الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَوائِد لُغَوِيَّةُ
الشعري غير السكروتة
كتب إلينا أحد الأفاضل في حيدر آباد (الهند) يقول: قرأت في مجلة المرشد البغدادية (1: 312) سؤالاً أجاب عليه أمام أئمة العلماء في الشرق السيد هبة الدين الشهر ستاني ما هذا نصهما:
(س55. هل السكروتة ما يسمونها (بالستكروزة) من الدودة أم من نبات، وهل يحرم لبسها كالحرير للرجال أم لا؟
بيروت: عبد الحفيظ إبراهيم اللاذقي
ج. أن القطعة المرسلة طي الكتاب باسم (الستكروزة) هي من جنس ما نسميه في العراق باسم (الشعري) بفتح الشين المعجمة بعدها عين مهملة ساكنة ثم راء مهملة مكسورة تليها الياء الساكنة. وقد ثبت عندنا بشهادة الثقات من أهل الخبرة أن هذا النسيج معلوم الحال وليس مشكوكاً، ومادته نباتية غير حيوانية أي ليست من مقولة الحرير ولا من دودة القز؛ وإنما هي ألياف شجر يسمى (الجلجل) ويسمى (الكنف) في جيلان بإيران، حيث يزرع بها ويصنع من جيده
الملابس ومن رديه الحبال، وتكثر زراعته في الهند ويسمونه (السي) فبناء على ما ذكر لاباس على أحد في لبسه على الإطلاق. ويمتحن الشعري بإحراق شيء منه فأنه يختلف عن محروق الحرير في رائحته ورماده. آه)
فالان أحب أن أعرف: 1 - ما هذه اللفظة السكروزة التي سماها بعد ذلك ستكروزة 2 - وهل هما فصيحتان 3 - وفي أي معجم نراهما 4 - وهل هما عربيتان؟ 5 - وما هو الشعري 6 - وكيف تضبط اللفظة 7 - وهل الشعري والستكروزة هما شيء واحد؟ 8 - وما معنى قوله (من مقولة الحرير) 9 - وهل الشعري هو الجلجل المسمى ب (الكنف) في جيلان والمسمى (السي) في الهند؟
فالرجاء الجواب عن كل هذه الأسئلة. وأشكر لكم سلفاً.
قلنا: السكروتة تصحيف قبيح لكلمة الستكروتة (بكسر السين وفتح التاء وسكون الكاف وضم الراء يليها واو ساكنة ثم تاه مثناة من فوق وفي الآخر هاء) وهي كلمة أعجمية حديثة مصحفة تصحيفاً شنيعاً أيضاً وأول من مسخها بهذه الصورة القبيحة عوام المصريين وهي محولة عن الفرنجية وهي من الإيطالية ومعناهما الحرير غير المهيأ أو القز. والنسيج المذكور يتخذ من الحرير الفج (أي غير مشغول) وقد يكون من الحرير المشغول وهو لين المس ناعمة براق اللون وقد يقلد فيتخذ من غير الحرير، إلَاّ أن ظاهرة يبقى ناعم المس لماعاً صقيلاً. فهذا هو المسمى عند المصريين وعند الإفرنج بالستكروتة، ولما كانت هذه اللفظة من الأعجميات الحديثة الدخول في لغتنا فأنك لا تجدها في معجم من المعاجم المعروفة، بل لا تجدها في المعاجم الفرنجية الحديثة فمعناها إذا القز أو الحرير الفج.
أما الشعري فضبطها كما ذكر العلامة الشهرستاني إلَاّ أن الياء في الأخر مشددة والمراد بالشعري عندنا العراقيين نسيج يتخذ من دود القز غير المؤذي أو دود القز الوحشي ويسمى بالفرنسية وكان سلفنا يسميه (المصقول) لأنه صقيل وكانوا يلبسونه في عهد العباسيين في أيام الصيف كما نلبسه نحن في مثل ذاك الفصل، وعليه قول الشيخ الرئيس ابن سينا في أرجوزته الطبية:
الحر في الحرير والأقطان
…
والبرد في المصقول والكتان
فأنت ترى من هذا أن الستكروتة غير الشعري أن أردت التحقيق والتدقيق وهو كذلك أن أردت التساهل والتسامح في الكلمة الإفرنجية على ما ذكرناه لك.
وأما قول العلامة الشهرستاني (من مقولة الحرير) فمعناه من جنس الحرير لكننا نجد هذه اللفظة العربية بهذا المعنى في ما وصلت إليه أيدينا من الكتب على اختلاف ضروبها.
