الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/ (ق 58)
حديث في غسل الجمعة
(1)
تقدَّم في كتاب الطهارة (2): لمَّا أَقبَلَ عثمانُ وعمرُ رضي الله عنه على المنبرِ، فقال: أيةُ ساعةٍ هذه؟! فقال: شُغِلتُ، فلمَّا سَمِعتُ التأذينَ توضَّأتُ. فقال: والوُضوءُ أيضًا؟! وقد سَمِعتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُ بالغُسلِ!
أثر
(171)
قال البخاري في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس (3): وكذلك يُذكر عن عمرَ (4)،
(1) تنبيه: جاءت أحاديث الجمعة في الأصل قبل أحاديث اللِّباس، لكن كَتَب المؤلِّف بحاشية الأصل:«يؤخَّر هذا وما بعده على أحاديث اللِّباس» ، ومن ثَمَّ حدث تقديم وتأخير في أرقام لوحات المخطوط، فاقتضى التنبيه.
(2)
(ص 48).
(3)
(2/ 386 - فتح).
(4)
وروي موصولاً من عدة طرق:
الطريق الأولى: أخرجها مالك في «الموطأ» (1/ 40) في الصلاة، باب وقت الجمعة، عن عمِّه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه أنه قال: كنتُ أرى طِنفَسة لعقيل بن أبي طالب يوم الجمعة، تُطرحُ إلى جدار المسجد الغربيِّ، فإذا غشي الطِّنفَسَة كلَّها ظِلُّ الجدار، خَرَج عمرُ بن الخطاب، وصلَّى الجمعة.
وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في «الفتح» (2/ 387).
الطريق الثانية: أخرجها عبد الرزاق (3/ 174 رقم 5209) عن معمر. وسعيد بن منصور في «سننه» ، كما في «تغليق التعليق» (2/ 356) وأحمد بن مَنيع في «مسنده» ، كما في «المطالب العالية» (1/ 286 رقم 720) عن الثوري. كلاهما (معمر، والثوري) عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هجَّرتُ يومَ الجمعةِ، فلمَّا زالتِ الشمسُ خَرَج عمرُ، فصَعِدَ المنبرَ، وأخذ المؤذِّنُ في أذانه.
وهذا صحيح -أيضًا-، كما قال الحافظ في «المطالب» ، والبوصيري في «إتحاف الخيرة» (1/ 208).
الطريق الثالثة: أخرجها مُسدَّد في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (1/ 287 رقم 722) عن يحيى، عن شعبة قال: حدَّثني خبيب بن عبد الرحمن، عن عمَّته أُنيسة رضي الله عنها، وكانت حجَّت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رجالُنا يجمِّعون مع عمرَ رضي الله عنه، ثم يرجعون وأرديتُهُم على رؤوسِهِم يتبّعون فَيء الحيطان، يَقيلون بعدَها.
وهذا صحيح -أيضًا-، كما قال الحافظان ابن حجر والبوصيري.
وعليٍّ (1)، والنُّعمان بن بشير (2)، وعمرو بن حُرَيث (3).
هكذا علَّقه البخاري في «صحيحه» .
(172)
فأما الأثر الذي رواه الإمام أحمد (4) حيث قال: ثنا وكيع،
(1) وَصَله سعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (2/ 358) وابن أبي شيبة (1/ 445 رقم 5144) في الصلاة، باب من كان يقول: وقتها زوال الشمس، من طريق إسماعيل بن سُمَيع، عن أبي رزينٍ قال: كنَّا نصلِّي مع عليِّ الجمعة، فأحيانًا نجدُ فَيئًا، وأحيانًا لا نجده. هذا لفظ ابن أبي شيبة.
ولفظ سعيد: كنَّا نجمِّع مع عليٍّ إذا زالتِ الشمسُ.
وإسناده صحيح على شرط مسلم، كما قال الشيخ الألباني في «الأجوبة النافعة» (ص 25).
(2)
وَصَله ابن أبي شيبة (1/ 446 رقم 5145) في الموضع السابق، عن عبيد الله بن موسى، عن الحسن بن صالح، عن سمَاك قال: كان النُّعمان بن بشير يصلِّي الجمعةَ بعد ما تزولُ الشمسُ.
وصحَّح إسناده -أيضًا- الحافظ في «الفتح» (2/ 387) والشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 274).
(3)
وَصَله ابن أبي شيبة (1/ 446 رقم 5146) في الموضع السابق، عن محمد بن بِشر العَبدي، عن عبد الله بن الوليد، عن الوليد بن العَيزار قال: ما رأيتُ إمامًا كان أحسنَ صلاةً للجمعة من عمرو بن حُرَيث، كان يصلِّيها إذا زالتِ الشمسُ.
