الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صروف
تأمين عميد (المقتطف)
نظمت هذه القصيدة الجامعة تلبية لدعوى لجنة التأبين العامة في القاهرة لتنشد في حفلة الذكرى الكبرى:
كونت البابا وسست عقولا
…
فتلق أنت وفاءها المعقولا
ودرست فلسفة (الحياة) وزدتها
…
شرحا، فحي بيانها المأهولا
في العيش مثل الموت عمرك هكذا
…
عمر يزيد على التألق طولا
إن أنس لا انس الوداع وحرقة
…
في النفس أورثت الجنان ذهولا
فسخطت من غدر (الطبيعة) ناسيا
…
سنن (الطبيعة) والحياة الأولى
صفحا، فقدرك في مقام تجلتي
…
أبدا، ولن يلقى لدي أفولا
وأنا الذي ناجاك طول حياته
…
وقد انتقلت ولم أزل مشغولا
بالأمس حيرني الفراق وهدني
…
واليوم تلهمني الصواب حلولا
فأراك في هذا الوجود أشعة
…
وعقيدة ومآثرا وميولا
صور تبين لباحث متبصر
…
وتعاف من خذل الحياة جهولا
(صروف) والدنيا حديث ضيافة
…
قد كنت للبذل العظيم رسولا
منح من الآداب والعلم الذي
…
ترك الوجود مهذبا مصقولا
دعني أحدث عن خلالك أولا
…
فالمرء كان يخلقه مكفولا
لا خير في أدب لمن لم يتخذ
…
من طبعه طبعا ومنه أصولا
وحييت أنت بنهج خلقك مؤمنا
…
وعرفت للقول السديد فعولا
فسكنت في برج الجلال مؤهلا
…
ورقيت إيمانا، وجزت فحولا
خلق ينم عن الأزاهر للنهى
…
عزما، ولكن لا يصيب ذبولا
يفتر بالإخلاص في إحسانه
…
فندوم نعشق حسنه المبذولا
جم التواضع في كرامة عالم
…
تخذ التواضع ستره المقبولا
مبتسم لجليسه في هزة
…
تسقى الحديث مرنقا معسولا
شم الخلال وديعة وكريمة
…
مثل الجبال إذا انحدرن سهولا!
مثل الطبيعة في تبسط لطفها
…
نشرت على بسط المروج غسولا
وحبت مجملة الثمار شهية
…
عرضا ولم تترك لنا مأمولا
كان المحدث لا يمل إطالة
…
وعصمت من طبع يعد ملولا
كالنبع جياشا بمتعة عاشق
…
لحديثه، أو كالبواسق طولا
تحنو على النظار عند تأمل
…
وتجيب ما بقي السؤال سؤولا
لم ينسك المال الذي أحرزته
…
بالفضل حقا للورى مجهولا
فوضعت مالك جنب علمك نفحة
…
للناس في صحف وقين نحولا
وجعلتها مثل الزكاة سخية
…
تحيي مواتا أو تعيد طلولا
ما كنت في هذي الحياة ممثلا
…
بل كنت من وضع الفخار فصولا
خمسون عاما بل أجل بذلتها
…
بذل الكواكب نورها المسؤولا
ما بين معركة وبين سكينة
…
تركت بشتاتك العدو خجولا
وكسبت بالإخلاص كل مكرم
…
شيم الرجال عقيدة وميولا
درر من الأخلاق كانت ثروة
…
كبرى ولم تسب الورى لتحولا!
(صروف) ما فينا المعزي: كلنا
…
فقد العزاء ودمعه المطلولا
عشت (المسيح) لنا، وكنا كلنا
…
رسلا، ودمت على الهدى مجبولا
وشكرتنا قبل الوداع، ولم يكن
…
شكر الوداع بظننا (اليوبيلا)
هذي صحائفك اليتيمة لم تجد
…
شرفا تخص بها وكنت بخيلا
عصمتك أحكام العلوم من الهدى
…
وحبتك من حسب الجنان أثيلا
نقبت في الأجيال عن أسرارها
…
ونشرتها جيلا لديك فجيلا
لا (آدم) المأثور صدك عن هدى
…
بحثا، ولا أغني اليقين فتيلا
من كل (مقتطف) تنوع بحثه
…
وتوحدت أبحاثه تنزيلا
من كل سفر حجة بفنونه
…
ما فيه فن قد يراك دخيلا
ما كان منطقك الحكيم مسخرا
…
للوهم مهما سامنا تقتيلا
هيهات يذعن للمظاهر وحدها
…
ولكم أقام على الدليل دليلا!
