأدباء إلى وضع لفظة وأدت ما في الخاطر من الأمنية أو من الوضع، فلا يحسن بنا أن نضع كلمة ثانية وثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له، فذلك ما
يؤدي إلى الفوضى؛ دع عنك أن في قولك (المدناة) مخالفة جمهور النحاة أو الصرفيين وأن لم تخالف ما نقله لنا اللغويون من أسماء الآلة؛ ولهذا أن جمعنا رأي النحاة إلى رأي اللغويين كانت الفائدة أجزل والنتيجة أحسن وأوثق. وعليه: لو قبلنا من باب الفرض كلمة مدناة فلا نقبلها إلَاّ بصورة (مدنية)(وزان محسنة) لأننا بصيغتنا هذه نرضي فريق اللغويين وفريق النحاة، وليس في ذلك أدنى تقييد أو تسجيل على اللغة بالقصاعة والقماءة والكدو أو الحجر أو مهما أردت أن تسميها؛ وسوف ترى أن تسمية الآلة بأسماء متخذة على صيغ أسم الفاعل أو من قبيل أسم الفاعل هو أوسع باب يمكننا أن نلجه لنبلغ غايتنا.
وما نقوله عن عدم استعمال (المدناة) نقوله في عدم اتخاذ (المدفأة) في معنى (المدفئة) واستعمالنا الصيغة الأخيرة أفضل من استعمالنا الصيغة الأولى لأن في
اتخاذنا الأولى نخالف رأي الصرفيين أو النحويين وفي اتخاذنا الثانية نجمع بين أراء القبيلين كما تقدم الكلام فويق هذا.
2 -
كثرة أوزان أسماء الآلات
ذكر الصرفيون من صيغ الآلة: مفعل ومفعال ومفعلة (بكسر الميم) وزاد بعضهم عليها فعالى كفراش وذكروا أن هناك ما يخالف هذه الأوزان ضبطاً أو صيغة ثم قالوا عنها أنها (أسماء آلات غير مشتقة) وفي كل ذلك من التكلف ما لا ينكر.
أما الحقيقة فهي أن أسماء الآلة تعد من قبيل الفاعل أو ما هو بمعنى الفاعل كصيغ المبالغة وصيغ الصفة المشبهة. وأفعل بوزن المفاضلة وإن لم يكن هناك مفاضلة، أما ورودها على صيغ الفاعل والمبالغة فلأن ما ينسب إلى الآلة هو على الحقيقة من أثر العامل فيها، فالمكنسة لا تكنس من ذاتها ما لم يعالج بها صاحبها الكنس.
وهكذا القول عن سائر الآلات إلَاّ أن للآلة عملاً خاصاً بها لا تراه في عمل الرجل نفسه، فالمنشار ينشر بيد العامل به، فإذا ألقى الرجل عنه الآلة لا يستطيع أن ينشر بيديه، إذن يحق أن ينسب إلى الآلة عملاً خاصاً بها. فإذا كان كذلك كانت هي أيضاً عاملة بهذا المعنى ولما كان عمل الآلة يتكرر وينسب إليها هذا العمل من باب التوسل والتذرع جاز أن ننسب إليها العمل نفسه وننسبه إليها. إذن جاز لنا أن نتخذ لها صيغاً منزوعة من صيغ المبالغة واسم الفاعل والصفة المشبهة ووزن أفعل الذي ليس للتفضيل بل لتحقيق وجود الأمر.
أما أنه يتخذ لها صيغ من المبالغة واسم الفاعل فمفهوم للوجه الذي ذكرناه وأما أنه يتخذ من صيغ الصفة المشبهة فما لا يفهم على أن العاقل إذا تدبر أن معاني صيغ الصفة المشبهة سريعة الزوال لتغيير يطرأ عليها اتضح له وجه التجوز فالحسن مثلاً قد يزول حسنه لمرض يقع فيه أو لتشويه تشوه به أعضاؤه فيزول عنه الحسن لوقت ولهذا لاق أن تكون تلك الصيغ منزوعة من أوزان الصفة المشبهة إذ قد يطرأ على الآلات من العيوب الوقتية ما يطرأ على سائر الصفات.
ومن ثم نرى كثيراً من الآلات جاءت على أوزان هي من صيغ اسم الفاعل أو المبالغة أو الصفة المشبهة.
ونحن نذكر لك هنا أمثلة مأخوذة من الصيغ المذكورة من فصيحة ومولدة
فالمولدة تفيدل أن المولدين جروا على أساليب من تقدمهم من فصحاء العرب ولهذا يجوز لنا أن نتأثرهم: والفصيحة تفيدك أن الوضع قديم.
3 -
أسماء آلات على أوزان المبالغة والصفة المشبهة واسم
الفاعل والفعل
1 -
القدوم (وزان صبور) لآلة النجر والنحت، ومثلها الكتوم (للقوس التي ليس فيها شق).
2 -
الأصم (وزان الأكبر) من أسماء الرمح، وكذلك الأظمى كما أن من أسمائه المطرد (وهذا كمنبر) وأنت تعلم إن الرمح من الآلات.
