الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة الصلاة
(92)
قال الإمام أحمد (1): ثنا هشيم، ثنا أبو محمد -مولى قريش-، ثنا أبو عثمان النَّهدي قال: رأيتُ عمرَ رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاةُ استَدبَرَ القِبْلةَ، ثم يقول: تقدَّم يا فلانُ، تأخَّر يا فلانُ، سوُّوا صفوفَكم. فإذا استوى الصفُّ، أَقبَلَ على القِبْلةِ، فكَبَّرَ.
وقال نافع (2)، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ رضي الله عنه لم يكن يكبِّرُ بالصلاة حتى يسوِّي الصفوفَ، ويُوكِّلُ بذلك رجالاً.
أثر في رفع اليدين في الابتداء فقط
(93)
قال أبو الحسن محمد بن أحمد الرافقي في «جزئه» (3) المشهور: ثنا سيَّار بن نصر، ثنا أبو عُبيدة بن أبي السَّفَر، ثنا عبد الله بن داود الخُرَيبي قال: قال عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي،
(1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، وذكره الترمذي في «سننه» (1/ 439) معلَّقًا، فقال: وروي عن عمرَ أنه كان يُوكِّل رجالاً بإقامة الصفوف فلا يكبِّر حتى يُخبَرَ أنَّ الصفوفَ قد استَوَت.
وإسناده ضعيف؛ أبو محمد مولى قريش، وهو: زياد بن أبي زياد الجصَّاص، قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث. وتركه الدارقطني، وقال النسائي: ليس بثقة. انظر: «الجرح والتعديل» (3/ 532 رقم 2405) و «تهذيب الكمال» (9/ 470).
(2)
وَصَله عبد الرزاق (2/ 47 رقم 2439) من طريق أيوب. ومالك (1/ 224 رقم 434) في الصلاة، باب ما جاء في تسوية الصفوف. وأبو الجهم العلاء بن موسى في «جزئه» (ص 34 رقم 21) وبكر بن بكَّار في «حديثه» (ص 171 رقم 39 - جمهرة الأجزاء) من طريق الليث بن سعد. ثلاثتهم (أيوب، ومالك، والليث) عن نافع، به.
وإسناده صحيح.
(3)
(ق 12/أ).
عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّه رفع يديه في أول تكبيرة، ثم لم يَعُد.
وقد رواه الحاكم في «مستدركه» (1)
من حديث ابن أبجَر، ثم قال: وهذه رواية شاذة، ولا تعارِض ما رواه الناس عن طاوس (2)، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ كان يرفع يديه في الركوع والرفع منه.
(1) لم أقف عليه في مظانه من مطبوع «المستدرك» ، ولم يورده الحافظ في «إتحاف المهرة» .
وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 214 رقم 2454) في الصلاة، باب من كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 227) وفي «شرح مشكل الآثار» (15/ 50) من طريق يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن عبد الملك بن أبجر، به.
وقد خولف يحيى بن آدم في روايته، خالَفَه الثوري، فرواه عن الزبير بن عدى، عن إبراهيم، عن الأسود: أنَّ عمرَ كان يرفع يديه في الصلاة حذو مَنكِبَيه. ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (2/ 71 رقم 2532) وابن أبي شيبة (1/ 211 رقم 2413) في الصلاة، باب إلى أين يبلغ بيديه؟ والبيهقي (2/ 25).
وقد رجَّح هذه الرواية الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة، فقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 95 رقم 256): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن ابن أبجر، عن الأسود، عن عمرَ: أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود، هل هو صحيح؟ أو يرفعه حديث الثوري، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ: أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلُغا مَنكِبَيه فقط؟ فقالا: سفيان أحفظ. وقال أبو زرعة: هذا أصح، يعني حديث سفيان، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ.
تنبيه: فات الشيخ شعيب الأرناؤوط إعلال الرازيَيْن لرواية يحيى بن آدم، فتابَعَ الطحاوي على تصحيحها في تحقيقه لـ «شرح مشكل الآثار» ، وفاته رواية الثوري.
(2)
أخرجها البيهقي (2/ 74) والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 118 رقم 101) من طريق آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن الحكم قال: رأيتُ طاوسًا يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع من الركوع رَفَعَهَا، فسألتُ بعض أصحابه، فقيل: إنه يحدِّثه عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم!
…
وقد خولف آدم في روايته، خالَفَه علي بن الجَعْد، فرواه عن شعبة، عن الحكم
…
، فذكره، لم يُجاوِز به ابن عمر! ومن هذا الوجه: أخرجه أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 336 رقم 260).
