الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد لغوية
أفصح كلام العرب
يتولى تحرير الصحف والمجلات كتاب متفاوتو الدرجات في البلاغة والفصاحة، ومن الغريب أن فصحاء المنشئين قد يخطئون في ما يخطئون جريا على ما يرون أو يسمعون من أولئك الكتبة الضعفة. فلهذا أردنا أن نعقد فصلا نشير فيه إلى تلك الأوهام لئلا تسري إلى سائر الخاصة أو إلى الكتب. إذ بين أولئك السفرة رجال يعدون من الطبقة الأولى بين الناطقين بالضاد.
وقد وسمنا هذا الفصل (بأفصح كلام العرب) لأننا لا نريد أن نخطئ أحدا إذ كل خطأ في العربية قد يوجه فيخرج من وصفه بنعت يحط من صحته. فعندنا أن قام خالد وخالدا وخالد (أي بالضم والنصب والجر) ليس من الخطأ، إذ كل واحدة من هذه الحالات قد توجه فيقال: رفع خالد في الأول على الفاعلية ونصب في الثاني على تقدير قام رجل يسمى خالدا. وجر في الثالثة على تقدير قام رجل يعرف بخالد. ولقد ترى مثل هذه التوجيهات شيئا كثارا في كتب القوم من تفسير. وحديث. وأدب ودواوين شعر. ونحو. وفقه. وأصول.
ولهذا لا ننكر على أحد توجيه كلامه الضيف وإنما نريد أن نبين هنا الأفصح مما نطق به أبناء عدنان وما جاء مخالفا له لا يعد من طبقته.
1 -
محادثات مع. . .
رأينا أحد كبار الكتاب ينعت ما عربه من الفرنسية بقوله: (محادثات مع أناتول فرانس) فهذا التعبير وإن كان جائزا عند العوام ومن أخذ الطعم إلا أنه لا ينطق به فصيح: بل يقول: (محادثات أناتول فرانس) لأن المفاعلة لا تكون إلا مع ثان، فإنك لا تقول حادثت معه، بل حادثته، بيد أن قوله محادثات مع فلان هي بمعنى جرت معه، أو وقعت معه، على أن الأفصح هو ما أوردناه.
قال في تاج العروس في مادة ج هـ د في كلامه عن المجاهدة: قال شيخنا: والإتيان بمع فيه.
كما نصوا عليه. اه.
وهكذا القول في كل ما جاء على المفاعلة فإنه لا يرادف بمع بخلاف التفاعل فإنك تقول تحادث معه وتشارك معه وتحارب معه.
2 -
لم تأت (كذلك) بمعنى (أيضا)(ولا كذاك)
نشأت طبقة من الكتاب في هذه السنين الأخيرة وقد آلت على نفسها أن لا تستعمل في كلامها حرف (أيضا) اعتقادا منها أن الكلمة دخيلة في العربية أو أنها غير فصيحة. والحال أن الكلمة عربية صرفة وقد وردت في مصفاة أكابر اللغويين من أقدمين ومحدثين. ولا يجوز أبدا أن يستعمل في موطنها (كذلك) إذ معنى هذه اللفظة غير معنى تلك. فقولك (كذلك) كقولك (مثل ذلك) أو (مثل هذا) إلا إن هذا) للقريب و (ذلك) للبعيد.
ومنهم من لا يحب تكرير (كذلك) فيقول (كذاك) وهذه أقبح.
فاستمع ما يقول صاحب لسان العرب: (في حديث عمر: كذلك لا تذعروا علينا ابلنا، أي حسبكم، وتقديره: دع فعلك وأمرك كذاك، والكاف الأولى والآخرة زائدتان للتشبيه والخطاب. والاسم (إذا). واستعملوا الكلمة كلها استعمال الاسم الواحد في غير هذا المعنى، يقال: رجل كذلك أي خسيس. وأشتر لي غلاما ولا تشره كذلك. أي دنيئا. وقيل حقيقة كذاك أي مثل ذاك. ومعناه الزم ما أنت عليه ولا تتجاوزه. والكاف الأولى منصوبة الموضع بالفعل المضمر. وفي حديث بكر (رضه) يوم بدر: يا نبي الله كذاك، أي حسبك الدعاء، فإن الله منجز لك ما وعدك) اه كلام ابن مكرم.
وأما ورود (أيضا) في لسان العرب والقاموس والتاج والصحاح والصباح والمغرب وغيرها من كتب اللغة، فأكثر من أن يحصى. على إنا نسأل هؤلاء المتحذلقين أن يقولوا لنا كيف يسكبون هذه العبارة الواردة في لسان العرب عند محوهم للفظة (أيضا) وبدلهم أنا (بكذلك). ودونك العبارة منقولة عن مادة بيد، قال:(لان (أن) التي للإنكار مؤكدة موجبة. ونعم (أيضا كذلك) أو والتي بمعنى نعم (أيضا كذلك) اه. فكيف يفعلون وقد جعل المؤلف
الكلمتين الواحدة منها بجانب الأخرى مبينا أن معنى أيضا غير معنى كذلك، فنحن نتحداهم في إبدال (أيضا)(بكذلك) في هذه العبارة.
