الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الملحوظات على الكتاب
لقد وقفت أثناء عملي في هذا الكتاب على عدَّة ملحوظات، ألخصها فيما يلي:
أولاً: هناك آثار عزاها المؤلِّف إلى مصادر غيرها أولى منها، فمن ذلك: عزوه بعض الآثار لـ «مناقب ابن الجوزي» ، أو لـ «مسند عمر» للإسماعيلي، في حين أنها في مصادر أعلى، كـ «صحيح مسلم» ، أو «موطأ مالك» .
وهذه بعض الأمثلة:
المثال الأول: في (2/ 146) عزا أثرًا لعمر في استشارته الصحابة في إملاص المرأة إلى «غريب الحديث» لأبي عبيد، وهو عند البخاري في «صحيحه» .
المثال الثاني: في (2/ 540) عزا قول عمر رضي الله عنه: «وَجَدنا خير عيشنا في الصبر» لـ «جزء ابن العلَاّف» ، وهو عند ابن المبارك في «الزهد والرقائق» ، وأحمد في «الزهد» ، وأبي نعيم في «الحلية» ، بل وعلَّقه البخاري في «صحيحه» جازمًا به.
المثال الثالث: في (2/ 584) عزا قول عمر: «كان أبو بكر أحبَّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» لـ «سنن الترمذي» ، وهو في «صحيح البخاري» .
ثانيًا: صحَّح المؤلِّف أحاديث وآثارًا، وبالنظر في كلام أئمة العلل تبين خلاف ما ذهب إليه.
وهذه بعض الأمثلة:
المثال الأول: عند الحديث رقم (3): ذَكَر ما أخرجه ابن ماجه وأحمد، من طريق رِشدين بن سعد وابن لهيعة، عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أَسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه توضَّأَ عام تبوك واحدةً واحدةً. ثم قال: وهذا إسناد حسن.
قلت: لكن له علَّة، فقد قال الترمذي في «سننه» بعد ذِكره لهذه الطريق: وليس هذا بشيء، والصحيح: ما روى ابن عَجْلان، وهشام بن سعد، وسفيان الثوري، وعبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
المثال الثاني: عند الحديث رقم (76): ذَكَر ما أخرجه أبو يعلى من طريق بشر بن منصور، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» . ثم قال: وهذا إسناد جيد من هذا الوجه.
قلت: لكن له علَّة، فإنَّ أصحاب عبيد الله بن عمر خالفوا بشر بن منصور في روايته، فرووه عن عبيد الله بن عمر، فقالوا: عن نافع، عن ابن عمر. ليس فيه: عمر.
المثال الثالث: عند الحديث رقم (183): ذَكَر ما أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدَّار قال: أصاب الناسَ قحطٌ في زمان عمرَ رضي الله عنه، فجاء رجلٌ إلى قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله! استَسق اللهَ لأمَّتك، فإنهم قد هَلَكوا. فأتاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: ائت عمرَ، فأقرئه منِّي السلامَ، وأخبره أنهم مُسقَون، وقل له:«عليك بالكَيس الكَيس» ، فأتى الرجل، فأخبر عمر، وقال: يا ربُّ، ما آلو إلا ما عَجِزتُ عنه. ثم قال:
هذا إسناد جيد قوي.
قلت: لكن له علَّة، والصواب: أنه ضعيف منكر، وقد أُعلَّ بستِّ علل، كما بيَّنت ذلك في موضعه.
ثالثًا: ذَكَر المؤلِّف في بعض الأبواب أحاديثَ وآثارًا ضعيفة واقتصر عليها، ومع البحث وَجَدت لها طرقًا أخرى صحيحة تغني عن الضعيف الذي أورده، أو تشدُّ من أزره وتقوِّيه، وهذه بعض الأمثلة:
المثال الأول: عند الحديث رقم (499): ذَكَر ما أخرجه أبو جعفر بن ذَريح، عن هنَّاد، عن عَبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي قال: أَتى عُمرَ بن الخطاب رجلٌ فقال: إنَّ ابنةً لي كنت وأدتها في الجاهلية، فاستخرجتها قبل أن تموت، فأدرَكَت معنا الإسلام، فأسلَمَت، فلمَّا أسلَمَت أصابها حدٌّ من حدود الله، فأَخَذَتْ الشَّفرةَ لتذبح نفسَها، فأدركناها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويناها حتى برئت، ثم أقبَلَتْ بعدُ بتوبة حسنة، وهي تُخطَب إلى قوم، فأُخبرهم من شأنها بالذي كان؟ فقال عمر رضي الله عنه: أَتَعمِد إلى ما ستره الله فتُبديه! والله لئن أخبرتَ بشأنها أحدًا من الناس؛ لأجعلنَّك نكالاً لأهل الأمصار، أَنكِحها نكاح العفيفة المسلمة. ثم قال: فيه انقطاع.