وقد رجَّح الإمام أبو عبد الله الحاكم الوجهين جميعًا، فقال البيهقي في «سننه» (2/ 74): قال أبو عبد الله الحافظ: الحديثان كلاهما محفوظان، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنّ ابنَ عمر رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ، ورأى أباه فَعَلَهُ، ورواه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقد نوزع الحاكم فيما ذهب إليه، فقال ابن دقيق العيد في «الإمام» ، كما في «نصب الراية» (1/ 415): وفي هذا نظر؛ ففي «علل الخلال» عن أحمد بن أثرم قال: سألت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- عن حديث شعبة، عن الحكم: أنَّ طاوسًا يقول: عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: مَن يقول هذا عن شعبة؟! قلت: آدم بن أبي إياس، فقال: ليس هذا بشيء، إنما هو عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال الدارقطني: هكذا رواه آدم بن أبي إياس، وعمار بن عبد الجبار المروزي، عن شعبة، وهُما وَهِما فيه، والمحفوظ عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
حديث آخر
(94)
قال عبد الله بن وهب (1): عن حَيوة، عن أبي عيسى سليمان بن
(1) ومن طريقه: أخرجه البيهقي في «الخلافيات» ، كما في «نصب الراية» (1/ 415 - 416).
قال ابن دقيق العيد: ورجال إسناده معروفون، فسليمان بن كيسان، أبو عيسى التَّميمي، ذكره ابن أبي حاتم [4/ 137 رقم 602] وسمَّى جماعة روى عنهم، وجماعة رووا عنه، ولم يُعرِّف من حاله بشيء، وعبد الله بن القاسم، مولى أبي بكر الصديق، ذكره أيضًا [5/ 140 رقم 656]، وذكر أنه روى عن ابن عمرَ وابن عباس وابن الزبير، وروى عنه جماعة، ولم يُعرِّف من حاله -أيضًا- بشيء. «نصب الراية» (1/ 416).
قلت: سليمان بن كيسان، وثَّقه الذهبي في «الميزان» (4/ 560 رقم 10494)، وعبد الله بن القاسم ذكره ابن خَلْفون في «الثقات» ، كما في «إكمال مُغلطاي» (8/ 124)، وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 451): لا تُعرف حاله. وقال الحافظ في «التقريب» : مقبول.
كيسان، عن عبد الله بن القاسم (1) قال: بينما الناسُ يصلُّون على أنحى شيءٍ في القيام والركوع والسجود، إذ خَرَج عمرُ بن الخطاب، فلما رأى ذلك غضب، وهيَّت بهم (2)، حتى تجوَّزوا في الصلاة، فانصرَفوا، فقال عمرُ: أَقبِلُوا عليَّ بوجوهكم، وانظروا إليَّ كيف أصلَّي بكم صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصلِّي ويأمر بها.
فقام مستقبِلَ القِبْلةِ، فرفع يديه حتى حاذى بهما مَنكبيه، فكَبَّر، ثم غَضَّ بصرَهُ، وخَفَضَ جناحَهُ. ثم قام قدرَ ما يقرأُ بأمِّ القرآن، وسورةٍ من المفصَّل، ثم رفع يديه حتى حاذى بهما مَنكبيه، فكَبَّرَ، ثم ركع، فوَضَع راحتيه على ركبتيه، وبَسَط يديه عليهما، ومدَّ عُنُقَه، / (ق 35) وخَفَضَ عَجُزَه، غيرَ مُصوِّبٍ ولا مُقنعٍ، حتى أنْ لو أنَّ قطرةَ ماءٍ وَقَعت في نَقرة قفاه لم تنته أن تقعَ، فيَمكثُ قدرَ ثلاثِ تسبيحاتٍ غيرَ عَجِلٍ، ثم كَبَّرَ
…
، وذَكَر الحديث (3).
إلى أن قال: ثم كَبَّرَ، فرفع، واستوى على عقبيه، حتى وَقَع كلُّ عظمٍ منه موقعَهُ، ثم كَبَّرَ، فسَجَد قدرَ ذلك، ورفع رأسَه، فاستوى قائمًا، ثم صلَّى ركعةً أخرى مثلَها، ثم استوى جالسًا، فنَحَّى رجليه عن مَقعدتِهِ،
(1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين عبد الله بن القاسم وعمر.
(2)
هيَّت بهم: أي صاح بهم. «القاموس المحيط» (ص 163 - مادة هيت).
(3)
كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا» ، وكَتَب بجواره في حاشية الأصل: «سقط
…
مرتين، وكذا وجدناه».
وألزم مَقعدتَهُ الأرضَ، ثم جَلَس قدرَ أن يتشهدَ بتسعِ كلماتٍ، ثم سلَّم، وانصرف، فقال للقوم: هكذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بنا.
حديث آخر
(95)
قال الدارقطني (1): ثنا عثمان بن جعفر بن محمد، ثنا محمد بن نصر المروزي، ثنا عبد الله بن شَبيب، حدثني إسحاق بن محمد، عن عبد الرحمن بن عمرو (2) بن شيبة، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا كَبَّرَ للصلاة قال: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك» .
فإذا تعوَّذ، قال:«أعوذ بالله من هَمز الشيطان، ونَفخه، ونَفْثه» .
ثم قال الدارقطني: رَفَعه هذا الشيخ -يعني: عبد الرحمن بن عمرو-، والمحفوظ عن عمرَ، من قوله.
قال: وكذلك رواه إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن عمرَ.
وكذلك رواه يحيى بن أيوب، عن عمرَ بن شيبة، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، من قوله، وهو الصواب.
