الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن مفلح: قال جماعة: يكره الكلام أثناء الوضوء، والمراد بغير ذكر الله تعالى، كما صرح به جماعة، والمراد بالكراهة ترك الأولى وفاقاً للحنفية والشافعية.
وقال أيضاً: وظاهر الأكثر لا يكره السلام ولا الرد، وإن كان الرد على طهر أكمل لفعله عليه السلام
(1)
.
دليل من قال: لا يكره الكلام أثناء الوضوء
.
الدليل الأول:
لا يوجد نهي من الشارع عن الكلام أثناء الوضوء، والأصل في الأفعال الإباحة، فمن ادعى النقل عن الإباحة بحكم آخر سواء الكراهة أو الحكم بأن ذلك من آداب الوضوء وسننه فعليه الدليل من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني:
(939 - 168) ما رواه البخاري، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني مالك بن أنس، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره،
أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره قالت: فسلمت عليه فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: مرحبا بأم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد. الحديث. ورواه مسلم
(2)
.
فهذا في الكلام أثناء الغسل، والوضوء مثله.
(1)
الفروع (1/ 152).
(2)
البخاري (357)، مسلم (336).
الراجح من الخلاف.
إن صح نقل الإجماع على كراهة الكلام أثناء الوضوء فالدليل الإجماع، وإلا فالأصل الإباحة وقد يقال: إن كان سكوت الإنسان أثناء الوضوء من أجل تصور أمتثال أوامر الشرع، فإذا غسل وجهه تذكر أنه عبد لله يمتثل أمر الله سبحانه وتعالى بقوله {فاغسلوا وجوهكم} كما يحاول أن يكون هذا الفعل مطابقاً لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفعل ما فعله، وفي غسل اليدين يتصور امتثاله لأمر الله سبحانه وتعالى بقوله:{وأيديكم إلى المرافق} وهكذا في كل أفعال الوضوء، إذا كان هذا لذلك فقد يكون السكوت مطلوباً، وإن كان السكوت من أجل استصحاب النية في الوضوء فهذا له بحث آخر سوف يذكر إن شاء الله تعالى في فروض الوضوء، وما عداه فيكون الكلام وعدمه على الإباحة، والاستحباب والكراهة لا بد فيهما من دليل شرعي، وقد سبق كلام النووي بأنه لم يرد نهي من الشارع عن الكلام، والله أعلم.
المبحث الأول:
في الوضوء قبل الوقت
قال النووي: أجمع العلماء على جواز الوضوء قبل دخول وقت الصلاة، نقل فيه الإجماع ابن المنذر في كتابه الإجماع وآخرون، هذا في غير المستحاضة ومن في معناها فإنه لا يصح وضوءها إلا بعد دخول الوقت
(1)
.
قلت: أما المستحاضة فقد اختلف العلماء في وضوءها هل يصح منها الوضوء قبل دخول الوقت أم لا وذلك نظراً إلى أن بعضهم يرى طهارتها طهارة ضرورة.
فقيل: لا تتوضأ قبل دخول الوقت، كما أن خروج الوقت مبطل لطهارتها السابقة، وهذا مذهب الحنفية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
إلا أن الشافعية يرون الوضوء يجب عليها لكل فريضة مؤداة أو مقضية بخلاف النافلة، ومذهب الحنفية والحنابلة يجب عليها الوضوء لوقت كل صلاة، فتصلي بطهارتها الفرائض والنوافل ما دام الوقت، فإذا خرج بطلت طهارتها.
(1)
المجموع (1/ 491).
(2)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 508) حاشية ابن عابدين (1/ 504) البحر الرائق (1/ 226) مراقي الفلاح (ص60) شرح فتح القدير (1/ 181) تبيين الحقائق (1/ 64) بدائع الصنائع (1/ 28).
(3)
المجموع (1/ 543، 363)، مغني المحتاج (1/ 111)، روضة الطالبين (1/ 147، 125).
(4)
المغني (1/ 421) شرح منتهى الإرادات (1/ 120) كشاف القناع (1/ 215) الإنصاف (1/ 377) الفروع (1/ 279) شرح الزركشي (1/ 437).
وقيل: يجب عليها الوضوء لكل صلاة مطلقاً فرضاً كانت أو نفلاً، خرج الوقت أو لم يخرج، وهو اختيار ابن حزم
(1)
.
وقيل: لا يعتبر خروج دم الاستحاضة حدثاً ناقضاً للوضوء، بل يستحب منه الوضوء ولا يجب، وبالتالي هي كغيرها تتوضأ متى شاءت. وهو مذهب المالكية، وهو الراجح
(2)
.
وقد ذكرت أدلة كل فريق، وبيان الراجح منه في كتابي الحيض والنفاس، وكتاب الاستنجاء، باب الاستنجاء من الحدث الدائم، فارجع إليه غير مأمور.
(1)
المحلى (مسألة: 168).