وصحَّح إسناده -أيضًا- الحافظ في «الفتح» (2/ 387) والشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 274).
(4)
هكذا عزاه المؤلِّف إلى الإمام أحمد، وكذا عزاه إليه المجد في «المنتقى» (3/ 295 - مع النيل)، فقال:«رواه الدارقطني، والإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله» . لكن قال الشيخ عبد الرحمن البنَّا الساعاتي في «بلوغ الأماني» (6/ 41): لم أجد هذا الحديث في «مسند الإمام أحمد» ، ولا رجلاً مسمًّى بهذا الاسم -أي: ابن سِيدان- في ترجمة من تراجم «المسند» ، ولا في «مجمع الزوائد» الذي التزم صاحبه الإتيان بما زاد على الكتب السِّتة في «مسند الإمام أحمد» ، وغيره، فلعله من رواية عبد الله، عن أبيه، في غير «المسند» من كُتُب أبيه الأخرى.
قلت: وقد بحثت عنه في «مسائل عبد الله» ، فلم أجده فيه.
وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (3/ 175 رقم 5210) وأبو نعيم في «كتاب الصلاة» له، كما في «تغليق التعليق» (2/ 356) وابن أبي شيبة (1/ 444 رقم 5132) في الصلاة، باب من كان يقيل بعد الجمعة، وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 354 رقم 995) والعقيلي (2/ 265) من طريق جعفر بن بُرقان، به.
عن جعفر بن بُرقان، عن ثابت بن حجَّاج، عن عبد الله بن سِيدان، قال: شَهِدتُ الجمعةَ مع أبي بكر رضي الله عنه فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ قبل نصفِ النهارِ، وشهدتُها مع عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ إلى أنْ أقولَ: قد انتَصَفَ النهارُ، وصلَّيتها مع عثمان بن عفان رضي الله عنه فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ إلى أنْ أقولَ: قد زالَ النهارُ.
ثم قال أحمد: وكذلك روي عن ابن مسعود (1)، وجابر (2)، وسعد (3)،
ومعاوية (4): أنهم صلَّوا قبل الزوال.
(1) سيأتي تخريجه في الحديث التالي.
(2)
لم أقف عليه.
(3)
أخرجه مُسدَّد في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (1/ 287 رقم 721) وابن أبي شيبة (1/ 444 رقم 5121) من طريق شعبة، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن مصعب بن سعد قال: كان سعد يَقيل بعد الجمعة.
وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في «المطالب» ، والبوصيري في «إتحاف الخيرة» (2/ 310).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 445 رقم 5135) والبخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 477) وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 354 رقم 998) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، عن سعيد بن سُوَيد قال: صلَّى بنا معاويةُ الجمعةَ في الضُّحى.
وأعلَّه البخاري بقوله: لا يُتابَع عليه. يعني سعيد بن سُوَيد.
وقال الشيخ الألباني في «الأجوبة النافعة» (ص 25): وسعيد هذا لم يَذكروا له راويًا غير عمرو هذا، ومع ذلك ذكره ابن حبان في «الثقات» (1/ 62)!
فإنَّه إسناد جيد (1)، فإنَّ ثابت بن الحجَّاج هذا: جَزَري ثقة (2)، وشيخه عبد الله بن سِيدان -كما ترى- قد أدرك أَيام الصِّديق، ولكن قال البخاري (3): لا يُتابَع على حديثه هذا.
وقال أبو القاسم اللَاّلَكَائي (4):
هو مجهول، لا تقوم بروايته حجَّة، والله أعلم.
(1) هذه العبارة متعلِّقة بحديث عبد الله بن سِيدان.
(2)
انظر: «تهذيب التهذيب» (2/ 4) و «طبقات ابن سعد» (7/ 479).
(3)
في «التاريخ الكبير» (5/ 110 رقم 328).
(4)
كما في «ميزان الاعتدال» (2/ 437).
وردَّ ذلك أبو الخطاب الكَلوذاني، فقال في «الانتصار في المسائل الكبار» (1/ 581): بل هو معروف من كبار التابعين من بني سُليم، وقد صحَّح أحمد حديثه وأخذ به.
