الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر في الاستطابة بالماء
(28)
قال عبد الرزاق (1): عن معمر، عن الزهري (2): أنَّ عمرَ بن الخطاب أتى الغائطَ وهو في سَفَر، ثم استطاب بالماء بين راحلتين، فجعل أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَضحكون، ويقولون: يَتَوضَّأُ كما تَتَوضَّأُ المرأةُ!
هذا منقطع، بل معضل بين الزهري وعمر (3).
وإنما أَنكَروا من ذلك ندوره، لأنهم كان يَغلِبُ عليهم الاستنجاءُ بالحجارة، لا سيَّما في الأسفار، وإلا فقد ثَبَتت السُّنةُ بذلك في غير ما حديثٍ عن أنس (4)، وغيره.
(1) لم أجده في «المصنَّف» .
وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 141 رقم 1627) في الطهارة، باب من كان يقول: إذا خَرَج من الغائط فليستنج بالماء، عن يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن معمر، به.
(2)
ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الزهري وعمر.
(3)
لكن له طريق أخرى: أخرجها مالك في «الموطأ» (1/ 53) في الصلاة، باب العمل في الوضوء، عن يحيى بن محمد بن طحلاء، عن عثمان بن عبد الرحمن: أن أباه حدَّثه: أنه رأى عمرَ بن الخطاب يتوضَّأُ بالماء وُضوءًا لما تحت إزاره.
قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (1/ 180): يريد الاستنجاء.
وهذا إسناد صحيح، يحيى بن محمد بن طحلاء روى عنه مالك وجماعة، ووثَّقه ابن شاهين في «تاريخه» (ص 261 رقم 1602).
وعثمان بن عبد الرحمن ثقة، كما قال الحافظ في «التقريب» .
وأبوه: عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، صحابي، قُتل مع ابن الزبير.
فائدة: قال ابن عبد البر في «الاستذكار» : أدخل مالك هذا الحديث في «الموطأ» ردًّا على من قال عن عمرَ: إنه كان لا يستنجي بالماء، وإنما كان استنجاؤه هو وسائر المهاجرين بالأحجار.
(4)
أخرجه البخاري (1/ 252 رقم 152 - فتح) في الوضوء، باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، ومسلم (1/ 227 رقم 270، 271) في الطهارة، باب الاستنجاء بالماء من التبرز، من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خَرَج لحاجته، أجِيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء. يعني: يستنجِي به.
أثر آخر
(29)
قال عبد الرزاق (1): عن عبد الله بن كثير، عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان عمرُ بن الخطاب يبولُ، ثم يَمسحُ ذَكَره بحَجَر أو بغيره، فإذا توضَّأ لم يمسَّ ذَكَرَه بالماء.
هذا أثر جيد الإسناد، مع أنَّ فيه انقطاعًا (2)
على قول، والله أعلم.
وقد روي مثلُه عن جماعة من السَّلف، وليس فيه نزاع.
(1) لم أجده في «المصنَّف» .
وأخرجه -أيضًا- ابن المنذر في «الأوسط» (1/ 346 رقم 299) من طريق شعبة، عن الحكم، به.
ووقع في مطبوع «الأوسط» سقط، حيث جاء من رواية ابن المنذر، عن شعبة مباشرة!
(2)
يعني: بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وعمر، والراجح عدم صحَّة سماعه من عمر، وسيأتي تحقيق القول في ذلك عند الحديث رقم (147).
…
لكن لهذا الأثر طريق أخرى يتقوَّى بها: أخرجها ابن أبي شيبة (1/ 56 رقم 585) في الطهارة، باب من كان إذا بال لم يمس ذكره بالماء، عن أبي الأحوص. وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 346 رقم 298) من طريق شعيب بن خالد البَجَلي. والبيهقي (1/ 111) من طريق غَيْلان بن جامع. ثلاثتهم (أبو الأحوص، وشعيب، وغَيْلان) عن أبي إسحاق السَّبيعي قال: سَمِعتُ يَسَار بن نُمَير قال: كان عمرُ رضي الله عنه إذا بال قال: ناولني شيئًا أستنجي به، قال: فأناوله العود والحجر، أو يأتي حائطًا يتمسَّح به، أو يمسَّ الأرض، ولم يكن يغسله.
