الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/ (ق 2) بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسِّر
مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كتاب الطهارة
(1)
قال الإمام أحمد (1): ثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي، عن علقمة بن وقَّاص اللَّيثي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكلِّ امرئٍ ما نَوَى، فمَن كانت هجرتُهُ إلى اللهِ، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه، ومَن كانت هجرتُهُ لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يَنكحُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه» .
هكذا رواه عن سفيان.
ورواه في موضع آخر (2) عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، به، ولفظه:«إنما العملُ بالنِّيَّةِ، وإنما لامرئٍ ما نَوَى، فمَن كانت هجرتُهُ إلى اللهِ وإلى رسولِهِ، فهجرتُهُ إلى اللهِ وإلى رسولِهِ، ومَن كانت هجرتُهُ لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه» .
وهذا حديثٌ عظيمٌ جليلٌ، اتَّفق الأئمَّة كلُّهم على إخراجه في كُتُبِ الإسلامِ وتلقِّيه بالقَبول من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري القاضي.
(1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 168).
(2)
(1/ 43 رقم 300).
فرواه أبو عبد الله البخاري رحمه الله في سبعة مواضعَ من كتابه «الصحيح» :
ففي أول الكتاب (1) عن الحميدي -وهو: عبد الله بن الزبير-، عن سفيان (مـ)(2) / (ق 3) بن عيينة، به، ولفظه:«إنما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى، فمن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يُصيبُها أو إلى امرأةٍ يَنكحُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه» .
ورواه في كتاب الإيمان (3)، عن القَعْنبي (مـ س)(4).
وفي النكاح (5)، عن يحيى بن قَزَعة.
كلاهما عن مالك بن أنس (س)(6)، عن يحيى بن سعيد، به.
ولفظه في الإيمان: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، ومَن كانت هجرتُه إلى دُنيا يُصيبها أو إلى امرأةٍ (7) يتزوَّجُها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه» .
(1)(1/ 9 رقم 1 - فتح) في بدء الوحي، باب كيف الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
هذا الرمز وما يتلوه من الرموز من صنيع المؤلِّف، ومراده هنا: بيان أن رواية مسلم (3/ 1515 رقم 1907) من طريق ابن عيينة.
(3)
(1/ 135 رقم 54 - فتح) باب ما جاء أنَّ الأعمال بالنِّيَّة والحسبة، ولكل امرئ ما نوى.
(4)
هذا الرمز لبيان أن رواية مسلم (3/ 1515 رقم 1907) والنسائي (1/ 62 رقم 75) من طريق القَعْنبي.
(5)
(9/ 115 رقم 5070 - فتح) باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة فله ما نوى.
(6)
هذا الرمز لبيان أن رواية النسائي (1/ 62 رقم 75) و (6/ 470 رقم 3437) من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (ص 341 رقم 983 - رواية محمد بن الحسن).
(7)
في المطبوع: «أو امرأة» .
ثم رواه البخاري في الهجرة (1)، عن مُسدَّد.
وفي ترك الحيل (2)، عن محمد بن الفضل عارِم.
كلاهما عن حماد بن زيد (مـ س)(3)، عن يحيى بن سعيد، به.
ورواه في العتق (4)، عن محمد بن كثير (د)(5)، عن الثوري، عن يحيى بن سعيد، به.
وفي النذور (6)، عن قتيبة، عن عبد الوهاب الثَّقَفي، عن يحيى بن سعيد، به. بألفاظ متقاربة.
وأخرجه مسلم في أواخر كتاب الجهاد من «صحيحه» (7)، عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة.
وعن محمد بن عبد الله بن نُمَير، عن حفص بن غياث ويزيد بن هارون.
كلُّهم عن يحيى بن سعيد، به.
ورواه -أيضًا- من حديث الليث بن سعد (ق)(8)، وعبد الله بن
(1)(7/ 226 رقم 3898 - فتح) في مناقب الأنصار، باب هجرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
(2)
(12/ 327 رقم 6953 - فتح) باب في ترك الحيل.
(3)
هذا الرمز لبيان أن رواية مسلم (3/ 1515 رقم 1907) والنسائي (1/ 62 رقم 75) من طريق حماد بن زيد.
(4)
(5/ 160 رقم 2529) باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه.
(5)
هذا الرمز لبيان أن رواية أبي داود (3/ 75 رقم 2201) من طريق محمد بن كثير.
(6)
(11/ 572 رقم 6689) باب النِّيَّة في الأيمان.
(7)
هكذا عزا المؤلِّف هذا الحديث لكتاب الجهاد من «صحيح مسلم» تبعًا لشيخه المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 92)، وليس في «صحيح مسلم» كتاب بهذا الاسم، وإنما أخرجه في كتاب الإمارة. انظر:«صحيح مسلم» (3/ 1515 رقم 1907) كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنِّيَّة» .
(8)
هذا الرمز لبيان أن رواية ابن ماجه (2/ 1413 رقم 4227) من طريق الليث بن سعد.
المبارك (س)(1)، وأبي خالد الأحمر، ومن طرق أخر قد رَمَزنا له عليها. كلُّهم عن يحيى بن سعيد.
وأخرجه أصحاب السُّنن الأربعة: أبو داود السِّجستاني (2)، وأبو عيسى الترمذي (3)، وأبو عبد الرحمن النسائي (4)، وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القَزويني (5) من الطرق التي رَمَزنا لهم عليها، وألفاظهم متقارِبة.
وقد حرَّرناها في أول «شرح البخاري» (6)، ولله الحمد.