وأتضح لك بعد هذا أن الشعري ليس بالجلجل لأننا نفهم بهذه الكلمة في العراق ما يسميه علماء النبات باسم ولا صلة له بالشعري ولا بالحرير ولا بالستكروتة.
أما (الكنف) فهي مأخوذة عن الفرنجية المأخوذة من العربية (خنيف)(ل. ع 4: 47) للكتان الرديء الذي يسميه عوام العراقيين جنفاص وما جنفاص إلَاّ الكلمة العربية المتفرنجة فعادت إلينا بعد أن صفحت ويسميه الأقدمون سلفنا (الخيش). (ل. ع 47: 4)
بقي علينا لفظة (السي) الهندية فأننا بحثنا عنها في المعاجم الهندية التي في أيدينا فلم نجد
لها ذكراً، ولا نعلم مكانها من الصحة والضبط والمعنى. إلَاّ أننا نعلم أن الهنود يتخذون ثياباً لهم من مادة نبات اسمه عندهم جوتة (وزان فوطة) واسمه العلمي
أما من جهة تحريم لبسه وتحليله فراجع إلى علماء الدين الحنيف.
هذا الذي تحققناه ولعل الخطأ في كلامنا والصواب في مقال العلامة الشهرستاني الجليل الذي نقدر علمه كل قدر.
الصلص وتركيبه
طلب إلينا الأديب ر. ب. أن نعيد في هذهٍ المجلة ما نشر في المشرق (798: 24) وهو مما يتعلق بهذا البحث لنجيبه على ما عن له فيه وها نحن أولاً نلبي طلبه وهذا نص ما جاء في المجلة المذكورة.
(الصلص وتركيبه) لم نجد ذكراً للصلص في ما لدينا من المعاجم العربية
وقد ورد ذكر الكلمة في طبقات الأطباء لأبن أبي اصيبعة (127: 2) ويظهر من وصفه لتركيبها (كذا) إنها ما يدعوه العامة بالصلصة من الإيطالية فدونك ما كتبه ابن أبي اصيبعة في ترجمة الطبيب النصراني رشيد الدين أبي حليقة قال يذكر بعض حكايات مع الملك الكامل ابن الملك العادل الأيوبي صاحب مصر:
(ومن حكاياته أنه طلب منه يوماً أن يركب له (صلصاً) يأكل به اليخني في الأسفار، واقترح عليه أن يكون مقوياً للمعدة منبهاً للشهوة وهو مع ذلك ملين للطبع؛ فركب له (صلصاً) هذه صفته: يؤخذ من المقدونس جزء ومن الريحان الترنجاني وقلوب الأترج الغضة المخلاة بالماء والملح أياما: ثم بالماء الحلو أخيراً من كل واحد نصف جزء يدق في جرن الفقاعي كل منهم بمفرده حتى يصير مثل المرهم. ثم يخلط الجميع في الجرن المذكور ويعصر عليه الليمون الأخضر المتقى ويذر عليه من الملح الأندراني مقدار ما يطببه ثم يرفع في مسللات صغار كل واحدة منها مقدار ما يقدم على المائدة لأنها إذا نفعت تكرجت وتختم تلك الأواني بالزيت الطيب وترفع. فلما استعمله السلطان حصلت له منه المقاصد المطلوبة وأثنى عليه ثناء كثيراً وكان مسافراً إلى بلاد الروم فقال للحكيم المذكور
هذا الصلص يدوم مدة طويلة؟ فقال له: لا. فقال: ما يقيم أشهراً فقال: نعم فقال: تعمل لي منه رائباً في كل شهر ما يكفيني في مدة ذلك الشهر وتسيره لي في رأس كل هلال. فلم يزل الحكيم المذكور يجدد ذلك الصلص في
كل شهر ويسيره له إلى دربندات الروم وهو يلازم استعماله في الطريق وأثنى عليه ثناء كثيراً. آه
قال الأديب: كيف تضبط الصلص وقد جاءت في المشرق مضبوطة ثلاث مرات بفتح اللام 2 - أصحيح أنها لم ترد في كتب اللغة 3 - ألم ترد في كتب المولدين وكيف ضبطت فيها 4 - ما معنى المسللات 5 - هل في هذه النبذة ألفاظ مولدة غير ما أشير إليه في سؤالي؟
1 -
الصلص كلمة أسبانية على ما قال دوزي. ودوزي في هذا البحث حجة أعظم من غيره، على أن الإيطالية لا تبين كثيراً عن الأسبانية. وعلى كل حال فهي بإسكان اللام، أن اعتبرنا أصلها إيطاليا أو أسبانيا؛ إذ هي ساكنة في كلتا اللغتين.
