الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى. اهـ
يعني: مبتلى بمرض الوسوسة، أعاذنا الله وإياكم منها.
دليل من قال: بالكراهة
.
قال الشوكاني: لا خلاف في كراهة الزيادة على الثلاث.
والحق أن في ذلك خلافاً على ما تبين، فمنهم من اعتبر الاقتصاد من الآداب التي يؤجر على فعلها، ولا يلزم من الإخلال بها الوقوع في المكروه كما يراه بعض الحنفية.
ولقد قال الشافعي في الأم: لا أحب للمتوضئ أن يزيد على الثلاث، وإن زاد لم أكرهه إن شاء الله تعالى.
ومنهم من رأى تحريم الزيادة كما حررت ذلك عند ذكر الأقوال.
دليل من اعتبر الاقتصاد من الآداب
.
لعله رأى أن ترك السنة لا يلزم منه الوقوع في المكروه، وهذا حق لولا أنه جاء من الأحاديث ما يدل على ذم الزيادة على الثلاث، والله أعلم.
الراجح:
أما بالنسبة للعدد، فالزيادة على الثلاث إن لم تكن محرمة فهي مكروهة كراهة شديدة؛ لأنه قد ورد النهي عن الزيادة على الثلاث، وهو أكثر ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما بالنسبة لمقدار الماء المستعمل في الوضوء فلم يأت له حد من الشرع، بحيث لا يتجاوزه الإنسان، والناس يختلفون في هذا بدانة ونحافة، والمياه في عصرنا تأتي عن طريق الصنابير التي تدفع الماء دفعاً، لا يمكن معه
التقيد بالمقدار الوارد إلا أن يأخذ الإنسان الماء في إناء، ويغلق الصنبور، وقد لا يتوفر الإناء في كل مكان، والأحاديث الواردة في مقدار وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كلها تدل على أن كمية الماء ليس فيها حد بمقدار معين، وإنما الأمر تقريبي.
أما قول الشيخ عز الدين بن عبد السلام: للمتوضئ والمغتسل ثلاث أحوال:
الأول: أن يكون معتدل الخلق كاعتدال خلقه صلى الله عليه وسلم، فيقتدي به في اجتناب النقص عن المد والصاع.
الثاني: أن يكون ضئيلاً نحيف الخلق، بحيث لا يعادل جسده جسد النبي صلى الله عليه وسلم، فيستحب له أن يستعمل ما تكون نسبته إلى جسده كنسبة المد والصاع إلى جسده صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أن يكون متفاحش الخلق طولاً وعرضاً، وعظم البطن وثخانة الأعضاء، فيستحب أن لا ينقص عن مقدار تكون النسبة إلى بدنه كنسبة المد والصاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فاحتساب هذه النسبة التي ذكرها عز الدين بن عبد السلام من المشقة التي لم نؤمر بها، ومن يعرف دقة هذه النسبة، بل إن الآثار تدل على أن لا تقدير في الباب.
(903 - 132) فمنها حديث أنس رضي الله عنه، عند البخاري
(1)
، ومسلم
(2)
، «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد» .
(904 - 133) ومنها حديث عائشة في مسلم، عن حفصة بنت عبد
(1)
رقم الحديث (201).
(2)
رقم الحديث (326).
الرحمن بن أبي بكر «أن عائشة أخبرتها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، أو قريباً من ذلك»
(1)
.
(905 - 134) ومنها حديث عبد الله بن زيد: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد، فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه
(2)
.
(1)
رقم الحديث (321).
(2)
أخرجه ابن حبان كما في الموارد (155) من طريق ابن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد. ورجاله ثقات.
ورواه البيهقي (1/ 196) من طريق أبي زائدة به.
وأخرجه البيهقي أيضاً (1/ 196) من طريق سليمان بن داود، ثنا أبو خالد الأحمر، ثنا شعبة به، بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بنحو من ثلثي المد.
وأخرجه أبو داود الطيالسي (1099) ومن طريقه أحمد (4/ 39) حدثنا شعبة به، بلفظ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فدلك ذراعيه ..
ورواه ابن حبان كما في الموارد (156) من طريق يحيى بن سعيد، عن شعبة به، فذكر نحوه.
واختلف على شعبة فيه:
فرواه ابن أبي زائدة وأبو داود الطيالسي ويحيى بن سعيد وأبو خالد الأحمر عن شعبة كما سبق.
وخالفهم غندر (محمد بن جعفر) فرواه أبو داود (94) والنسائي (74)، والبيهقي (1/ 196) أخبرنا محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن حبيب، قال: سمعت عباد بن تميم يحدث جدته، وهي أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد.
زاد النسائي: قال شعبة: فأحفظ أنه غسل ذراعيه، وجعل يدلكهما، ويمسح أذنيه باطنهما، ولا أحفظ أنه مسح ظاهرهما.
فجعل محمد بن جعفر الحديث من مسند أم عمارة. =
فتبين من هذه الأحاديث أن لا تقدير للوضوء بحد لا يجوز النقص عنه أو الزيادة عليه.
قال الحافظ في شرحه لحديث أنس المتقدم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، قال: فيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب - يعني الصاع والمد - كابن شعبان من المالكية وكذا من قال به من الحنفية مع مخالفتهم لهم في مقدار المد والصاع، وحمله الجمهور على الاستحباب؛ لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك، الخ كلامه رحمه الله
(1)
.
= قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 25) سألت أبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن أبي زائدة وأبو داود عن شعبة، فذكر الحديث، ثم قال: ورواه غندر، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن جدته أم عمارة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو زرعة: الصحيح عندي حديث غندر. اهـ
قلت: لعله رجح حديث غندر؛ لأنه من أثبت الناس عن شعبة.
ولأن حديث عبد الله بن زيد المشهور في الصحيحين وفي غيرهما لم يذكروا فيه الدلك ولا مقدار الماء، لكن هذا الاحتمال يبعد مع رواية يحيى بن سعيد، وهو من هو، وأيضاً ابن أبي زائدة والطيالسي وأبو خالد الأحمر، فلعل الحديث ثابت من الطريقين، ولعل عباداً سمعه من عمه، ومن جدته، والله أعلم.
(1)
فتح الباري (201).