وقد رواه الإمام علي ابن المديني في «مسنده» (7)، عن سفيان بن
(1) هذا الرمز لبيان أن رواية النسائي (1/ 62 رقم 75) من طريق عبد الله بن المبارك.
(2)
تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم 5
(3)
في «سننه» (4/ 154 رقم 1647) في فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن يُقاتل رياءً وللدنيا.
(4)
في «سننه» (6/ 470 رقم 3437) في الطلاق، باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه، و (7/ 18 رقم 3803) في الأيمان، باب النِّيَّة في اليمين.
(5)
تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم 5.
(6)
ذَكَره المؤلِّف في عدَّة مواضع من هذا الكتاب، وقال في «البداية والنهاية» (11/ 24) في ترجمته للإمام البخاري: وقد ذكرنا له ترجمةً حافلةً في أول شرحنا لـ «صحيحه» .
قلت: لكنه لم يتمَّه، كما ذَكَر ذلك ابن حجر في «الدُّرر الكامنة» (1/ 399)، والداوودي في «طبقات المفسِّرين» (1/ 112).
(7)
قد أكثر المؤلِّف رحمه الله في كتابه هذا النقل من «مسند علي ابن المديني» .
وفي بعض المواضع سماه: «المسند المعلَّل» .
وفي أحد المواضع قال: «قال علي ابن المديني في مسند عمر» .
وبالنظر في هذه المواضع تبيَّن أن الحافظ ابن كثير ينقل من «مسند علي ابن المديني المعلَّل» ، وهو مرتَّب على مسانيد الصحابة، وهذا «المسند» في عداد المفقود الآن.
عيينة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثَّقَفي، ويزيد بن هارون. كلُّهم عن يحيى بن سعيد، به.
ثم قال: هذا حديث صحيح جامع، وهو من أصحِّ حديث روي عن عمرَ مرفوع، ولا نرويه من وجه من الوجوه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري.
ورواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1) عن حماد بن زيد، وزُهَير بن محمد التميمي. كلاهما عن يحيى بن سعيد، به.
ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (2) عن أبي خيثمة زُهَير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، به.
وعن إسحاق بن إسماعيل، عن سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وجعفر بن عَون. كلُّهم عن يحيى بن سعيد، به.
وعن القَوَاريري، عن حماد بن زيد، عن يحيى، به.
ورواه الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار في «مسنده» (3) عن محمد بن عبد الملك القرشي بن أبي الشَّوارب.
(1)(1/ 41 - 42 رقم 37).
(2)
لم أجده في المطبوع من «مسنده» ، وهو من رواية ابن حمدان، فلعله في مسنده الكبير.
(3)
(1/ 380 رقم 257) عن محمد بن عبد الملك القرشي، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، به.
(ق 5) ......... (1) وعبد الرحمن. وكُلٌّ منهم قد تكلِّم فيه.
(2)
وقد رواه الدارقطني (2) عن الحسين بن إسماعيل، عن أحمد بن إبراهيم البُوشَنجي، عن سفيان بن عيينة قال: حدَّثونا عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: لما كنَّا بالشام أتيتُ عمرَ بن الخطاب بماءٍ، فتوضَّأ منه
…
، وذَكَر الحديث (3).
(1) في هذا الموضع خرم بالأصل.
(2)
في «سننه» (1/ 32).
(3)
ولفظ رواية الدارقطني: لما كنَّا بالشام أتيتُ عمرَ بماءٍ فتوضَّأ منه، فقال: من أين جئتَ بهذا؟ فما رأيتُ ماءً عَذبًا، ولا ماءَ سماءٍ أطيبَ منه! قال: قلت: من بيتِ هذه العجوزِ النصرانيةِ. فلما توضَّأ، أتاها، فقال: أيَّتُها العجوزُ، أَسلِمِي تَسلَمِي، بَعَثَ اللهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحقِّ. قال: فكَشَفَت رأسَها، فإذا مثلُ الثَّغَامةِ، قالت: وأنا أموتُ الآن! قال: فقال عمرُ: اللهمَّ اشْهَدْ.
وهكذا رواه علي بن حرب الطائي (1)،
عن سفيان بن عيينة.
لكن هذا الأثر مشهور عن عمرَ، متداولٌ بين الأئمَّة، والله أعلم (2).
حديث آخر
(3)
قال الإمام أحمد (3): ثنا يحيى بن غَيْلان، ثنا رِشدين بن سعد،
(1) في «جزئه» (ص 265 رقم 27).
وهذا الأثر يَرويه ابن عيينة، واختُلف عليه:
فقيل: عنه، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ!
وقيل: عنه، عمَّن حدَّثه عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ!
وقيل: عنه، عن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ!
أما الوجه الأول: فأخرجه الشافعي في «الأم» (1/ 8) -ومن طريقه: ابن المنذر في «الأوسط» (1/ 314 رقم 237) والبيهقي (1/ 32) - وعلي بن حرب في «جزئه» (ص 265 رقم 27) وعبد الرزاق (1/ 78 رقم 254). والدارقطني (1/ 32) من طريق خلَاّد بن أسلم. أربعتهم (الشافعي، وعلي بن حرب، وعبد الرزاق، وخلَاّد) عن ابن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه
…
، فذكره.
تنبيه: تحرَّف خلَاّد بن أسلم في مطبوع الدارقطني إلى «ابن خلَاّد بن أسلم» ! وجاء على الصواب في النسخة المحققة (1/ 39 رقم 64 - ط مؤسسة الرسالة).
ورواية الشافعي وعلي بن حرب مقتصرة على قصة الوضوء فقط.
قال الحافظ في «تغليق التعليق» (2/ 131): وهذا إسناد ظاهره الصحة، وهو منقطع.
