الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع عشر:
يستحب تجديد الوضوء
يستحب تجديد الوضوء، وهو أن يكون على وضوء ثم يتوضأ من غير أن يحدث ومتى يستحب؟.
فيه أقوال:
الأول: يستحب له التجديد مطلقاً، حتى ولو لم يمضي زمن يحصل به التفريق بين الوضوء الأول والوضوء الثاني، وهو قول في مذهب الحنفية
(1)
.
(1)
قال ابن عابدين في حاشيته (1/ 119): مطلب في الوضوء على الوضوء (قوله: أو لقصد الوضوء على الوضوء) أي بعد الفراغ من الأول بحر.
وفي التتارخانية عن الناطفي: لو زاد على الثلاث فهو بدعة، وهذا إذا لم يفرغ من الوضوء ; أما إذا فرغ ثم استأنف الوضوء فلا يكره بالاتفاق اهـ ومثله في الخلاصة.
وعارض في البحر دعوى الاتفاق بما في السراج من أنه مكروه في مجلس واحد، وأجاب في النهر بأن ما مر فيما إذا أعاده مرة واحدة ، وما في السراج فيما إذا كرره مرارا ، ولفظه في السراج: لو تكرر الوضوء في مجلس واحد مرارا لم يستحب ، بل يكره لما فيه من الإسراف فتدبر اهـ.
قلت، والقائل ابن عابدين: لكن يرد ما في شرح المنية الكبير حيث قال: وفيه إشكال لإطباقهم على أن الوضوء عبادة غير مقصودة لذاتها فإذا لم يؤد به عمل مما هو المقصود من شرعيته كالصلاة وسجدة التلاوة ومس المصحف ينبغي أن لا يشرع تكراره قربة; لكونه غير مقصود لذاته فيكون إسرافا محضاً ، وقد قالوا في السجدة لما لم تكن مقصودة: لم يشرع التقرب بها مستقلة وكانت مكروهة، وهذا أولى. اهـ. أقول (القائل ابن عابدين): ويؤيده ما قاله ابن العماد في هديته، قال في شرح المصابيح: وإنما يستحب الوضوء إذا صلى بالوضوء الأول صلاة ، كذا في الشرعة والقنية. اهـ. وكذا ما قاله المناوي في شرح الجامع الصغير للسيوطي عند حديث " من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات " من أن المراد بالطهر =
وقال النووي: فيه خمسة أوجه: أصحها إن صلى بالوضوء الأول فرضا أو نفلا وبه قطع البغوي.
والثاني: إن صلى فرضاً استحب وإلا فلا، وبه قطع الفوراني.
- قلت: وهذان القولان قولان أيضاً في مذهب المالكية -
(1)
.
= الوضوء الذي صلى به فرضا أو نفلا كما بينه فعل راوي الخبر وهو ابن عمر ، فمن لم يصل به شيئا لا يسن له تجديده. اهـ. ومقتضى هذا كراهته ، وإن تبدل المجلس ما لم يؤد به صلاة أو نحوها لكن ذكر سيدي عبد الغني النابلسي أن المفهوم من إطلاق الحديث مشروعيته ولو بلا فصل بصلاة أو مجلس آخر ، ولا إسراف فيما هو مشروع، أما لو كرره ثالثاً أو رابعاً فيشترط لمشروعيته الفصل بما ذكر ، وإلا كان إسرافا محضا اهـ فتأمل.
قلت: قوله إن الوضوء ليس مقصوداً لذاته غير صحيح، بل الصحيح أن الوضوء عبادة مقصودة لذاته، وقد يكون شرطاً لغيره. وهي مسألة مستقلة لعلي أتطرق إليها في ثنايا البحث إن شاء الله تعالى.
(1)
في مذهب المالكية قولان: أحدهما: إن صلى به فرضاً، وهو اختيار القاضي عياض.
والثاني: إن صلى به صلاة فرضاً كانت أو نافلة. انظر التاج والإكليل (1/ 440)، الخرشي (1/ 138).
وقال في مواهب الجليل (1/ 303): " وتجديد وضوء إن صلى به ": ظاهره صلى به فريضة أو نافلة ولو ركعتين فقط، أو طاف به سبعاً، وهو كذلك قال في الطراز في باب أحكام النية:(فرع) روى معن عن مالك فيمن توضأ لنافلة. قال: أحب إلي أن يتوضأ لكل صلاة، وهذا يوهم بظاهره أن الوضوء للنافلة لا يستباح به غيرها وليس كذلك، وقد فسره سحنون في كتاب ابنه فقال: معناه أنه يستحب له طهر على طهر لا على الإيجاب، يريد كما يستحب أن يجدد للفرض طهراً استحب أيضا في النافلة مثله، انتهى.
وقال اللخمي في أوائل تبصرته: ولا فضيلة في تكرار الغسل عقيب الغسل، ولا عند كل صلاة، فهو في ذلك بخلاف الوضوء، إلا ما وردت فيه السنة من الاغتسال للجمعة والعيدين والإحرام ودخول مكة ووقوف عرفة، انتهى. =
والثالث: يستحب إن كان فعل بالوضوء الأول ما يقصد له الوضوء وإلا فلا ، ذكره الشاشي في كتابيه المعتمد والمستظهري في باب الماء المستعمل واختاره.
والرابع: إن صلى بالأول أو سجد لتلاوة أو شكر أو قرأ القرآن في المصحف استحب وإلا فلا ، وبه قطع الشيخ أبو محمد الجويني في أول كتابه الفروق.
والخامس: يستحب التجديد ولو لم يفعل بالوضوء الأول شيئاً أصلاً حكاه إمام الحرمين، قال: وهذا إنما يصح إذا تخلل بين الوضوء والتجديد زمن يقع بمثله تفريق ، فأما إذا وصله بالوضوء فهو في حكم غسلة رابعة، وهذا الوجه غريب جداً ، وقد قطع القاضي أبو الطيب في كتابه شرح الفروع
= وقال القاضي عياض: الوضوء الممنوع تجديده قبل أداء فريضة به وفي شرح الرسالة للشبيبي في الوضوء المستحب وتجديده لكل صلاة بعد صلاة فرض ثم قال: الممنوع لثلاثة أشياء تجديده قبل صلاة فرض به والزيادة على الثلاثة وفعله لغير ما شرع له أو أبيح ، انتهى. قال ابن العربي في العارضة: اختلف العلماء في تجديد الوضوء لكل صلاة فمنهم من قال: يجدد إذا صلى وفعل فعلا يفتقر إلى الطهارة وهم الأكثرون ، ومنهم من قال: يجدد وإن لم يفعل فعلا يفتقر إلى الطهارة، انتهى.
وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة في قوله: فعليه أن يتأهب لذلك بالوضوء وبالطهر إن وجب عليه الطهر، وإنما شرط في الاستعداد بالغسل وجوبه دون الوضوء ; لأن الاستعداد به يكون دون وجوب إذ يستحب تجديده لكل صلاة فرض بعد صلاته به، وقيل: يشترط كونها فرضا بخلاف الغسل فإنه لا يستحب لكل صلاة بل ربما كان بدعة وإن قال به بعض العباد ، والله أعلم انتهى. (تنبيه) إن لم يصل بالوضوء فلا يعيده إلا أن يكون توضأ أولا واحدة واحدة أو اثنتين اثنتين قاله الجزولي في قول الرسالة، ولكنه أكثر ما يفعل، والله تعالى أعلم. اهـ نقلته بطوله من كتاب مواهب الجليل.