الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السليفانية
-
زارني في اليوم 17 من شهر آذار من سنة 1918 رجل غريب الصورة واللباس وجرى لي معه حديث يفيد من يحب الوقوف على أحوال الناس وأخلاقهم وأجيالهم. وأنا اكتب هنا ما دار بيني وبينه من الكلام:
الغريب: جئت لا تعرف بك لأني سمعت باسمك فاشتقت إلى مجالستك.
هل يمكنني أن اعرف اسمك ومقدمك وقومك؟
غ - اسمي جتو بن حمو، كردي من السليفانية وقد قدمت إلى هذه الديار للبيع والشراء. وأجبرني الشرطي على مواجهة المس بل وهي التي أرسلتني إليك من بعد أن كلمتني نحو ساعة وسألتني أسئلة مختلفة لتقف على كنهي وسبب وجودي هنا؛ ثم قالت لي اذهب إلى الأب انستاس مع هذا الرجل وهكذا اهتديت إليك وإلى مقرك.
أن كنت كرديا فكيف تتكلم العربية؟
غ - معاطاتي لأشغال البيع والشراء أدت بي إلى الذهاب إلى الموصل وأنحائها وتعلمت بعض العربية وبعض التلكيفية.
أين موقع بلادكم؟
غ - نحن في سهل محاط بالجبال وهذا السهل يمتد من السميل (وزان قبيط) إلى بيشابور، أو أن شئت فقل: من (ثم الكلي) - (وهو مبدأ الطريق من زاخو أو الجزيرة (جزيرة عمر) إلى الموصل). و (ثم الكلي) واد واسع اتخذ طريقا لأصحاب القوافل.
- كم عدد قراكم ونفوسكم؟
غ - تبلغ قرانا اكثر من مائة. وعدد أهل القرية الواحدة يختلف بين 20 إلى 40 إلى 60 نسمة فيكون مجمل نفوسنا يتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف نسمة.
- ما لغتكم؟
غ - الكردية. وكثير منا يعرف العربية وربما وجد بيننا من يعرف قليلا من السريانية العامية.
- ما ديانتكم؟
غ - الإسلام وجميعنا سنيون على مذهب أبي حنيفة.
- ما صناعتكم؟
غ - الزراعة ورعاية المواشي. ونزرع الحنطة والشعير والرز والسمسم والدخن والماش والعدس إلى غيرها.
- هل انتم من اصل كردي صميم؟
غ - أني سمعت أقوالا متضاربة في أصلنا. فقد سمعت جدي يقول انه سمع من والده ووالده نقل عما سمع عن شيوخ كثيرين: أن أصلنا نصارى ولسنا من أهالي هذه البلاد، بل جئنا إليها من أنحاء ديار الشام ولهذا ترى في دم بعضنا الدم العربي وفي آخرين الدم الإفرنجي وفي كثيرين الدم الكردي وفي جماعة الدم الكلداني. فنحن خليط من عناصر شتى كنا في الأصل نصارى ثم اهتدينا إلى الإسلام قبل نحو ثلاثمائة أو أربعمائة سنة حين تسلط الأتراك على هذه الديار.
هل بينكم نصارى؟
غ - من يقل (سليفاني) ينف عن نفسه أي دين كان والحمد لله إلا انك ترى في جوارنا نصارى عديدين لكنهم لا يسكنون قرانا. فأهل بيشابور نصارى كلدان وكذلك ترى نصارى كثيرين في زاخو والجزيرة وهم يترددون إلينا ثم يرجعون إلى مواطنهم.
أرى ملبوسكم لا يشبه ملبوس سائر الناس. فما أسماء ملابسكم هذه؟
غ - ملبوسنا يسمى الشل والشبك. أما الشل فهو هذا الذي نلبسه على قسم جسدنا الأعلى. وهو يشبه الستري ينحدر من الكتفين إلى الحقوين. وأما الشبك (وتلفظ بشين مثلثة مفتوحة وباء مثلثة تحتية أو باء فارسية مشدودة مضمومة وفي الآخر كاف) فهو نوع من السروال الواسع عريض الأسفل من جهة الرجلين وكل من الشل والشبك متخذ من
الصوف الخالص ومن عمل ايدينا؛ لاننا لا نشتري شيئا غريبا يدخل في لباسنا ولابد من الصوف لان بلادنا باردة - ونلبس في راسنا الطاقية وهي كما تراها (راجع وصفها في مجلتنا 2: 282 وما يليها) ونلف عليها اليشماغ (راجع مجلتنا 2: 508 وما يليها).
