الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة توسيع عمر في المسجد
(88)
قال الشيخ أبو الفرج / (ق 30) ابن الجوزي رحمه الله في آخر الباب الثالث والثلاثين من كتاب «مناقب عمر رضي الله عنه» (1):
وروى يزيد بن هارون، ثنا أبو أُميَّة ابن يعلى، عن سالم أبي النَّضر، قال: كانت دارُ العباس بن عبد المطلب إلى جنب المسجد، وكان ميزابُها يشرع إلى الطريق، فقال له عمر: إنَّ ميزابَك يؤذي المسلمين، فحوِّله إلى دارك. فقال: إنما هو ماء المطر. فقال عمرُ: إنَّ المسلمين لا يحبُّون أن تَبلَّ السماءُ ثيابَهم، فحوِّله. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أقَطَعَها العباسَ، ثم رأى عمرُ في المسجد ضِيقًا عن المسلمين، فاشترى ما حولَه من المنازل، وبقيت حُجَر نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ودار العباس، فقال عمرُ للعباس: إنَّ مسجدَ المسلمين قد ضاق بهم، وقد ابتَعتُ ما حولَه من المنازل، غير حُجَر نساءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلا سبيلَ إليها، ودارِك، فبعنيها أُوسِّعُ بها مسجدَ المسلمين. فقال العباس: لستُ بفاعل. فأراده عمر، فأبَى. فقال له عمر: اختر منِّي واحدةً من ثلاث خصال. فقال العباس: هاتها، لعلَّ في بعضها فَرَجًا. فقال: اختر منِّي: إما أن تبيعنيها بحُكمكَ من بيت مال المسلمين، وإما أن أَخطَّك مكانَها خطَّةً حيث أَحببت، فأَبنيها لك مثلَ بناء دارك، وإما أن تصدَّقَ بها على المسلمين توسِّع بها عليهم مسجدَهم. فقال له العباس: ولا خصلةً من هذه الخصال.
قال له عمر: اجعل بيني وبينك حَكَمًا. فقال: أُبَيّ بن كعب. فانطَلَقا إليه، فدَخَلا، فقال لعمرَ: أخصمًا جئتَ أم زائرًا؟ فقال: بل
(1) المطبوع من «مناقب عمر» قد حذف المختَصِر أسانيدَه، ومع ذلك فقد بحثتُ عنه فيه، فلم أقف عليه.
وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (4/ 21) عن يزيد بن هارون، به.
خصمًا. / (ق 31) قال: فاجلس مجلسَ الخصومِ. فجَلَسا بين يديه، فقصَّ عليه عمرُ قصتَه. فقال أُبَيّ بن كعب: إنْ شئتُما حدَّثتُكما حديثًا سَمِعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمرُ: حدِّثنا. فقال أُبَيّ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله أَوحى إلى داودَ عليه السلام أن ابْنِ لي بيتًا أُذكَرُ فيه، فاختَطَّ داودُ عليه السلام موضعَ بيتِ المقدسِ، فإذا خَطُّه يزِوي تَربيعتَها دارًا لبعض بني إسرائيل، فسأله أن يَخرُجَ له عنها، فيُدخِلُها في المسجدِ، فيُسوَّى تربيعتُه، فأَبَى، فهَمَّ داودُ عليه السلام بأخذها منه، فأوحى اللهُ تعالى إليه: إنِّي أَمَرتُك أن تَبنيَ لي بيتًا أُذكَرُ فيه، فأَردتَ أن تُدخِلَ بيتيَ الغصبَ، وليس من شأني الغصبُ، وإنَّ عقوبتَكَ ألَاّ تَبنيه، فقال: ياربّ، فمِن ذُريتي؟ قال: من ذُريتك، فأَوحى اللهُ إلى سليمانَ عليه السلام فبَنَاه» .
فأخذ عمرُ رضي الله عنه بمجامع قميص أُبَيّ، فقال: جئتُك بأمرٍ، فما جئتني به أشدَّ منه، لتأتينِّي على هذا ببيِّنة، أو لأفعلنَّ، ولأفعلنَّ، ولأفعلنَّ. فقال أُبَيّ: أَي عمر، أتَّتهمني على حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو ما أقول لك. فخَرَج به، حتى أتى به المسجدَ، فإذا فيه حَلقة من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فوَقَفَهُ عليهم، فقال أُبَيّ: أَنشُدُكم اللهَ، أيكم سَمِعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُ حديثَ داودَ حيثُ أَوحى اللهُ إليه أن يبني بيتَ المقدس؟ وحدَّثهم به. فقال / (ق 32) هذا من ههنا: أنا سَمِعتُهُ، وقال هذا من ههنا: أنا سَمِعتُهُ. فغضب أُبَيّ رضي الله عنه، وقال: أي عمر، أتَّتهمني على حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فأرسَلَه عمر، وقال: يا أبا المنذر، لا والله الذي لا إله إلا هو، ما اتَّهمتُك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حديثٍ ولا غيرِه، ولكني كرهتُ أن يجترئ (1) على
(1) قوله: «ولكني كرهتُ أن يجترئ» كذا ورد بالأصل. وتقرأ غير ذلك، وأورد هذه القطعة السيوطي في «جامع الأحاديث» (13/ 425) هكذا:«ولكني كرهتُ أن يكونَ الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ظاهر» .