وقال في «الفتح» (1/ 299): لم يَسْمعه ابن عيينة من زيد بن أسلم، فقد رواه البيهقي من طريق سعدان بن نصر، عنه، قال: حدَّثونا عن زيد بن أسلم
…
، فذكره مطولاً. ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة، فقال: عن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه، به.
وأما الوجه الثاني: فأخرجه الدارقطني (1/ 32) من طريق أحمد بن إبراهيم البُوشنجي. والبيهقي (1/ 32) من طريق سعدان بن نصر. وعلي بن حرب في «جزئه» (ص 266 رقم 31). ثلاثتهم (البُوشنجي، وسعدان، وعلي بن حرب) عن ابن عيينة قال: حدَّثونا عن زيد بن أسلم، عن أبيه
…
، فذكره.
وأما الوجه الثالث: فأخرجه الإسماعيلي، كما في «تغليق التعليق» (2/ 132).
قال الحافظ: وأولاد زيد بن أسلم هم: عبد الله، وعبد الرحمن، وأسامة، وهم ضعفاء، وأمثلهم عبد الله، والله أعلم من عَنَى ابن عيينة منهم.
وقال في «الفتح» (1/ 299): وأولاد زيد هم: عبد الله، وأسامة، وعبد الرحمن، وأوثقهم وأكبرهم عبد الله، وأظنه هو الذي سَمِعَ ابن عيينة منه ذلك، ولهذا جزم به البخاري.
قلت: وهو عند البخاري في «صحيحه» (1/ 298 - فتح) معلقًا، ولفظه: وتوضأ عمر بالحميم من بيت نصرانية.
وجوَّد إسناده الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 86).
(2)
كتب المؤلِّف بعد هذا الأثر: «يتلوه الورقة» ، ولم أعثر على هذه الورقة بين صفحات المخطوط، ومن عادة المؤلِّف في هذا الكتاب أن يضيف أوراقًا ليَستدرك ما فاته من الأحاديث والآثار، كما نبَّهت على ذلك في المقدمة.
(3)
في «مسنده» (1/ 23 رقم 151).
حدثني أبو عبد الله الغافِقي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّه توضَّأ عامَ تبوكَ واحدةً واحدةً.
ورواه ابن ماجه (1)، عن أبي كُرَيب، عن رِشدين بن سعد المصري، به.
ثم رواه أحمد (2)، عن حسن بن موسى الأشيب، عن ابن لَهِيعة، ثنا الضحاك بن شُرَحبيل -وهو: أبو عبد الله الغافِقي-، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ مرَّةً مرَّةً.
وهذا إسناد حسن (3).
(1) في «سننه» (1/ 143 رقم 412) في الطهارة، باب ما جاء في الوضوء مرَّة مرَّة.
(2)
في «مسنده» (1/ 23 رقم 149).
(3)
له علَّة، فقد قال الترمذي في «سننه» (1/ 61) بعد ذِكره لهذه الطريق: وليس هذا بشيء، والصحيح: ما روى ابن عَجْلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو حاتم، كما في «العلل» لابنه (1/ 26 رقم 72): هذا خطأ، إنما هو زيد، عن عطاء بن يَسَار، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال البزَّار في «مسنده» (1/ 416): هذا الحديث خطأ، وأَحسَبُ أن خطأه أتى من قِبَلِ الضحاك بن شُرَحبيل، والصواب: مارواه الثقات عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن ابن عباس.
قلت: ومن هذا الوجه الذي أشار إليه البزَّار: أخرجه البخاري (1/ 258 رقم 157 - فتح) في الوضوء، باب الوضوء مرَّة مرَّة.
ولم يتنبَّه لعلَّته محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 23 - ط مؤسسة الرسالة)، فصحَّحوا رواية ابن لَهِيعة لمتابعة رِشدين، وغفلوا عن علَّته.
وانظر للفائدة: «الضعفاء الكبير» للعقيلي (2/ 263) و «علل الدارقطني» (2/ 144 رقم 170).
حديث آخر
(4)
قال الإمام أحمد (1)، وأبو محمد الدَّارمي (2)، وهذا لفظه: ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا حَيوة، أنا أبو عَقيل زُهرة بن مَعبد، عن ابن عمِّه، عن عُقبة بن عامر: أنَّه خَرَج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوكَ، فجَلَس رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومًا يحدِّثُ أصحابَه، فقال:«مَن قام إذا استقلَّتِ الشمسُ فتوضَّأَ، فأَحسَنَ الوُضوءَ، ثم قام فصلَّى ركعتين، خَرَج من ذنوبه كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّه» .
قال عُقبة: فقلتُ: الحمدُ لله الذي رَزَقني أن أسمعَ هذا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه -وكان تُجَاهي جالسًا- أَتَعجبُ / (ق 6) من هذا؟ فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَعجَبَ من هذا قبلَ أن تأتي؟ فقلتُ: وما ذاك بأبي أنت وأمِّي؟ فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن توضَّأَ فأَحسَنَ الوُضوءَ، ثم رَفَع بصرَه -أو نظرَه- إلى السماء، فقال: أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، فُتِحَتْ له ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ يَدخلُ من أيِّهنَّ شاءَ» .
وأخرجه أبو داود (3)، والنسائي (4) من حديث حَيوة -وهو: ابن شُريح-، عن زُهرة بن مَعبد، به.
وقال علي ابن المديني: هذا حديث حسن (5).
(1) في «مسنده» (1/ 19 - 20 رقم 121).
(2)
في «سننه» (1/ 558 رقم 743) في الطهارة، باب القول بعد الوضوء.