أما كبارنا فيشدون العقل برؤوسهم (واحدها عقال) وبأرجلهم يلبسون الأحذية. ومنهم من يحتذي الجاروخ (راجع لغة العرب 3: 237) ويسميه بعضهم كالك أما الحذاء فاسمه
عندنا بيلاف ونساؤنا يلبسن ثياب سائر الكرديات.
- هل عندكم من يتعاطى قطع الطرق أو ما كان من هذا القبيل؟
غ - الأشرار موجودون في كل بلد وأمة. فقد قتل واحد منا عدة رجال في ليلة عرس قبل نحو خمس سنوات.
- هل عندكم من يحسن القراءة والكتابة؟
غ - ربما وجد واحد أو اثنان في القرية الواحدة. والآن تهتم الحكومة بفتح المدارس لتعميم العلم في القرى الكبيرة.
هذا معظم ما استفدته من جتو بن حمو. وفي هذه الأيام تعرفت بنصراني كان يتعاطى البيع والشراء مع هذا الجيل فسألته مثل هذه الأسئلة لأرى موقعها من الصحة فلم أر فرقا بين ما سمعت من السليفاني وبين ما سمعت من النصراني ثم ذكر لي هذا الأخير أن السليفانية قد يقطعون الطرق إذا ضاقت بهم الحال. فقد قتلوا قصابين نصرانيين صبيا وأباه سنة 1919 ليأخذوا ما عليهما من الدراهم وكانت شيئا كثيرا إذ ذهبا إلى ديار السليفانية ليشتريا بقرا وغنما.
وهم كثيرا ما يتعرضون للذين يترددون بين زاخو والسميل في مكان يعرف باسم (مروني) فقد سلبوا قافلة نصرانية من تلكيف. وكان اسم السارق الكبير أو اسم العقيد (عبوش بن عبدي غزالة) وكان اسم رئيس القافلة (كرومي جبو) فشكاهم وحصل ماله كله. وهجم عسكر الحكومة العراقية على بيت عبوش فهرب هذا بعيدا عن دياره مدة خمس سنوات وبيعت جميع عروضه في أسواق زاخو.
وفي سنة 1925 قتلوا مسيحيا بين (قرقورة) وبين (بات القوس) - لان النصراني أبى أن يبيع ثيابا (أقمشة) بالدين. ويسمون هذا النوع من الثياب بروك
رأينا في أصلهم
قول جتو أن اصل جيله خليط من نصارى عرب ومن دخلاء الإفرنج قول يؤيده معنى كلمة سليفانية. فهي عندنا منسوبة إلى سليفانا وهي تصحيف صليفانا ومعناها في اللغة الارمية الصليبي لان الباء تلفظ في لسان الكرد قاء مثلثة كالحرف الإفرنجي ولهذا نعتقد بصحة قول الرجل أي أن اصل جيله من النصارى أو انهم طائفة من (الصليب) وهم بقايا
من عرب سورية كانوا نصارى في الأصل ثم نكبوا نكبات شتى فأقاموا في البادية وانضم إليهم إفناء بعض القبائل الأخرى أو بعض نفايات الإفرنج فصاروا إلى ما هم عليه اليوم، فاسمهم يدل علمانهم كانوا نصارى في القديم.
الابلة
الابلة: (بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى، في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. وهي اقدم من البصرة، لان البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب (رض) وكانت الابلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى وقائد) (ياقوت)
والاسم قديم كان معروفا في المائة الرابعة قبل المسيح، وقد ذكره نيارخس الرحالة بصورة ابلجس وقد ذكر عن هذه المدينة أنها مستودع بياعات خليج فارس: وقد وهم ارتليوس في ظنه أنها (تردن أو تردم أو تدمر) أي البصرة في هذا العهد.