الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع:
من سنن الوضوء المضمضة والاستنشاق فيه
يدخل في المضمضة والاستنشاق سنن كثيرة من سنن الوضوء، وقبل أن نأتي على أكثرها، نذكر أولاً خلاف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء.
المبحث الأول:
حكم المضمضة والاستنشاق
اختلف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل إلى أقوال:
فقيل: المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء وفي الغسل، وهو مذهب المالكية
(1)
، والشافعية
(2)
.
وقيل: واجبان في الوضوء والغسل، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة
(3)
.
(1)
الخرشي (1/ 133 - 170)، منح الجليل (1/ 128)، مواهب الجليل (1/ 313)، القوانين الفقهية (ص:22)، مقدمات ابن رشد (1/ 82)، بداية المجتهد مع الهداية (2/ 12)، الكافي في فقه أهل المدينة (ص:23،24)، حاشية الدسوقي (1/ 136)، الشرح الصغير (1/ 118 - 170).
(2)
الأم (1/ 41)، المجموع (1/ 396)، روضة الطالبين (1/ 88،58)، مغني المحتاج (1/ 73 - 57).
(3)
الفروع (1/ 144)، الإنصاف (1/ 152، 153)، المحرر (1/ 11، 20)، كشاف القناع (1/ 154)، معرفة أولي النهى شرح المنتهى (1/ 403)، المبدع (1/ 122)، الكافي (1/ 26)، الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني (1/ 59).
هذان قولان متقابلان.
وفيه قولان آخران متقابلان أيضاً:
فقيل: المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء، واجبان في الغسل، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
وقيل: واجبان في الوضوء دون الغسل
(2)
.
وقيل: المضمضة سنة، والاستنشاق واجب فيهما
(3)
.
والراجح: أن المضمضة سنة في الوضوء وفي الغسل، وأما الاستنشاق فواجب في الوضوء سنة في الغسل، والله أعلم.
وسبب اختلاف العلماء اختلافهم في الأدلة الواردة في الباب، فآية المائدة في الوضوء ليس فيها ذكر للمضمضة والاستنشاق، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}
(4)
.
(825 - 54) وروى مسلم أن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله ? من أتم الوضوء كما أمره الله تعالى فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن
(5)
.
(1)
شرح فتح القدير (1/ 25،56)، البناية (1/ 250)، تبيين الحقائق (1/ 4،13)، البحرالرائق (1/ 47)،حاشية ابن عابدين (1/ 156)، مراقي الفلاح (ص:42)، بدائع الصنائع (1/ 34)، رؤوس المسائل (ص:101).
(2)
انظر الفروع (1/ 144 - 145)، المبدع (1/ 122)، الإنصاف (1/ 152 -
153).
(3)
انظر المصادر السابقة.
(4)
المائدة: 6.
(5)
صحيح مسلم (231).
وليس في كتاب الله ذكر المضمضمة والاستنشاق، فدل على أنهما غير واجبين.
هذا في الحدث الأصغر، وأما في الأكبر فقد روى البخاري من حديث طويل، في قصة الرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: خذ هذا فأفرغه عليك
(1)
.
(826 - 55) وروى مسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين
(2)
.
فعبر بـ «إنما» الدالة على الحصر، واكتفى بالإفاضة ولم يذكر المضمضة والاستنشاق.
فأخذ بعض أهل العلم من هذه الأدلة أن المضمضة والاستنشاق ليسا واجبين لا في حدث أصغر ولا في حدث أكبر.
وذهب آخرون إلى أن الاستنشاق قد جاء الأمر به في السنة الصحيحة
(827 - 56) فقد روى البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر.
ولفظ مسلم: «إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر»
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (337).
(2)
صحيح مسلم (330).
(3)
البخاري (162) ومسلم (237).
وأحاديث الأمر بالاستنشاق، هي دليل على وجوب الاستنشاق صراحة والمضمضة ضمناً، لأنهما كالعضو الواحد، فإيجاب أحدهما إيجاب للآخر، ألا ترى أنه لا يفصل بين المضمضة والاستنشاق، ومن عادة الأعضاء المستقلة في الوضوء ألا ينتقل إلى عضو حتى يفرغ من العضو الذي قبله، بخلاف المضمضة والاستنشاق فإنه يمضمض ثم يستنشق ثم يرجع إلى المضمضة فالاستنشاق وهكذا، فهذا يدل على أنهما في حكم العضو الواحد، فالأمر بأحدهما أمر بالآخر.
(828 - 57) كما استدلوا بحديث رواه أبو داود
(1)
، عن لقيط بن صبرة قال: كنت وافد بني المنتفق ـ أو في وفد بني المنتفق ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكر حديثاً طويلاً، وفيه: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء. قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.
الشاهد من هذا الحديث قوله «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» .
وفي رواية لأبي داود، وزاد فيه:«إذا توضأت فمضمض»
(2)
.
وذهب بعض اهل العلم إلى أن الاستنشاق واجب دون المضمضة،
(3)
.
(1)
سنن أبي داود (142).
(2)
السنن (144)، وزيادة إذا توضأت مضمض زيادة شاذة، انظر كلامي عليها في كتابي الحيض والنفاس رواية ودارية (129)، وانظر أيضاً رقم (830) من هذا الكتاب.
(3)
الأوسط (1/ 379).
وقال ابن عبد البر: «وحجة من فرق بين المضمضة والاستنشاق أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل المضمضة ولم يأمر بها، وأفعاله مندوب إليها، ليست بواجبة إلا بدليل، وفعل الاستنثار وأمر به، وأمره على الوجوب أبداً، إلا أن يتبين غير ذلك من مراده» ا. هـ
(1)
وقد بسط الكلام في المسألة، وجمعت الأدلة الواردة في الباب وتم تخريجها، والكلام عليها من حيث الصحة والضعف، في كتابي أحكام الحيض والنفاس، وقد وترجح هناك قول ابن عبد البر وابن المنذر، وأن الواجب هو الاستنشاق خاصة، فأغنى عن إعادته هنا، فارجع إليه غير مأمور.
(1)
التمهيد كما في فتح البر (3/ 208).