الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المكاتبة والمذاكرة
نقد كتاب أعلام العراق
حضرة الأب أنستاس ماري الكرملي صاحب مجلة (لغة العرب) المحترم.
نشر صاحبنا الأثري كتابه (أعلام العراق) فاقتنيت منه نسخة فتصفحتها تصفحاً مجملاً عثر في أثنائه ناظري بهنوات جلى ولأني لم أحب أن أزعج صديقي وزميلي، تغافلت عن الكتابة راجياً أن يكفيني المؤونة غيري من أرباب الأقلام.
ومع مضي هذه المدة الطويلة لم أظفر بشيء مما كنت أريد أن يكتب اللهم إلا بضعة أسطر وجدتها منشورة في مجلتكم الغراء وإلا بضعة عشر سطراً نشرت في مجلة (المجمع العلمي) الموقر وكلا الانتقادين مجمل غير مفصل إذ قد تركا الإفصاح عن كثير من الخبايا التي فيها الجناية على التاريخ والافتئات على الحقيقة والاستخفاف بالقراء!
أما حضرتكم فعسى أن يكون لكم بعض العذر لالتزامكم خطة المسالمة وأما المجمع العلمي فلعله معذور أيضاً لأن الكتاب قدم إليه كهدية ومن شأن الهدية أن تقبل على علاتها!
على أن السطور التي نشرت في مجلة المجمع ضمنت مزاعم هي أحق بانتقاد وإن كان المجمع معذوراً من هذه الجهة أيضاً لبعد الدار الذي هو أكبر باعث على الاطمئنان إلى السماع وأكبر عائق على الإلمام بالحقائق.
ونحن نحاشي المجمع المبجل أن يكون سوقاً تعرض فيه السلع البالية وأن يكون، مسمعا بفتح ساحته لكل إذاعة، لا سيما أن الكلمات التي يكتبها المجمع في شأن شخص بمنزلة شهادة يتقبلها كثير من الغافلين عن العلم بأصول الجرح والتعديل فجدير بالمجمع أن يزن كلماته بدقة واعتناء كما توزن حبات الجواهر واليواقيت.
إن للانتقاد فوائد جمة منها ما يعود إلى المنتقد (بالفتح) ولا سيما المبتدئ فيتخذ من الانتقادات التي تنهال عليه حروزاً وتعاويذ تنفعه عند الدخول في بيداء تأليف آخر، ومنها ما يعود إلى القراء ولا سيما تلاميذ المدارس! إذ يغسل أدمغتهم مما علق بها من أوضار الخرافات والشعوذة.
فأرجو من حضرة الأب أن يفسح في مجلته لنشر ما كتبته من هذه العجالة ليستحق شكر
الحقيقة لا شكري.
محمود الملاح
كنت أود أن يكون انتقادي على طريقة التصفح للكتابة صفحة صفحة ولكن خفت أن يضيق صدر الوقت عن استيعاب ما ينجم عن هذه الطريقة لذلك عدلت إلى وضعه على هيئة مواد متسلسلة الأرقام ذكر في كل مادة نموذجاً لمدلول عنوانها.
وتحريت أن انصف المؤلف لينجلي الانتقاد بصفاء ونقاوة كيلا تضيع الحقيقة بين ثنيات الشخصيات والخروج عن الموضوع ولكيلا ينفتح باب التنابز والتراشق على مصراعيه ومن الله العون:
1 -
احتكار العنوان
إذا صح تشبيه عنوان الكتاب بنقطة مركزية تتوجه إليها جميع الخطوط فإنه ينبغي أن نوجه إلى عنوان كتاب (أعلام العراق) سهاماً نارية من الانتقاد بقدر تلك الخطوط! فإن كل مخلوق مستوي القامة سمع شيئاً عن العراق، يعلم أنه قطر واسع يشتمل على عدة مدن وأن هذه المدن تشتمل على عدة طوائف وأن كل طائفة تشتمل على أسر ممتازة وكل أسرة فيها رجال بارزون أما في العلم وأما في السياسة وأما في الثروة وأما في السلوك الحسن وهؤلاء الرجال كلهم جدير أن يستظل بلواء هذا العنوان فما بالهم أقصوا (وأقعدوا في الشمس) إلا الأسرة الآلوسية؟ وهكذا استأثر الأثري بثروة العنوان الجزيلة ووزعها على أحبابه ولكن سوف تظهر جناياته عليهم!
