الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن:
من سنن الوضوء الغسلة الثانية والثالثة
استحب الجمهور الغسلة الثانية والثالثة لجميع أعضاء الوضوء ما عدا الرأس والأذنين فلا يكرر مسحهما، وهو مذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
واستحب الشافعية الثلاث حتى في الرأس
(4)
.
وقيل: الوضوء ما أسبغ، وليس فيه توقيت مرة أو ثلاث، وهو نص المدونة عن مالك
(5)
.
(1)
شرح معاني الآثار (1/ 29)، بدائع الصنائع (1/ 22)، العناية شرح الهداية (1/ 31)،
(2)
حكم الغسلة الثانية والثالثة في مذهب المالكية أقوال، منها:
أن الغسلة الثانية والثالثة فضيلتان، قال الحطاب في مواهب الجليل (1/ 59): وهذا هو المشهور.
وقيل: إنهما سنتان.
وقيل: الثانية سنة، والثالثة فضيلة. وهناك قول رابع سوف يأتي أنه لا توقيت في الوضوء، انظر مواهب الجليل (1/ 259، 260)، المنتقى للباجي (1/ 35)، الفواكه الدواني (1/ 145)، حاشية الدسوقي (1/ 101)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 122).
(3)
المغني (1/ 94)، الإنصاف (1/ 137).
(4)
المجموع (1/ 461) البيان في مذهب الشافعي (1/ 142)، روضة الطالبين (1/ 59)، واعتبر الماوردي في الحاوي الكبير (1/ 133) أن التكرار ثلاثاً من فضائل الوضوء، ولم يعده من سنن الوضوء.
(5)
جاء في المدونة (1/ 113): قال سحنون: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الوضوء أكان مالك يوقت فيه واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً؟ قال: لا إلا ما أسبغ، ولم يكن مالك يوقت، وقد اختلفت الآثار في التوقيت. قال ابن القاسم: لم يكن مالك يوقت في الوضوء مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً. وقال: إنما قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} فلم يوقت تبارك وتعالى واحدة من ثلاث. قال ابن القاسم: ما رأيت عند مالك في الغسل والوضوء توقيتاً لا واحدة ولا اثنتين ولا ثلاثاً، ولكنه كان يقول: يتوضأ أو يغتسل ويسبغهما جميعا. اهـ
واختلف المالكية في تفسير هذا الكلام من الإمام مالك،
فقال الباجي في المنتقى (1/ 35) ما حكاه ابن القاسم عن مالك أنه لم يحد في الوضوء شيئاً، معنى ذلك أنه لم يحد فيه حداً لا يجوز التقصير عنه، ولا تجوز الزيادة عليه، وأما تحديد فرضه ونفله فمعلوم من قول مالك وغيره ولا خلاف فيه نعلمه، وذلك أن الفرض في الوضوء مرة والأصل في ذلك آية المائدة قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} المائد:6. والأمر بالغسل أقل ما يقتضي فعله مرة واحدة؛ لأنه أقل ما يسمى به غاسلا لأعضاء الوضوء. وقد روي عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة " وأما النفل فمرتين وثلاثاً. وقد روى عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم " توضأ مرتين مرتين " وروي عن عثمان أنه أراهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً " وهو أكمل الوضوء وأتمه وهو حد للفضيلة.
وأخذ ابن العربي كلام مالك على ظاهره، ولم يؤوله كما فعل الباجي، فقال في أحكام القرآن (2/ 77): المسألة الثامنة والأربعون: في تحقيق معنى لم يتفطن له أحد حاشا مالك بن أنس، لعظيم إمامته، وسعة درايته، وثاقب فطنته; وذلك أن الله تعالى قال:{فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} الآية، المائد:6. وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً، ومرتين في بعض أعضائه وثلاثاً في بعضها في وضوء واحد، فظن بعض الناس بل كلهم أن الواحدة فرض، والثانية فضل، والثالثة مثلها، والرابعة تعد، وأعلنوا بذلك في المجالس، ودونوه في القراطيس; وليس كما زعموا وإن كثروا، فالحق لا يكال بالقفزان، وليس سواء في دركه الرجال والولدان. اعلموا وفقكم الله أن قول الراوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين وثلاثاً أنه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أوعب بواحدة، وجاء بالثانية والثالثة زائدة، فإن هذا غيب لا يدركه بشر; وإنما رأى الراوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غرف لكل عضو مرة، فقال: توضأ مرة، وهذا صحيح صورة ومعنى ; ضرورة أنا نعلم قطعا أنه لو لم يوعب العضو بمرة لأعاد; وأما إذا زاد على غرفة واحدة في العضو أو غرفتين فإننا لا نتحقق أنه أوعب الفرض في الغرفة الواحدة وجاء ما بعدها فضلاً، أو لم يوعب في الواحدة ولا في الاثنتين حتى زاد عليها بحسب الماء وحال الأعضاء في النظافة وتأتي حصول التلطف في إدارة الماء القليل والكثير عليها، فيشبه، والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يوسع على أمته بأن يكرر لهم الفعل، فإن أكثرهم لا يستطيع أن يوعب بغرفة واحدة، فجرى مع اللطف بهم والأخذ لهم بأدنى أحوالهم إلى التخلص; ولأجل هذا لم يوقت مالك في الوضوء مرة ولا مرتين ولا ثلاثا إلا ما أسبغ. قال: وقد اختلفت الآثار في التوقيت، يريد اختلافا يبين أن المراد معنى الإسباغ لا صورة الأعداد، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، فغسل وجهه بثلاث غرفات، ويده بغرفتين؛ لأن الوجه ذو غضون ودحرجة واحديداب، فلا يسترسل الماء عليه في الأغلب من مرة بخلاف الذراع فإنه مسطح فيسهل تعميمه بالماء وإسالته عليها أكثر مما يكون ذلك في الوجه. فإن قيل: فقد " توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة " وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به. وتوضأ مرتين مرتين، وقال: من توضأ مرتين مرتين آتاه الله أجره مرتين. ثم توضأ ثلاثا ثلاثاً، وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ، ووضوء أبي إبراهيم. وهذا يدل على أنها أعداد متفاوتة زائدة على الإسباغ، يتعلق الأجر بها مضاعفاً على حسب مراتبها. قلنا: هذه الأحاديث لم تصح، وقد ألقيت إليكم وصيتي في كل وقت ومجلس ألا تشتغلوا من الأحاديث بما لا يصح سنده، فكيف ينبني مثل هذا الأصل على أخبار ليس لها أصل; على أن له تأويلاً صحيحاً، وهو أنه توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، فإنه أقل ما يلزم، وهو الإيعاب على ظاهر هذه الأحاديث بحالها. ثم توضأ بغرفتين وقال: له أجره مرتين في كل تكلف غرفة ثواب. وتوضأ ثلاثاً وقال: هذا وضوئي ; معناه الذي فعلته رفقا بأمتي وسنة لهم ; ولذلك يكره أن يزاد على ثلاث; لأن الغرفة الأولى تسن العضو للماء وتذهب عنه شعث التصرف. والثانية ترحض وضر العضو، وتدحض وهجه. والثالثة تنظفه، فإن قصرت دربة أحد عن هذا كان بدويا جافيا فيعلم الرفق حتى يتعلم، ويشرع له سبيل الطهارة حتى ينهض إليها، ويتقدم; ولهذا قال من قال:" فمن زاد على الثلاث فقد أساء وظلم". اهـ