قال ابن الجوزي في «تحقيقه» (3): وعبد الرحمن هذا: ثقة، قد أخرج عنه البخاري في «صحيحه» ، وإنما كان عمرُ يقوله اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
(1) في «سننه» (1/ 299).
(2)
قوله: «عمرو» كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع «السُّنن» ، و «إتحاف المهرة» (12/ 257 رقم 15532):«عمر» .
(3)
(1/ 340).
(4)
وفي كلام ابن الجوزي نظر، فقد قال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (1/ 340): عبد الرحمن بن عمر غير معروف، ولم يرو له البخاري.
وقال -أيضًا-: عبد الله بن شَبيب تكلَّم فيه غير واحد، وإسحاق روى عنه البخاري في «صحيحه» ، وله مناكير.
قلت: هذا الحديث روي مرفوعًا عن أنس (1)،
(1) أخرجه أبو يعلى (6/ 389 رقم 3735) -ومن طريقه: ابن حبان في «كتاب الصلاة» ، كما في «إتحاف المهرة» (1/ 616 رقم 900) - والدارقطني (1/ 300) عن أبي محمد ابن صاعد. كلاهما (أبو يعلى، وابن صاعد) عن الحسين بن علي بن الأسود، عن محمد بن الصَّلت، عن أبي خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاةَ كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم يقول:«سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك» .
قال أبو حاتم الرازي: هذا حديث كذب، لا أصل له، ومحمد بن الصلت لا بأس به، كَتَبت عنه. «العلل» لابنه (1/ 135 رقم 374).
وقال ابن حبان: خبر غريب.
وقال الدارقطني -كما في «الإتحاف» -: هذا الحديث غير محفوظ.
قلت: وقد دفع الشيخ الألباني إعلال أبي حاتم الرازي، فقال في «إرواء الغليل» (2/ 52): وهذا إسناد صحيح، فلا يُلتفت بعد هذا إلى قول أبي حاتم:«هذا حديث كذب لا أصل له، ومحمد بن الصلت لا بأس به، كَتَبتُ عنه» ، وذلك لأمرين: الأول: أنه لم يَذكر الحجَّة في كذب هذا الحديث مع اعترافه بأن راويه ابن الصلت لا بأس به، بل وثَّقه هو وأبو زرعة وابن نُمَير، كما ذكر ابنه في «الجرح والتعديل» (3/ 2/289).
الثاني: أنه لم يتفرَّد به ابن الصلت، بل توبع عليه من الطريقين المتقدِّمَين [سيأتي ذكرهما] فللحديث أصل أصيل عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
هذا ما قرَّره الشيخ الألباني رحمه الله، وفيما ذهب إليه نظر، لأمور:
الأمر الأول: ظاهر كلام الشيخ رحمه الله ألا تُقبل أقوال أئمة العلل على الروايات إلا مبيَّنة السبب، ولا أظن أن هذا مراد الشيخ، لأن مؤدَّاه إهدار كلامهم على جميع الأحاديث التي تكلَّموا عليها غير مبيِّنة السبب إذا خالفت ظاهر الأسانيد، كما أن إلزام العالم بالكشف عن وجه الحجَّة لا دليل عليه، ومع ذلك فإن من تتبَّع أقوالهم تبيَّن له وجه الحجَّة في قولهم غالبًا، ثم أبو حاتم إمام، ولم يحكم عليه بالبطلان إلا بعد أن تبيَّن له، لا سيما ولم يخالَف من إمامٍ مثله. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأمر الثاني: لم يتفرَّد أبو حاتم بردِّه، بل تابَعَه ابن حبان والدارقطني.
الأمر الثالث: ركَّز الشيخ الألباني في كلامه على أن محمد بن الصلت ثقة، وأيَّد ذلك بقول من وثَّقه، وفيهم أبو حاتم نفسُه، وغاب عن الشيخ أن علَّة الحديث ليست في محمد هذا، وإنما علَّته فيمن دونه، ألا وهو الحسين بن علي بن الأسود، فقد قال عنه أحمد: لا أعرفه. وذكر له ابن عدي حديثين، ثم قال: وهذان الحديثان لا أعرفهما إلا من حديث حسين بن علي بهذا الإسناد، وللحسين بن علي بن الأسود أحاديث غير هذا مما سَرَقه من الثقات، وأحاديثه لا يُتابَع عليها. وقال ابن الموَّاق: رُمي بالكذب، وسرقة الحديث. وذكره ابن حبان في «الثقات» ، وقال: ربما أخطأ. وضعَّفه أبو داود مع أنه من شيوخه، ولذا قال ابن حجر: وهذا يدل على أنَّ أبا داود لم يرو عنه، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده. انظر:«الجرح والتعديل» (3/ 56 رقم 256) و «الكامل» (2/ 368 - 369) و «تهذيب التهذيب» (2/ 343) وحاشية «تهذيب الكمال» (6/ 393).