قال البيهقي: وهذا أصح ما روي في هذا الباب وأعلاه.
قلت: ويَسَار بن نُمَير ثقة، كما قال الحافظ في «التقريب» ، فالإسناد صحيح.
حديث آخر
(30)
قال الإمام أحمد (1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: كيف يَصنعُ أحدُنا إذا هو أَجنَبَ ثم أراد أن ينامَ قبل أن يَغتَسِلَ؟ قال: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لِيَتَوضَّأْ وُضوءَهُ للصلاة، ثم لِيَنَمْ» .
ثم رواه أحمد (2)، عن عَبيدة بن حميد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَيَرقُدُ الرجلُ إذا أَجَنبَ؟ قال: «نعم، إذا توضَّأَ» .
وكذا رواه مسلم (3)، والترمذي (4)، والنسائي (5) من حديث عبيد الله.
وأخرجه النسائي -أيضًا- (6) من حديث أيوب.
كلاهما عن نافع، به.
قال الترمذي: وهو أحسن وأصح.
طريق أخرى
(31)
قال أحمد (7): ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ،
(1) في «مسنده» (1/ 16 رقم 94).
(2)
(1/ 17 رقم 105).
(3)
في «صحيحه» (1/ 248 رقم 306)(23) في الحيض، باب جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء.
(4)
في «سننه» (1/ 206 رقم 120) في الطهارة، باب في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام.
(5)
في «سننه الكبرى» (5/ 333 رقم 9058 - 9061).
(6)
في الموضع السابق (5/ 334 رقم 9063).
(7)
في «مسنده» (1/ 24 - 25 رقم 165).
عن عمرَ: أنَّه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ؟ قال: «يَتَوضَّأُ، وينامُ إنْ شاءَ» .
قال سفيان مرَّة: «لِيَتَوضَّأ، وَلْيَنَمْ» .
إسناد صحيح.
ورواه أحمد -أيضًا- (1)، عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، به.
طريق أخرى
(32)
قال النسائي (2): ثنا هلال بن العلاء، عن معلَّى بن أسد، عن أيوب (3)، عن أبي قِلَابة عبد الله بن زيد الجَرمي البصري (4)، عن عمرَ: أنَّه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ
…
؟ الحديث.
وهذا منقطع، فإن أبا قِلَابة لم يُدرك عمرَ رضي الله عنه.
طريق أخرى
(33)
رواه النسائي (5) من حديث الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سَلَمة، عن ابن عمرَ، عن عمرَ
…
، فذَكَره.
(1)(1/ 38 رقم 263).
(2)
في «سننه الكبرى» (8/ 215 رقم 9014 - ط مؤسسة الرسالة).
(3)
قوله: «عن معلَّى بن أسد، عن أيوب» كذا ورد بالأصل.
وفي مطبوع «السُّنن» : «عن معلَّى بن أسد، عن وهيب، عن أيوب» ، هكذا بإثبات وهيب بين معلَّى وأيوب. وكذا ورد في «تحفة الأشراف» (8/ 38 رقم 10485).
(4)
ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين أبي قِلَابة وعمر.
(5)
في «سننه الكبرى» (8/ 216 رقم 9018 - ط مؤسسة الرسالة) عن إسحاق بن منصور، عن أبي المغيرة، عن الأوزاعي، به.
طريق أخرى
(34)
قال / (ق 15) النسائي (1): ثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المُخرِّمي، عن قُرَاد أبي نوح، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ؟ فقال: «اغْسِلْ ذَكَركَ، ثم توضَّأ ونَمْ» .
