الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المشارفة والانتقاد
37 -
رواية الحب المكتوم
إنكليزية الأصل بقلم بولس لستر فورد الأميركي، تعريب أمين الغريب صاحب مجلة الحارس، طبعة ثانية مصححة ومطبقة على الأصل في 88ص بقطع الثمن، طبعت في مطابع قوزما في بيروت سنة 1927.
هذه رسائل حب أنفذ بها دونال إلى حبيبته ماري وهي كلها رقيقة الديباجة دقيقة الأسلوب مفرغة في قالب عصري عفيف التعبير والمغزى.
والكاتب المعرب يتحرى اصح العبارة في ما يكتب لكنه يعتمد في انتقاء الألفاظ على محيط المحيط أو على من نقل عنه فيخطئ الغرض ففي ص3 (غير كفء للإخلاص) وفي ص4 (تراءى لي الملاك) وفي ص5 (الولد الشفوق) وفي ص6 (أدون سطورا) وفي ص7 (أكان ذلك عزيزة طبيعية فيك) وفي ص8 (لولا القسم المتعلق بوالدتي منها) إلى غيرها. أتظن أنه لو قال: غير كفو للإخلاص. تراءى لي الملك. الوالد الشفيق. اخط سطورا. كان ذلك عزيزة (بدون زيادة طبيعية لا تكون إلا كذلك) لولا ما يتعلق بوالدتي منها. . . لكان ابلغ عبارة واصح تركيبا.
38 -
غادة الكاميليا
تأليف اسكندر ديماس الصغير. وترجمة نيقولا بسترس، تقدمه مجلة مينرفا (بيروت) لمشتركيها عن سنتها الرابعة، طبعت في مطابع قوزما في بيروت في 128ص بقطع الثمن. .
وضع في صدر هذه الرواية نقد لعبد القادر المازني بين فيه (خلاصة الرواية - بحث في موضوعها)، فكانت نتيجة ما قال ما ننقله منه بحرفه (حسن أن نكون رحماء وأن نغتفر الزلات، ولكن لمن؟ - لمن تستحق ذلك. لا لمن تريد
أن تعيش عيالا على المجتمع، وحميلة على الخلق، وأن تجر أذيال الغنى وتقضي أيامها في ظل البذخ والترف بغير حق، وعلى حساب الشريفات المحصنات - وإذا كان هؤلاء لا يطقن أن يغالبن المؤثرات وأن
يفزن على المغريات فهن ضعيفات قد يدرك الفرد العطف عليهن ولكن الحياة لا ترحم ولا ترثي لأحد وليس في الطبيعة محل للضعيف)
ونظن أن هذا النقد القاتل كان كافيا لكي لا يقدم المترجم على تعريب الرواية لكن حاول أن ينظر فيه نظرة ليرد هذا الحط من الرواية، فكأن أخيب من القابض على الماء، وبجوابه الضعيف غير المقنع اظهر أن الحق مع المازني وأن مثل هذه الروايات حظها التقبيح، وذم مؤلفها ومعربها.
وقد وجدنا ركة عظيمة في اختيار الألفاظ. فقد قال في ص6 (وأن يحبها حب والد حنون)(اعتمادا على محيط المحيط) وفيها (أمست اليوم مدينة بخمسين ألف فرنك) وفي ص7 (اذهبي اعدي العشاء فقد دعوت أولمب. . . لتناول الطعام) وفي ص8 (عن آذان تسمع لك) وفيها (ماذا أوقع لك؟ - أنت حر) إلى غيرها
قلنا: الحنون صفة للإناث من حيوان وإنسان، وأما للذكور فيقال: شفبق ورؤوف. ويقال: فإذا اليوم هي مدينة خمسين، واحسن منها: وعليها اليوم دين قدره خمسون ألف فرنك. ويقال: اذهبي اعدي العشاء فقد دعوت أولمب يؤاكلني أو يتعشى معي أو غيرهما أما تناول الطعام فتعبير في منتهى القبح والركة. ويقال: عن آذان تسمعك. ويقال: ما تحب، أو ما تشاء، أو ما طاب لك، فقوله: أنت حر، فالحرية هنا في غير موقعها وأن كانت تعني في الإفرنجية ما تريد التعبير عنه في العربية بما أشرنا إليه.