2 -
وقد وردت في معجم دوزي وهو الملحق بالمعاجم العربية في مادة ساس قال ما معناه: ساسة كلمة أسبانية الأصل بمعنى وقد ذكرها الأب بطرس القلعي في معجمه بهذا المعنى. اهـ. قلنا وقد ضبطها سكون اللام.
3 -
وقد وردت في كتب الولدين من أدبائنا: قال في مسالك الأبصار (1: 38) وقد جمعها على أصلاص:
وصبت من أطايب الأصلاص
…
حقائبنا مسدودة العفاص
قال الناشر في الحاشية عن الأصلاص: جمع صلصة (معربة عن اللاتينية والطليانية وعند الفرنسيين
قلنا: لو كان المفرد صلصة لما جمعت على أصلاص بل على صلصات. لا جرم أن المفرد هو صلص كما جاء في عيون الأنباء ولذلك جمعوها على أصلاص مثل فرخ وأفراخ. ونظن أن (حقائباً) هنا في غير محلها لأن الحقائب جمع حقيبة والحقيبة خريطة يعلقها المسافر في الرحل للزاد ونحوه. والمراد هنا قوارير واسعة
الرأس يوضع فيها الصلص ليؤخذ منها بسهولة كما هي العادة المألوفة في قوارير الأصلاص ومثل هذه الآنية تسمى في العربية (الحواجل) ولهذا نظن أن الأصل كان (حواجلاً مسدودة العفاص). قال في اللسان: الحوجلة ما كان من القوارير شبه قوارير الذريرة وما كان واسع الرأس من صغارها شبه
السكرجات ونحوها. وليس في اللاتينية فلا ندري كيف قال حضرة الصديق أنها من اللاتينية.
4 -
المسللات الواردة في عيون الأنباء من خطأ الطبع على ما عندنا والصواب المسلكات جمع مسلكة بتشديد اللام المفتوحة يليها كاف مفتوحة وهي المصاية أي القارورة الصغيرة الدقيقة وهي مشتقة من قولهم رجل مسلك أي نحيف وكذلك الفرس (اللسان) وبالفرنسية
5 -
في هذه النبذة عدة ألفاظ مفيدة جديرة بالتدوين منها قوله: (اليخني) فهي كلمة قديمة وقد قال عنها في محيط: اليخنة طعام للمولدين من الخضر واللحم وهي من لحنة بالتركية ومعناها ملفوف. آه
قلنا. في هذه العبارة عدة أغلاط: الأول أن يخني تكتب بياء مشددة في الأخر وليس بالهاء. ثانياً ليست الكلمة تركية بل فارسية وهي (يخني) معنى ومبنى ومستعملة بهذا اللفظ والمعنى في العراق إلى عهدنا هذا. وقد وهم دوزي في نقله الكلمة بالوجهين أي بالهاء والياء. وما ذكر الكلمة بالهاء إلَاّ لأنه أخذها من محيط المحيط المشحون أغلاطاً. وأما في سائر الكتب التي نقل عنها فذكرت كلها يخني أي بياء في الآخر واليخني بالفرنسية
6 -
معنى قوله: (ملين للطبع): مسهل للبطن قليلاً وبالفرنسية
7 -
(الريحان الترنجاني) هو المسمى بالعربية الفارسية الأصل بادرنجبوية ونحن أهل بغداد نسميه (بلنكو) وبالفرنسية مليس
8 -
معنى (تكرجت) قطنت في لغتنا العامية البغدادية والتكرج يكون في الخبز كما يكون في غيره وبالفرنسية
9 -
معنى (ترفع) تحفظ إلى حين الاحتياج إليها. والكلمة معروفة بهذا المعنى في لغتنا العراقية وبالفرنسية
10 -
(الرائب) المذكور هنا لا يراد به اللبن الرائب بل السائل من الأشياء أي غير الجامد والخائر منها وبالفرنسية
11 -
(سيرة إلى فلان) معناه أرسل به إليه مع أحد.
هذا ما بدا لنا ولعلنا في كل ذلك مخطئون. وليت أحداً يظهر لنا مواطن الضعف والوهم!