أما لفظة (أيضا) هي من اللاتينية من المضحكات. نعم إن الكلمة الأجنبية تفيد هذا المعنى،
لكن كيف أنتنا وفي أي عصر وكيف عربت؟ هذا كله من قبيل الأسرار الغامضة وهل من المحتمل أن تكون من تلك اللغة الغربية؟ - فهذا زعم باطل لأن الذي نقل عن الرومان ألفاظ فقهية أو اجتماعية أو سياسية. وليست (أيضا) من هذا الوادي.
والذي نص عليه اللسان هو ما يأتي: (آض يئيض أيضا: سار (كذا في الأصل المطبوع ونظنه (صار) ليتفق وما بعده ولأن صاحب القاموس والتاج والصحاح ذكروا صار من معاني آض ولم يذكروا سار. فليحتفظ به لتصحيح ما ورد في اللسان) وعاد وآض إلى أهله: رجع إليهم. قال ابن دريد: وفعلت كذا وكذا أيضا. من هذا أي رجعت إليه وعدت. وتقول أفعل ذلك أيضا، وهو مصدر آض يئيض أيضا أي رجع. فإذا قيل لك فعلت ذاك أيضا قلت: أكثرت من ايض، ودعني من ايض) اه - ومثل هذا أو يكاد في الصحاح والمصباح.
وفي اللغات الساميات ألفاظ مشتقة كلها من مثل معنى هذا الفعل فمنها من ثاب يثوب. ومنها من عاد يعود إلى غيرهما. فيقول الأرميون: (ثوبا) أو (عود) بمعنى العربية (أيضا). فكيف ينكرون عربية لفظتنا. وما هي أدلتهم؟ سامحهم الله!
3 -
خطأهم في المنسوب
ويكاد جميع الكتاب يخطئون في المنسوب المزيد على ثلاثة أحرف المنتهي بألف أو هاء. فيقولون مثلا فرنساوي وحباروي وجمادوي ومراموي في النسبة إلى فرنسة (أو فرنسا) وخباري وجمادى ومرامى وقد منع العرب ذلك وفصحاؤهم يقولون فرنسي وحباري وجمادي ومرامي فإن الألف أو الهاء تسقط إذا نسبت إلى مثل هذا الأسماء سواء كانت الألف أصلية أو زائدة للتأنيث أو غير التأنيث (راجع كتاب سيبويه طبع مصر 78: 2 وما على حاشيته لأبي سعيد في الصفحة المذكورة ولغة العرب 482: 4 وما يليها).
4 -
ليس فقط بل و. . .
ومما كثر فساده. وجل وروده في كلام المعاصرين من أرباب القلم قولهم (ليس فقط لم أرهم منافقين بل وأغلبهم. من مشاهير اللصوص.
فقولهم ليس فقط من سقيم النقل عن لغة الأعاجم:
وزادوا هذه الركة سقما إن زادوا وراء (بل) حرف العطف فقالوا (بل و. . .) وكل هذا التركيب تنفر منه نفس العربي الحر. والمشهور في مثل هذا الموطن قولهم: (لم أرهم منافقين فقط بل كذلك لصوصا وأغلبهم من مشاهير اللصوص) ومثل هذا الكلام ما جاء في كلام الجاحظ في البيان (9: 2 من مطبعة الخطيب)(ولم أرهم يذمون المتكلف للبلاغة فقط، بل كذلك يذمون المتظرف والمتكلف للغناء. . .)
وللعرب صيغة أخرى لمثل هذه الفكرة. وهي قولهم: رأيت أغلبهم من مشاهير اللصوص، فضلا عن أني رأيت أغلبهم من المنافقين: وهذا التركيب دور على ألسنتهم وهو أرشق قواما من الأول وإن لم يكن فيه قوة تلك العبارة.
قال في نشوار المحاضرة (62: 1): (وكان يتبعض عليها بالماء. فضلا عما سواه). وفي كتاب العمدة لابن رشيق (ص21): (وتناول (الأخطل) من أعراض المسلمين أشرفهم. ما لا ينجو مع مثله علوي. فضلا عن نصراني).
فقد رأيت من هذا أن الجمع بين ليس وفقط متجاورتين لم يرد في كلام أحد فصحائهم، وكذلك الجمع بين (بل والواو) متجاورتين.
تصحيح
نبهنا حضرة صديقنا عبد اللطيف ثنيان أن ما ذكرناه في ص119 سطر 14 (خلت البيوت) هو دون (خلت الرقاع) شهرة وإن كان ما وجهنا إليه النظر صحيح لا غبار عليه. وما ذهبنا إليه ص120 س11 بقولنا (بمسابلة الركبان) هو (بمساءلة الركبان) فنمحضه الشكر ونقر بضعفنا وخطأنا
(ل. ع.)