(2)
قال صاحب مواهب الجليل (1/ 291): " طريقة العراقيين من أصحابنا، أن ما خرج على وجه السلس لا ينقض الوضوء مطلقاً، وإنما يستحب منه الوضوء ". ثم قال:
" والمشهور من المذهب طريقة المغاربة أن السلس على أربعة أقسام:
الأول: أن يلازم، ولا يفارق، فلايجب الوضوء، ولا يستحب؛ إذ لا فائدة فيه، فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد.
الثاني: أن تكون ملازمته أكثر من مفارقته، فيستحب الوضوء، إلا أن يشق ذلك عليه لبرد أو ضرورة فلا يستحب.
الثالث: أن يتساوى إتيانه ومفارقته، ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان "
ثم قال:
والرابع: أن تكون مفارقته أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء، خلافاً للعراقيين فإنه عندهم مستحب. اهـ
وانظر حاشية الدسوقي (1/ 116) وانظر بهامش الصفحة التاج والإكليل.
وانظر الخرشي (1/ 152)، فتح البر في ترتيب التمهيد (3/ 508)، الاستذكار (3/ 225 - 226) القوانين الفقهية لابن جزي (ص29).
واستحباب الوضوء قبل دخول وقت الصلاة يرجع إلى أن الوضوء على الصحيح عبادة مستقلة مطلوبة بذاتها، وإن كان شرطاً في صحة الصلاة فلا يمنع ذلك أن يكون عبادة مستقلة رتب الله على فعلها أجراً عظيماً من كفارة الذنوب،
(940 - 169) لما روى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا إسحق بن منصور، حدثنا حبان بن هلال، حدثنا أبان، حدثنا يحيى، أن زيداً حدثه، أن أبا سلام حدثه،
عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها
(1)
.
الحديث الثاني:
(941 - 170) ما رواه مسلم، قال: حدثني أحمد بن جعفر المعقري، حدثنا النضر بن محمد، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا شداد بن عبد الله أبو عمار ويحيى بن أبي كثير، عن أبي أمامة - قال عكرمة: لقي شداد أبا أمامة وواثلة وصحب أنساً إلى الشام وأثنى عليه فضلا وخيرا -
قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض، ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا
(1)
صحيح مسلم (223).
غسل وجهه كما أمره الله، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام، فصلى، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه، فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول، في مقام واحد يعطي هذا الرجل، فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله، ولا على رسول الله لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا حتى عد سبع مرات ما حدثت به أبداً، ولكني سمعته أكثر من ذلك
(1)
.
الحديث الثالث:
(942 - 171) ما رواه أحمد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن ثوبان، حدثني حسان بن عطية، أن أبا كبشة السلولي حدثه،
أنه سمع ثوبان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا واعملوا وخيروا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن
(2)
.
[إسناد حسن إن شاء الله، والحديث صحيح]
(3)
.
(1)
صحيح مسلم (832).
(2)
المسند (5/ 282).
(3)
وقد سبق تخريجه في فضل الوضوء، انظر حديث (477).
الحديث الرابع:
(943 - 172) ما رواه مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا خلف -يعني ابن خليفة- عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم قال:
كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم هاهنا لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء
(1)
.
الحديث الخامس:
(944 - 173) ما رواه البخاري، قال: حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال،
عن نعيم المجمر، قال: رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل
(2)
.
الحديث السادس:
(945 - 174) ما رواه مسلم، قال: حدثني محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة يعني ابن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عقبة بن عامر ح
وحدثني أبو عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر عن عمر،
(1)
مسلم (250).
(2)
صحيح البخاري (136)، مسلم (246).
مرفوعاً، وفيه: ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء
(1)
.
(946 - 175) ومنها ما رواه أحمد، قال: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد، أخبرني عبد الله بن بريدة، قال:
سمعت أبي بريدة يقول: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بلالاً، فقال: يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلت البارحة الجنة، فسمعت خشخشتك، فأتيت على قصر من ذهب مرتفع مشرف، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب؟ قلت: أنا عربي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من المسلمين من أمة محمد، قلت: فأنا محمد، لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا غيرتك يا عمر لدخلت القصر، فقال: يا رسول الله ما كنت لأغار عليك، قال: وقال لبلال، بم سبقتني إلى الجنة؟ قال: ما أحدثت إلا توضأت، وصليت ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بهذا.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على فضل الوضوء، ومع كون الوضوء عبادة مطلوبة لذاتها وأن يكون الإنسان دائماً على طهارة شرع الوضوء أيضاً لأسباب مختلفة، منها ذكر الله تعالى، وأشرفه قراءة القرآن، ومنها المبيت على طهارة، ومنها الوضوء للجنب عند النوم والأكل والشرب، وغيرها من الأسباب المتفق عليها أو المختلف فيها بين الفقهاء، والله أعلم.
(1)
مسلم (234).