هكذا رواه من حديث مالك.
وقد رواه جماعة عن مالك (2)، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، فجعلوه من مسنده، كما سيأتي بيانه (3).
وكذا رواه الدَّارمي (4)، عن عبيد الله بن موسى، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار.
وكذلك هو في «الصحيح» (5) من حديث اللَّيث، وعبيد الله، عن نافع،
(1) في الموضع السابق (8/ 213 رقم 9006 - ط مؤسسة الرسالة).
وهذه الرواية شاذة، تفرَّد بها قُرَاد دون بقيَّة أصحاب مالك الذين رووه عنه، فلم يَذكروا فيه عمر، كما سيأتي.
(2)
منهم: عبد الله بن يوسف، ويحيى بن يحيى، والقَعْنبي، وقتيبة. انظر:«صحيح البخاري» (1/ 393 رقم 290 - فتح) في الغسل، باب الجُنُب يتوضأ ثم ينام، و «صحيح مسلم» (1/ 249 رقم 306)(25) في الحيض، باب جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء له و «سنن أبي داود» (1/ 256 رقم 223) في الطهارة، باب الجُنُب ينام، و «سنن النسائي» (1/ 153 رقم 260) في الطهارة، باب وضوء الجُنُب.
(3)
انظر: «جامع المسانيد والسنن» (28/ 352 رقم 728 - ط قلعجي).
(4)
في «سننه» (1/ 587 رقم 783) في الطهارة، باب الجُنُب إذا أراد أن ينام.
(5)
أخرجه البخاري (1/ 392 رقم 287 - فتح) في الغسل، باب نوم الجُنُب، من طريق ليث. ومسلم (1/ 248 رقم 306)(23) في الحيض، باب جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء له، من طريق عبيد الله. كلاهما (ليث، وعبيد الله) عن نافع، به.
عن ابن عمرَ من مسنده.
وقد تكلَّم الإمام علي ابن المديني في «علله» في كونه من مسند عبد الله بن عمر أو أبيه بكلام طويل، والأمر في ذلك سهل.
ولعلَّ عبد الله بن عمر سَمِعَ أباه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فتارة يَرويه عن أبيه، وتارة لا يَذكر أباه.
والترمذي (1) يميل إلى أنَّ الحديث من مسند عمر رضي الله عنه.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
أثر آخر
(35)
قال أبو عبيد القاسم بن سلَاّم رحمه الله في كتاب «فضائل القرآن» (2):
ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق بن سَلَمة، عن عَبيدة السَّلماني، عن عمرَ: أنَّه كَرِهَ للجُنُب أنْ يقرأَ شيئًا من القرآنِ.
هذا إسناد صحيح.
(1) في «سننه» (1/ 206 - 207).
ورجَّح الدارقطني في «العلل» (2/ 37) أنه من مسند ابن عمر.
لكن قال الحافظ في «الفتح» (1/ 393): ليس في هذا الاختلاف ما يقدح في صحة الحديث.
(2)
(ص 196).
وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 97 رقم 1080) في الطهارة، باب من كره أن يقرأ الجُنُب القرآن، من طريق أبي معاوية وحفص بن غياث. وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 96 رقم 618) من طريق محمد بن داسة. والطحاوي (1/ 90) من طريق زائدة. والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 213 رقم 150) من طريق ابن نُمَير. جميعهم (أبو معاوية، وحفص بن غياث، ومحمد بن داسة، وزائدة، وابن نُمَير) عن الأعمش، به.
تنبيه: تحرَّف «شقيق بن سَلَمة» عند المستَغفِري إلى «سفيان» !