3 -
الصوان (وزان لزاز. وفعال هنا بكسر الأول من صيغ المبالغة، يقال إنه للزاز خصومة وملز أي لازم لها موكل بها يقدر عليها) ومثله كتاب وركاب وحزام وإمام ولجام إلى غيرها.
4 -
الفأس (وزان بر وشر وعذب وعدل وهي إن شئت جعلتها من صيغ المبالغة وإن شئت اعتبرتها من صيغ الصفة المشبهة) وفي لغتنا آلات عديدة جاءت بفتح الأول وإسكان الثاني مثل زند وسيف ودلو وسوط وسرج ورحل وقوس وعجس إلى غيرها.
5 -
الرحى (وزان حسن بفتحتين من صيغ الصفة المشبهة) ومثل الرحى الرسن والقدح.
6 -
السكين (وزان قديس وشرير) ومثله السجين.
7 -
العسال (بمعنى الرمح مثل جبار وحداد) ومثله: العراث والعراص.
8 -
الخاتم (وزان عامل) ومثله: الطابع والفاغر والضابس والرائل.
9 -
البرادة (وزان علامة) ومثلها: القذافة والحرارة والطحانة والصفارة والرماثة والنشافة والقداحة والنفاطة والسجادة والفزاعة والدرارة والزمارة والزرافة وما ورد على هذا الوزن شئ كثار يكاد لا يحصى لكثرته.
10 -
الوقيعة (كما قالوا رجل نصيحة وفعيلة هنا للمبالغة) قال في التاج الوقية: المطرقة، وهو شاذ لأنها آلة والآلة إنما تأتي على مفعل، اهـ. وقد رأيت إن من أسماء الآلة ما ليس على مفعل ومفعل ومفعلة؛ بل ربما ما وافق هذه الأوزان الثلاثة أقل بكثير مما جاء على الأوزان الدالة على الفاعلية، ومثل الوقيعة الوشيجة الوشيعة.
11 -
القاذفة (المنجنيق وهي مثل رجل راوية وطاغية) ومثلها: الجامعة وهي الغل.
12 -
الأشفى (وهي بكسر الهمزة وفتح الفاء بمعنى المثقب والسراد يخرز به وهو للأساقي كالمخصف للنعال، وهو على مثال كيصي، يقال: رجل كيصي أي منفرد بطعامه).
13 -
المحلتان (بضم الميم وكسر الحاء وفتح اللام المشدودة. مثنى المحلة) قال في اللسان: المحلتان: القدر والرحى، فإذا قلت المحلات: فهي القدر والرحى والدلو والقربة والجفنة والسكين والفأس والزند، لأن من كانت هذه معه حل حيث شاء، وإلَاّ فلا بد له من أن يجاور الناس يستعير منهم بعض هذه الأشياء اهـ. ومن ذلك الملعبة: قال في التاج (وفي نسخة الملعبة بالكسر) ثوب بلا كم (وفي نسخة لا كم له) يلعب فيه الصبي، ومثله في لسان العرب اهـ. أما أنه كيف يعتبر الثوب آلة فهو لأنه يتخذ أداة لدفع طوارئ الجو عن جسم صاحبه ومثال المحلة أو الملعبة: المقبلة للفأس وهي أيضاً الموسى (المخصص 11: 26).
14 -
الحابول (مثل الفاروق) وكذلك الشاقول والطاحون والناقوس.
15 -
أثاث (وزان جبان) ومثله: متاع.
16 -
جهاز (مثل دلاص) ويشبه رهاط.
ولا نريد أن نستقصي جميع أوزان الآلات فهي كثير ولكل مها مثال يرى في الصيغ التي تدل على الفاعلية كما تقدم الكلام. واللغويون والنحويون لم يشيروا إلى هذا الأمر مع أن الوارد منها لا يحصى، والذي يكاد يكون قياسياً هو ما جاء من هذه الأسماء على وزن فعال
أو فعالة (بتشديد العين) وما جاء منها على مفعلة (بضم الأول وكسر الثالث) فحينئذ ينقل اللفظ من الوصفية إلى الموصوفية وهذا النقل يكاد يرى في كل مادة واسعة من مواد اللغة فهو إذا ما قيس جميع أبواب الآلة أو أوزانها، ولهذا نخير قول من يقول مدنية ومدفئة وما ضاهاهما على من يقول مدناة ومدفأة لأن هذا الوزن المتخذ من الأسماء اللازمة مسموعة غير مقيسة بخلاف نقل الوصفية إلى الموصوفية فهو أشهر من أن يذكر ولا حاجة إلى القول أنه آمن طريق من سواه، وليس ثم من مانع يمنعنا دون إتباعه بل
يوافقنا عليه النحاة واللغويون فضلاً عن أننا نوسع الطريق لمن يريد أن يتخذ مهيعاً للوصول إلى بغيته.