(3)
في «سننه» (1/ 230 رقم 170) في الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا توضأ.
(4)
في «سننه الكبرى» (6/ 25 رقم 9912).
(5)
في إسناده راوٍ لم يُسمَّ، وقد تفرَّد بزيادة لم يُتابَع عليها، وهي قوله: «ثم رفع بصرَه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إلى السماء»، وقد نصَّ الشيخ الألباني في «ضعيف سنن أبي داود» (1/ 57) على نكارة هذه الزيادة، فقال: والحديث في «صحيح مسلم» وغيره دون رفع البصر إلى السماء، فلم نجدها إلا في هذه الطريق، فكانت منكرة.
وقال في «الإرواء» (1/ 135): وهذه الزيادة منكرة؛ لأنه تفرَّد بها ابن عمّ أبي عقيل هذا، وهو مجهول.
وممن نصَّ على جهالته: ابنُ دقيق العيد في «الإمام» (2/ 66) والمنذريُّ في «مختصر سنن أبي داود» (1/ 127).
وَوَصْف هذه الزيادة بالنكارة لا يتنافى مع قول الإمام ابن المدينيِّ: «هذا حديث حسن» -فيما ظهر لي-؛ لأن مراده بالحُسْن هنا: الغرابة، ذلك لأن علماء الحديث يطلقون مصطلح الحَسَن، ويريدون به عدَّة إطلاقات:
فيطلقونه، ويريدون به: الغرابة.
ويطلقونه، ويريدون به: الصحيح الثابت.
ويطلقونه، ويريدون به: الحُسْن الاصطلاحي.
ويطلقونه، ويريدون به: الحُسْن اللُّغوي.
ويطلقونه، ويريدون به: جريان العمل.
ولهذه الإطلاقات أمثلة كثيرة مبسوطة في كتب العلل، ومن نازع في هذا، ورأى أن مقصود الإمام ابن المديني في هذا المثال الحُسْن الاصطلاحي لا الغرابة؛ فلا حرج، فالمسألة اجتهادية، وقد ذكر الدكتور خالد بن منصور الدِّريس في كتابه «الحديث الحسن لذاته ولغيره» أن الإمام ابن المديني ممن يستعمل مصطلح الحَسَن بمعنى الصحيح الثابت، واستبعد استعماله بمعنى الغرابة، وتوصل إلى هذه النتيجة بعد استقرائه للنصوص الواردة عن ابن المديني، وبالأخص من خلال كتابنا هذا «مسند الفاروق» ، إلا أنه لم يجزم بهذا، فقد قال في نهاية بحثه (1/ 175 - 176): لا أستبعد أنه لو أتيح لنا الاطلاع على نصوص عن الإمام ابن المديني أكثر مما وصلنا فلربَّما تغيَّر حُكمُنا، أو لتنبَّهنا لأشياء كانت خافية علينا.
وخالف في هذا الشيخ عمرو عبد المنعم سليم، فذكر في كتابه:«الحَسَن بمجموع الطرق في ميزان المتقدمين والمتأخرين» أن ابن المديني وغيره من أئمة العلل يستعملون مصطلح الحَسَن ويريدون به الغرابة، لا الحُسْن الاصطلاحي.
وفيما ذهب إليه نظر؛ فقد نصَّ الحافظ ابن حجر في «النكت على ابن الصلاح» =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (1/ 426) على أن ابن المديني ممن استعمل الحَسَن بمعناه الاصطلاحي، وسيرد في هذا الكتاب بعض الأمثلة التي تؤيد رأي الحافظ، فانظر رقم (163) و (268).
ومما يعاب على الشيخ عمرو أنه أساء العبارة في حق الحافظ ابن حجر، فقال في (ص 29) تعليقًا على رأي الحافظ في أن ابن المديني يستعمل الحَسَن بالمعنى الاصطلاحي:«وهذه دعوى مجرَّدة عارية عن الدليل، فأين اطلع ابن حجر على «مسند علي ابن المديني» ، وقد أكلته الأرضة؟»!!
هذا ما قاله، وفيه نظر، فابن كثير أكثر النقل في هذا الكتاب عن ابن المديني، والحافظ ابن حجر ممن قرأه وعلَّق عليه، كما بيَّنت ذلك في المقدمة.
ثم هَب أن الحافظ لم يطلع على «مسند ابن المديني» ، فقد اطلع على غيره من كُتُبه، وفَهِمَ من إطلاقاته إرادة المعنى الاصطلاحي، ووافقه على هذا الفَهم من سَبَقه، ومنهم: الحافظ ابن كثير، كما في المثال رقم (268) من هذا الكتاب.
وإذا كان الحافظ لم يطلع على «مسند ابن المديني» ، فكذلك الشيخ عمرو لم يطلع عليه، فمن أين له أن ابن المديني لا يعني إلا الغرابة؟
وإليك بعض الأمثلة التي يتضح من خلالها استعمال الحفاظ لمصطلح الحسن بمعناه الاصطلاحي:
1 -
فقد أخرج البخاري (1565) ومسلم (1221)(154)(156) من طريق قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى قال: قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاءِ، فقال:«بِمَ أَهْلَلْتَ؟» . فقلتُ: بإهلالٍ كإهلالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«هل سُقْتَ من هَدْيٍ؟» ، قلتُ: لا. قال: «طُفْ بالبيتِ، وبالصَّفا والمروةِ، ثم حِلَّ»
…
الحديث.
وقد سُئل عنه ابن المديني -كما سيأتي عند الحديث رقم (320) -، فقال: هذا إسناد حسن. أفيصح بعد هذا أن يقال بأن ابن المديني أراد الغرابة، والحديث في «الصحيحين» ؟!