فهذا الراوي -كما ترى- قد جُرح جرحًا شديدًا، فإنَّ سرقة الحديث مقاربة للتهمة بالكذب، ولا يبعد أن يكون هذا الحديث مما سرقه، وأبو حاتم الذي قال عنه صدوق، هو الذي رمى حديثه بالكذب، فتأمَّل.
وعليه؛ فقد بان -بحمد الله- وجه الحجَّة فيما ذهب إليه هؤلاء الأئمة.
الأمر الرابع: في بيان الطرق التي قوَّى بها الشيخ الألباني حديث محمد بن الصلت، وقبل ذلك يقال: ينبغي أن نعلم أن طريق محمد بن الصلت لا اعتبار لها في مجال التقوية، ولذلك سيكون النظر في الطرق الآتية على أنها حديث مُفرَد، وقد ساق الشيخ طريقين، وسأسوق كلتا الطريقين، وتعليق الشيخ عليهما، ثم أبيِّن ما فيهما:
أما الطريق الأولى: فأخرجها الطبراني في «الدعاء» (2/ 1034 رقم 506) قال: حدثنا محمود بن محمد الواسطي، ثنا زكريا بن يحيى زحمويه، ثنا الفضل بن موسى السِّيناني، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك» .
وأما الطريق الثانية: فأخرجها الطبراني في «الأوسط» (3/ 242 رقم 3039) وفي «الدعاء» (2/ 1034 رقم 505) عن أنس بن سَلم الخَوْلاني، ثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحرَّاني، ثنا مَخلد بن يزيد، عن عائذ بن شُريح، عن أنس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا كبَّر رفع يديه حتى يحاذي أذنيه، يقول:«سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك» . =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال الطبراني: لا يُروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به مَخلد بن يزيد.
أما الطريق الأولى، فقد قال الشيخ عقب إيرادها: وهذا إسناد صحيح.
أقول: في إسنادها الفضل بن موسى السِّيناني، وهو وإن كان ثقة، إلا أن له مناكير تفرَّد بها، فقد قال عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عن حديث الفضل بن موسى، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن الزبير قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن شَهَر سيفَه فدمُهُ هَدَر» . فقال: منكر ضعيف. وقال الذهبي: ما علمتُ فيه لِينًا إلا ما روى عبد الله بن علي بن المديني: سَمِعتُ أبي وسُئل عن أبي تُميلة والسِّيناني، فقدَّم أبا تُميلة، وقال: روى الفضل أحاديث مناكير. ولذا قال الحافظ في «التقريب» : ثقة ثبت، وربما أغرب. وانظر:«الميزان» (3/ 360 رقم 6754) و «تهذيب التهذيب» (8/ 287).
وأما الطريق الثانية، فقد أعلَّها الطبراني بتفرُّد مَخلد بن يزيد، وقد ردَّ هذا الإعلال الشيخ الألباني لأجل متابعة محمد بن الصلت لمَخلد.
وجوابًا على هذا يقال: ليست العلَّة قاصرة على تفرُّد مَخلد بن يزيد، بل فيه -أيضًا- أبو الأصبغ الحرَّاني، صدوق ربما وَهِم، كما قال الحافظ في «التقريب» .
وفيه -أيضًا-: عائذ بن شُريح، قال عنه أبو حاتم الرازي: في حديثه صنعة. وقال ابن طاهر: ليس بشيء. انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 16 رقم 79) و «الميزان» (2/ 363 رقم 4100).
وعليه؛ فهذان الطريقان لا تصلحان لتقوية الرواية التي حكم عليها أبو حاتم بالبطلان.
وأبي سعيد (1)، وعائشة (2).
(1) أخرجه أبو داود (1/ 503 رقم 775) في الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ سبحانك، والترمذي (2/ 9 رقم 242) في الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، والنسائي (2/ 469 رقم 898) في الافتتاح، باب نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، وعبد الرزاق (2/ 75 رقم 2554) وابن أبي شيبة (1/ 210 رقم 2401) في الصلاة، باب فيما يفتتح به الصلاة -وعنه: ابن ماجه (1/ 264 رقم 804) - وأحمد في «مسنده» (3/ 50، 69) وفي «الزهد» (ص 328 رقم 1268) والدارمي (2/ 789 رقم 1275) في الصلاة، باب ما يقال عند افتتاح الصلاة، وأبو يعلى (2/ 358 رقم 1108) وابن خزيمة (1/ 238 رقم 467) والطحاوي (1/ 197، 198) والطبراني في «الدعاء» (2/ 56 رقم 501) والدارقطني (1/ 298) والبيهقي (2/ 34) من طريق جعفر بن سليمان، عن علي بن علي الرِّفاعي، عن أبي المتوكِّل النَّاجي، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبَّر، ثم يقول:«سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك» . زاد بعضهم: ثم يقول: «لاإله إلا الله -ثلاثًا-، الله أكبر -ثلاثًا- أعوذُ باللهِ السميعِ العليمِ من الشيطانِ الرجيمِ، من همزِهِ، ونفخِهِ، ونفثِهِ» ، ثم يقرأ.
وقد أعل هذا الخبرَ الإمامُ أبو داود، فقال عقب روايته: وهذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي، عن الحسن، الوَهْم من جعفر.