وعند ابن سعد: «ولكني كرهتُ أن يكونَ الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا» .
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا. وقال عمرُ للعباس: انطلِق إلى دارك، فقد تركتُها لا أَعرضُ فيها. فقال العباس: وتركتَها لا تعرضُ فيها؟ قال: نعم. قال: فإنِّي قد جعلتُها صدقةً على المسلمين أُوسِّع بها في مسجدِهم، فأما وأنت غاصبي، فما كنتُ لأفعل. فأَخطَّه عمر خطَّة في السُّوق، وبناها له من مال المسلمين بحذاء من بنائه، فهي لهم اليوم.
وهذا سياق غريب، وفي إسناده ضعف وانقطاع (1).
حديث آخر يتضمن وضعه المسجد في البيت المقدَّس
(89)
قال الإمام أحمد (2): ثنا أسود بن عامر، ثنا حماد بن سَلَمة، عن أبي سِنَان، عن عُبيد بن آدم، وأبي مريم، وأبي شعيب: أنَّ عمرَ بن
(1) وله طريق أخرى: أخرجها إسحاق بن راهويه في «مسنده، كما في» المطالب العالية «(4/ 58 رقم 3474) وعبد الله بن الإمام أحمد في» زوائده على فضائل الصحابة «(2/ 939 رقم 1807) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 512) من طريق حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد بن جُدعان، عن يوسف بن مِهران، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت للعباس دارٌ إلى جنب المسجد في المدينة، فقال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: بِعنيها أو هَبْهَا لي حتى أدخلَها في المسجد. فأبى. فقال: اجعل بيني وبينك رجلاً من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فجعلا بينهما أُبَي بن كعب، فقَضَى للعباس على عمر، فقال عمرُ: ما أحدٌ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أجرأُ عليَّ منك. فقال أُبَي بن كعب: أو أنصحُ لك مني. ثم قال: يا أميرَ المؤمنين، أَمَا بَلَغكَ حديثُ داودَ أنَّ الله عز وجل أمره ببناء بيت المقدس، فأدخلَ فيه بيتَ امرأةٍ بغير إذنها، فلما بَلَغَ حُجز الرجال مَنَعَهُ اللهُ بناءَه، قال داود: أي رب، إنْ منعتني بناءه؛ فاجعله في خَلَفي. فقال العباس: أليس قد قضيتَ لي بها وصارت لي؟ قال: بلى. قال: فإني أُشهِدُكَ أني قد جعلتُها للهِ.
وإسناده ضعيف؛ لضعف علي بن زيد، ويوسف بن مِهران.
(2)
في «مسنده» (1/ 38 رقم 261).
الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية (1)
…
، فذَكَر فتحَ بيتِ المقدسِ. قال: قال ابن سَلَمة (2): فحدَّثني أبو سِنَان، عن عُبيد بن آدم قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول لكعب: أين ترى أن أُصلِّي؟ قال: إنْ أَخذتَ عنِّي، صَلَّيتَ خلفَ الصخرةِ، فكانت القدسُ كلُّها بين يديك. فقال عمرُ: ضاهيْتَ (3) اليهودية، لا، ولكنْ أصلِّي حيثُ صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فتَقدَّم إلى القِبْلة فصَلَّى، ثم جاء، فبَسَط رداءَه، وكَنَس الكُنَاسةَ في ردائه، وكَنَس الناسُ.
/ (ق 33) وهذا حديث حسن الإسناد، اختاره الحافظ الضياء في كتابه (4).
وأبو سِنَان هذا: اسمه عيسى بن سِنَان الشَّامي الفلسطيني، روى عنه جماعة، وضعَّفه ابن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة، ووثَّقه بعضهم، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث. وروى له أهل السُّنن إلا النسائي (5).
وعُبيد بن آدم هذا: قال أبو حاتم (6): اسمه: عبد العزيز بن آدم، يروي عن عمرَ وأبي هريرة، وعنه: أبو سِنَان القَسملي.
وأما عُبيد بن آدم بن أبي إياس فمتأخِّر، يروي عن أبيه، وعنه: النسائي وأبو حاتم الرازي، وقال (7): صدوق.
(1) الجابِية: قرية من أعمال دمشق. انظر: «معجم البلدان» (2/ 91).
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أبو سَلَمة» .
(3)
المضاهاة: المشابهة: انظر: «النهاية» (3/ 106).