2 -
وسُئل ابن المديني -أيضًا- عن حديث علي الآتي (1/ 300): أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وذهبًا في شماله، ثم رفع يده، وقال:«هذان حرامٌ على ذُكُورِ أُمَّتي» ، فقال: حديث حسن، رجاله معروفون.
وهذا تحسين بالمعنى الاصطلاحي؛ لأنه أردفه بقوله: رجاله معروفون.
3 -
وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/ 50 رقم 1636): سَمِعتُ أبا زرعة، وذكر حديث المِقدام بن معدي كرب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الخال وارث من لا وارث له» ، فقال: هو حديث حسن. قال له الفضل الصَّائغ: أبو عامر الهَوْزَني مَن هو؟ قال: معروف، روى عنه راشد بن سعد، لا بأس به.
وهذا ـ أيضًا ـ تحسين بالمعنى الاصطلاحي؛ لأنه عقَّبه بتقوية حال الهَوْزَني.
4 -
وأخرج الترمذي في «العلل الكبير» (ص 161 رقم 273) من طريق عبد الله بن جعفر المخرَمي، عن عثمان بن محمد، عن المَقْبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المحلِّلَ والمحلَّلَ له» ، ثم قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وعبد الله بن جعفر المخرَمي صدوق ثقة، وعثمان بن محمد الأخنسي ثقة، وكنت أظن أن عثمان لم يَسْمع من سعيد المَقْبري.
وهذا -أيضًا- تحسين بالمعنى الاصطلاحي؛ لأنه عقَّبه بتوثيق رواته.
وجوَّد إسناده ابن تيمية في «بيان الدليل على بطلان التحليل» (ص 396).
5 -
وأخرج الدارقطني في «سننه» (3/ 172) حديثًا من رواية أبي عُبيدة، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دية الخطأ خمسة أخماس، عشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور. ثم قال: وهذا إسناد حسن، ورواته ثقات، وقد روي عن علقمة، عن عبد الله، نحوه.
فهؤلاء خمسة من الحفاظ استعملوا مصطلح الحسن بمعناه الاصطلاحي، وهذا كافٍ في إبطال دعوى أن المتقدمين لا يعنون بمصطلح الحسن إلا الغرابة، ومن أراد المزيد فليطالع كتب العلل.
ورواه أبو داود -أيضًا- (1)، عن هارون بن عبد الله، عن عبد الله بن يزيد -وهو: أبو عبد الرحمن المقرئ-، عن سعيد بن أبي أيوب، عن زُهرة بن مَعبد.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (2)، وأبو داود (3)، والنسائي (4) من طرق، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخَوْلاني، عن عُقبة بن عامر.
قال معاوية بن صالح: وحدَّثني أبو عثمان -وهو: سعيد بن هانئ-، عن جُبَير بن نُفَير، عن عُقبة بن عامر، عن عمرَ بن الخطاب، به.
ولفظ مسلم: قال عُقبة: كانت علينا رعايةُ الإبلِ، فجاءت نَوْبَتي،
(1) لم أجده في مطبوع «السُّنن» ، وأورده المزِّي في «تحفة الأشراف» (9974)، وقال:«حديث هارون في رواية أبي سعيد ابن الأعرابي، ولم يَذكره أبو القاسم» .
وأخرجه -أيضًا- البزَّار (1/ 361 رقم 242) عن محمد بن المثنى، عن عبد الله بن يزيد، به.
(2)
(1/ 209 رقم 234) في الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء.
(3)
في «سننه» (1/ 228 رقم 169) في الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا توضأ.
(4)
في «سننه» (1/ 102 رقم 151) في الطهارة، باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلَّى ركعتين.
فَرَوَّحتُها بعَشِيٍّ، فأدركتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يُحدِّثُ الناسَ، فأَدرَكْتُ من قوله:«ما مِن مسلمٍ يَتوضَّأُ، فيُحسِنُ وُضوءَه، ثم يقومُ فيُصلِّي ركعتين، مُقبِلاً عليهما بقلبِهِ ووجهِهِ إلا وَجَبَت له الجنَّةُ)). / (ق 7) قال: قلت: ما أجودَ هذه! فإذا قائلٌ بين يَدَيَّ يقول: التي قبلَها أجودُ. فنَظَرتُ، فإذا عمرُ، فقال: إنِّي قد رأيتُك جئتَ آنفًا، قال: «ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُبلِغُ -أو: فيُسبِغُ- الوُضوءَ، ثم يقول: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنَّةِ الثمانيةِ يَدخلُ من أيِّها شاءَ» .
وقد رواه ابن ماجه (1)،
عن علقمة بن عمرو الدَّارمي، عن أبي بكر بن
(1) في «سننه» (1/ 159 رقم 470) في الطهارة، باب ما يُقال بعد الوضوء.
وله علَّة نبَّه عليها الدارقطني، فقال في «العلل» (2/ 113 - 114): وروي عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة، حدَّث به أبو إسحاق السَّبيعي، واختُلف عن أبي إسحاق، فرواه إسرائيل، وأبو الأحوص، وعَبيدة بن مُعتِّب، ومِسْعَر، ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، وسَلَمة بن صالح الأحمر، وغيرهم، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر.
ورواه أُنيس بن خالد، وهلال الوزَّان، عن أبي إسحاق، عن عُقبة بن عامر. ورواه شعبة، ففحص عن إسناده، وبيَّن علَّته، وذكر أنه سَمِعَه من أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر، وأنه لقي عبد الله بن عطاء، فسأله عنه، فأَخبَرَه أنه سَمِعَه من سعد بن إبراهيم، وأنه لقي سعد بن إبراهيم فسأله، فأَخبَرَه أنه سَمِعَه من زياد بن مِخراق، وأنه لقي زياد بن مِخراق، فأَخبَرَه أنه سَمِعَه من شَهر بن حَوشب، وأن الحديث فسد عند شعبة بذِكر ابن حَوشَب فيه. اهـ.