(36)
وقال أبو عبيد (1): ثنا ابن أبي مريم، وسعيد بن عُفَير، كلاهما عن ابن لَهِيعة، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة أبي الكَنود، أو: ابن أبي الكَنود. قال ابن أبي مريم، عن مالك بن جُنادة الغافِقِي. وقال ابن عُفَير، عن عبد الله بن مالك: أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمرَ: «إذا توضَّأتُ وأنا جُنُبٌ أَكَلتُ وشَربتُ، ولا أُصلِّي ولا أَقرأُ حتى أَغتَسِلَ» .
إسناده مقارب (2).
(1) في الموضع السابق.
(2)
يَرويه ابن لَهِيعة، وقد اضطَّرب فيه:
فقيل: عنه، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة أبي الكَنود، عن مالك بن عُبادة الغافِقِي!
وقيل: عنه، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة أبي الكَنود، عن عبد الله بن مالك الغافِقِي!
وقيل: عنه، عن ثعلبة أبي الكَنود، عن مالك بن عبد الله الغافِقِي، ليس فيه: عبد الله بن سليمان!
…
أما الوجه الأول: فأخرجه الطحاوي (1/ 88) من طريق عمرو بن خالد، ويحيى بن بُكَير. وابن قانع في «معجم الصحابة» (3/ 54) من طريق هشام بن سعيد الطَّالْقاني. ثلاثتهم (عمرو بن خالد، ويحيى بن بُكَير، وهشام الطَّالْقاني) عن ابن لَهِيعة، به.
وأما الوجه الثاني: فأخرجه البغوي في «معجم الصحابة» ، كما في «الإصابة» (6/ 205) وابن قانع في «معجم الصحابة» (2/ 87) والبيهقي (1/ 89) من طريق ابن وهب. والدارقطني (1/ 119) من طريق أبي الأسود. وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» (ص 148) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/ 1778 رقم 4513) من طريق أسد بن موسى. وابن عبد الحكم -أيضًا- (ص 148) عن سعيد بن عُفَير وعثمان بن صالح. خمستهم (ابن وهب، وأبو الأسود، وأسد بن موسى، وسعيد بن عُفَير، وعثمان بن صالح) عن ابن لَهِيعة، به.
…
وأما الوجه الثالث: فأخرجه الطبراني في «الكبير» (19/ 295 رقم 656) من طريق عبد الله بن يوسف، عن ابن لَهِيعة، به.
…
وهذا الاضطِّراب راجع إلى سُوء حفظ ابن لَهِيعة.
زِد على هذا: أن عبد الله بن سليمان، أبو حمزة الطويل، قال عنه البزَّار: حدَّث بأحاديث لم يُتابَع عليها. انظر: «كشف الأستار» (1/ 26 رقم 31).
وقال الحافظ في «التقريب» : صدوق يخطئ.
وثعلبة أبو الكَنود: مجهول الحال، روى عنه اثنان، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 175 رقم 2109) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 463 رقم 1879) وسكتا عنه. وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/ 99).
وقد ضعَّف هذا الأثر النووي في «المجموع» (2/ 159) وفي «خلاصة الأحكام» (1/ 207 - 208 رقم 530).
وقال أبو محمد الغسَّاني في «تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني» (ص 34): لا يثبت، وابن لَهِيعة لا يحتج به.
وانظر: «السلسلة الضعيفة» للشيخ الألباني (6/ 7).
حديث آخر
(37)
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (1): ثنا عبيد الله، ثنا معمر (2) بن سليمان، عن ليث، عن عاصم، عن أبي المُستَهل، عن عمرَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«إذا أتى الرَّجلُ أهلَه ثم أراد أن يعودَ، فليَغسِلْ فَرْجَهُ» .
هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأبو المُستَهل هذا: لا أعرفه، ولم يَذكره ابن أبي حاتم (3).
(1) لم أجده في المطبوع من «مسنده» ، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 343 رقم 777 - رواية ابن المقرئ).
وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه، ومُسدَّد في «مسنديهما» ، كما في «المطالب العالية» (1/ 111 رقم 190) والبيهقي (7/ 192) من طريق معتمر بن سليمان، به، لكن جاء عند إسحاق ومُسدَّد:«أبو المُشمَعِل» .
