الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنوز أور الكلدان
من صنع الصاغة قبل 5500 سنة
ختمت لجنتا المتحفة الإنكليزية ومتحفة كلية بنسلفانية المشتركتان شغلهما في 19 شباط سنة 1927م وأجبرتنا خيبة الأمل لقلة رأس مالنا على أن نختم أشغالنا قبل الأوان: ولكن مع كل ذلك قد حصلنا على لقى مفيدة وثمينة جداً. وكنا قد ابتدأنا بالشغل في شهر شباط إلى أن ختمناه في حفر القبور التي كنت قد تكلمت عنها في تقريري الآخر (راجع لغة العرب 4: 567)
وكلما أوغلنا في حفر التل تبين لنا أولاً أننا على أثر قسم من المقبرة التي فيها لقى ثمينة ثانياً تبين لنا أننا على أثر ثلاثة عصور مختلفة ممثلة في أرض محفوظة أحسن مما كنا قد عثرنا عليه قبلاً.
وعلى الوجه الأعلى، قبور - لو لم تكن عديدة - لأرخناها إلى نحو سنة 2600 قبل المسيح. والدليل على هذا التاريخ أننا وجدنا في قبرين من هذه القبور ختوماً بشكل أسطوانات محفورة وعليها أسامي آل بِنَت (سرجون) الأكدي وكانت تعد كاهنة كبيرة للقمر الإله في أور، وكانت هذه المرأة قد أهدت إلى هيكل تِنْجل نقشاً على الهَيْصَميّ كنا قد استخرجناه السنة الماضية. وتحت هذه القبور وجدنا غيرها تشابهها. بل أقدم منها، وكانت الأموات في ذلك العصر توضع في تابوت محوك من الخوص أو توضع الجثث في حفر مغشاة صفحاتها بالبواري، فيكون الدفن أبسط مما ذكرنا. والأشياء التي عثرنا عليها في القبور السفلى تختلف عن الأشياء التي عثرنا عليها في القبور العليا.
وفي هذه الطبقة عثرنا على مستند تاريخي مهم هو في الدرجة الأولى وهذا المستند هو أسطوانة صغيرة من اللازورد كانت خاتم (نِنْ كُرْنِنْ) امرأة (مُسَتَبدَّا)
مؤسس أول دولة في أور وكنا قد عثرنا قبل ثلاث سنين على رقم التأسيس والختم الذهبي الذي كان ل (آني بَدَّا) الملك الثاني من هذه السلسلة الملكية حينما كنا نحفر في تل العبيد، وهذه اللقية مكنتنا من أن نرد إلى التاريخ سلسلة ملكية كانت تعد غالباً خيالية واليوم في يدنا دليل حقيقي على أن أبا (آني بدا) وجد وجوداً لا شكك فيه. وفي هذه الطبقة نفسها تأكدنا اللقى التي عثرنا عليها
وهذه الأسطوانة تخص نهاية سلسلة هؤلاء الملوك. وتاريخ القبور يقع بين سنة 3200 وسنة 3100ق م.
طبقة ثمينة
وتحت هذه القبور طبقة فارغة ووراءها عدة قبور مختلفة أقدم من القبور السالفة. وأثمن منها: إذ وجدنا فيها رقماً من الطين عليها كتابة أقرب من الصور وختوماً محفورة عليها أسامي بعض ملوك غير معروفين في أي تاريخ كان وفي الفرق بين الطبقة الواحدة والطبقة الأخرى وتغيير الكتابة دليل على أن مدة طويلة من الزمن جرت بينهما. والقبور السفلى أقدم من القبور العليا ولذلك يمكننا أن نؤرخ القبور السفلى ب3500 ق م. وكفانا دليلاً على غناها أننا حفرنا مدة ثلاث أسابيع ولم يمض يوم منها إلَاّ وجدنا فيه عروضاً ذهبية.
