الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث في نذر اللَّجَاج والغضب
(1)
(385)
قال مُسدَّد بن مُسَرهَد رحمه الله في «مسنده» (2): ثنا يزيد، عن حبيب المعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراثٌ، فسأل أحدُهما صاحبَه القسمةَ، فقال: لَئِنْ عُدتَ تسألُني القسمةَ لم أكلِّمْكَ أبدًا، وكلُّ مالِي في رِتَاج الكعبةِ (3)! فقال عمرُ رضي الله عنه: إنَّ الكعبةَ لَغَنيةٌ عن مالِكَ، كفِّرْ عن يمينِكَ وكلِّم أخاك، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يمينَ عليكَ، ولا نَذَر في معصيةِ الرحمنِ، ولا فيما لا تَملِكُ» .
ورواه أبو داود في الأيمان (4)، عن / (ق 147) محمد بن منهال، عن يزيد بن زُرَيع، عن حبيب المعلِّم، به. وزاد:«ولا في قطيعةِ الرحمِ» .
ورواه المُزَني (5)، عن الحميدي، عن ابن أبي روَّاد، عن المثنَّى بن الصبَّاح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال فيمن جَعَلَ مالَه في سبيل الله: يمينٌ، يُكفِّرُها ما يُكفِّرُ اليمينَ.
(1) نَذر اللَّجَاج: هو أن يحلف على شيء، ويرى أن غيره خير منه، فيُقيم على يمينه، ولا يحنث فيكفِّر، فذلك آثم له. وقيل: هو أن يرى أنه صادقٌ فيها مصيبٌ، فيَلَجُّ فيها، ولا يُكفِّرها. «النهاية» (4/ 233).
(2)
ومن طريقه: أخرجه ابن حبان (10/ 197 رقم 4355 - الإحسان) والحاكم (4/ 300).
وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
(3)
في رِتَاج الكعبة: أي لها، فكنَّى عنها بالباب، لأن منه يدخل إليها. «النهاية» (2/ 192).
(4)
من «سننه» (4/ 84 رقم 3272) باب اليمين في قطيعة الرحم.
(5)
في «مختصره» (ص 298).
وقال علي ابن المديني: هذا منقطع؛ لأن سعيد لم يَسْمع من عمر إلا حديثًا عند رؤية البيت.
قال: وقد روي عنه غير حديث: سَمِعتُ. ولم يصحَّ عندي، ومات عمر وسعيد ابن ثمان سنين.
آثر آخر في معناه
(386)
قال أسد بن موسى في كتاب «فضائل أبي بكر وعمر» : حدثنا زيد بن أبي الزَّرقاء، عن قيس بن الرَّبيع، عن وائل، عن البَهِي، عن عمرَ: أنَّ عبيد الله بن عمرَ سَبَّ المِقدادَ بن الأسود وعمَّارًا، فقال عمرُ رضي الله عنه: عليَّ نذرٌ إنْ لم أقطعْ لسانَهُ، حتى تكونَ سُنَّةً، حتى لا يجترئَ أحدٌ أن يَسُبَّ أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. فكُلِّم فيه، فتَرَكه (1).
هذا إسناد لا بأس به (2).
والقول بإجزاء الكفَّارة في نذر اللَّجاج والغضب يُروى عن عمرَ -كما ترى-، وابنه عبد الله، وحفصة، وعائشة أُمَّي المؤمنين، وابن عباس (3)،
(1) وأخرجه -أيضًا- اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (7/ 1263 رقم 2375 - 2377) وابن بَشران في «الأمالي» (1/ 125 رقم 271) وابن عساكر في «تاريخه» (38/ 59، 60) من طريق قيس بن الربيع، به.
(2)
في إسناده قيس بن الرَّبيع، وهو إن كان صدوقًا، إلا أنه لمَّا كَبُر تغيَّر، وأَدخَلَ عليه ابنُه ما ليس من حديثه، فحدَّث به، كما قال الحافظ في «التقريب» .
والبَهي لم يَسْمع من عمر، قاله البخاري وأبو حاتم. انظر:«التاريخ الكبير» (6/ 19 رقم 1552) و «الجرح والتعديل» (5/ 384 رقم 1793).