تنبيه: هذه القصة التي ساقها الدارقطني عن شعبة أسندها الرَّامهُرمُزي في «المحدِّث الفاصل» (ص 313 رقم 209) والمُعافَى بن زكريا في «الجليس الصالح» (2/ 425) وأبو نعيم في «الحلية» (7/ 148) والخطيب في «الكفاية» (2/ 465 رقم 1247) وفي «الرحلة في طلب الحديث» (ص 59)، ومدارها على نصر بن حماد الورَّاق، وهو متَّهم، كذَّبه ابن معين، وقال مسلم: ذاهب الحديث. وقال البخاري: يتكلَّمون فيه. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. انظر: «تهذيب الكمال» (29/ 342) و «الجرح والتعديل» (8/ 470 رقم 2155).
والصحيح في هذا: ما رواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 167) قال: نا علي بن الحسين قال: قال علي ابن المديني، نا بِشر بن المُفضَّل، قال: قَدِمَ علينا إسرائيل، فحدَّثنا عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر بحديثين، فذهبتُ إلى شعبة، فقلت: ما تصنعُ شيئًا! حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله، عن عُقبة بكذا. فقال: يا مجنون! هذا حدَّثنا به أبو إسحاق. فقلت لأبي إسحاق: مَن عبد الله بن عطاء؟ قال: شابٌ من أهل البصرة قَدِمَ علينا. فقَدِمْتُ البصرةَ، فسألتُ عنه، فإذا هو جليس فلان، وإذا هو غائب في موضع، فقَدِمَ، فسألته، فحدثني به، فقلت: مَن حدَّثك؟ قال: حدثني زياد بن مِخراق. فأحالني على صاحب حديث، فلقيت زياد بن مِخراق، فسألته، فحدثني به، قال: حدثني بعض أصحابنا، عن شَهر بن حَوشَب.
وانظر: «المعرفة والتاريخ» للفَسَوي (2/ 426).
عيَّاش، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر، عن عمرَ بن الخطاب، به.
وروي من طريق أخرى عن عمرَ، فقال الترمذي (1): ثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي، عن زيد بن الحُبَاب، عن معاوية بن
(1) في «سننه» (1/ 77 رقم 55) في الطهارة، باب فيما يُقال بعد الوضوء.
وزاد في آخره: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين» ، وقد أعلَّ هذه الزيادة الحافظ ابن حجر، فقال في «نتائج الأفكار» (1/ 241):لم تثبت هذه الزيادة في هذا الحديث؛ فإنَّ جعفر بن محمد بن محمد شيخ الترمذي تفرَّد بها، ولم يَضبط الإسناد، فإنه أسقط بين أبي إدريس وبين عمر جُبَير بن نُفَير وعُقبة، فصار منقطعًا، بل معضلاً، وخالفه كل من رواه عن معاوية بن صالح، ثم عن زيد بن الحُبَاب، وقد رواه عن زيد سوى من تقدم ذكره: موسى بن عبد الرحمن، وحديثه عند النسائي [1/ 25]، وأبو بكر الجُعفي، وعباس بن محمد الدُّوري، وحديثهما عند أبي عوانة [1/ 28]، وأبو كُرَيب محمد بن العلاء، وحديثه عند أبي نعيم في «المستخرج» [1/ 297]، فاتفاق الجميع أولى من انفراد الواحد.
صالح، عن ربيعة بن يزيد الدِّمشقي، عن أبي إدريس الخَوْلاني وأبي عثمان. كلاهما عن عمرَ بن الخطاب، به.
ثم قال: في إسناده اضطراب (1).
قال محمد -يعني: البخاري- (2): أبو إدريس لم يَسْمع من عمر شيئًا.
قلت: الظاهر أنَّه قد سَقَط على بعض الرواة عُقبة بن عامر، فقد تقدَّم من رواية مسلم ذِكر عُقبة بينهما (3)، والله أعلم.
(1) ونصُّ عبارته كما في «السُّنن» : وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء.
قلت: وقد نوزع الإمام الترمذي في دعوى الاضطراب، فقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ «سنن الترمذي» (1/ 79): وقد أخطأ الترمذي فيما زَعَم من اضطراب الإسناد في هذا الحديث، ومن أنه لا يصح في هذا الباب كبير شيء، وأصل الحديث صحيح، مستقيم الإسناد، وإنما جاء الاضطراب في الأسانيد التي نقلها الترمذي.
وقال الشيخ الألباني في «ضعيف سنن أبي داود» (1/ 300 - 302): إن الاضطراب إنما هو في رواية زيد بن الحُبَاب وحده، وأن رواية الجماعة عند مسلم، وأبي عَوَانة، والمؤلِّف [يعني: أبا داود] سالمة منه، فلا يجوز تضعيف الحديث لمجرد اضطراب راو واحد فيه
…
، ولذلك قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 454) متعقِّبًا كلام الترمذي المذكور: لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض.
قلت: وقد سرد الدارقطني في «العلل» (2/ 111 رقم 149) طرق هذا الحديث، ثم قال: وأحسن أسانيده: ما رواه معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخَوْلاني وعن أبي عثمان، عن جُبَير بن نُفَير، عن عُقبة بن عامر.
قلت: وهذا الوجه الذي رجَّحه الدارقطني، هو الذي خرَّجه الإمام مسلم في «صحيحه» .