واليوم كلما نتكلم عن قبور ثمينة يخطر ببالنا اللقى العجيبة التي وجدت في قبر (توت أنخ آمن) وليس ممكناً أن يستخرج من العراق قبور تحتوي أثاثاً كالأثاث الذي وجد في الغرف التي كشفت في طيوة وكلت من الجر وقد سلمت من عوادي الزمن، أو في القبور التي نعثر عليها في العراق فكانت جميع التقادم التي توضع مع الميت في قبره تلف بين باريتين مفروشتين ثم يكوم التراب عليها، والنتيجة التي لا مفر منها هي أن هذا العمل يتلف البواري. وقد فتت الفعل الكيماوي المتولد من الملح والرطوبة في مدة ألوف من السنين العروض الموضوعة الفضة والنحاس بل الحجر نفسه لم ينج دائماً من البلى. اللهم إلَاّ الذهب فأنه قاوم الفعل الكيماوي فسلم من الاضمحلال، وإذا قابلنا هذه القبور بقبور
مصر نكون غير منصفين إلا أنه يجوز لنا أن نقول أننا وجدنا بين هذه البقايا بعض العروض لا تسبق كنوز (توت أنخ آمن) بألفي سنة بل تناظرها مهارة وحرفة وفناً.
وأهم ما عثرنا عليه قطعة مرصعة عليها ثماني قطع من الصدف: أربع منها مزخرفة برسوم مخططة والأربع الأخرى محفورة بكل دقة وعليها صور حيوانات والخطوط المحفورة محشوة ألواناً والحيوانات ملونة بالأسود وأرضها حمراء ويحيط بالصدف خط دقيق من حجر الكلس الأحمر وخط من حجر اللازورد ووجدنا أيضاً قطعة أخرى مشغولة أكثر إلَاّ أنها دون الأولى فناً. ويمكننا أن نعدها مائدة ملكية للقمار وعليها عشرون صدفة
ورسوم كلها خطوط والخطوط محشوة معجونا أحمر ولازورد ويحيط بالخطوط لازورد وعاج وصدف وقد استخرجنا هذه القطعة من أقدم القبور.
لقبة الموسم
عثرنا عن أثمن قبر في أواخر موسم شغلنا ولما أردنا أن نحفره اضطررنا إلى أن نبقي عشرة عملة بعد ما كنا قد صرفنا زملاءهم وعلى عمق ثماني عشرة قدماً عثرنا على كنز من مواد نحاسية وعلى أسلحة موضوعة بين خطين أبيضين رقيقين يدلاننا على أثر البواري، ووجدنا هناك طوائف (طقوما) كاملة من أقلام الحفر (أزاميل) وحزماً ثقيلة من نصول الرماح ومعها قلما حفر (ازميلان) ونصل رمح من الذهب الخالص.
فتتبعنا أثر البواري فوق فسحة أكبر مما كنا قد حفرنا إلى الآن فعثرنا في أثناء الحفر على مقدار كبير من الأسلحة النحاسية وأكثر فأكثر من الرماح ووجدنا من السهام ما يملأ كنائن ووجدنا أيضاً رؤوس رماح وصولجاناً ورؤوس فؤوس وقطعاً من القسي وغيرها من العروض التي لم نتمكن من تحقيقها. ثم وجدنا مبعثراً في الأرض خرزاً وقلائد من الحجر الكريم المصقول كالياقوت واللازورد وذهباً، وبعض هذه القلائد مصنوعة صنعاً فاخراً، ووجدنا أيضاً رباطاً من ذهب لربط القوس وقدوماً من ذهب مصمت يدها من خشب مطلية بجص أحمر ومربوطة بذهب رقيق. ووجدنا في آخر الأمر على حدة وشاحاً من فضة ومعلقة به علبة من ذهب للحلي والعلبة مزخرفة ومخرمة. ووجدنا فيها منتاشاً (ملقط شعر صغير) على حاله وملعقة وخنجراً صغيراً. وكل هذه العروض من ذهب معلقة بخاتم من الفضة، ووجدنا أيضاً خنجراً آخر وهو لقية الموسم، مقبضه قطعة من لازورد مشبع اللون، وهو مرصع بالذهب، ونصله من ذهب مصقول، وغمده من ذهب مصمت، وخلف الغمد ساذج أو قل فيه خطان من الخرز البسيط، ووجهه قطعة من نقش مشبك. وهذا الخنجر باق على حالته الأصلية ولما أخرجناه من مدفنه - وكنا نخرجه رويداً رويدا - كان ذلك أحسن مكافأة لنا في هذا الفصل من السنة ولما بذلنا من الجد والسعي، ولو استخرج هذا الخنجر في أي عصر كان، لتعجبنا من مهارة صناعته وصياغته فكيف لا نتعجب حين نعلم أنه صنع قبل 550 سنة؟ فهو بلا شك من أقدم نموذج من الصياغة.
سي لنرد وولي