وقال الترمذي: وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب
…
، وقد تكلِّم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلَّم في علي بن علي الرفاعي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث.
وأما رواية الحسن المرسلة التي أشار إليها أبو داود، فقد أخرجها في «المراسيل» (ص 88 رقم 32) عن أبي كامل أنَّ خالد بن الحارث حدَّثهم، حدثنا عمران بن مسلم، عن الحسن: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل قال قبلَ أن يُكبِّر: «لا إلهَ إلا اللهُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ كبيرًا، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، من همزِهِ، ونفثِهِ، ونفخِهِ» ، قال: ثم يقول: «اللهُ أكبرُ» .
(2)
له طريقان: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الطريق الأولى: أخرجها الترمذي (243) في الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، وابن ماجه (1/ 265 رقم 806) وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (2/ 433 رقم 1000) وابن خزيمة (470) وابن المنذر في «الأوسط» (3/ 81 رقم 1265) والطحاوي (1/ 198) والعقيلي (1/ 288) وابن الأعرابي في «معجمه» (2/ 810 رقم 1653) والطبراني في «الدعاء» (2/ 56 رقم 502) والدارقطني (1/ 301) والحاكم، كما في «إتحاف المهرة» (17/ 731) والبيهقي (2/ 34) من طريق حارثة بن أبي الرِّجال، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو مَنكِبَيه فكبَّر، ثم يقول:«سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك» .
قال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه من حديث عائشة إلا من هذا الوجه.
وقال ابن خزيمة: وحارثة بن محمد رحمه الله ليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه.
وأعلَّه العقيلي بتفرُّد حارثة بن أبي الرِّجال، فقال: وله غير حديث لا يُتابَع عليه، وقد روي من غير هذا الوجه بأسانيد جياد.
وقال البيهقي: وهذا لم نكتبه إلا من حديث حارثة بن أبي الرِّجال، وهو ضعيف.
الطريق الثانية: أخرجها أبو داود (776) -ومن طريقه: الدارقطني (1/ 299) والبيهقي (2/ 33) - عن حسين بن عيسى، عن طلق بن غنَّام، عن عبد السلام بن حرب، عن بُديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، فذكرته.
قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلق بن غنَّام، وقد روى قصة الصلاة عن بُديل جماعة، لم يَذكروا فيه شيئًا من هذا.
زاد الدارقطني نقلاً عن أبي داود: وليس هذا الحديث بالقوي
وجاء في حاشية «السُّنن» بتحقيق محمد عوَّامة قوله: ((على حاشية ك: «نسخة: قال أبوسعيد: وبلغني عن أبي داود قال: هذان الحديثان -يعني: هذا والذي قبله- واهيان». وأبوسعيد هو: ابن الأعرابي)).
قلت: مراده بالحديث الأول: حديث أبي سعيد الخُدْري المتقدِّم، ومقتضى كلام الإمام أبي داود أن تكون هذه الرواية مع رواية أبي سعيد الخُدْري منكرة، لا يعتدُّ بها.
فأما عن عمرَ، فالمحفوظ أنَّه موقوف عليه، كما قاله الحافظ أبو الحسن الدارقطني (1).
وكذلك رواه مسلم في / (ق 36)«صحيحه» (2)، فقال:
(96)
ثنا محمد بن مِهران الرازي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن عَبدة بن أبي لُبَابة: أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه كان يجهرُ بهؤلاءِ الكلماتِ: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، تبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك. وعن قتادة: أنَّه كَتَب إليه يُخبِرُهُ عن أنس بن مالك أنَّه حدَّثه قال: صَلَّيتُ خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يَذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أوَّل قراءةٍ ولا آخرِها.
فعَبدة بن أبي لُبَابة لم يُدرك عمرَ بن الخطاب، وإنما لقي ابنَه عبد الله بن عمر، كما قاله الإمام أحمد بن حنبل (3)، وهو من ثقات المسلمين وأئمَّتهم.
وهذا الأثر ثابت عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه من غير وجه، كما رواه الدارقطني (4)
من طرق، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن
(1) في «سننه» (1/ 299).
(2)
(1/ 299 رقم 399)(52) في الصلاة، باب حجة من قال: لا يَجهر بالبسملة.
وانظر للفائدة: «تذكرة المحتاج» لابن الملقن (ص 45) و «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (1/ 340) و «شرح صحيح مسلم» للنووي (4/ 111 - 112).
(3)
حكاه الميموني عن الإمام أحمد، كما في «تهذيب الكمال» (18/ 543).
(4)
في «سننه» (1/ 300).
وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 209، 214 رقم 2389، 2455) في الصلاة، باب فيما يفتتح به الصلاة، وباب في التعوذ كيف هو
…
، والطحاوي (1/ 198) من طريق حفص بن غياث -زاد ابن أبي شيبة: ووكيع-. كلاهما (حفص، ووكيع) عن الأعمش، به.