(3)
أخرجه عن هؤلاء الصحابة: الأثرم في «سننه» ، كما في «إعلام الموقعين» لابن القيم (4/ 436) وعبد الرزاق (8/ 486، 487 رقم 16000، 16001) والدارقطني (4/ 163 - 164) والبيهقي (10/ 66) من طريق بكر بن عبد الله المُزَني، عن أبي رافع: أنَّ مولاته أرادت أن تُفرِّق بينه وبين امرأته، فقالت: هي يومًا يهوديةٌ، ويومًا نصرانيةٌ، وكلُّ مملوكٍ لها حُرٌّ، وكلُّ مالٍ لها في سبيل الله، وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تُفرِّق بينهما، فسَأَلتْ عائشةَ رضي الله عنها، وابنَ عمر، وابنَ عباس، وحفصةَ، وأُمَّ سلمة، فكلُّهم قال لها: أتريدينَ أن تكوني مثلَ هاروتَ وماروتَ، وأمروها أن تُكفِّر يمينَها، وتُخلِّي بينهما.
وصحَّحه ابن حزم في «المحلى» (8/ 8)، وابن القيم في الموضع السابق.
وزينب ربيبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم (1).
وحكاه القاضي الماوردي وأبو يعلى الحنبلي عن جماعة آخرين من الصحابة، ثم ادَّعيا أنَّه إجماع من الصحابة قاطع.
وهو قول طاوس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وأبي الشعثاء، وأبي وائل، وغيرهم (2).
وهو المشهور من مذهب الإمام الشافعي (3).
ورواية عن أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن.
وبه قال أحمد بن حنبل (4)، وأبو عبيد القاسم بن سلَاّم، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ومحمد بن نصر، وابن المنذر (5)، وجمهور العلماء (6).
(1) أخرجه عبد الرزاق (8/ 486 رقم 16000) والبيهقي (10/ 66) من طريق سليمان التَّيمي، عن بكر بن عبد الله المُزَني، عن أبي رافع، عن زينب، فذكرته، بنحو ما تقدم.
وصحَّحه -أيضًا- ابن حزم في الموضع السابق.
(2)
انظر أقوالهم في «مصنَّف عبد الرزاق» (8/ 438، 440، 441، 443 رقم 15826، 15831، 15833، 15835، 15845) و «مصنَّف ابن أبي شيبة» (3/ 70، 71، 72 رقم 12162، 12164، 12166، 12169، 12184) في الأيمان والنذور، باب النذر ما كفَّارته وما قالوا فيه؟ وباب النذر إذا لم يسم له كفَّارة
(3)
انظر: «روضة الطالبين» (2/ 561) و «منهاج الطالبين» (3/ 380).
(4)
انظر: «مسائل الإمام أحمد» (2/ 72 - رواية ابن هانئ) و (ص 302 - رواية أبي داود).
(5)
انظر: «الإقناع» له (1/ 278).
(6)
انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (4/ 179).
حتى إنَّ الليث بن سعد رحمه الله طرد الكفَّارة في نذر التبرُّر (1). وهو غريب.
وذهب الإمام مالك بن أنس، وشيخه ربيعة، وأبو حنيفة في المشهور عنه إلى أنَّه لا كفَّارة في نذر اللَّجاج والغضب، بل يجب الوفاء بما نذر (2)، والله أعلم.
وقد روي عن أبي حنيفة أنَّه رجع عن ذلك، فالله أعلم.
وفي المسألة قول ثالث: وهو أنَّه لا يلزمه شيء، لا الوفاء بما نذر، ولا كفَّارة يمين.
وهو قول الشَّعبي، والحكم، والحارث العُكلي، وابن أبي ليلى، ورواية عن محمد بن الحسن، نقلها ابن عبد البر، وغيره.
وإليه ذهب داود وأصحابه، وأبو جعفر ابن جرير الطَّبري، وابن حزم، وغيرهم (3).
وأما ما جاء في توجيه هذه الأقوال ووجوه الترجيح فلسنا بصدده، وبالله المستعان.
(1) نذرُ التبرُّر: هو أن يلتزمَ قُربةً إنْ حَدَثت نعمةٌ أو ذَهَبت نقمةٌ. «منهاج الطالبين» (3/ 381).
(2)
انظر: «المعونة على مذهب عالم أهل المدينة» (1/ 650) و «شرح فتح القدير» (5/ 62).
(3)
انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (15/ 47) و «مختصر اختلاف العلماء» للطحاوي (3/ 257) و «المحلى» لابن حزم (8/ 2)