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي «المقصد العلي» : «معتمر» ، وهو الموافق لما في كُتُب الرجال ومصادر التخريج.
(3)
ذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 571) وأورد له هذا الحديث.
والحديث قال عنه الترمذي في «العلل الكبير» (ص 61): سألت محمدًا [وهو: البخاري] عن هذا الحديث، فقال: هو خطأ، ولا أدري مَن أبو المُستَهِل؟ وإنما روى عاصم، عن أبي عثمان، عن سلمان بن ربيعة، عن عمرَ، قولَه. وهو الصواب، وروى عاصم، عن أبي المتوكِّل، عن أبي سعيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وسُئل عنه أبو حاتم الرازي، كما في «العلل» لابنه (1/ 34 رقم 67) فقال: هذا يرون أنه عاصم، عن أبي المتوكِّل، عن أبي سعيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه.
وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 240 رقم 242): كذا رواه ليث، عن عاصم، عن أبي المُستهِل، عن عمرَ. ووَهِمَ فيه، ورواه الثقات الحفَّاظ عن عاصم، عن أبي الصِّديق النَّاجي، عن أبي سعيد الخُدْري. منهم: شعبة، والثوري، وابن المبارك، وجرير، وإسماعيل بن زكريا، وعبدالواحد بن زياد، وابن عيينة، ومروان الفزاري، وغيرهم، وقولهم أولى بالصواب من قول ليث.
وقال البيهقي: هذا أصح، وليث بن أبي سُليم لا يحتج به، وفي حديث أبي سعيد كفاية.
(38)
وله شاهد في «صحيح مسلم» (1) عن أبي سعيد / (ق 16): أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أَتى أحدُكم أهلَه ثم أراد أن يعودَ؛ فليُحدِثْ بينهما وُضوءًا» .
حديث آخر
(39)
قال الإمام أحمد (2): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، سَمِعتُ عاصم بن عمرو البَجَلي يحدِّث عن رجل، عن القوم (3)
الذين سألوا عمرَ بن الخطاب، فقالوا له: إنما أَتيناكَ نسألُكَ عن ثلاثٍ: عن صلاة الرَّجل
(1)(1/ 249 رقم 308) في الحيض، باب جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء له.
وفي قول المؤلِّف رحمه الله: «وله شاهد» نظر؛ لأنه حديث واحد، اختُلف فيه على عاصم، ورجَّح الحفاظ كونه من حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه.
(2)
في «مسنده» (1/ 14 رقم 86).
(3)
قوله: «عن رجل، عن القوم» كذا ورد بالأصل. وهو موافق لما في «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 91 رقم 6687) و «إتحاف المهرة» (12/ 421 رقم 15878).
ووقع في مطبوع «المسند» و «غاية المقصد في زوائد المسند» (1/ 159 رقم 413): «عن رجل من القوم» !
وقد نبَّه على هذا الاختلاف محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 101 - ط عالم الكتب) إلا أنهم اختاروا أن الصواب: «عن رجل من القوم» ، وأيَّدوا رأيهم بأن أبا الحسن الدارقطني قال في «العلل» (2/ 198): وقال المسعودي وشعبة: عن عاصم بن عمرو، عمن لم يسمِّه، عن عمرَ.
قلت: لكن قول ابن كثير الآتي: «إنما رواه عن رجل، عن الرَّهط الذين سألوه» يرجِّح أن الصواب: «عن رجل، عن القوم» ، والله أعلم.
وأما محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 247 - ط مؤسسة الرسالة) فلم يشيروا إلى شيء من هذا الاختلاف!