(2)
انظر: «سنن الترمذي» (1/ 79) و «تحفة التحصيل» (ص 167).
(3)
هذا ما رجَّحه المؤلِّف، وقد تبيَّن من كلام الحافظ السابق أن رواية الترمذي مضطَّربة.
حديث آخر
(5)
قال الإمام أحمد (1): ثنا موسى بن داود، ثنا ابن لَهِيعة، عن أبي الزبير، عن جابر: أنَّ عمرَ بن الخطاب أَخبَرَه أنَّه رأى رجلاً توضَّأَ للصلاة، فتَرَك موضعَ ظُفْرٍ على ظَهْر قدمِهِ، فأَبصَرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«ارجِعْ، فأَحسِنْ وُضوءَك» .
فرَجَع فتوضَّأ، / (ق 8) ثم صلَّى.
ثم رواه أحمد (2)، عن حسن بن موسى، عن ابن لَهِيعة، ثنا أبو الزبير، عن جابر، عن عمرَ، به.
وأخرجه ابن ماجه (3)، عن حَرمَلَة، عن ابن وهب.
وعن محمد بن حميد، عن زيد بن الحُبَاب.
كلاهما عن ابن لَهِيعة، به.
وهذا إسناد جيد حسن من هذا الوجه، لأنَّ ابن لَهِيعة إنما يُخشى من تدليسه، فإذا صرَّح بالسماع -كما ههنا-، فقد زال المحذور (4).
(1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 134).
(2)
(1/ 23 رقم 153).
(3)
في «سننه» (1/ 218 رقم 666) في الطهارة، باب من توضأ فترك موضعًا لم يُصبه الماء.
(4)
لكن تصريح ابن لَهِيعة بالسماع ليس بكافٍ في قبول روايته، فقد رُمي بالاختلاط والتدليس وقَبول التلقين، قال الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار» (2/ 34): هو في الأصل صدوق، لكن احتَرَقت كُتُبه، فحدَّث من حفظه فخلَّط، وضعَّفه بعضهم مطلقًا، ومنهم من فصَّل، فقَبِلَ عنه ما حدَّث به عنه القدماء، ومنهم من خصَّ ذلك بالعبادلة من أصحابه، وهم: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ
…
، والإنصاف في أمره: أنه متى اعتضد كان حديثه حسنًا، ومتى خالف كان حديثه ضعيفًا، ومتى انفرد توقِّف فيه.
وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (1/ 238): ولم يكن على سعة علمه بالمُتقن، حدَّث عنه ابن المبارك، وابن وهب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وطائفة قبل أن يكثر الوهم في حديثه، وقبل احتراق كُتُبه، فحديث هؤلاء عنه أقوى، وبعضهم يصحِّحه، ولا يرتقي إلى هذا. إلى أن قال: يُروى حديثه في المتابعات، ولا يحتج به.
قلت: وقد اضطَّرب ابن لَهِيعة في سياقه للفظ هذا الحديث:
فرواه عنه ابن وهب، وزيد بن الحُبَاب، -كما عند ابن ماجه (666) -، بلفظ:«فأمره أن يعيدَ الوضوءَ والصلاةَ» !
ورواه موسى بن داود، والحسن بن موسى، عنه، -كما عند أحمد (1/ 21، 22) -، بلفظ:«ارجع، فأحسِن وضوءَك» !
ولم يتنبَّه لهذا الاختلاف الواقع في لفظ رواية ابن لَهِيعة محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 283، 295 - ط مؤسسة الرسالة) فزعموا أن الحسن بن موسى قد توبع على روايته عن ابن لهيعة من قِبَل ابن وهب وزيد بن الحُبَاب، وغفلوا عن الاختلاف في لفظ الرواية!
وقد أخرجه مسلم في «صحيحه» (1)،
عن سَلَمة بن شَبيب، عن الحسن
(1)(1/ 215 رقم 243) في الطهارة، باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة، ولفظه:«ارجِعْ، فأَحسِنْ وُضوءَك» .
ولهذا الإسناد علَّة، فقد قال البزار في «مسنده» (1/ 350): وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده عن عمرَ إلا من هذا الوجه، وقد رواه الأعمش، عن أبي سفيان، عن عمرَ، موقوفًا.
وقال أبو الفضل ابن عمار في «علل الأحاديث في كتاب الصحيح» (ص 55): وهذا الحديث إنما يُعرَف من حديث ابن لَهِيعة، عن أبي الزبير، بهذا اللفظ، وابن لَهِيعة لا يحتج به، وهو خطأ عندي؛ لأن الأعمش رواه عن أبي سفيان، عن جابر، فجعله من قول عمرَ.
وقال الحافظ في «النكت الظراف» (8/ 16): وقد أعلَّ بعض الحفاظ صحته، فقد نقل الدقَّاق الأصبهاني الحافظ عن أبي علي النيسابوري أن هذا الحديث مما عِيب على مسلم إخراجه، وقال: الصواب: ما رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: رأى عمر في يد رجل مثل موضع ظُفر
…
، فذكره، موقوفًا. قال أبو علي: هذا هو المحفوظ، وحديث مَعقِل خطأ لم يُتابَع عليه.
وقال البيهقي في «سننه» (1/ 84): ورواه أبو سفيان، عن جابر، بخلاف ما رواه أبو الزبير.
قلت: والرواية الموقوفة على عمر رضي الله عنه: أخرجها ابن أبي شيبة (1/ 46 رقم 454) في الطهارة، باب في الرجل يتوضأ أو يغتسل فينسى اللُّمعة من جسده، عن أبي معاوية. والبيهقي (1/ 84) من طريق الثوري. كلاهما (أبو معاوية، والثوري) عن الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر قال: رأى عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يتوضأُ، فبقي في رِجله لمُعة، فقال: أَعِد الوُضوءَ.