ونختم الكلام أن ليس في هذه الرواية من مشوق من جهة المغزى ولا من جهة حسن الإنشاء، بل نستغفر الله لقد غلطنا: إذ من الحسن أن تفرغ هذه الرواية وأمثالها في نظير هذا القالب العربي السقيم لكي تشمئز النفس من باطنه ومن خارجه.
39 -
كتاب الأغاني
تأليف أبي الفرج الأصفهاني، الجزء الأول في 535ص من قطع الثمن الكبير، الطبعة الأولى - مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة 1345هـ 1927م.
كنا في صغرنا إذا رأينا كتابا يسيء الطبع يقول لنا الأصدقاء (هذا طبع مصر) لأنهم كانوا قد تأكدوا أن ديار النيل لا تتولى نشر تصنيف من تصانيف السلف إلا لتبرزه بأشنع حلة من كثرة الأغلاط وسوء الضبط وشناعة الكتابة بخلاف مطبوعات بيروت مثلا، فأنها كانت
حسنة يأنس إليها القارئ. أما اليوم فقد أنقلب الأمر: أننا نرى التأليف التي تصدر من دار الكتب المصرية رافلة ببرود تزري بالدمقس والسندس وتتحدى كل مطبعة في مجاراتها.
والآن أمامنا كتاب الأغاني فقد تجلى بأحسن حلية من حلى المطبوعات وقد زاد في جماله ما على هامشه من مقالة النسخ ومعارضتها بغيرها وشرح الكلم الغامضة والإشارة إلى سيئ الروايات وأحسنها، وهي خدمة عظيمة لو كنتم تعلمون. نعم أننا نهنئ البلاد الضادية اللسان بحصولها على مثل هذه الدرة النفيسة.
على أن أعمال البشر مهما كانت حسنة تبقى بشرية أي تحتاج إلى تحسن اعظم فاعظم، ونحن نأخذ على الواقفين على طبع هذا التصنيف البديع ما بدا لنا من غير أن نضمر لهم أدنى نية سيئة:
1 -
كان يجدر بناشري الكتاب أن يهدوا منه نسخة إلى أصحاب الجرائد والمجلات لينقدوه أو لا اقل من أم يبشروا العالم العربي بظهور مثل هذه النسخة البديعة الصنع الجميلة الحروف المضبوطة بالحركات كلما مست الحاجة إليها، الكثيرة الفهارس التي هي زينة المطبوعات العصرية ومرغبة الأدباء في اقتنائها لسهولة البحث فيها عن الموضوع الذي يراد الوقوف عليه.
2 -
في هذه الطبعة ثلاثة عشر فهرسا ومع ذلك ينقصه فهرسان مهمان
الأول: في الألفاظ التي شرحها المؤلف نفسه في متن كتابه كقوله في ص9 وفيه دور كثير أي صنعة كثيرة.
والثاني: للكلم والعبارات الخاصة بالمؤلف أو التي جاء ذكرها في صلب سفره وليس لها وجود في دواوين اللغة مثل المشوشة الوارد ذكرها في ص10 ومثل قوله في ص28 الاطام وشرحها شرحا يختلف عما في دواوين اللغة وكذلك قوله: (ذي أو أش) فلقد ذكر لكل هذه الألفاظ ولغيرها معاني لم يصرح بها اللغويون في معاجمهم، فهذا يفيد أهل البحث كثيرا لأنه يوقفهم على معان كانت معروفة عند قوم من العرب ومجهولة عند قوم آخرين
3 -
ذكر متولو طبع هذه النسخة أنهم لم يدخلوا في الفهارس ما جاء في (التصدير) الذي وقع في 56 ص وهي ليست بقليلة. ولعل هناك سرا أو حكمة نجهله أو نجهلها دفعهم إلى اجتناب هذا المحذور
4 -
كنا نعلم أن في الجامعة الأمريكية نسخا من أجزاء الأغاني، فأن كانت هناك إلى الآن
فكان يحسن بأصحاب هذه الطبعة أن يقتنوا تصاويرها ليعارضوها على أخواتها التي كانت بأيديهم.