في بيته تطوُّعًا، وعن الغُسل من الجنابة، وعن الرَّجل ما يَصلحُ له من امرأته إذا كانت حائضًا؟ فقال: أسُحَّار أنتم؟! لقد سألتُموني عن شيء ما سألني عنه أحدٌ منذ سألتُ عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«صلاةُ الرَّجلِ في بيته تطوَّعًا نُورٌ، فمَن شاء نَوَّرَ بيتَه» .
وقال في الغُسل من الجنابة: «يَغسلُ فَرْجَه، ثم يتوضَّأُ، ثم يُفيضُ على رأسِه ثلاثًا» .
وقال في الحائض: «له ما فوقَ الإزارِ» .
قال علي ابن المديني: هذا حديث مرسل، وعاصم بن عمرو لم يلق عمرَ بن الخطاب.
قلت: إنما رواه عن رجل، عن الرَّهط الذين سألوه.
وقد رواه ابن ماجه (1)، عن محمد بن أبي الحسين، عن عبد الله بن جعفر، عن عبيد الله (2) بن عمرو الرَّقِّي، عن زيد بن أبي أُنَيسة، عن أبي
(1) في «سننه» (1/ 437 رقم 1375) في إقامة الصلاة، باب ما جاء في التطوع في البيت.
(2)
قوله: «عبيد الله» تحرَّف في مطبوع «سنن ابن ماجه» إلى: «عبد الله» ! انظر: «تحفة الأشراف» (8/ 97 رقم 10621).
إسحاق، عن عاصم بن عمرو، عن عُمَير مولى عمر، عن عمرَ، به.
(40)
وقال الحافظ أبو يعلى (1): ثنا أبو خالد (2)، عن زياد، عن معاوية بن قُرَّة قال: حدَّثني الثلاثةُ الرَّهطُ الذين سألوا عمرَ بقصَّة الصلاة / (ق 17) فقط.
فهذه شواهد تدلُّ على صحَّة هذا الحديث (3)، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1) لم أجده في المطبوع من «مسنده» ، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 129 رقم 249 - رواية ابن المقرئ).
(2)
كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها «كذا» ، إشارة إلى وجود سقط، وقد جاء على الصواب في «المقصد العلي» هكذا:«ثنا عثمان، ثنا أبو خالد» .
قلت: وعثمان هو: ابن أبي شيبة. وأبو خالد هو: سليمان بن حيَّان الأحمر.
(3)
مداره -كما ترى- على عاصم بن عمرو، وقد اضطرب فيه، كما هو ظاهر من سياق الروايات:
فمرَّة يرويه عن رجل، عن القوم، عن عمر!
ومرَّة يرويه عن عمير مولى عمر، عن عمر!
وقد قال الدارقطني في «العلل» (2/ 196 رقم 216): هو حديث رواه أبو إسحاق السَّبيعي، وطارق بن عبد الرحمن البَجَلي، والحجَّاج بن أرطاة، وعبد الرحمن المسعودي، ومالك بن مِغْول، وشعبة، والعلاء بن المسيّب، وغيرهم، عن عاصم بن عمرو البَجَلي، فاختَلَفوا عليه:
فأما أبو إسحاق؛ فرواه عنه زيد بن أبي أُنيسة، ورَقَبة بن مَصقلة، وأبو حمزة السُّكَّري، فقالوا: عن عاصم بن عمرو، عن عُمَير، أو ابن عُمَير.
ورواه زُهَير، ويونس بن أبي إسحاق، وأبو بكر بن عيَّاش، وعبد الكبير بن دينار، وغيرهم، فرووه عن أبي إسحاق، عن عاصم بن عمرو، عن نَفَر لم يسمِّهم عن عمرَ، إلا أن يوسف بن أبي إسحاق، وأبا بكر بن عياش لم يَذكرا بين عاصم وعمر أحدًا. ورواه ابن عَجْلان، عن أبي إسحاق، فأرسله عن عمرَ.
ورواه طارق بن عبد الرحمن، وحجَّاج بن أرطاة، ومالك بن مِغول، عن عاصم، مرسلاً، عن عمرَ.