كند وكنداكر
قال في محيط المحيط: الكند (وزان قفل) الشرس، الشديد. فارسي اهـ قلنا: ليس في الفارسية حرف بهذا المعنى. واللفظة لم يذكرها إلَاّ فريتغ في معجمه، وقال عنها وردت بمعنى أي شجاع قوي. ولم يقل شرس. والكلمة أندلسية الأصل (أي إسبانية) وهي ومعناها القومس أو الأمير أو كما نقول اليوم (الكونت) وبالفرنسية فكم من غلط في هذه اللفظة الواحدة! سوء معنى وسوء نقل وسوء أصل!
وقال صاحب محيط المحيط بعد ذلك بصفحة: الكنداكر (وضبطها بضم الكاف وإسكان النون بعدها دال مهملة يليها ألف يخلفها كاف وفي الآخر راء): الشجاع، الجسور، فارسية. آه
قلنا: وهذه أيضاً غير فارسية بل هي مركبة من الأسبانية كند أو الفرنسية ومن عكاء المعروفة عند الإفرنج باسم ومعنى الكلمتين قومس عكاء وبالفرنسية وهو لقب هنري الشاب أو وهو ملك القدس بعد ذلك وعرفه مؤرخو العرب بأسماء مختلفة منها: كنداكرا (بألف في الآخر لا كنداكر كما قال البستاني ولم ينسب قوله: فهو منقول عن فريتغ الذي قال عنها ما قال عن (كند) وفسره صاحب محيط المحيط تفسيرين مختلفين فخطأ بذلك نفسه بنفسه.
ومن أسمائه عند العرب الكندهري (راجع تاريخ أبي الفداء) ومها: الكندكري (أي أنهم صحفوا الهاء كافا كما في روايات نسخ أبي الفداء)
إلى غير ذلك من الأسماء وذلك أن هذا الأمير أبلى بلاء حسناً في واقعة عكاء فلما انتهت لقب بأمير عكاء وبالفرنجية كنداكرا أو كنداكري وكان مثالاً للشجاعة والبسالة فنكر بعضهم اسمه حتى أطلقوها على كل من يشبه الكند هنري بصدق بلائه.
وقد ذكر دوزي أنه لم يعرف رجلاً باسم (اكرا) ولم يفهم منها المراد فإذا عرفت تعليلنا صححت رواية محيط المحيط وفريتغ ودوزي ومن نقل عنهم.
أما صاحب أقرب الموارد فأنه زاد الطين بلة إذ نقل عبارة محيط المحيط في الموضعين وقال في كل منهما: نقله فريتغ عن بعض كتب العرب. آه
فأنظر حرسك الله ما يفعل بنا بعض أصحاب كتب اللغة: وكيف يجب علينا أن نتقي شر سوء النقل. وهو الهادي.
موسيقي مذكر لا مؤنث وبآخره ياء لا ألف
يظن أغلب الكتاب أن الموسيقي لفظة مؤنثة ولهذا قال الكاتب أسعد خليل داغر في كتابه (تذكرة الكاتب) ما هذا نصه: (ويقولون: (نادي الموسيقى الشرقي) ومعلوم أن كلمة (الشرقي) في هذا التركيب ليست وصفاً للنادي بل للموسيقي وهي مؤنث. فالصواب إذا أن يقال: (نادي الموسيقى الشرقية) والرجاء إن حضرات رئيس هذا النادي الكريم وأعضائه يقبلون هذه الملاحظة المقدمة بملء الإخلاص ويبادرون إلى إصلاح هذا الخطأ) آه
قلنا: والخطأ من حضرة المخطئ نفسه، لأن آخر الكلمة ياء مشددة وليس الفاء مقصورة كما جاءت في محيط المحيط وكما ينطق بها العوام فهي مثل الأرثماطيقي قال في مفاتيح العلوم ص236 الموسيقي (معناه) (ولم يقل معناها) تأليف الألحان وفي تاريخ الحكماء لأبن القفطي ص84: والموسيقي (الذي هو) معرفة النغم وكذا في كشف الظنون.
أما إن آخره ياء فواضح من قول صاحب الأغاني في أبيات له مكسورة الآخر.
ناي دقيق ناعم قرنت به
…
نغم مؤلفة من الموسيقي
(راجع الجزء الأول من الأغاني طبع دار الكتب المصرية ص27 من المصدر)
فأملنا في رئيس النادي أن يبقي القول الصحيح على صحته فيكون العنوان كما كان سابقاً أي (نادي الموسيقى الشرقي) وهي الرواية الفصحى.