2 -
تحكيم العواطف في التاريخ
جدير بمن يعالج موضوعاً تاريخياً أن ينزع عواطفه ويلقيها جانباً فإذا فرغ من شأنه أمكنه استعادتها وارتداءها من جديد أي أن المؤرخ لا يؤرخ لنفسه بل
يؤرخ للناس فيجب أن يقف موقف الحياد ما دام القلم في يده لتخرج صحيفته نقية لا يشوبها شيء من ألوان العواطف ولا سيما العواطف التي تنغمر فيها الحقائق كالغلو والإغراق فيحتاج متتبع الحقيقة في ذلك الكتاب أن يكشط طبقة ثخينة من حراشف المبالغات حتى يتوصل إلى اللباب ولا يكاد.
قد يكون الأثري معذوراً في حشر الألقاب الضخمة إلى ساحة أستاذه لأن ثروة الميت إذا نمت زادت ثروة الوارث! ولكن - كما يقول المثل العراقي - (ما ها الثخن)!. .
نشارك الأثري في تعظيم أستاذه ولا نبخسه حقه ولكن لساننا يتلجلج بالبيت الذي خاطب به أستاذه في مرثيته ص208 وهو:
وأنت أنت الذي دانت لهيبته
…
قبائل العرب إذواء واقيالا
على منوال قول الشاعر:
وأنت أنت الذي حطت له قدم
…
في موضع يده الرحمن قد وضعا
ومعنى الإذواء والاقيال ملوك اليمن القدماء الذين انقرضوا قبل الإسلام ولم يبق في اليمن منهم باقية فهذا البيت لو لم ننظر إليه بعين العصر الحديث بل نظرنا إليه بعين العصور العريقة في الخرافات لما سلم من الانتقاد وذلك من خمسة وجوه:
(1)
- كيف سلم لي شيخه صولجان هذه الهيبة الخارقة؟
(2)
- هبه كان مالكاً لهذا الصولجان المذهب ولكن كيف تأتي أن يهابه أناس لم يعاصروه بل خلقوا قبله بخمسة عشر قرناً؟!
(3)
- أي نكته في تخصيصه قبائل العرب دون غيرهم وما علاقة ذلك في البلاغة؟
(4)
- أي نكته في تخصيصه الإذواء والاقيال الذين هم ملوك جزء من العرب دون غيرهم وما علاقة ذلك بالبلاغة؟
(5)
- كيف استساغ احتكار هذه الهيبة الخارقة في شيخه؟ كما يشعر بذلك تكرار (أنت) كما يقول بعضنا لبعض: أنت أنت الذي فعلت ذلك أي لا غيرك وأنا أنا الذي فعلت ذلك أي لا غيري.
ولو صح الاعتذار لاعتذرت عن الشاعر بأن حضرته ممن تتصرف فيهم
القافية أكثر مما يتصرفون هم فيها والدليل على ذلك استعماله ألفاظا مهجورة يمجها الذوق السليم كقوله (احطالاً) و (جئلالاً) و (أهبالاً) و (أهضالاً).
ولينظر القارئ ماذا ترك الشاعر لمحمد بن عبد الله وعمر بن الخطاب بعد مخاطبته شيخه بقوله هذا البيت؟:
وأنت أنت الذي بأسه ارتعدت
…
فرائض الكفر تشكو الدهر أوجالاً
وقبله:
وأنت أنت الذي قد كان (منتظراً)
…
فكم هديت إلى الإسلام ضلالاً
هكذا واضعاً كلمة (منتظر) بين قوسين!!! فهل في وسع المؤلف أن يذكر لنا كافراً واحداً اهتدى إلى الإسلام على يد شيخه؟
3 -
سوء الاختيار
لا يخفى أن المؤلف قصد من تأليفه الكتاب إلى التنويه بشأن هذه الأسرة المشهورة بالفضل وإن كان وراء هذا الغرض غرض آخر! - وهذه الأسرة لشهرتها لا تكاد تحتاج إلى مثل هذا الكتاب! ولكن لا أريد أن أناقشه من جهة ذوقه! أو ليس من أراد التنويه بشأن رجل عمد إلى أحسن ما يؤثر عنه؟.