وقد توبع الأعمش على روايته، تابَعَه منصور بن المعتمر، وروايته عند عبد الرزاق (2/ 75 رقم 2557) وابن أبي شيبة (1/ 209 رقم 2395) في الصلاة، باب فيما يفتتح به الصلاة، والطحاوي (1/ 198).
الأسود قال: كان عمرُ رضي الله عنه إذا افتتح الصلاةَ قال: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك. يُسْمِعُنا ذلك ويُعلِّمُنا.
(97)
وقال الحسن بن عرفة (1): ثنا هشيم، عن عبد الله بن عَون، عن إبراهيم، عن علقمة: أنَّه انطلَقَ إلى عمرَ بن الخطاب، قال: فرأيتُهُ قال حين افتتح الصلاةَ: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك.
وهذه أسانيد صحيحة، والله أعلم.
حديث آخر
(98)
قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: ثنا الحسن / (ق 37) بن سفيان، حدثني أبو قُدَيد، ثنا حاتم بن أحمد، ثنا عمار بن زَربي -مؤذِّن مسجد الأصمعي-، ثنا معتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ رضي الله عنه قال: كانت قراءةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى بنا مَدًّا.
(1) لم أجده في المطبوع من «جزء الحسن بن عرفة» ، ومن طريقه: أخرجه الدارقطني (1/ 300).
وقد توبع الحسن بن عرفة على روايته، تابَعَه وكيع، وروايته عند ابن أبي شيبة (1/ 209 رقم 2390) في الصلاة، باب فيما يفتتح به الصلاة.
وهذه الرواية معلَّة؛ لمخالفتها لرواية الأعمش ومنصور.
فيه غرابة من جهة إسناده (1).
حديث آخر
(99)
قال الإسماعيلي أيضًا: ثنا جعفر بن أحمد الواسطي، وابن صاعد قالا: ثنا نصر بن مالك الخُزَاعي، ثنا علي بن بكَّار، ثنا أبو خَلْدة، عن أبي العالية قال: قال عمرُ رضي الله عنه: تعلَّموا القرآنَ، خمسَ آياتٍ، خمسَ آياتٍ، كذلك أنزله جبريلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم (2).
قال علي بن بكَّار: قال بعض أهل العلم: مَن تعلَّمه هكذا لم ينسه أبدًا.
(1) في إسناده عمار بن زَربي، قال عنه أبو حاتم: كذَّاب، متروك الحديث. وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوَهم. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 392 رقم 2183) و «الضعفاء الكبير» (3/ 327).
(2)
وأخرجه -أيضًا- أبو نعيم في «الحلية» (9/ 319) والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 512 رقم 1806) والخطيب في «تاريخه» (13/ 287) من طريق علي بن بكَّار، به.
قال الدارقطني في «الأفراد» ، كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 156): تفرَّد به أبو خَلْدة، عن أبي العالية، عنه، وعنه علي بن بكَّار.
قلت: وقد خولف علي بن بكَّار في روايته، فأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 118 رقم 29921) في فضائل القرآن، باب في تعليم القرآن كم آية؟ عن وكيع. والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 320 - 321 رقم 358) وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 219) من طريق مسلم بن إبراهيم. كلاهما (وكيع، ومسلم بن إبراهيم) عن أبي خلدة، عن أبي العالية، قولَه. ليس فيه: عمر.
وقد رجَّح هذه الرواية أبو زرعة الرازي والبيهقي. انظر: «علل ابن أبي حاتم» (2/ 85 رقم 1749) و «شعب الإيمان» (4/ 513).
أثر آخر
(100)
روى البخاري، ومسلم (1)
من حديث أبي عِمران الجَوْني، عن عبد الله بن الصامت، عن عمرَ أنَّه قال: اقرأوا القرآنَ ما ائتلفت عليه قلوبُكُم، فإذا اختلفتُم، فقُومُوا.
ثم قال البخاري: والصحيح: أنَّه عن أبي عِمران، عن جُندَب، مرفوعًا.
قلت: وسيأتي (2) كذلك، وهو في «الصحيحين» .
(1) علَّقه البخاري في «صحيحه» (9/ 101 - فتح) جازمًا به، فقال:«وقال ابن عَون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصَّامت، عن عمرَ، قولَه» .
قلت: ولم أجده عند مسلم، ولم يعزه إليه المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 41 رقم 10489).
وقد قال الحافظ في «الفتح» (9/ 102): وقد أخرج مسلم من وجه آخر، عن أبي عمران هذا حديثًا آخر في المعنى، أخرجه [2666] من طريق حماد، عن أبي عمران الجَوْني، عن عبد الله بن رباح، عن عبد الله بن عمرَ قال: هَجَّرتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسَمِعَ رجلين اختلفا في آية، فخَرَج يُعرَف الغضبُ في وجهه، فقال:«إنما هلك من كان قبلَكم بالاختلاف في الكتاب» .
فائدة: قال المزي في «تحفة الأشراف» (2/ 444): قال أبو بكر ابن أبي داود: لم يخطئ ابن عَون في حديث قط إلا في هذا، والصواب:» عن جُندَب «، وقال هو: «عن عبد الله بن الصَّامت» .