وقال المسعودي وشعبة: عن عاصم بن عمرو، عمَّن لم يسمِّه، عن عمرَ.
وقد أدرك عبد الله بن نُمَير عاصمَ بنَ عمرو هذا.
والحديث حديث زيد بن أبي أُنيسة، ومن تابَعَه.
وروى هذا الحديث معاوية بن قُرَّة قال: حدَّثني أحد الرَّهط الثلاثة الذين سألوا عمر. انتهى كلام الدارقطني.
قلت: ورواية زيد بن أبي أنيسة التي رجَّحها الدارقطني في إسنادها عُمَير مولى عمر، وهو مجهول، لم يرو عنه غير عاصم بن عمرو، ولذا قال عنه الحافظ في «التقريب»: مقبول. أي حيث يُتابَع، وإلا فليِّن.
وقد ضعَّفه الشيخ الألباني في تعليقه على «ضعيف الترغيب والترهيب» (1/ 130 رقم 237).
حديث آخر
(41)
قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: ثنا محمد بن عُمَير، ثنا إبراهيم بن الحجَّاج بن نخرة الصَّنَعاني، ثنا محمد بن يوسف الحُذافي، ثنا عبد الملك الذّمَاري، عن أبي عصام رَوَّاد بن الجرَّاح العسقلاني، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية (1)، عن عمرَ قال: قال رجل: يا رسولَ الله، إنَّ امرأتي لا تزالُ تحتاضُ عليَّ، وإني وَقَعتُ عليها في بعض كَذِبها من ذلك، فإذا هي حائضٌ. فأَمَره أن يَتصدَّقَ بخُمس دينار.
إسناده غريب جدًّا، وفيه انقطاع (2).
(1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين حسان بن عطية وعمر.
(2)
يَرويه الأوزاعي، واختُلف عليه:
فقيل: عنه، عن حسان بن عطية، عن عمرَ!
وقيل: عنه، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب، عن عمرَ!
وقيل: عن زيد بن عبد الحميد، عن أبيه، عن عمرَ!
أما الوجه الأول: فأورده المؤلِّف من رواية الإسماعيلي.
وفي إسناده روَّاد بن الجرَّاح صدوق اختَلَط بآخرة، فتُرك، كما قال الحافظ في «التقريب» .
وأما الوجه الثاني: فأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» ، كما في «المطالب العالية» (1/ 122 رقم 217) عن بقيَّة. والدَّارمي (1/ 721 رقم 1150) في الطهارة، باب من قال: عليه الكفَّارة، عن محمد بن يوسف. والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/ 438 رقم 4236) من طريق محمد بن كثير. ثلاثتهم (بقيَّة، ومحمد بن يوسف، ومحمد بن كثير) عن الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب، عن عمرَ
…
، فذكره.
وحسَّن هذا الوجه الحافظ في «المطالب العالية» .
وأما الوجه الثالث: فأخرجه إسحاق بن راهويه في الموضع السابق، والحارث بن أبي أسامة في «مسنده» ، كما في «بغية الباحث» (ص 46 رقم 98) من طريق عيسى بن يونس، عن زيد بن عبد الحميد، عن أبيه، عن عمرَ
…
، فذكره، إلا أن رواية الحارث بلفظ: تصدَّق بنصف دينار.
وقد أعلَّه البيهقي بالانقطاع بين عبد الحميد وعمر.
وقال الذهبي في «المهذَّب في اختصار السُّنن الكبير» (1/ 314): منكر.
وقد أورد هذا الحديثَ البيهقي، والمنذري في «مختصر سنن أبي داود» (1/ 175) وحَكَما على متنه بالاضطراب، وعدَّاه إحدى الروايات المضطَّربة التي روي بها حديث ابن عباس رضي الله عنهما في كفَّارة من أتي امرأته وهي حائض، وهو حديث مشهور، اختَلَف الرواة في رفعه ووقفه.