الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث في القُبلة للصائم
(268)
قال الإمام أحمد (1): ثنا حجَّاج، / (ق 107) ثنا ليث، ثنا بُكَير، عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري، عن جابر بن عبد الله، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: هَشِشْتُ (2) يومًا، فقَبَّلتُ وأنا صائمٌ، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: صَنَعتُ اليومَ أمرًا عظيمًا، قَبَّلتُ وأنا صائمٌ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«أَرأيتَ لو تَمضمَضتَ وأنت صائمٌ؟» ، قلت: لا بأسَ بذلك. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَفِيمَ؟» .
ورواه علي ابن المديني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن الليث بن سعد، به.
ثم قال: لا أحفظه إلا من هذا الوجه، وهو حديث مصري، يرجع إلى أهل المدينة، وهو إسناد حسن.
وأخرجه أبو داود في الصيام من «سننه» (3)، عن أحمد بن يونس، وعيسى بن حماد.
والنسائي (4) فيه، عن قتيبة.
ثلاثتهم عن الليث بن سعد، عن بُكَير -وهو: ابن عبد الله الأشجِّ المدني-، عن عبد الملك بن سعيد بن سُوَيد الأنصاري المديني، عن جابر، عن عمرَ، به.
(1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 138).
(2)
هَشِشْت: بكسر الشين، أي: فَرِحتُ واشتهيتُ. «لسان العرب» (15/ 94 - مادة هشش).
(3)
(3/ 158 رقم 2385) باب القُبلة للصائم.
(4)
في «سننه الكبرى» (3/ 293 رقم 3036 - ط مؤسسة الرسالة).
وهذا إسناد حسن، كما قال علي ابن المديني (1).
ولهذا أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (2) عن ابن خليفة (3) الفضل بن الحُبَاب الجُمَحي، عن أبي الوليد الطيالسي، عن اللَّيث، به.
واختاره الضياء في كتابه (4).
ولكن قال النسائي: هذا حديث منكر، وبُكَير مأمون، وعبد الملك بن سعيد روى عنه غير واحد، ولا يدرى ممَّن هذا (5)!
وممَّا يؤيِّد ما قاله النسائي: الحديث الآخر الذي رواه أبو محمد
(1) هكذا فَهِمَ المؤلِّف من كلام ابن المديني أنه يحسِّن الحديث، وخالف في هذا بعض الأفاضل، فحمل تحسين ابن المديني على إرادة الغرابة، ومستنده في ذلك: قول النسائي: هذا حديث منكر. ولا أدري بأي حجَّة نحمل مراد ابن المديني على مراد النسائي؟! لا سيما والحافظ ابن كثير -وهو أحد الحفاظ الكبار- لم يفهم هذا الفَهم. انظر: «الحسن بمجموع الطرق» للشيخ عمرو عبد المنعم سليم (ص 27).
(2)
(8/ 313 رقم 3544 - الإحسان).
(3)
قوله: «عن ابن خليفة» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عن أبي خليفة» ، وهو الصواب الموافق لما في كتب الرجال. انظر:«ميزان الاعتدال» (3/ 350 رقم 6717) و «سبر أعلام النبلاء» (14/ 7).
(4)
«المختارة» (1/ 195، 196 رقم 99، 100).
(5)
وقال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (2/ 310): وقد ضعَّف الإمام أحمد هذا الحديث؛ لأنَّ عمر بن الخطاب كان يَنهى عن القُبلة للصائم.
تنبيه: فات محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 286 - ط مؤسسة الرسالة) استنكار الإمام النسائي لهذا الحديث، وتضعيف الإمام أحمد، بل وتحسين ابن المديني، واكتفوا بتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي، وصدَّروا الحكم عليه بقولهم:«إسناده صحيح على شرط مسلم» ! وقالوا في الموضع الثاني (1/ 439): «إسناده صحيح على شرط البخاري» ! مع أنهم عابوا على الحاكم تصحيحه على شرط الشيخين!
يحيى بن محمد بن صاعد رحمه الله، / (ق 108) فإنَّه قال:
(269)
ثنا أحمد بن مَنيع، ثنا أبو أحمد الزُّبيري، ثنا زيد بن حِبَّان، أنا الزهري، عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمرُ بن الخطاب ينهى الصائمَ أن يُقبِّلَ، ويقول: إنَّه ليس لأحدٍ منكم من الحفظِ والعفَّةِ، ما كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم (1).
ولكن زيد بن حِبَّان هذا هو: الرَّقِّي، وقد تَرَكه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما، واتَّهموه بأنه كان يَشرَبُ المُسكرَ حتى يَسكرَ، ووثَّقه ابن معين في رواية عنه.
وقال ابن عدي: لا أرى برواياته بأسًا، يَحمِلُ بعضُها بعضًا (2).