وقال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» له (8/ 173): وهذا إسناد جيد، وجعفر حديثه عن غير الزهريِّ حجَّة يحتجُّ به، قاله الإمام أحمد، والدارقطني، وغيرهما، وثابت بن الحجَّاج: جزري تابعي معروف، لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، وقد خرَّج له أبو داود، وعبد الله بن سِيدان السُّلمي المطرودي، قيل: إنه من الرَبَذة، وقيل: إنه جزري، يروي عن أبي بكر، وحذيفة، وأبي ذرٍّ، وثَّقه العِجلي، وذَكَره ابن سعد في طبقة الصحابة ممَّن نزل الشَّام، وقال: ذَكَروا أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وقال القُشيري في «تاريخ الرَّقَّة» [ص 35]: ذَكَروا أنه أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وأما البخاري فقال: لا يُتابَع على حديثه، كأنه يشير إلى حديثه هذا، وقول ابن المنذر [«الأوسط» (2/ 355)]: إنَّ هذا الحديث لا يثبت؛ هو متابعة لقول البخاري، وأحمد أعرف بالرِّجال من كلِّ مَن تكلَّم في هذا الحديث، وقد استدلَّ به، واعتمد عليه، وقد عضد هذا الحديث أنه قد صحَّ من غير وجه أنَّ القائلة في زمن عمرَ وعثمانَ كانت بعد صلاة الجمعة، وصحَّ عن عثمانَ أنه صلَّى الجمعة بالمدينة، وصلَّى العصرَ بمَلَل. خرَّجه مالك في «الموطأ» [1/ 41]، وبين المدينة ومَلَل اثنان وعشرون ميلاً، وقيل: ثمانية عشر ميلاً، ويبعد أن يلحق هذا السَّير بعد زوال الشمس. انتهى كلام الحافظ ابن رجب.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (2/ 387) و «إرواء الغليل» (3/ 62).
(173)
وقال الإمام أبو عبد الله الشافعي (1)
(1) في «الأم» (7/ 185).
وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 445 رقم 5134) في الصلاة، باب من كان يقيل بعد الجمعة، ويقول: هي أول النهار، عن غُندَر. وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 100، 354 رقم 628، 997) من طريق الطيالسي. كلاهما (غُندَر، والطيالسي) عن شعبة، به.
وأعلَّه البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (4/ 335) فقال: عبد الله بن سَلِمة كان قد تغيَّر في آخر عمره، ويشبه أن يكون غير محفوظ، وأبو إسحاق رأى عليًّا وهو صبي، فيشبه أن يكون قد تعجَّل بها في أول وقتها، فحسبه نصف النهار من تعجيلها، ويحتمل أن يكون خطب بهم نصف النهار، ثم أتى منها بقدر الإجزاء بعد الزوال.
قلت: هذا اختيار الإمام البيهقي، وخالَفَه الشيخ الألباني، فقال في «إرواء الغليل» (3/ 62 - 63): هذا سند حسن، رجاله كلهم ثقات، وفي عبد الله بن سَلِمة ضَعف من قِبَل أنه كان تغيَّر حفظه، لكنه هنا يروي أمرًا شاهده بنفسه، والغالب في مثل هذا أنه لا ينساه، وإن كان فيه ضعف، بخلاف ما إذا كان يروي أمرًا لم يشاهده، كحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنه يخشى عليه أن يزيد فيه أو ينقص، وأن يكون موقوفًا في الأصل، فتخونه ذاكرته فيرفعه.
وقال في «الأجوبة النافعة» (ص 24): ومثله إنما يُخشى منه الخطأ في رفع الحديث، أو في روايته عن غيره مما لم يشاهد، وهو هنا يروي حادثة شاهدها بنفسه، وهي في الواقع غريبة، لمخالفتها للمعهود من الصلاة بعد الزوال، فاجتماع هذه الأمور مما يرجِّح حفظه لما شاهد، فالأرجح أن هذا الأثر صحيح، ولعله من أجل ما ذكرنا احتجَّ به الإمام أحمد، فقال ابنه عبد الله في «مسائله» عنه (ص 112): سُئل عن وقت صلاة الجمعة؟ قال: إنْ صلَّى قبل الزوال فلا بأس، حديث عمرو بن مُرَّة، عن عبد الله بن سَلِمة: أنَّ عبد الله صلَّى بهم الجمعة ضحى، وحديث سهل بن سعد: كنا نصلِّي ونتغدَّى بعد الجمعة، كأنه يدل على أنه قبل الزوال.
فيما بَلَغه عن شعبة (1)، عن عمرو بن مُرَّة، عن عبد الله بن سَلِمة قال: صلَّى عبد الله -يعني: ابن مسعود- بأصحابه الجمعةَ ضحى، وقال: خَشِيتُ الحرَّ عليكم.
ثم قال الشافعي: وليسوا -يعني أهل الكوفة- يقولون بهذا، يقولون: لا يقول بهذا أحد (2)، صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، والأئمَّةُ بعدُ في كلِّ جُمُعةٍ بعد زوالِ الشمسِ.
