الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر فيمن أكل قبل الغروب، هل عليه قضاء أم لا
؟
(266)
قال عبد الرزاق (1): ثنا معمر، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: أَفطَرَ النَّاسُ في زمنِ عمرَ بن الخطاب، فرأيتُ عِسَاسًا (2) أُخرِجَت من بيتِ حفصةَ، فشَرِبُوا، ثم طلعتِ الشمسُ من سَحَابٍ، فكأنَّ ذلك شقَّ على النَّاسِ، فقالوا: نَقضي هذا اليومَ، فقال عمرُ رضي الله عنه: لِمَ؟ واللهِ ما تَجَانفنَا لإثمٍ.
هذا إسناد صحيح.
وكذا رواه أبو عبيد (3).
لكن رواه بعضهم عن الأعمش (4)، عن المسيّب، عن زيد بن وهب، فأدخل بينهما رجلاً.
(1) في «المصنَّف» (4/ 179 رقم 7395).
وأخرجه -أيضًا- الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 765) من طريق أبي معاوية وحفص بن غياث، عن الأعمش، به.
(2)
العِسَاس: بكسر العين، وتخفيف السِّين المهملتين، جمع عُسٍّ، وهو القدح الضخم، يسع ثمانية أرطال أو تسعة. «النهاية» (3/ 236).
(3)
«غريب الحديث» (4/ 210 - 211) عن أبي معاوية، عن الأعمش، به، بنحوه.
(4)
ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 287 رقم 9050) في الصيام، باب ما قالوا في الرجل يرى أن الشمس قد غربت، من طريق منصور بن أبي الأسود. والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 765) والبيهقي (4/ 217) من طريق شيبان. كلاهما (منصور، وشيبان) عن الأعمش، عن المسيّب بن رافع، عن زيد بن وهب قال: بينما نحن جلوسٌ في مسجد المدينة في رمضانَ، والسماءُ متغيِّمةٌ، فرأينا أنَّ السماءَ قد غابت، وأنَّا قد أمسينا، فأُخرِجَت لنا عِسَاسٌ من لبن من بيت حفصة، فشرب عمرُ، وشربنا، فلم نلبث أنْ ذهب السَّحابُ، وبَدَت الشمسُ، فجعل بعضُنا يقول لبعض: نَقضي يومنا هذا. فسَمِعَ ذلك عمرُ، فقال: والله لا نَقضيه، وما تَجَانَفنا لإثمٍ.
قلت: وهذه الرواية صحيحة -أيضًا-، ووجود واسطة بين الأعمش وزيد بن وهب لا يمنع من صحتها، لأن زيد بن وهب من كبار شيوخ الأعمش، فلو شاء لأسقط الواسطة، فدلَّ هذا على صحَّة الوجهين جميعًا.
ورواه زيد بن أسلم (1)، عن أخيه خالد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، نحوه. ولم يَذكر قضاءً.
قلت: وروي عن عمر القضاء من طريق علي بن حنظلة، عنه (2)، فالله أعلم.
وعلى هذا جمهور الأئمة (3).
(1) ومن هذا الوجه: أخرجه مالك (1/ 407) في الصيام، باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات. وابن أبي شيبة (2/ 288 رقم 9056) في الصيام، باب ما قالوا في الرجل يرى أن الشمس قد غربت، وسعيد بن منصور، كما في «المعرفة والتاريخ» للفَسَوي (2/ 768) عن ابن عيينة. كلاهما (مالك، وابن عيينة) عن زيد بن أسلم، به. وفيه قول عمر: الخطبُ يسيرٌ، وقد اجتَهَدنا.
(2)
قوله: «من طريق علي بن حنظلة، عنه» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «من طريق علي بن حنظلة، عن أبيه» ، كذا أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 287 رقم 9045، 9046) في الموضع السابق، والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 766، 767) والبيهقي (4/ 217) من طريق جَبَلة بن سُحَيم، عن علي بن حنظلة، عن أبيه قال: كنَّا عند عمرَ بن الخطاب في شهرِ رمضانَ، فجيء بجفنة، فقال المؤذِّن: يا هؤلاءِ! إنَّ الشمسَ طالعةٌ، فقال عمرُ: أعاذنا اللهُ من شرِّك، إنَّا لم نُرسِلكَ راعيًا للشمسِ، ولكنَّا أرسَلنَاكَ داعيًا للصلاةِ. يا هؤلاءِ، من كان أَفطَرَ، فإنَّ قضاءَ يومٍ يسيرٌ، ومن لم يكن أَفطَرَ؛ فليتمَّ صومَهُ.