حديث آخر في معناه
(270)
قال الحافظ أبو بكر البزَّار (3): ثنا بِشر بن خالد العسكري، ثنا
(1) وأخرجه -أيضًا- الطبراني في «الأوسط» (5/ 164 رقم 4956) وأبو زرعة الدمشقي في «الفوائد المعللة» (ص 161 رقم 125) من طريق الفضل بن دُكَين، عن زيد بن حِبَّان الرَّقي، به.
وقد توبع زيد بن حِبان على روايته، تابَعَه الزُّبيدي، ومعمر، وابن أبي ذِئب. انظر رواياتهم عند إسحاق بن راهويه في «مسنده» (2/ 164 رقم 663) وعبد الرزاق (4/ 182 رقم 8406) والطحاوي (2/ 88).
(2)
انظر: «الجرح والتعديل» (3/ 561 رقم 2536) و «تهذيب الكمال» (10/ 48) و «الكامل» لابن عدي (3/ 204، 205).
وأما شُربه للمُسكِر فلا يقدح في روايته؛ لأنه كوفي، وأهل الكوفة كانوا يرخِّصون في شرب النبيذ، فمثل هذا لا يُعدُّ جرحًا، قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 26): سَمِعتُ أبي يقول: جاريت أحمد بن حنبل مَن شرب النبيذ من محدِّثي الكوفة، وسمَّيت له عددًا منهم، فقال: هذه زلاتٌ لهم، ولا تَسقطُ بزلاتِهِم عدالتُهم.
(3)
في «مسنده» (1/ 229 رقم 118).
وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده» ، كما في «المطالب العالية» (1/ 413 رقم 1085) وابن أبي شيبة (2/ 317 رقم 9423) في الصيام، باب من كَره القُبلة للصائم ولم يرخِّص فيها، و (6/ 180 رقم 30495) في الإيمان والرؤيا، باب ما عبَّره عمر، والطحاوي (2/ 88) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 45) من طريق عمر بن حمزة، به ..
أبو أسامة، عن عمر بن حمزة، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فرأيتُهُ لا يَنظرُ إليَّ، فقلتُ: يا رسولَ الله، ما شأني؟ فقال:«أَوَ لَستَ المُقبِّلُ وأنت صائمٌ؟!» . فقلت: والذي نفسُ عمرَ بيده، لا أُقبِّلُ وأنا صائمٌ أبدًا.
ثم قال البزَّار: لا أعرفه يُروى إلا بهذا الإسناد (1)،
وقد روي عن عمرَ خلافه. يعني: الحديث المتقدِّم في إباحة ذلك.
وقال أبو محمد ابن حزم الظاهري في كتابه (2) ما معناه: أنَّ هذا لا يعوَّل عليه؛ لأنَّه قد ثبتت الرخصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا ينسخه حُكمُ المَنَام.
وهذا الذي قاله قاله جمهور العلماء (3) في حُكم المَنَام / (ق 109) إذا
(1) وأعلَّه البيهقي (4/ 232) بتفرَّد عمر بن حمزة، وقال: فإن صحَّ؛ فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قويًّا مما يتوهَّم تحريك القُبلة شهوته.
وقال الذهبي في «المهذَّب في اختصار السُّنن الكبير» (4/ 1608): هذا لم يخرِّجوه، وقال أحمد بن حنبل: عمر بن حمزة أحاديثه مناكير. وضعَّفه ابن معين، وقوَّاه غيره، وروى له مسلم، وتحايده النسائي.
وقال الطحاوي (2/ 89): وحديث عمر بن حمزة إنما هو على قول حكاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، وذلك مما لا تقوم به الحجة.
(2)
«المحلى» (6/ 28).
(3)
انظر: «مدارج السالكين» لابن القيم (1/ 50 - 51) و «الاعتصام» للشاطبي (2/ 77 - 85).
خالف حُكمًا ظاهرًا، وإنما ذهب إلى خلاف هذا شذوذ من الناس، والله أعلم.
أثر آخر
(271)
قال الدارقطني (1): ثنا إسحاق بن محمد بن الفضل الزيَّات، ثنا محمد بن عبد الله المُخرِّمي، ثنا يحيى بن سعيد، عن سيف بن سليمان، سَمِعتُ قيس بن سعد، حدثني داود بن أبي عاصم، سَمِعَ سعيدَ بنَ المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب خرج على أصحابه، فقال: ما تَرَون في شيء صَنَعتُهُ اليومَ؟ أَصبحتُ صائمًا، فمَرَّت بي جاريةٌ، فأَعجبتني، فأَصبتُ منها. فعَظَّم القومُ عليه ما صَنَع، وعليُّ رضي الله عنه ساكتٌ، فقال: ما تقولُ؟ قال: أَتيتَ حلالاً، ويومٌ مكانَ يومٍ. قال: أنت خيرُهُم فُتيا.
(1) في «سننه» (2/ 181).