قلت: له طريق أخرى صحيحة: أخرجها عبد الرزاق والطبري، من طريق الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: أنَّ رجلاً خطب إليه ابنة له، وكانت قد أَحدَثَت، فجاء إلى عمر، فذكر ذلك له، فقال عمر: ما رأيتَ منها؟ قال: ما رأيتُ إلا خيرًا. قال: فزوِّجها، ولا تُخبِر.
المثال الثاني: عند الحديث رقم (577): ذَكَر ما أخرجه مالك في «الموطأ» عن يحيى، عن سعيد: أنَّ عمر قال: أيُّما امرأة فَقَدت زوجها
فلم تدر أين هو؛ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرًا. ثم قال: وهذه آثار صحيحة عن عمر.
والخلاف في سماع سعيد من عمر مشهور، ومع ذلك، له طريق أخرى صحيحة: أخرجها البيهقي، عن أبي الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفَّار، نا محمد بن عبد الملك، نا يزيد بن هارون، أنا سليمان التيمي، عن أبي عمرو الشيباني: أنَّ عمرَ رضي الله عنه أجَّل امرأة المفقود أربع سنين.
المثال الثالث: عند الحديث رقم (795): ذَكَر ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر: أنه انقطع شِسع نعله، فاسترجع، وقال: كلُّ ما ساءك مصيبة.
قلت: سكت عنه، وفي إسناده عبد الله بن خليفة، قال عنه الذهبي في «الميزان»: لا يكاد يُعرَف. وقال الحافظ في «التقريب» : مقبول.
ومع ذلك فله طريق أخرى يتقوَّى بها، وذلك فيما أخرجه ابن أبي شيبة، عن عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيّب قال: انقطع قِبَال نعل عمر، فقال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. فقالوا: يا أمير المؤمنين، أفي قِبَال نعلك؟! قال: نعم، كلُّ شيء أصاب المؤمن يكره، فهو مصيبة.
رابعًا: ذَكَر المؤلِّف أحاديث وآثارًا ضعيفة، ولم ينبِّه على ضعفها، وهذه بعض الأمثلة:
المثال الأول: عند الحديث رقم (501): ذكر ما أخرجه قال أبو القاسم البغوي، عن أبي نصر التَّمار، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عُمَير، عن زيدِ بنِ عَذَبَةَ قال: قال عمرُ بن الخطاب: الرِّجالُ ثلَاثةٌ،
والنساءُ ثلاثةٌ: امرأةٌ هنِّيةٌ، ليِّنةٌ، عفيفةٌ، مسلمةٌ، وَدُودٌ، وَلُودٌ، تُعينُ أهلَها على الدَّهر، ولا تُعينُ الدَّهرَ على أهلها، وقَلَّ ما تجدها، وأخرى وعاءٌ للولد، لا تزيدُ على ذلك شيئًا، وأخرى غُلُّ قَمِلٌ، يَجعلُهُ اللهُ في عُنُق من يشاءُ، ويَنزِعه إذا شاءَ. والرِّجالُ ثلاثةٌ: فرجلٌ عاقلٌ، إذا أَقبَلَت الأمورُ وتشبَّهت يُؤتَمَرُ فيها أمرُهُ، ويُنزَلُ عند رأيه، وآخرُ حائِرٌ بائِرٌ، لا يأتَمِرُ رُشْدًا، ولا يَسْمعُ مُرشِدًا.
وهو مُعلّ، فقد اختُلف فيه على عبد الملك بن عمير اختلافًا بيَّنته في موضعه.
المثال الثاني: عند الحديث رقم (507): ذكر ما أخرجه الخطيب البغدادي عن إبراهيم بن مَخلد بن جعفر، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم الحُكَيمي، عن العباس بن محمد، عن محمد بن عبد الله الأَرُزِّي، عن عاصم بن هلال، عن أيوب، عن محمد بن سيرين: أنَّ عمرَ كان إذا سَمِعَ صوتَ دُفِّ أو كبَرٍ فقالوا: عُرسٌ أو ختانٌ، سَكَت.
وهو مُعلّ، فقد اختُلف فيه على أيوب اختلافًا بيَّنته في موضعه.
المثال الثالث: عند الحديث رقم (519): ذَكَر ما أخرجه مالك عن ابن شهاب وسليمان بن يسار: أنَّ عمر رضي الله عنه قال: أيما امرأة نكحت في عِدَّتها؛ فإن كان زوجها الذي تزوَّجها لم يدخل بها، فُرِّق بينهما، ثم اعتَدَّت بقيَّة عِدَّتها من زوجها الأوَّل، وكان خاطبًا من الخطَّاب، وإن كان دخل بها، فُرِّق بينهما، ثم اعتدَّت بقيَّة عِدَّتها من زوجها الأوَّل، ثم اعتَدَّت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا.
قلت: وهو معلّ، أعلَّه ابن حزم في «المحلى» فقال: وجاء هذا عن عمر من طرق ليس منها شيء يتَّصل.