5 -
الإفرنج إذا تولوا طبع كتاب نفيس قديم عربي وضعوا أرقاما بجانب كل خمسة اسطر وإذا وضعوا الفهارس ذكروا موطن وجود الكلمة من الصفحة وذكروا السطر أيضا. وعليه أوضحوا ذلك بالأرقام. وكل ذلك لكي يسرع الباحث في السقوط على ضالته بدون أن يخسر شيئا من وقته الثمين، ولهذا يرغب الأدباء في اقتناء ما يتولى طبعه أبناء الغرب، ولو كانت تلك المطبوعات غالية.
6 -
من غريب أمر هذه الفهارس أن العلم الواحد إذا ذكر مرارا في الجزء لم يشر إليه إلا مرة واحدة فيها وهذا عيب أو نقص أو خلل لا يمكن السكوت عنه فأن الماجشون مثلا ورد مرارا عديدة في هذا الجزء أي في ص 66و 97 و100 وفي غيرها. والحال لم يذكر في فهرس رجال السند إلا مرة واحدة (راجع ص432).
7 -
استشهد لشرح بعض الكلمات باللغويين المحدثين وهذا لا يجوز لمن
يتمكن من أن يستشهد بكلام الأقدمين. والسبب هو أن المحدثين كثيرا ما حادوا عن نهج الأقدمين وساءوا فهم عباراتهم. ولهذا يحسن بنا أن نورد كلام الأقدمين أن استطعنا وأن شئنا بعد هذا إيضاحه بكلام المحدثين فلا باس من الاستشهاد بما أولوه. والاعتماد على اقرب الموارد أو محيط المحيط من اضعف الأمور فقد جاء في هذا الجزء في ص83 ما هذا حرفه عن السنبوسج:
(السنبوسج - ورد بالقاف والكاف بدل الجيم -: ما يحشى بقدر (بقطع) اللحم والجوز ونحوه من الرقاق المعجون بالسمن أو الشيرج) اهـ (اقرب الموارد) اهـ
قلنا في هذا الكلام أوهام، منها: أن النص المنقول عن اقرب الموارد لم يورد بلفظه فالذي جاء هناك هذا حرفه: (السنبوسق، المشهور بالكاف ما يحشى بقدر اللحم والجوز ونحوه من رقاق العجين المعجون بالسمن والشيرج. فارسيتها سنبوسة. الواحدة (سنبوسقة) آه
وهذه العبارة منقولة عن محيط المحيط إذ يقول: السنبوسق - والمشهور السنبوسك بالكاف: فطائر مثلثة تعمل من رقاق العجين المعجون بالسمن أو الشيرج تحشى بقطع اللحم والجوز ونحوه. فارسيتها سنبوسة - الواحدة سنبوسقة. آه
فأنت ترى من هذين النصين أن صاحب اقرب الموارد حاول أن يفرغ العبارة في قالب امتن من قالب البستاني فقال: ما يحشى بقدر اللحم. وهنا ظهر العيب لأن القدر في العربية لا تجيء إلا بمعنى القطع الكبار من اللحم. لا بمعنى القطع الصغار وهذا وأن لم يصرح به اللغويون هذا التصريح البين إلا أنهم لم يستعملوه إلا بالمعنى الذي نشير إليه. ومن راجع الأمهات اللغوية ونظر إلى مواقع اللفظة من استعمال الفصحاء لها يتحقق هذا الأمر ونحن لا نريد أن نأتي بالبينات على مذهبنا هذا خشية التبسط في الكلام على غير جدوى.