(174)
ثم قال الشافعي (3) فيما بَلَغه عن ابن مهدي (4)، عن سفيان، عن أبي إسحاق قال: رأيتُ عليًّا يَخطبُ يومَ الجمعةِ نصفَ النهارِ.
ثم قال: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول: لا يَخطبُ إلا بعد الزوال.
قال: وكذلك روِّينا عن عمرَ، وغيره (5).
(1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أخبرنا شعبة» ، وما في الأصل موافق لما في «معرفة السُّنن والآثار» (2/ 474 - ط دار الكتب العلمية).
(2)
كذا ورد بالأصل. وتحرَّف في المطبوع إلى: «ولا يقول به أحد» ! وجاء على الصواب في النسخة المحققة (8/ 485 - ط دار الوفاء).
(3)
في «الأم» (7/ 167).
وصحَّح إسنادَه الحافظ في «الفتح» (2/ 387).
(4)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أخبرنا ابن مهدي» ، وما في الأصل موافق لما في «معرفة السُّنن والآثار» (2/ 474 - ط دار الكتب العلمية).
(5)
انظر ما تقدَّم (ص 311 - 312، تعليق رقم 2، 3
حديث آخر
(175)
روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث مغيرة، عن الحارث العُكلي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير (1) قال: بَعَث عمرُ جيشًا فيهم معاذ، فلمَّا ساروا إذا معاذ، قال: ما حَبَسَكَ؟ قال: أَردتُ الجمعةَ ثم أَخرُجُ. فقال عمرُ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَغَدوةٌ في سبيل اللهِ أو رَوحةٌ، خيرٌ من الدُّنيا وما فيها» (2).
فيه انقطاع.
وفيه دلالة على جواز السَّفر قبل الزوال يوم الجمعة، وهو قول بعض العلماء (3).
(1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين أبي زرعة بن عمرو بن جرير وعمر.
(2)
وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده» ، كما في «المطالب العالية» (9/ 257 رقم 1935 - ط العاصمة) عن جرير، عن مغيرة، به.
وأخرجه البيهقي (3/ 187) من طريق معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن مغيرة، به.
وقد أعلَّه المؤلِّف بالانقطاع.
لكن له طريق أخرى صحيحة: أخرجها محمد بن الحسن في «السِّير الكبير» (1/ 50) والشافعي في «الأم» (1/ 189) عن ابن عيينة. وعبد الرزاق (3/ 250 رقم 5537) عن الثوري. وابن أبي شيبة (1/ 443 رقم 5106) في الصلاة، باب من رخَّص في السفر يوم الجمعة، عن شريك. ثلاثتهم (ابن عيينة، والثوري، وشريك) عن الأسود بن قيس، عن أبيه: أنَّ عمرَ أبصَرَ رجلاً عليه هيئة السَّفر، وهو يقول: لولا أنَّ اليومَ يومُ جمعة لَخَرجتُ. فقال له عمر: اُخرُجْ، فإنَّ الجمعةَ لا تحبسُ عن سفرٍ.
وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «الأجوبة النافعة» (ص 65).
(3)
انظر: «الذخيرة» (2/ 356) و «منهاج الطالبين» (1/ 265) و «الكافي» لابن قدامة (1/ 498).
حديث آخر يُذكر فيه مسألة الزِّحام
(176)
قال الإمام أحمد (1): ثنا سليمان بن داود أبو داود (2)، ثنا سلَاّم -يعني: أبا الأحوص-، عن سمَاك بن حرب، عن سيَّار بن المَعْرور قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يَخطبُ، وهو يقول: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه: المهاجرون والأنصار، فإذا اشتدَّ الزِّحامُ فلْيَسجُدِ / (ق 59) الرَّجلُ منكم على ظَهْر أخيه. ورأى قومًا يصلُّون في الطريق، فقال: صلُّوا في المسجد.
ورواه علي ابن المديني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن أبي الأَحوص، عن سمَاك، به.
وقال (3): هذا إسناد مجهول، لا نحفظه إلا من هذا الطريق، وسيَّار بن المَعْرور مجهول، لا نعلم أحدًا روى عنه إلا سمَاك. وكان أبو نعيم يقول: سيَّار بن المَغْرور. والصواب: مَعْرور.
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (4): هكذا رواه أبو الأحوص، وأسباط بن نصر، عن سمَاك بن حرب. واتفقا على أنَّه سيَّار بن مَعْرور. وقال يحيى بن معين (5): إنما هو سيَّار بن مَغْرور -بالمعجمة-، ولستُ أعلمُ من أين أخذ هذا؟ وسيَّار هذا: مجهول، لا نعلم حدَّث
(1) في «مسنده» (1/ 32 رقم 217).