علم وفلسفة وفن سائغ
…
حولتها لنعيمنا تحويلا
بعبارة خلابة غلابة
…
تروي المدارك كوثرا وشمولا
وتبحر يعيا الجريء بجهده
…
ما فات للبحث الجريء سبيلا
في دورة الأفلاك أو بطن الثرى
…
أو عالم الأحلام كان نزيلا
لا شيء يحسبه الحقير وإنما
…
وجد الوجود بما حواه جليلا
فيرتل الآيات ملء بلاغة
…
تستأهل الإصغاء والترتيلا
داع إلى أقصى التأمل مثلما
…
جعل التفاؤل للحياة دليلا
وإذا الحياة كبت فذاك لأنها
…
فقدت قبيل عثورها التأميلا
عشرات آلاف الصحائف قد شدت
…
بحجاك واستبقت حجاك زميلا
آراء جبار وحكمة كاهن
…
وكتاب إعجاز يشع مديلا
نظرت له (الأحقاب) من أسفارها
…
في حيرة مما وصفن رحيلا
فكأنما قد كنت مصاحبا
…
أسفارها فرسمتها تحليلا!
ومفاخر (الآثار) وهي شهيدة
…
فخرت بعلمك موئلا ومقيلا
ومظاهر (العمران) وهي كثيرة
…
في (الشرق) لم تعدم لديك خليلا
و (الفكر) وهو لنا قوام حضارة
…
بجلته حتى استعز نبيلا
لم تلقه عرضا، ولم تأنس به
…
طمعا، ولم تبذل له تطفيلا
بل كنت ملجأه الحصين ومبعثا
…
للنور في بلد أسيء طويلا
تغذوه بالذهن البصير مصارحا
…
للحق لا تتصيد التهليلا
متتبعا نهج الصواب، مجافيا
…
نهج الغلو، وإن أصبت قليلا
حتى تركت مني (الحقيقة) وحدها
…
تهدي لرأسك شكرها إكليلا
ما ضر مثلك أن يخص بحبها
…
لو فات من حب الأنام قبيلا
لكن ظفرت بحبها وبحبنا
…
وعدمت في القدر الأعز مثيلا
من عهد (إسماعيل) في إجلاله
…
مسعاك زدت بشبل (إسماعيلا)
وطويت عمرك دون من أو منى
…
إلا الوفاء لما غرست ظليلا!
يا ابن (الصحافة) ثم شيخ قضاتها
…
والمحسن التبيين والتدليلا
ومعلما بشبابه ومشيبه
…
تسمو بسيرته الأيادي الطولى
(لبنان)(كالحدث) الذي ولدت به
…
هذي الشمائل لا يباهي (النيلا)
كلا ولا (بردى) ولا (الدنيا) التي
…
أمتعتها مما منحت جزيلا
إن أنت إلا عالمي: مهده
…
كل (الوجود) فلم يعش مغلولا
بل كان أهلا للبرية كلها
…
لا يعرف الإيثار والتفضيلا
إلا الرعاية للفقير المجتبي
…
جدواه، لا يبقى بها مخذولا
كم أمة هذبتها ووهبتها
…
محض الشهاد وزدتها تأهيلا
فإذا انتسبت فما انتسبت حقيقة
…
إلا لفضل لم يكن مجهولا
أما الممالك والعباد فإنهم
…
عرفوك - جمعا - فاتحا ورسولا
كل يراك زعيمه وصديقه
…
ومواطنا وسلاحه المسلولا
وأرى خيالك ما يزال عزيزهم
…
يأبى عن النهج القويم مميلا
متمثلا في همهم وشؤونهم
…
فيحل معضلة ويصلح قيلا
وبريق عينيه يشف كعزمه
…
عن حد ذهن لن يموت قليلا
وجبينه الوقاد مطلع نورهم
…
وجلالة حفظوا لها التكليلا
أعددت ثورات وقدت كتائبا
…
للرأي ثم نصرتها موصولا
ما خانك الإقدام يوما والالى
…
عشقوك إن خان الزمان ذليلا
فبلغت مجدك بالمواهب وحدها
…
تقتاد شبانا بها وكهولا
أين الذين يتابعونك حاملا
…
علم الشباب فيزدهي محمولا؟!
ما كنت تغفل جهدنا وحقوقه
…
بل كنت ترعى حرمة وأصولا
وتشجع البطل الصغير ليعتلي
…
وتصغر الرجل الحسود مهولا
لك في دمي حق الوفاء فخلني
…
أحيي كما يرضى الوفاء جميلا
كرمت لي أدبا كأنك موجدي
…
أو عشت للأدب الجديد كفيلا
في جم إخلاص وجم صراحة
…
لا تقبل التغرير والتمثيلا
ولكم تحكم جاهل أو عابث
…
ومن المصائب أن نطيع كليلا
و (الجهل) في دست الزعامة نكبة
…
لن تنمحي عذرا ولا تأويلا
تخذ (الصحافة) للمهازل مهنة
…
فأثار داء في النفوس وبيلا
فمحرما طورا زهور مؤلف
…
ومحاربا همم الشباب عجولا
ومرتلا آنا مديح نقائص
…
لولا المدائح لم تكن لتجولا
قد كنت عونا (للنبوغ) وطالما
…
أردى (النبوغ) الحاسدوه قتيلا
أبكيت في شعري، وفي نثري، وفي
…
فكري، كما أبكي الرياض حيولا
وأكفكف العبرات، لكن شأنها
…
باق، فدمعي لن يزال همولا
ومن المدامع ظاهر ومحجب
…
ما كل وجه نائح مبلولا!