بيد أن داود البصير افصح عن كيفية اتخاذ السنبوسك احسن إفصاح وكان الحق أن تسند إليه الرواية لأنه ابن بجدتها قال في تذكرته (165: 1). (سنبوسك باليونانية (كذا): بزماورد وهو عجين يحكم عجنه بالأذهان كالشيرج
والسمن ثم يرق ويحشى بلحم قد نعم قطعه (قلنا: إذن لا يحشى قدرا) وفوهة وبزر ممزوجا بالبصل والشيرج ويطوى عليه ويقلى في الدهن أو يخبز، وأجوده ما حمض بنحو الليمون وكان لحمه صغيرا (قلنا: وهذا نص ثان واضح على منع القدر) أو عمل من الدجاج) اهـ.
فهذا احسن تفصيل لعمل السنبوسج ولا يمكن أن نستغني عنه ليتخذ نص المحدثين الذي لا يفيد فائدة تذكر. نعم أن هناك خطأ في قوله باليونانية وقوله بزماورد إلا أن هذا الخطب يسير بجانب تلك الفوائد الجليلة.
وذكر لمعنى اللوزينج في تلك الصفحة شرحا منقولا عن اقرب الموارد أيضاً ولو نقل نص اللسان في مادة لوز لكان أوثق وأن كان النصان يكادان يتشابهان؛ إلا أن الركون إلى كبار اللغويين احسن.
وجاء في تلك الصفحة لشرح النقانق الواردة في المتن ما هذا حرفه (جاء في شفاه الغليل: لقانق (باللام بدل النون الأولى): اسم لأحد الأمعاء وبه سمي معي الغنم المحشو المقلي اهـ - قلنا النقانق لغة في اللقانق وهذه كلمة رومية (أي لاتينية) أي وهو ما يسميه الأقدمون بالخلع أو البطخة أو ما يشابههما وبالإفرنجية أما أن في لغتنا أمعاء تسمى لقانق فلا وجود لهذا الاسم. والصواب اللفائف بفاءين وبهمزة قبل الفاء الأخيرة؛ ولهذا لا يوافق الحقيقة نص شفاء الغليل.
وفي تلك الصفحة شرحت لفظة (مطرف بالخردل) بقوله (لعل المراد أنه محسن بالخردل
يوضع عليه) والذي عندنا معناه؛ فيه شيء أو طرف من الخردل.
وشرح الخردل بأنه (حب شجر معروف. . . وهو المعروف الآن باسم مع أنه ليس من الشجرة في شيء بل هو من النباتات الشبيهة بالبقول. ثم أن قول صاحب الحاشية هو المعروف الآن باسم (الموتارد) وهو غريب فلو قال هو المعروف الآن عند الفرنسيين باسم (موتارد) لهان الخطب، لكن إطلاق قوله على الوجه المذكور غير مستحب
8 -
في بعض المواطن استنجد الشارح بكلام الأغراب ليبين معنى ألفاظ
الأعراب وهذا ما كنا نتوقعه منه ولا سيما لشرح ألفاظ مثل هذا السفر الجليل الذي يجب أن لا يتضمن إلا عبارات السلف أو ما يقارنها أو ما يقابلها متانة. فقد جاء في ص 10: أطعمكما مشوشة وقليلة. وضبط مشوشة بفتح الميم وضم الشين وإسكان الواو وفتح الشين الثانية وفي الأخر هاء وشرحها في الحاشية بقوله (زيت يضرب مع بياض البيض فيصنع منه طعام دسم اهـ عن قاموس ستينجاس المطبوع في لندن) اهـ
قلنا: أن الذي ذكره ستينجاس هو مشوش لا مشوشة. ثم ذكر المشوش بضم الشين والميم متوهما أنها فارسية الأصل. وأما مشوشة بفتح الأول فقد ذكرها كوسغارتن في النسخة التي طبعها من الأغاني. وعلى كل حال أن صواب الرواية هو مشوش أو مشمشة (أي من باب التفعيل بصيغة اسم المفعول كمعظم) قال في شمس اللغات: مشوش كمعظم ومشوشة بالتأنيث طعام يتخذ من الزيت يلبك بالاح وهو أيضاً ضرب من الحلواء اهـ - والكلمة عندنا عربية من شوش الشيء (من باب التفعيل) خلطه أو عند أهل شمالي العراق كأهالي جزيرة ابن عمر والموصل وسعرد وما يجاورها: المشوشة كمعظمة يتخذ من دقيق العدس أو من جريشه وقال دوزي (المشوش والمشوشة (بضم الميم وفتح الواو المشددة) طعام كالشاشية وعرف هذا الطعام ناقلا كلام أحد أدباء العرب الأقدمين واسمه شكوري: هي الفرطون من الأطعمة المستلذة وهو لحم مطبوخ يعقد ببيض مضربة بتابل في زيت محمي ويأتي حسن المنظر طيب الطعم) اهـ
ولم يفسر دوزي في معجمه الفرطون والكلمة لاتينية الأصل أي ومعناه كل طعام يتخذ مطبوخا على النار ولا سيما المحمس منه.