(2)
هو: الطَّيالسي، والحديث في «مسنده» (1/ 69 رقم 70).
(3)
في «العلل» له (ص 93) و (ص 671 - ط دار ابن الجوزي).
(4)
في «العلل» (2/ 153).
(5)
في «تاريخه» (2/ 244 - رواية الدُّوري).
عنه غير سمَاك بن حرب، ولا نعلمه أسند إلا هذا الحديث (1).
قلت: وفيه دلالة لقول بعض المالكية (2): أنَّ مَن صلَّى الجمعة خارج المسجد وهو قادر على دخوله أنَّه لا تصحُّ جمعته، لأنه أمرهم بذلك، والله أعلم.
(1) وله طريق أخرى صحيحة: أخرجها ابن أبي شيبة (1/ 237 رقم 2726) في الصلاة، باب في الرجل يسجد على ظَهْر الرجل، وابن المنذر في «الأوسط» (4/ 104 رقم 1856) وابن حزم في «المحلى» (4/ 84) والبيهقي (3/ 183) من طريق الأعمش، عن المسيّب بن رافع، عن زيد بن وهب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال:
…
، فذكره، دون قوله: ورأى قومًا يصلُّون في الطريق.
وهذا إسناد صحيح، كما قال ابن الملقِّن في «خلاصة البدر المنير» (1/ 223).
وقد احتجَّ به الإمام أحمد في «مسائله» (2/ 411 - 412 - رواية عبد الله).
(2)
انظر: «عِقد الجواهر الثمينة» (1/ 162) و «الذخيرة» (2/ 335).
أثر في كراهية تطويل الخطب والتَّقعر (1) فيها
(177)
قال أبو عبيد (2): ثنا إسماعيل بن جعفر (3)، عن حميد، عن أنس، عن عمرَ: أنَّ رجلاً خَطَبَ، فأَكثَرَ، فقال عمرُ: إنَّ كثيرًا من الخُطَب من شَقَاشِقِ الشيطانِ (4).
قال أبو عبيد: واحدتُها شِقْشِقةٌ، وهي التي إذا هَدَرَ البعيرُ من الإبلِ العرابِ خاصّةً خَرَجتْ من شِدقِهِ شبيهةٌ بالرِّئةِ.
(178)
حديث ابن عمر: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمرُ رضي الله عنهما يُصلُّون العيدينَ قبلَ الخطبةِ.
سيأتي (5) في مسنده من حديث أبي لُبَابة، عن عبيد الله، عن نافع، عنه. وهو في «الصحيحين» (6).
(1) التقعر: التشدق والتكلم بأقصى الفم. «لسان العرب» (11/ 242 - مادة قعر).
(2)
في «غريب الحديث» (4/ 194).
(3)
وهو في «حديثه» (ص 200 رقم 99 - رواية علي بن حُجر).
وأخرجه -أيضًا- البخاري في «الأدب المفرد» (ص 305 رقم 876) من طريق محمد بن جعفر، عن حميد: أنه سَمِعَ أنسًا يقول:
…
، فذكره.
وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «صحيح الأدب المفرد» .
(4)
نَسَبها إلى الشيطان لما يَدخل فيه من الكذب والباطل، وكونه لا يُبالي بما قال. «النهاية» (2/ 490).
(5)
انظر: «جامع المسانيد والسنن» (29/ 70 رقم 1533 - ط قلعجي).
(6)
أخرجه البخاري (2/ 451، 453 رقم 957، 963 - فتح) في العيدين، باب المشي والركوب إلى العيد
…
، وباب الخطبة بعد العيد. ومسلم (2/ 605 رقم 888) في صلاة العيدين.
وانظر لزامًا: «فتح الباري» لابن رجب (6/ 97).
أثر آخر
(179)
قال البخاري (1): وكان عمرُ يُكبِّر في قبَّته بمنًى، فيَسْمَعُهُ أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرون، ويُكبِّر أَهلُ الأسواقِ، حتى تَرْتَجَّ (2) مِنًى تكبيرًا.
(1) في «صحيحه» (2/ 461 - فتح) في العيدين، باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة.
ووَصَله سعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (2/ 379) والبيهقي (3/ 312) والفاكهي في «أخبار مكة» (4/ 259 رقم 2580، 2582) من طريق عُبيد بن عُمَير، عن عمرَ
…
، فذكره.
وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 297).
(2)
ترتج: أي: تضطرب. «النهاية» (2/ 197).