تجري الدموع الخافيات بخاطري
…
وبكل إحساسي هوى مبذولا
وتفيض من قلمي فأنظم هكذا
…
هذا النظيم عواطفا متبولا
وأؤبن (الفضل) الذي لإبائه
…
لا فاضلا نلقى ولا مفضولا!
والآن هل تكفي شؤون يراعتي؟
…
حبس العواطف قد يكون قتولا!
هيهات تكفي!. . فالنظيم وحرقتي
…
يتبادلان مناحة وعويلا
أرثي فأرثي فبك أنفس ما ارتقي
…
ذهني وأحلامي له تبجيلا
من بهجة (الإنسان) في استعلائه
…
خلقا وفكرا مسعفا وجميلا
ومن انتهاء (العبقرية) و (الحجى)
…
لنهاية تستوجب التنزيلا!
ومن (التسامح) في الحياة وقلما
…
عرف (التسامح) في الحياة خليلا
أسفي على هذا الفراق وإن يعد
…
هذا (النبوغ) مجددا تشكيلا
وأقلب الطرف الحزين فما أرى
…
إلا الورى والموت والترميلا
يا جنة (الفيوم) كيف، جزيتنا
…
نارا وجزنا فادحا وثقيلا؟!
قد راح يلتمس الشفاء فخنته
…
كم كان روضك مليلا
أسفي! أجل أسفي يدوم فلا تطل
…
عتبا علي فلم تكن لتطيلا
ما فاتني قبل (التفاؤل) هكذا
…
أو كنت أشعر بالحياة ذليلا
ولقد بدأت إلى (العلى) مستغفرا
…
ثم انتهيت إلى الشجون عليلا
عبثا أحاول أن أهدي لوعتي
…
هيهات أشفي للدموع غليلا
سخطي على (الدنيا) وأقبح هزلها
…
سخط يثير تأججا وصليلا
وأنا الذي يا طالما غازلتها
…
طربا، وكنت لها كذاك وصولا
مرت شرابا بعد حلو مذاقها
…
وجنت على أشهى الثمار أصيلا
لم أشك قبلك من يقيني هكذا
…
وكأنما صار (اليقين) مهيلا
وكأنما هذا (الوجود) بأنسه
…
أمسى بداجية المصاب محيلا!
لم لا أنوح في رثائك حسرة
…
أرثي لها نفسي وأرثي الجيلا؟!
ما كنت أجزع (للممات) وإن قسا
…
حتى رحلت فسامني تذليلا
أرثي العصامي العظيم المبتني
…
مثل (الثبات) لمن يهون ملولا
أرثي (الخلود). . . وما (الخلود) بدائم
…
في صورة، بل يتبع التعديلا
ما بين إيمان به وبضده
…
كم نتعب التفسير والتعليلا
رثي وأبكي والأنام جميعهم
…
كالنبت يهضمه الزمان أكولا
الفيلسوف كجاهل، وكلاهما
…
يفني، وما أعرف الممات ذهولا
وقليل ثأري أن مثلك فقده
…
جعل (القضاء) المستعز خجولا!
وعظيم صبري أن وحيك ملهمي
…
صبرا، وعلمك لم يزل منقولا
(سقراط) قبلك (والمسيح) كلاهما
…
ضحكا من (الموت) الخؤون مهولا
وضحكت أنت من الأساة معزيا
…
همما تناجيك المدى وعقولا!
الإسكندرية: 28 يوليو سنة 1927م
أحمد زكي أبو شادي
(لغة العرب) من وقف على هذه القصيدة العامرة الأبيات، البديعة المعاني الأخذة بالألباب، يتصور أن لآلئها رصفت في عدة أشهر. والذي أعلمنا به أحد الثقات أن صاحبها ابتدعها في ساعات مرت بين 27 و28 تموز (يوليو) في جلستين أو فكرتين لا غير.
ومما يجب أن تنتبه له هو أنك لا ترى في جميع أبياتها خيالا كاذبا، أو تصويرا وهميا، بل تلقى الحقيقة مبثوثة في ثنايا كلمها بثا عجيبا، وإن قيل لنا أن في وادي النيل شعراء ينظمون الشعر نظما رقيقا؛ قلنا لهم: ليس في ذلك النظيم إحساس كما في هذه الأبيات. ولا تحبس أوتار القلب كما يجسها أبو شادي، فلقد ثقل طبه للأجسام إلى عالم طب الأرواح فنبغ في الطبين النفسي والبدني. ولهذا لا نعجب من لطفي بك جمعة الأستاذ الكبير