وجاء في أول التصدير أن هو المسهك ففسر هذه اللفظة بقوله: ممر الريح. قلنا والذي
نراه في كتب اللغة لا يوافق هذا المعنى. نعم قال صاحب اللسان: المسهك ممر الريح لكننا نراه يقول بعد ذلك سهكت الريح أي مرت مر شديدا والمسهكة ممرها. وليس هذا المطلوب من الكلمة الإفرنجية (كوران دير) فقد يكون المراد بهذه اللفظة مجرى الريح وأن كان خفيفا
ويكون فيه أعلى واسفل. فأعلى المجرى سماه العرب: علاوة الريح وأسفله سفالة الريح، وإلا فالمسك بالفرنسية
وفي ص8 من التصدير في الحاشية ما هذا نصه: (يراد بالابخاش الثقوب ولم نجد مادة (بخش) في كتب اللغة فلعلها مولدة). انتهى. لو قال المحشي: لم نجد مادة بخش في أمهات كتب اللغة أو في كتب اللغة للأقدمين لعذرناه أما تعميم الإطلاق فنؤاخذه عليه لأن مادة بخش وردة في محيط المحيط وفي دوزي. ودوزي ذكر عدة كتب جاءت فيها هذه اللفظة. وقال عنها صاحب محيط المحيط أنها عامية وليس كذلك إنما هي ارمية الأصل (أي سريانية) والبخش في هذه اللغة (بحش) بالحاء المهملة. والحاء المهملة كثيرا ما تنقل إلى العربية بالخاء المنقوطة ثم أن كلام بخش و (بحث) من أصل واحد ويفيد الحفر والنبش والنكث لطلب شيء أو حقيقة.
وفي ص 13 من التصدير: واتخذت آلات الرقص في الملبس والقضبان والأشعار التي يترنم بها عليه. قلنا والخطأ ظاهر إذ لا يترنم على القطبان بل على القصبات جمع قصبة وهي المزمار كما نص عليه اللغويون.
وفي ص20 من التصدير فسر كاملة حالق الواردة في هذا البيت:
أبعين مفتقر إليك رأيتني
…
بعد الغنى بي من حالق
بقوله: الحالق: الجبل المرتفع. نعم هذا صحيح في اللغة بوجه العموم ولكن المعنى المطلوب في البيت المذكور هو: المكان المرتفع من غير أن يخصص بالجبل. ومثله يقال جاء من حالق أي من مكان مشرف (اللسان في حلق) ويدخل في وصف المكان بالمشرف الجبل وغيره
9 -
كثيرا ما يرى المحشي آراء لا توافق الحقيقة كل الموافقة فقد قال مثلا في حاشية ص 27 من التصدير: الناي من آلات اللهو. أعجمي معرب. وعربيته زمخر ومزمار اهـ. قلنا
لكل من هذه الملاهي معنى غير معنى صاحبيه فالني يقابل بالفرنسية والزمخر: المزمار الكبير الأسود (التاج) والمزمار ولهذا لا نسلم بما قاله صاحب الحاشية.
10 -
من عادة الواقفين على هذه الطبعة ضبط الكلمة بأوجهها المختلفة إذا
كان لها عدة وجوه. وهو عمل في غاية الحسن، إلا أنه عدل عن هذه الحالة إلى غيرها مستحسنة ففي ص 27 من التصدير ضبط بلورة كتنور بزيادة هاء في الأخر وهي لغة لم يصرح بها إلا صاحب القاموس. أما صاحب اللسان فذكرها كسنورة وهي اللغة المتعارفة. وذكر لغة أخري وهي كسبطرة.