وقال الحافظ في «الفتح» : رواية ابن عون شاذة، لم يتابَع عليها.
وانظر: «صحيح البخاري» (9/ 101 رقم 5060، 5061) في فضائل القرآن، باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، و (13/ 335، 336 رقم 7364، 7365 - فتح) في الاعتصام، باب كراهية الاختلاف.
(2)
انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (2/ 226 رقم 1901).
حديث آخر
(101)
قال الإمام أحمد (1): ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ رضي الله عنه، وهو بعَرَفة -قال (2): وحدثنا الأعمش، عن خيثمة، عن قيس بن مروان: أنَّه أتى عمرَ-، فقال: جئتُ يا أميرَ المؤمنين من الكوفة، وتَرَكتُ بها رجلاً يُملِي المصاحفَ عن ظَهر قلبِهِ، فغَضِبَ، وانتفخَ حتى كاد يملأُ ما بين شُعبَتَي الرَّحْلِ (3)، فقال: ومَن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يُطْفَأُ ويُسرَّى (4) عنه الغضبُ حتى عاد إلى حاله التي كان عليها. ثم قال: ويحك، واللهِ ما أَعلمُهُ بَقِيَ من الناس أحدٌ هو أحقُّ بذلك منه، وسأحدِّثك عن ذلك، كان النبيُّ / (ق 38) صلى الله عليه وسلم لا يزال يَسمُرُ عند أبي بكر رضي الله عنه الليلةَ كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وأنَّه سَمَر عنده ذاتَ ليلةٍ، وأنا معه، فخَرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وخَرَجنا معه، فإذا رجلٌ قائمٌ يصلِّي في المسجد، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسمعُ قراءتَه، فلما كِدْنا نَعرِفَهُ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«مَن سرَّه أن يَقرأ القرآنَ رَطْبًا كما أُنزلَ؛ فليَقرأْ على قراءةِ ابنِ أمِّ عَبْدٍ» . قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول:«سَلْ تُعْطَهْ» .
قال عمرُ: قلت: واللهِ، لأَغدُونَّ إليه، فلأُبَشِّرنَّه، قال: فغَدَوتُ إليه لأُبَشِّره، فوَجَدتُ أبا بكر قد سَبَقَني إليه، فبَشَّره، ولا واللهِ ما سابَقْتُهُ إلى
(1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 175).
(2)
القائل هو: أبو معاوية، كما في المطبوع.
(3)
الرَّحْل: مركب البعير والناقة، ويقال أيضًا لأعواد الرَّحْل بغير أداة رَحْل. انظر:«لسان العرب» (5/ 168 - 169 - مادة رحل).
(4)
قوله: «ويُسرَّى» كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «ويتسرَّى» ، وما في الأصل موافق للمطبوع.
خيرٍ قطّ، إلا سَبَقَني إليه.
ورواه الترمذي (1)، والنسائي (2) من حديث أبي معاوية محمد بن خازم الضَّرير، به، بنحوه.
قلت: وكذلك رواه الثوري، عن الأعمش (3).
قال الدارقطني (4): رواية الأعمش هي الصواب.
وقال الترمذي (5): رواه الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن علقمة، عن رجل من جُعفي، يقال له: قيس، أو: ابن قيس، عن عمرَ، في قصة طويلة.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر (6): رواه الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن قَرثَع الضَّبي (7)،
عن رجل من جُعفي، يقال له: قيس، أو: ابن قيس، عن عمرَ، به.
(1) في «سننه» (1/ 315 رقم 169) في الصلاة، باب ما جاء في الرخصة في السَّمر بعد العشاء.
(2)
في «سننه الكبرى» (5/ 71 رقم 8256).
(3)
وروايته عند النسائي في الموضع السابق.
(4)
في «العلل» (2/ 204)، ونصُّ عبارته: وقد ضبط الأعمش إسنادَه وحديثَه، وهو الصواب.
(5)
في «سننه» (1/ 315)، ولم أقف على هذه الرواية موصولة، وانظر ما سيأتي.
(6)
في «تاريخه» (33/ 100 - 101) من طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، عن عبد الواحد بن زياد، عن الحسن بن عبيد الله، به.
(7)
قوله: «عن إبراهيم، عن قَرثَع الضَّبي» كذا ورد بالأصل.
وفي المطبوع: «عن إبراهيم، عن علقمة، عن قَرثَع» .
وكذا ورد في «تاريخ ابن عساكر» (ص 51 - ط مجمع اللغة العربية بدمشق).
وكذا أورده المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 100).
وكذا أخرج طريقَ الحسن بن عبيد الله الترمذيُّ في «العلل الكبير» (ص 351 رقم 653) وعبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده على المسند» (1/ 39 رقم 267) والبزار (1/ 461 رقم 328) عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، به، ولم يَذكر قصة السَّمَر.