4 -
ورود أسماء آلات بصيغة المجهول
من المعلوم أن أسماء الآلة لا تتخذ إلَاّ مما يعالج كما نص عليه جمهور اللغويين والنحاة، وغني عن البيان أن المعالج لا يكون إلَاّ معلوماً، إذ من المحال أن يعالج ما هو مجهول، هذا ما يتضح لكل عاقل عند أدنى تأمل، ومع هذا كله ترى في لغتنا أسماء آلة مصوغة لما لم يسم فاعله. والظاهر أن هذا الأمر غير ممكن، إلَاّ أننا إذ أمعنا النظر فيها نجد أنها لم تسبك في قالب المجهول إلَاّ لصفة اتصفت بها الآلة لعارض عرض لها أو لحادث وقع فيها. وليس لمعالجة أمرها المجهول. إذ هذا أمر غير معقول، ومثل هذه الأسماء كثيرة أيضاً في لغاتنا وعلماء اللغة والنحو والاشتقاق لم ينبهوا عليها، كما لم يشر إليها قصداً حضرة صديقنا المحقق الأستاذ المغربي. بل ولا اعتناقاً. ودونك بعض الشواهد:
1 -
المثقف: المقوم من الرماح
2 -
المذكر: ما شفرته ذكر وسائره أني (الإسكافي)
3 -
المربوع من الرماح بين القصير والطويل
4 -
المرمولة: من أسماء الدرع
5 -
المرهف: السيف المحدد المرقق الحد (اللغويون)
6 -
المسفوحة من الدروع التي كأنها صبت صبا
7 -
المشرجع: مطرق لا حروف فيه (الإسكافي)
8 -
المضاعفة: من الدروع التي نسجت حلقتين حلقتين
9 -
المعلب (كمكرم): الذي قد انكسر فشد بالعلباء
10 -
المهلهلة: من أسماء الدروع (اللغويون)
11 -
المهند: السيف المطبوع من حديد الهند
12 -
الموشحة من الدروع: التي لها حلق صفر
13 -
المؤمر: المحدد من الرماح وقيل المسلط
14 -
وأغرب الأسماء التي من هذا القبيل هي الموسى وهي آلة الحلاقة،
فقد ذهب بعضهم إلى أنها مشتقة من أوسى، فلو كان هذا الإدعاء صادقاً لقالوا الموسي (بكسر السين وبياء منقطة في الأخر أي بصيغة الفاعل) لأن معنى أوسى رأسه حلقه، لكن الموسى هي بصيغة اسم المفعول فيكون معناه المحلوق، والحال لا تكون الآلة محلوقة بل حالقة، إذ الرأس هو المحلوق. ولهذا صدق من قال أن وزن موسى فعلى لا مفعل أي أن موسى مشتقة من مادة الموس وهو الحلق فكأنك تقول الحلقى، كأنها مؤنث الأحلق وهي - وإن لم توجد - إلَاّ أنها تعني الآلة التي تحلق أو ذات الحلق، كما أن الصغرى مؤنث الأصغر أي ذات الصغر حين لا يكون فيها معنى التفضيل، فإذا ذهبت إلى هذا الرأي استقام بين يديك المبنى والمعنى.
فالأموي واليزيدي وأبو عمرو بن العلاء وابن السراج وغيرهم يذكرون اللفظة أي يشتقونها من الموسى: أما ابن السكيت والكسائي والفراء والأزهري والليث ومن تبعهم فأصح نقداً وأصوب نظراً لأنهم يذهبون إلى أن الموسى مؤنثة أي من الموس. وقد ذكروا لهذا الرأي شواهد جمة من كلام قدماء العرب. أما الذين قالوا بأنها مذكرة فلم يوردوا عليها شواهد جليلة قديمة وصحيحة كما جاء معارضوهم بما يدعم رأيهم.
فنحن نتبع من يقول برأي أن الموسى من الموس فهي مؤنثة كما أن فعلى مؤنث أفعل، وأفعل جاء بمعنى الفاعل كقولهم: الله أعلم، أي عالم: والله أكبر، أي كبير: وهذا الرجل الأقل، أي قليل بمعنى الفقير وفيه بقية: إلى غيرها مما جاء فيها أفعل بمعنى فاعل. فمعنى موسى إذن الآلة الحالقة لا المحلوقة إذ هذا يأباه كل عاقل، ولا مزكي له في الاشتقاق ولا في المعنى.
وهناك ألفاظ كثيرة عديدة، وإنما اجتزأنا بما ذكرنا تنبيها للأفكار لا غير ولعل خطأنا في ما ذهبنا إليه أكثر من صوابنا. وهو الهادي.
(الكرمل)
الكرمل اسم جبل قريب من حيفا (في فلسطين) والتوراة العربية المطبوعة في مطبعة الأباء اليسوعيين تضبط اللفظة وزان حرمل أي بفتح الأول والثالث والحل إن العرب لم تضبطه أبداً هذا الضبط والصواب بكسرهما كزبرج والذين في جوار الجبل المذكور من العرب (لا الأعاجم) لا يلفظونه إلَاّ بكسرها فأحفظه.