(4)
«المختارة» (1/ 350 رقم 241).
(5)
انظر: «تهذيب الكمال» (22/ 608) و «الجرح والتعديل» (6/ 277 رقم 1537).
(6)
في «الجرح والتعديل» (5/ 401 رقم 1857).
(7)
في الموضع السابق (5/ 402 رقم 1862).
حديث آخر
(90)
قال أبو داود في «المراسيل» (1):
ثنا مسلم بن إبراهيم، عن شعبة، عن عُمارة، عن أبي مِجْلَز: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمر عمرَ أن ينهى أن يُبالَ في قِبلة المسجد.
حديث آخر
(91)
قال الحافظ أبو بكر البزَّار (2): ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعُ مواطنَ لا تكونُ فيها الصلاةُ: ظَهْرُ بيتِ اللهِ، والمقبرةُ، والمجزرةُ، والمزبلةُ، والحمَّامُ، وعَطَنُ الإبلِ، ومحجَّةُ (3) الطريقِ» .
هكذا رواه البزَّار.
وكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث الرَّمادي، وحَرمَلَة، وحميد بن زَنْجويه، والأَعْين.
كلُّهم عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عنه، به.
ثم قال البزَّار: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولم يروه عن عبد الله بن عمر إلا الليث.
(1)(ص 78 رقم 14).
وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة المنورة» (1/ 37) عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة، به. وإسناده ضعيف؛ لإرساله.
(2)
في «مسنده» (1/ 264 رقم 161).
(3)
المَحَجَّة: جادَّة الطريق. «النهاية» (4/ 301).
وذَكَره الترمذي في «جامعه» (1) معلَّقًا عن الليث، عن عبد الله بن عمر العُمَري، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به.
قلت: والعُمَري الذي دار الحديث عليه ضعيف.
لكن رواه ابن ماجه (2)، / (ق 34) فسقط من روايته العُمَري، فإنَّه قال: ثنا علي بن داود، ومحمد بن أبي الحسين، قالا: ثنا أبو صالح -يعني: عبد الله بن صالح-، حدثني الليث، ثنا نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَر مثله.
فلو كان محفوظًا بهذا الإسناد؛ لكان على شرط البخاري، فإنَّ كاتب الليث روى عنه البخاري في «الصحيح» على الصحيح (3)، لكن لابدَّ من ذِكر العُمَري فيه، وسَقَط إما من حفظ ابن ماجه أو أحد شيخيه، والله أعلم بالصواب (4).
وقد روى هذا الحديثَ الترمذي (5) وابن ماجه (6) من حديث زيد بن جَبِيرة -وهو: ضعيف-، عن داود بن الحُصين، عن نافع، عن ابن عمرَ،
(1)(2/ 179).
(2)
في «سننه» (1/ 246 رقم 747) في المساجد، باب المواضع التي تُكره فيها الصلاة.
(3)
لكنه انتقى له من صحيح حديثه ما وافقه عليه الثقات، كما نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر في «هدى السارى» (ص 415)، و «الفتح» (13/ 160، 308).
(4)
قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 215): وفي سند ابن ماجه عبد الله بن صالح، وعبد الله بن عمر العُمَري المذكور في سنده ضعيف -أيضًا-، ووقع في بعض النسخ بسقوط عبد الله بن عمر بين الليث ونافع، فصار ظاهره الصحة.
(5)
في «سننه» (2/ 178 رقم 347) في الصلاة، باب ما جاء في كراهية ما يصلَّى إليه وفيه.
(6)
في «سننه» (1/ 246 رقم 746) في المساجد، باب المواضع التي تُكره فيها الصلاة.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يَذكر فيه عمرَ (1)،
والله أعلم.
(1) وقال الترمذي: حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي، وقد تُكلِّم في زيد بن جَبِيرة من قِبَل حفظه
…
، وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العُمَري، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثله، وحديث داود، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أشبه وأصحُّ من حديث الليث بن سعد.
وفي «النُّكت الظِراف» لابن حجر (6/ 95): قال الحسن بن علي الحُلواني في «المعرفة» له: ثنا سعيد بن أبي مريم، عن الليث: كَتَبتُ إلى عبد الله بن نافع أسأله عن هذا الحديث، فكَتَب إليِّ: لا أعلم مَن حدَّث بهذا عن نافع إلا أبطل، وقال عنه الباطل.
وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 147 رقم 412): سألت أبي عن حديث رواه الليث، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يصلِّي الرجلُ في سبعِ مواطنَ: معاطنِ الإبلِ، وقارعةِ الطريقِ، والمجزرةِ، والمزبلةِ، والمقبرةِ. قلت: ورواه زيد بن جَبِيرة، عن داود بن حصين، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: جميعًا واهيين (كذا).
وانظر للفائدة: «البدر المنير» لابن الملقن (3/ 440 - 445).