ورجَّح طريقَ الحسن بن عبيد الله هذه الإمامُ البخاريُّ، فقال الترمذي في «العلل»: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث عبد الواحد، عن الحسن بن عبيد الله، والأعمش يروي هذا عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمرَ، ولا يَذكر فيه قَرثَعا، وعبد الواحد بن زياد يَذكر عن الحسن بن عبيد الله هذا الحديث، ويزيد فيه:(عن قَرثَع)، وحديث عبد الواحد عندي محفوظ.
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر في «النكت الظِّراف» (8/ 100) وجهة نظر البخاري، فقال: وكأنه من أجل زيادة «القَرثَع» .
واختار الدارقطني طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمرَ، ولما سأله البَرقاني عن رأي البخاري، أجابه الدارقطني بقوله: وقول الحسن بن عبيد الله، عن قَرثَع؛ غير مضبوط، لأن الحسن بن عبيد الله: ليس بالقوي، ولا يُقاس بالأعمش. «علل الدارقطني» (2/ 203 - 204).
ولم يتنبَّه لهذا الاختلاف بين رواية الأعمش والحسن بن عبيد الله محققو «مسند الإمام أحمد» (1/ 308 - 309، 311، 353 - 354، 371 - 372، 373 - 374 رقم 175، 178، 228، 265، 267 - ط مؤسسة الرسالة) فذكروا كلا الطريقين، وصحَّحاها، وغاب عنهم كلام البخاري والدارقطني.
وقد رواه النسائي في المناقب (1)، عن محمد بن زَنبور المكي، عن فضيل بن عياض، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وخيثمة. كلاهما عن قيس بن مروان، به.
وعن محمد بن أبان (2)، عن محمد بن فضيل، / (ق 39) عن الأعمش،
(1) من «سننه الكبرى» (5/ 71 رقم 8255، 8257).
(2)
قوله: «محمد بن أبان» تحرَّف في المطبوع إلى: «عبد الله بن أبان» ! وجاء على الصواب في «تحفة الأشراف» (8/ 99 رقم 10628).
عن خيثمة، عن قيس بن مروان، به، مختصرًا:«مَن سَرَّه أن يقرأَ القرآنَ كما أُنزِلَ، فليقرأهُ على قراءةِ ابنِ أمِّ عَبدٍ» .
وهذا الحديث لا يُشكُّ أنَّه محفوظ، وهذا الاضطراب لا يضرُّ صحته، والله أعلم.
والغرض منه الاقتداء بعبد الله بن مسعود فيما صحَّ من قراءته عنه على مذهب من يرى ذلك.
وقد قدَّمنا هذا الحديث في «مسند الصِّديق» .
حديث آخر
(102)
قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1): ثنا شعبة، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، قال: قال عمرُ رضي الله عنه: أمِسُّوا (2)، فقد سُنَّتْ لكم الرُّكَبُ.
وهكذا رواه علي بن الجَعْد (3)، عن شعبة، عن أبي حَصِين قال: سَمِعتُ أبا عبد الرحمن يقول: قال عمرُ: أَمِسُّوا، فقد سُنَّت لكم الرُّكَبُ.
وأما النسائي، فرواه في «سننه» (4)، عن بُندَار، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن عمرَ أنَّه قال: إنَّ الرُّكَبَ قد سُنَّتْ لكم، فخُذُوا بالرُّكَبِ (5).
(1)(1/ 63 رقم 62).
(2)
معناه: الإمساك بالرُّكَب عند الركوع.
(3)
وروايته عند أبي القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 410 رقم 592).
(4)
(2/ 529 رقم 1033، 1034) في التطبيق، باب الإمساك بالركب عند الركوع.
(5)
كذا بالأصل. وفي المطبوع: «سُنَّت لكم الرُّكَب، فأمسكوا بالرُّكَب» .
وعن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن سفيان، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن، به (1).
ورواه الترمذي (2)، عن أحمد بن مَنيع، عن أبي بكر بن عيَّاش، عن أبي حَصِين، به، وقال: حسن صحيح.
واختاره الحافظ الضياء في كتابه المستخرَج على الصحيحين (3) من رواية الهيثم بن كُلَيب، عن أحمد بن حازم، عن جعفر بن عَون، عن مِسْعَر، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن قال: أَقبَلَ عمرُ على الناس، فقال: أيها الناسُ، سُنَّتْ لكم الرُّكَبُ، / (ق 40) فأَمِسُّوا بالرُّكَبِ.
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (4): رواه جماعة، منهم شعبة، واختُلف عليه، فرواه أبو قتيبة، عنه، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن، عن عمرَ، ووَهِمَ فيه، ورواه أبو داود، عن شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبد الرحمن، عن عمرَ، ولم يُتابَع عليه، والمحفوظ: حديث أبي حَصِين (5).
(1) ولفظه: «إنما السُّنة الأخذ بالرُّكَب» .
(2)
في «سننه» (2/ 43 رقم 258) في الصلاة، باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع.
(3)
(1/ 260 رقم 149).
(4)
في «العلل» (2/ 243 رقم 244).
(5)
وهو منقطع، أبو عبد الرحمن السُّلمي لم يَسْمع من عمر، قاله شعبة وابن معين. انظر:«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 107 رقم 385) و «تحفة التحصيل» (ص 171).