وعلي بن حنظلة، لم يرو عنه سوى جَبَلة بن سُحَيم، وسُئل عنه ابن معين، فقال: مشهور. انظر: «التاريخ الكبير» (6/ 267) و «الجرح والتعديل» (6/ 181 رقم 995) و «الثقات» لابن حبان (7/ 208).
(3)
انظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (2/ 372) و «عِقد الجواهر الثمينة» لابن شاس (1/ 253) و «منهاج الطالبين» للنووي (1/ 424) و «الكافي» لابن قدامة (2/ 245).
والقول الأول اختاره ابن حزم (1)،
وعزاه إلى أكثر السَّلَف، فالله أعلم.
ورجَّح رواية زيد بن وهب على رواية علي بن حنظلة بأن زيدًا صحابيٌّ، وليس كما زَعَم، فإن زيد بن وهب لم يَعدَّه أحدٌ من الصحابة، وإنما هو تابعي كبير، أدرك زمانَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَرَه، والله أعلم.
وقال أبو عبيد (2): الجَنَف: الميل، أي: لم نَمِل إلى إثم.
أثر آخر
(267)
قال أبو عبيد (3): حدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن
(1) انظر: «المحلى» (6/ 223).
وقال ابن القيم في «تهذيب السُّنن» (3/ 237): الرواية لم تتظاهر عن عمرَ بالقضاء، وإنما جاءت من رواية علي بن حنظلة، عن أبيه، وكان أبوه صديقًا لعمرَ، فذَكَر القصة، وقال فيها:«من كان أفطر، فليصم يومًا مكانه» ، ولم أر الأمر بالقضاء صريحًا إلا في هذه الرواية، وأما رواية مالك، فليس فيها ذكر للقضاء، ولا لعدمه، فتعارضت رواية حنظلة، ورواية زيد بن وهب، وتفضلها رواية زيد بن وهب بقدر ما بين حنظلة وبينه من الفضل.
وقال أبو العباس ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (20/ 572 - 573): وثبت عن عمرَ أنه أفطر، ثم تبيَّن النهار، فقال: لا نَقضي، فإنَّا لم نَتَجانَفْ لإثمٍ. وروي عنه أنه قال: نقضي. ولكن إسناد الأوَّل أثبت، وصحَّ عنه أنه قال: الخطب يسير. فتأوَّل ذلك من تأوَّله على خفَّة أمر القضاء، لكن اللفظ لا يدلُّ على ذلك.
(2)
في «غريب الحديث» (4/ 211).
(3)
في «غريب الحديث» (4/ 279).
وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 206 رقم 7506) عن الثوري. وابن أبي شيبة (2/ 299 رقم 9206) في الصيام، باب في الصائم يمضمض فاه عند فطره، عن جرير. كلاهما (الثوري، وجرير) عن منصور، به، بنحوه.
لكن جاء عند عبد الرزاق: «عن سالم بن أبي الجَعْد، عن عمرَ» ، ليس فيه عطاء! فلعله ساقط من المطبوع.
وكيفما كان، فهو منقطع؛ لأن عطاء، وهو: ابن أبي رباح لم يُدرك أيام عمر، فقد وُلِدَ في خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر:«تهذيب الكمال» (20/ 70).
منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن عطاء، عن عمر: أنَّه قال في المضمضة للصائم قال: لا يَمُجُّه، ولكن فلْيَشرَبه، فإنَّ أوَّلَه خيرُهُ.
قال أبو عبيد: وهذا في المضمضة عند الإفطار، وإنما أمر بشُربه لما فيه من بركة الخُلُوف.
قال: وقد روي عن عثمان بن أبي العاص أنَّه رخَّص للصائم إذا خشي العطشَ أن يتمضمض (1).
(1) أخرجه عبد الرزاق (4/ 206 رقم 7505) عن معمر، عمَّن سَمِعَ الحسن يقول: رأيتُ عثمانَ بن أبي العاص بعرفةَ وهو صائمٌ، يمُجُّ الماءَ، ويَصُبُّ على نفسِهِ الماءَ.
وفي إسناده جهالة.