ولكن صاحبنا الأثري لمّا أراد الإشارة بعلو كعب المرحوم السيد عبد الله الآلوسي في صناعة الإنشاء أختار له القطعة الآتية وهي قطعة نمقها في وصف مطر غزير وقع في بغداد وفيضان هائل في دجلة، ويغلب على الظن أن هذه القطعة حبرها السيد المذكور في مفتتح اشتغاله في الكتابة وذلك لما فيها من سذاجة في الذوق والاضطراب في التركيب كقوله في ص48 - 49:
(وشرع جنّي الليل يخوف صبي النهار) ومنها (وشرعت جواميس القفف تسبح شرعاً في اللجج وتنطح بقرون مغاريفها الأمواج) ومنها (وذهبت إلى دجلة ليشرب فم سمعي الخبر) وليس كل ما أمكن تنزيله على قواعد المجاز والاستعارة كان مقبولاً إذ لا يخفى أن هناك مناسبات واعتبارات ذوقية لا يجحدها من كان له بصر في هذه الصناعة.
وكقوله: (وبعد سويعة انتصرت لهم الغزالة ففتحت عينها بين أجفان السحاب) وهذه العبارة جميلة جداً لو لم يعطف عليها قوله: (وصرعتهم
بقرونها فمزقتهم كل ممزق) فكيف يأتلف انتصارها لهم وصرعها إياهم؟!! وفي وسع القارئ أن ينظر بقية العبارات هذا ما يقال من جهة الذوق والتركيب. أما ما يقال من جهة تطبيق المآل على الواقع فإنه إنما ذهب إلى دجلة ليشاهد بعينه لا ليسمع بإذنه كما يفهم من قوله (فرأيتها قد اغرورقت عينها من الفرح) فكيف قال (ليشرب فم سمعي الخبر) بل كان عليه أن يقول: (ليشرب فم عيني)
يتبع
محمود الملاح
نظرة في الجزء الثالث من المجلد الخامس من لغة العرب
في حاشية صفحة 153:
النرقيلة كلمة فارسية بمعنى الغرشة (الكاتب) والمشهور نارجيلة (ل. ع).
قلنا: النارجيلة كلمة مولدة وردت في لسان الأعراب المتأخرين وذكرها السيد محمد سعيد الحبوبي في مطلع أبيات له في وصفها وهو:
ونارجيلة تهدي بكف رشا
…
حلو الدلال رشيق القد مياس
ولم نر في كتب العرب المتأخرين وكتاباتهم كلمة نرقيلة (المصحفة)، ولعل الكاتب أخذها من أفواه العامة المعبرين عنها بالنركيلة.
وهذه الكلمة ليست فارسية (كما زعمه الكاتب) ولا يعرفها أحد من الفرس والفرس تقول (في التعبير عن النارجيلة)(قليان) ولعلو تصحيف غليان لأن له صوت يشبه غليان القدر.
وقال في السطر الثاني:
الكليتدار كلمة فارسية معربة. قلنا: إن الكلمة تكتب هكذا: كليددار لأن المفتاح عند الفرس كليد (بالدال) لا كليت.
وفي ص174 س: 23: مكاتبات الأخوان بالشعر.
قلت إن صاحب روضات الجنات كتب اسم هذا الكاتب (نقلاً عن وفيات الأعيان لأبن خلكان): مخاطبات الأخوان بالشعر.
وفي ص177 س2 هبة الدين الحسني. والصواب الحسيني لأن نسبه ينتهي إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. وتكرر هذا الاشتباه في السطر الرابع من الصفحة المذكورة.
محمد مهدي العلوي
(ل. ع) جوابنا على هذا النقد يكون في الجزء القادم لضيق المقام.