وهذا إسناد صحيح، الأعمش وإن رواه بالعنعنة، فقد ذكر ابن عدي أنه روى عن أبي سفيان أحاديث مستقيمة. انظر:«تهذيب الكمال» (13/ 440) و «هدي الساري» (ص 411).
واختُلف في سماع أبي سفيان من جابر، فروى البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 346 رقم 3079) بسند صحيح عن أبي سفيان أنه قال: جاورتُ جابرًا ستة أشهر بمكة.
لكن ذكر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 46) عن ابن عيينة أن روايته عن جابر صحيفة.
وقال في «المراسيل» (ص 100): يقال: إن أبا سفيان أخذ صحيفة جابر عن سليمان اليَشكُري. كذا بصيغة التمريض، وهذا إن صح؛ فلا يمنع من صحة حديثه؛ لأن الواسطة بينهما ثقة.
وطلحة بن نافع: صدوق، روى له الجماعة، كما قال الحافظ في «التقريب» .
وقارن ماذكرته هنا بصنيع محقِّقي مسند الإمام أحمد (1/ 294 - 295 رقم 153 - ط مؤسسة الرسالة).
بن محمد بن أَعْين، عن مَعقِل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمرَ، بمثله سواء (1).
(1) انظر التعليق السابق.
ورواه الدارقطني في «سننه» (1) من حديث المغيرة بن سِقْلَاب، عن الوازع بن نافع، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن أبي بكر، به.
وليس هذا الإسناد شيئًا، والصحيح: الأول، والله أعلم.
حديث آخر
(6)
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (2):
ثنا أبو هشام، ثنا النضر -يعني: ابن منصور-، ثنا أبو الجَنوب قال: رأيتُ عليًّا رضي الله عنه
(1)(1/ 109)، ولفظه: جاء رجلٌ قد توضأ وبَقِيَ على ظَهْر قدمِهِ مثلُ ظُفرِ إبهامِهِ لم يمسَّهُ الماءُ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«ارجِع، فأتمَّ وضوءَكَ» . ففَعَل.
وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد، والوازع بن نافع ضعيف الحديث. انظر:«العلل» (1/ 67 رقم 167)،
(2)
(1/ 200 رقم 231).
وأخرجه -أيضًا- البزار (1/ 136 رقم 260 - كشف الأستار) وابن حبان في «المجروحين» (3/ 53) وابن عدي (7/ 23 - ترجمة النضر بن منصور) وأبو جعفر مُطيَّن في «مسند علي بن أبي طالب» ، كما في «الإمام» لابن دقيق العيد (2/ 52) من طريق النضر بن منصور، به.
وقد أعلَّ هذا الخبرَ جماعةٌ من الحفاظ:
فقال البزار -كما في «الإمام» -: وهذا الفعل لا نعلمه يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وأبو الجَنوب لا نعلم حدَّث عنه إلا النضر بن منصور، والنضر حدَّث عنه غير واحد، وهذا الحديث إنما ذكرناه؛ لأنه لا يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه.
وقال ابن الجوزي في «الإعلام في ناسخ الحديث ومنسوخه» : هذا حديث ليس بقوي.
وقال ابن الصلاح في كلامه على «المهذَّب» : هذا لم أجد له أصلاً، ولا وَجَدتُ له ذِكرًا في شيء من كتب الحديث المعتمدة. انظر:«البدر المنير» لابن الملقن (2/ 244 - 245).
وقال النووي في «المجموع» (1/ 339): باطل، لا أصل له، ويُغني عنه الأحاديث الصحيحة المشهورة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بغير استعانة.
يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال: مَه! يا أبا الجَنوب، فإني رأيتُ عمرَ يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال: مَه! يا أبا الحسن، فإني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال:«مَه! يا عمرُ، فإني أكرهُ أن يَشرَكَني في طُهُوري أحدٌ» .
النضر بن منصور الباهلي: ضعَّفه غير واحد من الأئمة (1)، وشيخُهُ أبو الجَنوب عُقبة بن علقمة: ضعَّفه أبو حاتم الرازي (2).
(1) قال عنه أبو حاتم: شيخ مجهول، يروي أحاديث منكرة. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارمي: قلت ليحيى بن معين: فالنضر بن منصور العنزي تعرفُه؟ يروي عنه ابن أبي معشر، عن أبي الجَنوب، عن علي، مَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء حمَّالة الحطب. وقال ابن عدي: والنضر بن منصور هذا يُعرَف بهذه الأحاديث التي أمليتُها في الوضوء، وفي طلحة والزبير، وفي ذِكر عثمان، فلا يأتي بها غيرُه، عن أبي الجَنوب. انظر:«تهذيب الكمال» (29/ 405) و «الجرح والتعديل» (8/ 479 رقم 2196).
(2)
انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 313 رقم 1743).
وقد ثَبَتَ عن عمرَ رضي الله عنه أنه استعان على وضوئه، وذلك فيما أخرجه البخاري (5/ 114 - 115 رقم 2468 - فتح) -واللفظ له-، ومسلم (2/ 1110 - 1111 رقم 1479) (33) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصًا أنْ أسألَ عمرَ عن المرأتين من أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حتى حجَّ عمرُ، وحَجَجتُ معه، فلما كنا ببعض الطريق عَدَل عمرُ، وعَدَلتُ معه بالإداوة، فتبرَّز، ثم أتاني، فسَكَبتُ على يديه، فتوضأ
…
، الحديث.