11 -
كثيرا ما نرى في هذه الطبعة ألفاظا مكتوبة على غير الوجه المألوف (فهرون) مثلا لم ترد مكتوبة في هذه الطبعة إلا وزان ناقوس. بينما نرى السلف يكرهون هذه الصورة ويميلون إلى وزن فعول فيها. وسبب ذلك أن قدماءنا ينظرون إلى وزن فاعول نظرهم إلى وزن أعجمي وهارون عبرية إذن أعجمية فيلوون وجههم عنه ويولونه شطر وزن فعول العربي. أما إذا نسبوا إليه فلا يكتبونها إلا على وزن فاعول فيكتبون هارون الرشيد، لا هارون الرشيد وهارون أخو موسى لا هارون أخو موسى. ويقولون الهاروني ولا يقولون البتة الهروني، (راجع في هذه المادة القاموس والتاج ولسان العرب والمطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية لنصر الهوريني ص181) وكذلك نرى (الحرث) مكتوبة الحارث في جميع المواطن والسلف ميزوا بين (الحرث) علما فيكتبونه بلا ألف وبين الحارث اسم فاعل لحرث يعني فالح الأرض وزارعها. ومخالفة الكتابة المعهودة المألوفة كثيرة المثل في هذه الطبعة وفي موارد وألفاظ شتى لا نريد أن نستقصيها.
على أن الذي نكرهه اشد الكراهية عدم تنقيط الياء في آخر الكلمة اعتمادا في ذلك على فهم القارئ: لكن نسي ناشرو هذه الطبعة أن المطالع مهما كان متوغلا في اللغة وواقفا على أسرارها وغوامضها قد تفوته معرفة تنقيط الياء أو إهمالها. أما إذا نقطت الياء انتفى كل إبهام. - جاء في حاشية ص 144 يقال: علا يعلو كسما يسمو وعلى يعلى كرضى يرضى اهـ فلو قال: وعلى يعلى كرضي يرضى. أما كان احسن ليعلم القارئ أن كلا من علي ورضي هو كعلم يعلم لكن ما القول. والمرء ينقاد إلى عادات قديمة سقيمة يرى عدم نفعها بل ضررها وهو يتمسك بأذيالها لأنه نشأ عليها. وكم أضرت هذه القاعدة باللغويين أنفسهم
لعدم تنقيطهم الياء الأخيرة حين الحاجة إليه. والشواهد في دواوين
اللغة اكثر من أن تحصى. ولنجتزئ بذكر واحد لا غير.
قال في لسان العرب في مادة لارن (ابن سيدة الهرنوي: نبت قال لا أعرف هذه الكلمة لم أرها في النبات وأنكرها جماعة من أهل اللغة. قال ولست ادري الهرنوي مقصور، أم الهرنوي على لفظ النسب) اهـ
فأنت ترى من هذا اعتراف ابن سيدة بجهلة لفظ هذا الحرف، وما ذلك إلا لإهمال تنقيط الياء فلو كانوا قد اعتادوا تنقيطها لعرفوا أنها بياء النسبة لكن أهملوا التنقيط في كلتا الحالتين فلم يهتدوا إلى سواء السبيل. وكم من الألفاظ التي تعود إلى هذا السبيل. وكم من الذين يخطئون في القراءة ويلحنون في الكلم لهذه العلة نفسها. لقد حان الوقت أن نتمسك بكل ما يأتينا من السلف حسنا وننبذ كل سيئ أتانا أو يأتينا منهم. - أن صاحب اللسان بعد أن وردة كلام ابن سيدة لم ينطق بنص يؤيد القص أو التشديد في الهرنوي، فانظر بعد هذا إلى قول من يدعى أننا في غنى عن تنقيط الياء اعتمادا على علم القارئ. فليفتنا هذا القائل عن هذه الياء منقوطة هي أم مهملة، وليذكر لنا شاهدا أو سببا لترجيح رأي على رأي.
أما نحن فأننا نرى رأي التاج أي أن الهرنري (المقصورة) كالهرنوة المختومة بالتاء. وكثيرا ما تتعاقب الألف والهاء في الآخر مثل العرضنة والعرضنى، الرخامي والرخامة، والرعامي والرعمة، القصيري والقصيرة. وهي في لساننا كثيرة. فإذا ثبت هذا وعلمنا أن الهرنوة لغة في القرنوة وهذا الإبدال كثير أيضاً في لغتنا عند سلفنا مثل وهف النصراني ووقف. الهرطمان والقرطمان، راس هنادل وقنادل. أنهار انهيار وانقار انقيارا. هرهر الرجل وقرقر. والشواهد كثيرة فنستنتج من هذا كله أن من قال الهرنوي بالياء المشدودة هو خطأ والصواب الهرنوي بالقصر لأنها لغة في الهرنوة وهي القرنوة. فأنظر بعد هذا إلى ما فعل إهمال تنقيط الياء أو تنقيطها.
12 -
وجدنا في هذا السفر الجليل بعض تعابير لا تصلح لأن تكون في جانب تعابير الأغاني. تلك التعابير السلسة المتدفقة رطوبة وعذوبة، قال أحدهم في التصدير في ص51 (ووضعن الزيادات التي استحسنا وضعها عن إحدى
نسخ الأغاني أو عن كتاب آخر بين قوسين مربعين هكذا []) اهـ. وقد تكرر مثل هذا الكلام مرارا في الحواشي كقوله في حاشية
ص163: الجملة الموضوعة بين هذين القوسين المربعين. . .) قلنا ما كنا نتصور أن أحد من أهل هذا القصر يقول مثل هذا القول: (قوس مربع) لأن الخط أن كان قوسا فليس بمربع. وأن كان مربع فكيف يكون قوسا. وهذا يشبه من يقول دائرة مربعة أو مربع مستدير. كل ذلك من المحاليات والعلامة التي يشير إليها تسمى (العضادتان) لأنها على شكل عضادتين.
وقد يأتي أصحاب الحاشية بآراء هي اقرب إلى آراء الأطفال منها إلى آراء الرجال. فقد قالوا مثلا في حاشية ص 55 في أصل البريد: أنه عربي. . . وذهب آخرون إلى أنه فارسي معرب. . . وأن اصله (بريده دم) ومعناه مقصوص الذنب. . . إلى آخر ما نقوله عن ابن الأثير.
قلنا: يا سادتي أن مثل هذه الآراء المضحكة لم يبقى لها محل اليوم والبريد على رأي المشاهير في عهدنا معرب الرومية ويراد به (فرس الحمل أو حصان النقل). إذ ينقل عليه أثقال البريد. والكلمة مركبة عندهم من حرفين معناهما (جار عجلة الحمل) - لأن الرومان كانوا ينقلون بريدهم - إذا كثرت منقولاته - على عجل تجرها الخيل فأين هذا من ذلك.
40 -
النهضة العراقية
جريدة يومية سياسية لسان حال حزب النهضة العراقية، تصدر موقتا في أيام الأربعاء والجمعة والاثنين (كذا بتأخير الاثنين) في بغداد، بدل اشتراكها في بغداد 20 ربية وفي الخارج 28 ربية.
ظهر العدد الأول من هذه الصفحة نهار الأربعاء 10 آب من هذه السنة الموافق ل11 صفر من سنة 1326 - وأول مقالة وردت فيها عنوانها (العهد الجديد) ولم نجد فيها ما يعرفنا بخطتها ومنهجها ومحور أبحاثها. ومقالاتها الأولى كتبت بقلم غط في مداد من نار لأمن حبر وهي حسنة العبارات محكمة الرصف، ولسانها لسان حزب النهضة العراقية أي حزب الشيعة الإمامية. والظاهر من نسق إصلاحها أنها تريده بأقوى الوسائل. فعسى أن يكون رائدها الحلم وقائدها الحكمة لتبلغ إلى مرماها بلوغا أمينا